كان ولا زال الوقت أضخم رأس مال يمكن أن يبنى فيه الكثير، وقد لا نبالغ إذا قلنا أن الذي لا يملك شيئاً من الثروة أو رأس المال لينفقها في سبيل بناء نفسه وتطوير مشاريعه وأعماله، فإنه يكفيه الوقت عن ذلك إذا عرف كيف يستثمره ويجني ثماره.. ولا نعني من الوقت هنا الزمان فقط، بل الفرص المتاحة للإنسان، فقد ثبت أن للوقت أكبر الدور في خلق الإبداع وتقديم الأعمال الإبداعية والأخذ بزمام الأمور في أي صعيد ومعترك، إذا أحسنّا استثماره وهذا ستتوفر أحسن فرص الاستثمار إذا عرفنا الإجابة عن الأسئلة التالية:
1- كيف نخلق المناخ المساعد للابتكار ونوجد الإبداع والطرق التي تساعد الأفراد على تقبّل الأفكار الرامية إلى التغيير الخلاّق؟
2- كيف نوجد الطرق التي تساعد على تحفيز الأفكار الجديدة وفي أي وقت تنشط الذاكرة الإنسانية وتوصلنا إلى طرق مبدعة في حلّ الأزمات والمشاكل؟
3- كيف نتعرّف على الفرص الأفضل لإقناع الآخرين بالفكرة أو المشروع بما فيه من توقع لردود الأفعال السلبية وكيفية معالجتها بشكل مثمر يحفظ التماسك الروحي والإداري داخل المؤسسة؟
وسنتعرف في هذه المحاولة، على الأوقات الصالحة لجعل الإبداع حالة جماعية في المؤسسة، والوقت الحيوي الذي يزيد من نشاطنا وفاعليتنا كأشخاص أو مدراء في ذلك، ثم الأوقات المناسبة للخوض مع الآخرين من أجل إقناعهم بأفكارنا والوصول معهم إلى حالة من التفاهم والتنسيق، لنكون قد حققنا إدارة جيدة وحكيمة نستطيع أن نصل من خلالها إلى الأهداف المرسومة وهو ما قد يصطلح عليه أهل الاختصاص اسم (إدارة الوقت) ويعنون بها:
الكفاءة في استثمار الوقت الذي يحتاج إليه المبتكرون والمبدعون في خلق عملياتهم الابتكارية والإبداعية، أو في حل الأزمات التي تعرقل التقدم.
كيف تصنع من نفسك مبدعاً
إن بعض المؤسسات والمدراء ينفقون كميات كبيرة من الأموال ويبذلون أوقاتاً صعبة من أجل تطوير العمليات الابتكارية التي هي الأخرى تحتاج إلى الكثير من الوقت إلاّ أن الأمر في نهايته قد لا يوصلهم إلى المطلوب أو المتوقع والسبب في ذلك يعود لافتقارهم إلى المهارات الضرورية لاستثمار الوقت والاستفادة منه بالشكل الأفضل في تحقيق النتائج وبذلك ربما يمكننا القول:
إن الابتكار أمر لا بد منه لكل مؤسسة تسعى للريادة والحظوة بمكانة كبيرة في المجتمع والوقت هو المفتاح الرئيس لهذا الهدف, لذلك علينا أن ندرك أن الوقت هو من أثمن الموارد التي نمتلكها وهو ثروة كبيرة متاحة للجميع ولذا فإن الوقت هو الثروة الوحيدة التي يتمتع بها الجميع بلا تفاوت ولو استثمرناه بالشكل المطلوب لوجدناه لا يقل أهمية عن سائر الموارد والثروات الأخرى التي تنمو بها الأعمال وتتطور, لذلك يجب التفكير والتخطيط لاستثماره بمقدار ما نفكر ونخطط لاستثمار رؤوس الأموال إن لم يكن أكثر، وذلك لأن الوصول إلى خطط جيدة لاستثمار الوقت يوصلنا إلى سائر أهدافنا الأخرى بوقت أقل وأرباح أكبر أو مع خسائر أقل، كما نضمن التحكم والسيطرة على الأمور بما يحقق للجميع طموحاته.
من هنا كان علينا أن نجد تعريفاً تقريبياً للإدارة بالوقت لنكون أقدر على إدارة أعمالنا، فقد عرّف بعض الإداريين (الإدارة بالوقت): بأنها العملية التي توزع الوقت بفعالية بين المهام المختلفة بهدف إنجازها في الوقت الملائم والمحدد.
وكأن هذا التعريف يقسم الوقت إلى قسمين:
أحدهما: الوقت الفعال وهو الذي يصرف في تحقيق الأهداف وإنجاز المهام، أو حل الأزمات ورفع الموانع والمعرقلات، أو إيجاد حماية للعمل، أو صنع توافق مع أطراف تخدم المصلحة العامة وتوفر قدرة أكبر على الإبداع والتجديد والتطوير، وكلما كان الاستثمار أكثر دقة وتركيزاً أو شمولية، كلما كان أبعد عن حالات التضييع التي تهدر الوقت في الهوامش، أو في غير المهم بالقياس إلى الأهم.
ثانيهما: الوقت غير الفعّال وهو الذي يمكن تخفيضه أو التخلص منه لأجل كسب فرص أكبر لإنجاز المهمات.. وربما نعاني جميعاً من تضييع الوقت بسبب كثرة الدواعي والأسباب في ذلك، ومن الصعب على بعضنا أن يدعي بأنه يستثمر وقتاً كاملاً في النافع والمفيد، إلا أن الإرادة والتصميم والتخطيط والتوزيع السليم للوقت يجعلنا أقدر على كسب الوقت وصرفه في الأمور الحيوية التي تهمنا في الإبداع والتقدم.
إذن مرور الوقت أمر خارج عن إرادتنا، إلا أن استثماره أمر بأيدينا فعلينا بالتخطيط الكافي ورسم الأولويات لكي نكون أقدر على تحقيق النجاحات.
وبذلك قد نعرف الإدارة بالوقت تعريفاً آخر ملخصاً وعملياً أكثر هو:
استثمار الفرص.. فما دام الإنسان في حالة الاستثمار فإنه يكسب الوقت ويحقق النجاح في الإنجاز، وما دام على خلاف ذلك فهو يضيع فرصاً ويفوت نجاحات. هذا على البعد الشخصي.. ولا يختلف الحال في ذلك بالنسبة للأعمال الجماعية والمؤسسية.. نعم حتى يكون استثمارنا للوقت على أحسن ما يرام، علينا أن نوزع أولوياتنا ونبدأ بالأهم ثم المهم، لأن الأمور مرهونة بأوقاتها كما في مأثور الأخبار، ولا يختلف الحال فيه بين الأعمال السياسية والإدارية والوظيفية أو الشخصية اليومية فإن الوقت الحقيقي هو الذي نحقق فيه تقدماً ونحصل على فوائد ونزداد فيه لحظة بعد أخرى، وأما التضييع والهدر فهو عبارة عن فرص ضائعة مرت علينا بخسران وتراجع وندامة.
الوقت الإبداعي:
ويقصد بالوقت الإبداعي, ذلك الذي يخصص لعملية التفكير والتحليل والتخطيط المستقبلي، أو ذلك الذي يصرف في تحسين وضع الأداء وتطوير الإنجاز، أو ذلك الذي نحقق منه مرابح أفضل.. وليس بالضرورة أن يكون الإنجاز فورياً، لأن الوقت الذي يصرف لأجل ضمان المكاسب في المستقبل، كحل أزمات أو تقويم ارتباطات أو تكوين روابط وعلاقات، هو أيضاً وقت إبداعي.
إن أجمل ما في التفكير المبدع هو أنه يعبر عن قوة الرؤية المستقبلية، ويعطي أصحابه ملكة جيدة على التنبؤ بالقادم، أو القدرة الذهنية والفكرية على إيجاد الترابط والاتصال بين أجزاء الأعمال والخطط المختلفة.
وتتمثل هذه الملكة بموهبة رؤية الذات بشكل منطقي ومتوازن ثم رؤية الغير كذلك.. بلا إفراط أو تفريط ولا غرور أو تهاون.
إن الدراسات المطبقة في التطوير الذاتي تعترف بالملكات والمواهب والقدرات الإبداعية لدى الأفراد بشكل أحادي أو جماعي، لأنها في مجموعها تشكل جوهر القيادة الذاتية الخلاّقة التي تتكون من ملكات أو قدرات أربع هي:
1- رؤية الذات رؤية تحليلية قويمة تشخص أمراضها وتضع معالجاتها وتتعرف على نقاط قوتها ومكامن ضعفها.
2- الضمير النزيه، ويمثل جوهر الالتزام بالقيم الإنسانية ومكارم الأخلاق والجوانب النبيلة التي تبني شخصيات الناجحين في الحياة والمجتمع.
3- الإرادة المستقلة، وتمثل قوة العزم والتصميم والحسم في التنفيذ بلا ميوعة أو تردد أو تهاون، وهي أكبر قدرة يمتلكها كل إنسان لدى مصارعة الحياة للحصول على ما يريد.
4- الخيال المبدع؛ وتمثله قوة العقل المتمثلة بدورها في التفكير الإيجابي والتأثير النفسي على اكتشاف مناطق الفراغ وملئها بالفكرة أو الخطة أو الإنجاز المناسب.
ومن ذلك تأتي الأجواء التسامحية التي تبديها الإدارة في زمن الإخفاق لتساعد على المزيد من النجاح.
كيف تتعامل مع وقت الابتكار؟
لا يدري أي فرد منا مهما كانت عبقريته أو دوره إلى أين ستنتهي به الأمور، لأننا نجهل الظروف التي تصادفنا في الطريق، خصوصاً وأن هذه الظروف دائمة الحركة والتغيير ولا يمكن دائماً أن نواجهها بالاصطدام أو تغييرها بالقوة والإرادة، وإنما الشيء الذي بإمكاننا أن نصنعه في أغلب الأحيان هو التكيّف معها..
والتكيّف ليس بالأمر السهل أو اليسير، بل يتطلب الكثير من الصبر والمتانة، كما يتطلب استخدام كل ما لدينا من معارف وخبرات وقدرة تحمل وجد ومثابرة، لأنه في الأخير سيتيح لنا اختيارات أكثر وفرصاً أفضل للنجاح..
كما أننا قد لا نجد طريقة واحدة للتعامل مع الظروف المتغيرة حتى يكون بمقدورنا أن نتناسب مع كل ظرف ومع كل فرد أو مؤسسة؛ لذا علينا أن نعدد الطرائق لمساعدة أنفسنا على الاستثمار الأفضل ونساعد العاملين معنا على تقبل الابتكار والتغيير أيضاً، ومن الواضح أنه كلما ازدادت الطرق والأساليب كلما ازدادت القدرة على تقبل التغيير والابتكار.