(608)
وكذلك قيل لابن عمر: هل تنكر مما يحدث به أبو هريرة شيئا ؟ فقال: لا، ولكنه اجترأ، وجبنا (1).
فقال أبو هريرة: فما ذنبي، إن كنت حفظت ونسوا ! قال يزيد بن هارون: سمعت شعبة يقول: كان أبو هريرة يدلس (2).
قلت: تدليس الصحابة كثير، ولا عيب فيه ; فإن تدليسهم عن صاحب أكبر منهم ; والصحابة كلهم عدول (3).
شريك، عن مغيرة، عن إبراهيم قال: كان أصحابنا يدعون من حديث أبي هريرة.
وروى حسين بن عياش، عن الاعمش، عن إبراهيم نحوه (4).
__________
(3) قال ابن حبان في مقدمة " صحيحه " 1 / 122: وإنما قبلنا أخبار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رووها عن النبي صلى الله عليه وسلم وإن لم يبينوا السماع في كل ما رووا، وبيقين نعلم أن أحدهم ربما سمع الخبر عن صحابي آخر، ورواه عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير ذكر ذلك الذي سمعه منه، لانهم رضي الله
عنم أجمعين - وقد فعل - كلهم أئمة سادة قادة عدول، نزه الله عزوجل أقدار أصحاب رسول الله صلى الله عليوسلم عن أن يلزق بهم الوهن.
الصفحة (33)
الباب الثاني والعشرون من قال: التدليس (1) من الكذب واخو الكذب
حدثنا يحيى بن زكريا بن حيويه، أخبرنا الميموني - هو عبد الملك بن عبد الحميد الرقي، صاحب أحمد بن حنبل - حدثنا خالد بن خداش، قال: سمعت حماد بن زيد يقول: التدليس كذب.
حدثنا أحمد بن موسى بن القراد، أخبرنا يعقوب بن شيبة قال: سمعت الحسن الحلواني يقول: سمعت أبا أسامة يقول: خرب الله بيوت المدلسين ما هم عندي إلا كاذبين.
حدثنا يحيى بن زكريا بن حيويه، حدثني أبو حفص بن مقلاص قال: سمعت أبي يقول: سمعت الشافعي يقول: قال شعبة: التدليس أخو الكذب.
حدثنا عمر بن بكار الغافلاني، واسماعيل بن الحكمي، أخبرنا حنبل بن اسحاق قال: سمعت أبا نعيم يقول: وقال ابن الحكمي: قال أبو نعيم: سمعت شعبة يقول: والله لان أزني أحب إلي من أن أدلس.
حدثنا عبد الجبار بن أحمد السمرقندي، حدثنا مؤمل بن إهاب قال: سمعت يزيد بن هارون (3) يقول: ما دلست حديثا، إلا حديثا واحدا عن عوف، فما بورك لي فيه.
حدثنا أحمد بن علي المداثني، أخبرنا أبو أمية محمد بن ابراهيم، أخبرنا سليمان بن داود، حدثنا يحيى بن سعيد، حدثنا سفيان، قال: سمعت مسعرا (4) يقول: التدليس من دناءة الاخلاق.
__________
(1) التدليس لغة من الدلس بالتحريك، وهي الظلمة، والمدالسة هي المخادعة، ودلس في البيع إذا لم يبين عيبه، ومن هذا أخذ التدليس في الاسناد وهو أن يحدث المحدث عن الشيخ الاكبر وقد كان رآه، إلا أنه سمع ما استده إليه من غيره، والتدليس اقسام وهو تارة في الشيوخ وتارة في الاسناد، لسان العرب، مادة دلس.
الصفحة (34)
حدثنا أحمد بن موسى بن المراد، أخبرنا يعقوب بن شيبة قال: سالت يحيى بن معين عن التدليس، فكرهه وعابه، قلت له: فيكون المدلس حجة فيما روى حتى يقول: حدثنا وأخبرنا ؟ قال: لا يكون حجة فيما دلس.
حدثنا محمد بن الحسين بن مكرم، وأحمد بن محمد بن عبد الكريم، وغيرهما قالوا: أخبرنا عباس بن محمد أخبرنا قراد قال: سمعت شعبة يقول: كل حديث ليس فيه حدثنا وأخبرنا، فهو خل وبقل.
سمعت علي بن أحمد بن مروان يقول: سمعت عمر بن شيبة يقول: سمعت أبا عاصم النبيل (1) يقول: أقل حالات المدلس عندي أن يدخل في حديث النبي صلى الله عليه: [ المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور ] (2).
* * *
__________
فإذا كان الصحابة يدلسون كثيرا فكيف نفيتم عنهم الكذب ؟
الصفحة (9)
طبقات الرواة: من المعلوم تاريخيا أن المراحل التاريخية لتلقي أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وحمله في الصدور ثم حفظه جملة مدونا في المصنفات - يكن إجمالا بعد عصر النبي عليه الصلاة والسلام في طبقات ثلاث هي:
1 - طبقة الصحابة: هم - رضوان الله عليهم - الذين شهدوا الوحي والتنزيل، وعرفوا التفسير والتاويل، وهم الذين اختارهم الله عز وجل لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم ونصرته وإقامة دينه...فحفظوا عنه صلى الله عليه واله وسلم ما بلغهم عن الله عز وجل وما سن وشرع...ففقهوا الدين وعلموا أمر الله ونهيه ومراده...وشرفهم الله عز وچل بما من عليهم وأكرمهم به من وضعه إياهم موضع القدوة - فنفى عنهم الشك والكذب والغلط والريبة والفخر، وسماهم عدول الامة، قال تعالى: (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس) البقرة 143، والوسط: العدل، فكانوا عدول الامة وأئمة الهدى، وحجج الدين، ونقله الكتاب والسنة.
و كيف عصمتموهم ونزهتموهم عن الكذب و هم تدليسهم كثير ؟
الصفحة (281)
وأما ثانيا فليس في هؤلاء من أدرك النبي صلى الله عليه وسلم وهو مميز إلا علي رضي الله عنه وهو الثقة الصدوق فيما يخبر به عن النبي صلى الله عليه وسلم كما أن أمثاله من الصحابة ثقات صادقون فيما يخبرون به أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ولله الحمد من أصدق الناس حديثا عنه لا يعرف فيهم من تعمد عليه كذبا مع أنه كان يقع من أحدهم من الهنات ما يقع ولهم ذنوب وليسوا معصومين ومع هذا فقد جرب أصحاب النقد والإمتحان أحاديثهم واعتبروها بما تعتبر به الأحاديث فلم يوجد عن أحد منهم تعمد كذبة بخلاف القرن الثاني فإنه كان في أهل الكوفة جماعة يتعمدون الكذب ولهذا كان الصحابة كلهم ثقات باتفاق أهل العلم بالحديث والفقه حتى الذين كانوا ينفرون عن معاوية رضي الله عنه إذا حدثهم على منبر المدينة يقولون وكان لا يتهم في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وحتى بسر بن أبي أرطاة مع ما عرف منه روى حديثين رواهما أبو داود وغيره لأنهم معروفون بالصدق عن النبي صلى الله عليه وسلم وكان هذا حفظا من الله لهذا الدين ولم يتعمد أحد الكذب
منهاج ابن تيمية