تقع مدينة صفوى في محافظة القطيف بالمنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية على خط الطول 50 درجة وخط العرض 26.37 درجة حيث الطرف الشمالي لواحة القطيف المعروفة، وإلى جوار صفوى النخل والبحر والصحراء ومنابع النفط ومصانعه، ونتيجة لهذه العناصر تشكّلت الشخصية البيئية لسكّان صفوى.
في التاريخ:
عُرفت مدينة صفوى في التاريخ من خلال مسمّياتها القديمة <<داروش، الصفا، صفوان، صفواء، الصفاء>>. وقيل أن تسميتها بداروش تسميةً فينيقية، لكن بعض الباحثين المعاصرين يُرجِعون هذه التسمية إلى الملك الفارسي داريوش (521 - 485 قبل الميلاد) حين نـزلها، كما قيل. وفي شعر بعض شعراء العصر الجاهلي إشاراتٌ عديدةٌ لماء الصفا، هذا النهر المحفوف بالأشجار والثمار، كما نجد إشارات عديدة لحصن الصفا، أيضا. يقول الشاعر امرؤ القيس بن حجر بن الحارث الكندي (130 - 80 قبل الهجرة): فشبّهتهم في الآل لمـّا تحـمّلوا حدائق دوم أو سفـين مـقيرا أو المكرعات من نخيل بن يامن دوين الصفا اللائي يلين المشقرا
ويقول الشاعر طرفة بن العبد بن سفيان البكري (86 -60 قبل الهجرة) في قصيدةٍ يهجو بها الشاعر عمرو بن هند:
خذوا حذركم أهل المشقر والصفا عبيد إسبذ والقرض يجزي عن القرض ستصبحك الغلباء تغلب غارة هنالك لا ينجيك عرض من العـرض وتلبس قوما بالمشقر والصفا شآبيب موت تسـتهل ولا تـفضي
ويقول الشاعر المخضرم لبيد بن ربيعة العامري (... -41 هجرية) واصفاً النخل الطويل: سحق يمتعها الصفا وسـريه عم نواعـم بيـنـهن كـروم
ويقول أيضاً: فرحن كأن الناديات على الصفا مزارعها والكارعات الحواملا
ويذكرها الشاعر الأموي جرير بن عطية الخطفي التميمي (28-110 هـ) فيقول: ألا أبلغ بني حجر بن وهب بأن التمر حلو في الشتاء فعودوا للنخيل فأبروها وعيثوا بالمشقر فالصفاء
وفي العهد الإسلامي، وتحديداً في أثناء زيارة وفد قبيلة عبدالقيس للنبي محمد في المدينة المنورة في السنة الهجرية السابعة، بزعامة المنذر بن العائذ المعروف بالأشج، وبرفقته خمسة وعشرون رجلاً، روى الإمام أحمد بن حنبل في مسنده، أن النبي رحّب به وألطفه، وسأله عن بلاده، وسمّى له قرية الصفا وقال: <<اللهم اغفر لعبد القيس إذ أسلموا طائعين، غير كارهين، غير خزايا ولا موتورين ...>>، ثم قال <<إن خير أهل المشرق عبد القيس...>>.
وقرية الصفا هذه في تقديرنا هي صفوى الحالية، إذ قال عن عينها ياقوت الحموي في معجم البلدان: <<إنها نهر بالبحرين يتخلج من عين محلم>>. ويبدو أن قرية الصفا على هذا النهر، وعين محلم هذه هي عين الصفا المعروفة بعين داروش، إذ سمّيت بنهر عين محلم بن عبد الله زوج هجر بنت المكفف من العرب العاربة...
يقول الشاعر ميمون بن قيس الأعشى (... - 7 هـ): ونحن غداة العين يوم فطيمة منعنا بني شيبان شرب محلم
ويقول لبيد بن ربيعة العامري، وهو يصف ظعناً، ويشبهها بنخيل كرعت في نهر محلم: عصب كوارع في خليج محلم حملت فمنها موقر مكموم
ويقول الشاعر غياث بن غوث التغلبي، الملقب بالأخطل (19 - 90 هـ): تسلسل فيها جدول من محلم إذا زعزعتها الريح كادت تميلها
وقال عنها محمد بن أحمد الأزهري (282 - 370 هـ) في كتابه تهذيب اللغة:
<<ومُحلم عين فوارة بالبحرين، وما رأيت عيناً أكثر ماءً منها، وماؤها حار في منبعه، وإذا برد فهو ماء عذب>>. وقال: <<وأرى محلماً اسم رجل نُسبت العين إليه، ولهذه العين إذا جرت في نهرها خلج كثيرة، تسقي نخيل جواثا وعسلج وقريات من قرى هجر>>. لكن بعض المصادر تشير إلى أن عين داروش تُنسب لأحد ساكنيها من بني عبد القيس وهو محمد بن إبراهيم بن محمد بن درويش، يذكر أن لعبد القيس قرية في سكناهم السابق (تهامة) تُعرف بدارا. والبحرين إقليم قديم يعني ثلاث مناطق هي: هجر والخط وأوال، وتقابلها حالياً الأحساء والقطيف ودولة البحرين، وربما غلب أحد الأسماء القديمة لإقليم البحرين على غيره لأسباب سياسية.
ومن خلال مطالعاتنا لأمهات الكتب التاريخية، نجد أن بني حفص (حفصة) من بطون عبد القيس نزلوا <<صفوان>> كما أورد ذلك علي بن الحسين المسعودي (... - 345 هـ) في كتابه التنبية والأشراف.
واعتبرها أحمد بن محمد الهمذاني (000 - 365 هـ) المعروف ببن الفقيه في كتابه <<البلدان>>، اعتبرها قصبة هجر.
وعُرف في العصر الجاهلي يوم العين (عين محلم) وهو من الوقعات الحربية لقبيلة تميم في الجاهلية بالمنطقة، كما عُرف يوم ظاهرة الجونين (الجونان) وهو من أيام العرب المشهورة في إقليم البحرين، ويعتقد أن تسمية الجونين (الجونان) حُرّفت إلى كلمة جاوان التاريخية الواقعة خلف الكثيب الأحمر شمالي صفوى. وقد ذكر منطقة الجونين ياقوت بن عبد الله الحموي (574 - 626 هـ) في كتابه (معجم البلدان) بقوله: <<جونان>> وهي: قرية من نواحي البحرين قرب عين محلم، دون الكثيب الأحمر، ومن أيام العرب يوم ظاهرة الجونين. قال خراثة بن عمر العبسي:
أبى الرسم من جونين أن يتحولا وقد زاد حولاً بعد حول مكملا
ويقول محمد بن مكرم بن منظور الأنصاري (630 - 711 هـ) في كتابه <<لسان العرب>>: الجونان: هما معاوية وحسان بن الجون الكنديان، وإياهما عنى الشاعر جرير بن عطية الخطفي:
ألم تشهد الجونين والشعب والغضى وشدات قيس يوم دير الجماجم ؟
وفي العصر العباسي نجد مدينة صفوى قد برزت في عام 579 هـ في الحرب العيونية بين أمير الدولة العيونية - السابق - محمد بن أحمد بن محمد بن الفضل العيوني، وبين الأمير العيوني المستقل بالقطيف الحسن بن شكر بن علي العيوني، حيث سميت هذه الحرب بيوم صفوى، وعُرفت تاريخياً بحرب القطيف، وأدّت إلى هزيمة الأخير وتشتيت قواته وخلعه من الحكم وتولي خصمه الأمير محمد بن أحمد العيوني إمارة الدولة العيونية، ووحد فيما بين قسميها المنفصلين - القطيف والأحساء - ثم دب الخلاف ثانيةً واغتيل بين صفوى والآجام عام 605 هـ على يد شيخ قبيلة بني عقيل، راشد بن عميرة العقيلي العامري، وألهبت الشاعر على بن المقرب العيوني (572 - 630 هـ) تلك التناحرات، فورد في شعره ذكر صفواء (صفوى) كما في نونيته: والخط من صفواء حازوها فما أبقوا بها شبراً إلى الظهران
ويقول في موضع آخر: نـزلوا على صفواء صبحاً وابتنوا فيها القباب وأيقنوا بأمان
ويذكر <<حصن الصفا>> بقوله: وما ضرني مع قربه أن منـزلي وقومي بأكناف المشقر والصفا
بيد أن صفوى شهدت كغيرها من مدن القطيف حركة هجرات واسعة من الأحساء والساحل الإيراني والبحري وعمان وجنوبي العراق ونجد وحائل، وإليها، لأسباب اقتصادية وسياسية ومذهبية واجتماعية لاسيما أن صفوى تقع بالقرب من عاصمة المنطقة آنذاك - الزارة <<في العوامية>>، والتي حاصرها القرامطة وحرقوها وأبادوا زعماء عبد القيس فيها عام 283 هـ. والذي يهمنا هو أن مدينة صفوى قديمة، قدم تاريخ منطقة الخليج نفسها، مرت عليها الحقب السياسية ذاتها، وشاطرت المنطقة الهموم والتحديات، وتوزعت فيها القبائل عينها التي سكنت واستوطنت وهاجرت من المنطقة وإليها، وليس بمقدور أي باحث في تاريخ المنطقة القديم أن يفصل تاريخ مدينة عن سواها في إقليم البحرين إذ الظروف متشابهة والحوادث متداخلة. ويعتقد ا لسكان المعاصرون أن مدينة صفوى - في الحقبة الأخيرة كانت قرية بحرية، إذا كانت المرحلة السكانية المعاصرة تسكن أرض الجبل الشرقي، بين البحر وواحة النخيل، ثم تحول أهلها إلى فلاحين، فأصبحت قرية زراعية، ثم انتقلت إلى الداخل لتقترب من سكان البادية الذين كانوا يستوطنون غربي صفوى في منطقة الضلع (الحزم).
ووقعت صفوى - كما مدن المنطقة الأخرى - ضمن الاحتلال البرتغالي مابين عامي (927 - 958 هـ) حيث شيد البرتغاليون قلاعاً وحصوناً، من ضمنها بناء سور لصفوى سنة 951 هـ، ثم سيطر على المنطقة العثمانيون بعد معركة بحرية دك خلالها البرتغاليون قلاع منطقة القطيف عبر قائد حملة الجيش البرتغالي <<أنطونيو نورنها>> مابين عامي (957 هـ و 958 هـ)، واستطاع القائد العسكري التركي <<بربك>> السيطرة على القطيف بعد أن اصطدم البرتغاليون بالقرصان البحري المشهور <<فراسر>> قبيل سواحل القطيف وبتخطيط تركي، حيث انهزم البرتغاليون وغادروا المنطقة، وأعاد العثمانيون بناء سور صفوى بعد تدميره بمساعدة الأهالي سنة 958 هـ، ثم أعيد بناءه للمرة الأخيرة سنة 1324 هـ، إثر وقعة المليح ووقعة أبي شميلة ووقعة أبي الجيش، بعد غزو القبائل البدوية المجاورة للمنطقة، ووقعة صفوى سنة 1322 هـ بين أهالي صفوى وسكان البادية، وسرعان ما شيدت المدينة داخل هذا السور ووضع له برجان للمراقبة هما: برج العين وبرج البحر، وجهزت له بوابات (دراويز) للحراسة هي: دروازة البحر، ودروازة الديرة، ودروازة منصور بن صالح بن جمعة الأنصار العبدي، ودروازة الصفافير. ويطلق على المساكن داخل السور <<الديرة>> وهي تحوي مجموعة من الحارات وبلغ عدد المنازل في سنوات البناء الأخيرة مابين 350 وَ 450 بيتاً، وتوفرت في داخل الديرة مربعات، وهي على أنواع: إما خاصة بعشيرة صاحبها أو هي لتلقي العلم أو هي صالات للاجتماعات العامة. ويوجد في الديرة سوق عام هي سوق الخنيزية، ومسجد جامع هو المسجد الكبير (مسجد الخنيزية) المعروف بمسجد الشيخ راشد ثم مسجد الإمام علي.
كما تميزت الديرة بوجود <<سوابيط>> وهي ممرات مسقوفة مابين المنازل وأشهر سوابيطها <<ساباط الظلمي>>، وبعد ذلك تلاشى هذا السور بزوال أسباب بنائه، وحدثت سنة القص سنة 1396 هـ وأزيل الحي القديم (الديرة) في جمادى الأولى 1410 هـ، وانفتحت المدينة لتتسع من كل النواحي بشكل كبير، وهي آخذة في هذا الاتساع بفضل الأحياء السكنية التي خططتها شركة أرامكو، وتبدو مدينة صفوى أكبر حجماً وأكثر اتساعاً من مثيلاتها بمحافظة القطيف.
وصفوى اليوم مركز إداري تابع لمحافظة القطيف، وتتبعها إدارياً التجمعات السكانية في الأوجام وأم الساهك، وحزم أم الساهك، واصفيرة، ورويحة والخترشية والدريدي وقرية المنار وأبو معن، كما تتبعها جاوان والتي شهدت أول تنقيب حديث للآثار في شبه الجزيرة العربية سنة 1364 هـ، إذ اكتشفت فيها مدافن أثرية تعود للعصر الروماني، أي قبل حوالي ألفي عام.
كما تتبع صفوى مواضع: أبي شميلة والرخيمات والعباء والصبيغاوي والشغب والمقيطع وشاهين وسعادة، وسبخة صفوى وسبخة الرياس والمِسيَح وأبي المليص وضمين ودمنة عمار وشط المزار وجزيرة الصفوانية والقرم.
كما تتوفر في صفوى المؤسسات والإدارات الحكومية والخدمات الأساسية والمرافق العامة والمؤسسات التعليمية والصحية وانتشرت فيها الحركة التجارية، ويعمل أهلها في مختلف الأنشطة الخاصة والعامة، كالصناعة والتعدين والخدمات المصرفية والتعليم والصحة والتمريض، وقطاعات النفط والغاز والتخطيط والتنمية، والمقاولات العامة. وتضم هذه المدينة واحداً من أكثر الأحياء السكنية تنظيماً في المنطقة الشرقية وهو حي الزهراء (العروبة) الذي استوعب أكثر من 1200 وحدة سكنية. وتبلغ مساحة مدينة صفوى 336 هكتاراً وكشفت النتائج الأولية للتعداد العام للسكان والمساكن لسنة 1413 هـ الذي أجرته مصلحة الإحصاءات العامة - أن عدد سكان صفوى بلغ حينها - (37289)، في حين أوردت صحيفة اليوم تقريراً ضمن ملحق خاص عن القطيف أن عدد سكان صفوى قد بلغ سنة 1419 هـ أكثر من 45 ألفاً.