أحداث قصتين تدوران حول حجر صغير من ضمن أحجار كثيرة تكوّن سداً عالياً على نهر قرية (عم الشيخ صالح )
* الأحداث *
ككل صباح تصحو قرية الشيخ صالح على صوت عم صالح إمام المسجد يؤذن في الناس داعياً لصلاة الفجر .. فيذهب الناس إلى المسجد يؤدون صلاتهم ثم يجلسون لبعض الوقت يتشاورون في أمور قريتهم .. ثم ينطلق كل منهم إلى عمله.
يجلس بعد ذلك الشيخ صالح في ساحة المسجد جامعاً أطفال القرية يحاول تعليمهم القرآن الكريم وتعاليمه السمحة ..
إلا أن الأطفال وبعد انتهاء الحصة يركضون إلى شوارع و مروج القرية يلعبون .. بعض الأطفال يركضون إلى النهر الذي يقسم القرية إلى نصفين ..يخلعون على ضفتيه ملابسهم ..و ينطلقون ليصطادوا السمك منه .. ويلعبون بإلقاء الحجارة على بعضهم البعض و على الأسماك علّهم يصطادونها به …كان تصرف هؤلاء الأطفال أكثر ما يغضب صديقنا الغير راضي (صخر )!
زمجر صخر بصوت خافت و قال لأخته (صخرة) :
- انظري يا صخرة كيف يستهينون بنا و يرموننا ليصيب أحدهم الآخر .. و يلقون بنا في الأرض.
ترد عليه أخته مهدئة:
- لا تنفعل هكذا يا صخر؛ إنهم أطفال صغار لا يعون ما يفعلون.
- لا تقولي هذا يا صخرة .. يجب على آبائهم تعليمهم كيف يقدرون قيمتنا … كلا كلا إنهم يحسون إننا لا شيء، نعم ماذا نفعل؟ ماذا أفعل؟ أنا حجر صغير في سد في قرية …. إنني أحسد الحجارة آلتي مثلي في فلسطين لأن الأطفال و الكبار يستخدمونها لضرب اليهود و إيذائهم ……ليتني كنت هناك.
- لا تكن دائم التذمر يا صخر أن مكانك هنا غاية في الأهمية أيضاً.
و يضيف والد صخر:
- نعم، أختك على حق يا صخر .. أنت مازلت صغيراً لا تدرك قيمة الأشياء .. عندما كنت في مثل سنك كنت متهوراً ..لكن انظر إلي الآن، ما زلت في مكاني أعرف أن وجودي هنا ضروري للمحافظة على السد و القرية.
و أثناء ما كان والد صخر يتحدث، جاء فلاح و أصاب بفأسه جزءاً من السد رغبة في إحضار بعض الحجارة لإشعال نار لعمل الشاي عليها..
انبعثت أصوات أنين حول صخر وأخته ووالده، و علق صخر بمرارة :
-الآن يا والدي، ماذا تقول في هذا؟ ليس الأطفال وحدهم، بل آباءهم أيضاً! أتسمع أصوات الأنين؟ لقد أصيب أحد أصدقائنا.
و أخذت الحجارة جميعها في السد تتناقل أخبار الحادث.
قال حجر وهو أحد الصخور القريبة من والد صخر:
- الإصابة ليست كبيرة .. لكن إذا تكررت من الممكن أن تلحق أضراراً بالغة.
ظهر العبوس على وجوه الصخور و مر اليوم على هذا المنوال إلا أنه مع هبوط الليل و سكون الأصوات، أخذ صخر يفكر .. كانت أصوات تنفس آسرته وأصدقائه بجواره عالياً، إلا أنه لم يستطع النوم .. إنه لم يعد يرغب في البقاء في هذه القرية .. من الممكن أن يتركها و يجعل النهر يجرفه إلى قرية أخرى .. عله يكون شيئاً آخراً غير حجر في منتصف سد …
شعر صخر بالحنين نحو أسرته وأخته إلا أنه تغلب على مشاعره و بعزيمة أن يلقى نفسه في النهر …
مع ارتطام جسم صخر بالماء أحس ببرودته وبأنه قد تحرر من مكانه… من قيوده...
لكن النهر لا يجرفه.. ماذا حدث؟؟ إنه أثقل من الماء، و بصعوبة يتحرك جسده ليلتصق بضفة النهر! إلا أنه وقبل أن يقوم بخطوه أخرى، سمع أصواتاً طَرْق عالية وصراخ ثم أحس بثقل العديد من الحجارة يلقى فوقه.
و بعد فتره من الانهيار، بدأت مياه النهر تعلو و تغرق الصخور و تزحف نحو القرية.
أخذ صخر يعلو بصوته منادياً على والده و أخته ووالدته .. فلم يسمع صوت أحد منهم يرد عليه، إلا أنه سمع بعض الأصوات تغمغم بأنه قد حدثت ثغرة في السد مما أدى إلى انهيار.
غص حلق صخر وأحس بأنة هو من أحدث هذه الثغرة. وسمع أصوات أهل القربة تأخذ في الارتفاع من بعد وتبين أن المياه قد أغرقت القرية.
في هذه الأثناء، كان أهل القرية يحاولون مجابهة تسلل المياه إلى منازلهم بأن قسموا أنفسهم إلى قسمين؛ قسم يقوم بمساعدة المنازل آلتي تسللت إليه المياه وإنقاذ أهلها، و القسم الثاني يقوم بإعادة بناء الجسر المنهار من السد بمنع زحف المياه. و مع ساعات الصباح الأولى كان كل شئ قد عاد إلى وضعه لكن الدمار كان قد حلّ بالكثير من المنازل الصغيرة.
تجمع أهل القرية حول بعضهم البعض مهنئين؛ وقف بينهم الشيخ صالح إمام المسجد وعلا صوته طالباً منهم الاستماع لما سوف يقوله:
أهل قريتي، بما أنني إمام مسجدكم فأظن أنكم سوف تثقون وتستمعون إلى حدبثي؛ لقد تعرضنا أمس لحادث صعب اختبر الله فيه قوه إيماننا ورضاءنا على ما ابتلينا، فلنحمد الله عز وجل ونشكره على إنقاذنا من الغرق، لأنه من الواجب أن نفكر لماذا حل هذا بنا، لقد أتلفنا السد الذي صنعناه بأيدينا ليحمى قريتنا.. أبناؤكم يكسرون الحجارة ليلعبوا بها، أنتم أنفسكم تستخدمون حجارتها لتشعلون النار مما يؤدي إلى تلف السد.
إن ما نبحث عنه في قريتنا هي السعادة والأمان، فمن المهم أن نحافظ على ما بنيناه بأيدينا و نتعاون معا في عدم إتلافه.
كان هذا الحديث يصل إلى مسامع حجارة السد التي أعادها أهل القرية إلى أماكنها السابقة.
علق والد صخر:
-أتسمع يا بنى ما يقوله الإمام؟ إن هؤلاء الناس يقدروننا و يعرفون قيمة وجودنا حماية لقريتهم، إذن فعلينا ألا نستهين بأنفسنا.
حاول صخر أن يتغلب على دموعه وقال بصوت حزين:
نعم يا والدي، لقد أخطأت بتركي مكاني، لقد اعتقدت أنني جزء صغير من سد كبير لن يتأثر بعدم وجودي.
قالت حجرة:
-ولكنه تأثر، إن العمل لا يقاس بحجم من يقوم به.
وربتت والدته على رأسه في حنان وقالت:
اهدأ يا ولدي و ابتسم، لقد انتهى كل شيء، ونحن سامحناك وعليك أن تعلم أن السد المنيع تشترك في صنعه الأحجار الكبيرة والأحجار الصغيرة.
ارتسمت ابتسامة رضا على وجه صخر، و سمع الجميع غناء عصافير الصباح و أحسوا بدفء الشمس تجفف الأراضي المبتلة بمياه الفيضان، والشيخ صالح من بعيد يستعد ليؤذن بالناس للصلاة.