إن من مشاكل المؤمنين هذه الأيام، هو هذا التحول الغريب في القلوب..
حيث أنها تقبل تارة، وتدبر أخرى.. وترق تارة، وتغلظ أخرى.. وتستبشر
برحمة الله عز وجل في بعض الحالات، وفي بعض الحالات تعيش شيئا من حالة
اليأس من الرحمة.. فلا تكاد تكون على حالة واحدة.. وعليه، فهل هذه
الحالة حالة إستثنائية، أو أنها حالة متعارفة يمر بها المؤمنون؟.. ويبدو أنّ هذه
المشكلة كانت حتى في زمان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
يقول الامام الباقر (عليه السلام): (أما إنّ أصحاب محمد (صلى الله عليه وعلى
آله وسلم) قالوا: يا رسول الله!..
نخاف علينا النفاق، فقال: ولِمَ تخافون ذلك؟.. قالوا: إذا كنا عندك
فذكّرتنا ورغّبتنا، وجلنا ونسينا الدنيا وزهدنا، حتى كأننا نعاين الآخرة والجنّة
والنار ونحن عندك.. فإذا خرجنا من عندك، ودخلنا هذه البيوت، وشممنا
الأولاد، ورأينا العيال والأهل، يكاد أن نحوّل عن الحالة التي كنا عليها
عندك، حتى كأنّا لم نكن على شيء، أفتخاف علينا أن يكون ذلك نفاقا؟..).. فالإنسان يعيش أجواء متذبذبة من الصباح إلى المساء، فهو
يتشكل بأشكال شتى.
(فقال لهم رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم): كلا إنّ هذه
خطوات الشيطان، فيرغّبكم في الدنيا.. والله!.. لو تدوموا على الحالة
التي وصفتم أنفسكم بها لصافحتكم الملائكة، ومشيتم على الماء.. ولولا
أنكم تذنبون فتستغفرون الله، لخلق الله خلقا حتى يذنبوا ثم يستغفروا لله
فيغفر لهم).. إن المؤمن مفتّنٌ توّاب، أماتسمع لقوله: {إنّ الله يحب التوّابين}
، {واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه}..
ولو أن هذه الحالة التي تصيب الإنسان -وهو في المسجد، أو في ليلة القدرة أو في العمرة والحج- تبقى في قلب الإنسان، وفي فؤاده، لأصبح ولياً
من أولياء الله.
فخلاصة الدرس: أنّ الإنسان إذا كان في حالة مجاهدة، وفي حال كرٍّ وفرٍّ
وفي حال سقوطٍ وقيام.. وإذا كان كالسنبلة -كما في الرواية- تخرُّ تارةً
وتستقيم أخرى.. ولكنه مراقبٌ لنفسه ويجاهدها، فهو على خير..
فالصلوات اليومية، ونافلة الليل، وكل هذه المحطات من أجل إرجاع
الإنسان إلى نصابه.