بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف الخلق والمرسلين سيدنا ونبينا محمد وعلى اله الطيبين الطاهرين وعجّل الله تعالى فرجهم الشريف واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعينأولا : ماهو معنى اللعن ؟
لا ريب أنّ اللعن من الله تعالى هو الطرد والإبعاد من الرحمة وإنزال العقوبة بالمكلّف، وكلّ فعل أو قول اقتضى نزول العقوبة بالمكلّف من فسق أو كفر فهو مقتضى لجواز اللعن.
وهو في لغة العرب: الطرد والإبعاد.
قال في (الصحاح): اللعنُ: الطردُ والإبعادُ من الخير، واللعنةُ الاسمُ، والجمع لِعانٌ ولَعَناتٌ ... وقال الزمخشريّ في (الأساس): لَعَنه أهله: طردوه وأبعدوه، وهو لعين: طريد، وقد لعن الله إبليس: طرده من الجنّة وأبعده من جوار ملائكته.. قلتُ: فإذا قيل: (لَعَنَهُ الله) على طريق الدعاء كان معناه: طرده الله وأبعده من رحمته. والمراد من الطرد والإبعاد هنا: نزول العقوبة به والعذاب وحرمانه الرحمة، وهو لازم المعنى.
ويدلّ عليه قوله تعالى في القاتل: {وَغضبَ اللهُ عَلَيهِ وَلَعَنُه}(1)وقوله تعالى: {وَالخامِسَةَ أَنَّ لَعْنَة اللهِ عَلَيه إن كانَ من الكاذِبينَ}(2)، رتّب اللعنة على الكذب وهو إنّما يقتضي الفسق.
وكذا قوله تعالى: {وَالخامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ الله عَلَيها إِن كان مِنَ الصّادِقينَ}(3)، رتّب الغضب على صدقه في كونها زنت، والزنا ليس بكفر.
وقوله تعالى: {ألا لَعنَةُ اللهِ علَى الظّالِمينَ}(4)، أي على كلّ ظالم ; لأنّ الجمع المعرّف للعموم، والفاسق ظالم لنفسه كما يرشد إليه قوله: {فَمِنْهُم ظالِمٌ لِنَفْسِهِ}(5) حيث جعله سبحانه قسيماً للمقتصد والسابق بالخيرات.
وقد رُوي أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) قال: " لعن الله الكاذب ولو كان مازحاً "، ولعن جمعاً من ذوي المعاصي.
1- النساء: 93. 2- النور: 7.3- النور: 9. 4- هود: 18. 5- فاطر: 32.
ثانيا : هل اللعن عبادة ؟
لا ريب أنّ اللعن من الله تعالى هو الطرد والإبعاد من الرحمة وإنزال العقوبة بالمكلّف، وكلّ فعل أو قول اقتضى نزول العقوبة بالمكلّف من فسق أو كفر فهو مقتضى لجواز اللعن.
لقد تكرّر ذكر اللعن في كلامه سبحانه على وجه أفاد أنّه مِن أحبّ العبادات إليه، وناهيك به شرفاً أنّ الله تعالى جعله وسيلةً إلى إثبات دعوى النبوّة وحجّة على الجاحدين لها في المباهلة لنصارى نجران حيث قال سبحانه: {ثُمَّ نَبتَهِل فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللهِ عَلى الكاذِبينَ}(2). ولذلك انقطعوا، ولَجأُوا إلى الصلح وبذلوا الجزية، ولم يجدوا إلى ترداد القول سبيلاً.
وهذا يدلّ على جلالة قدر اللعن وعلوّ منزلته، بحيث يترتّب عليه مثل هذه الأحكام.
وقد روي أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) قال: " لعن الله الكاذب ولو كان مازحاً " وقال في جواب أبي سفيان حين هجاه بألف بيت: " اللّهم إنّي لا أحسن الشعر ولا ينبغي لي، اللّهم العنه بكلّ حرف ألف لعنة "إلى غير ذلك.
1- البقرة: 228. 2- آل عمران: 61.
ويدلّ على ذلك أنّ الله جلّ اسمه لَعَن في كتابه العزيز في عدّة آيات وأمر باللعنفي بعضها،
مثل قوله سبحانه: {فَلَعْنَةُ اللهِ علىالكافِرين}(1)،{اُولئكَ جَزاؤُهُمأنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللهِ والملائِكَةِ وَالنّاسِ أجمَعينَ}(2){اُولئكَ يَلعَنُهمُ الله وَيَلْعَنُهُمُاللاّعِنوُنَ}(3) {اُولئكَالَّذينَ لَعَنَهُمُ اللهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللهُ فَلَن تَجِدَ لَهُنَصيراً}(4)،{وَغَضِبَ اللهُعَلَيه وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظيماً}(5)،{أَوْ نَلعَنُهُم كما لَعَنّا أَصحابَالسّبْتِ وَكانَ أَثرُ اللهِ مَفعُولاً}(6){ألا لَعْنَةُ الله عَلَى الظّالِمين}(7)،{لَعنَهُمُ اللهُ في الدُّنياوَالآخِرَةِ}(8) إلى غير ذلك من الآيات الّتي لاتُحصى كثرة.
والمراد من قوله سبحانه: {والملائكة والناس أجمعين} ومن قوله:
{يعلنهم الله ويلعنهم اللاعنون} أمر الملائكة والناس واللاعنين بلعن اُولئك المذكورين، كما في قوله تعالى {والمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوء}(1)، إذ لا معنى لكون ذلك إخباراً منه سبحانه ; إذ لا فائدة فيه، ولأنّه لو كان خبراً لم يكن مطابقاً للواقع، إذ ليس الحال في الواقع كذلك، وعدم المطابقة في خبره تعالى محال.
ثالثا: هل اللعن واجب أم جائز؟
قد عُلم ضرورةً أنّ الله تعالى كما أوجب موالاة أوليائه ومودّتهم، أوجب معاداة أعدائه والبراءة منهم وإبعادهم ولو كانوا أقرب الناس وألصقهم نسباً. قال الله سبحانه: {لا تَجِدُ قَوماً يُؤمِنُونَ باللهِ وَاليومِ الآخِرِ يُوادُّونَ مَن حادّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَو كانُوا آبائَهُم أو أَبنائَهُم أَو عَشيرَتَهُم}(1).
قال في (الصحاح): المُحَادَّة: المُخالفةُ ومنعُ ما يجبُ عليك(2).
ومعناه: أنّ من الممتنع المحال أن تجد قوماً مؤمنين يُوالون المخالفين لله، والغرض أنّه لا ينبغي أن يكون ذلك وحقّه أن يمتنع ولا يوجد بحال، مبالغةً في النهي عنه والزجر عن ملابسته والتوصية بالتصلُّب في مجانبة أعداء الله ومباعدتهم، قال في (الكشّاف): إنّه من باب التخييل(3).
وقال الله تعالى: {ما كانَ للنَّبيّ وَالّذينَ آمَنُوا أَن يَسْتَغِفرُوا للمُشرِكينَ وَلَو كانُوا اُولي قُربى مِنْ بَعدِ ما تبَّينَ لَهُم أَنّهُم أَصحابُ الجحيم وَما كانَ استِغفارُ إبراهيمَ لأبيه إلاّ عَن مَوْعِدَة وَعَدَها إيّاهُ فَلمّا تَبَيَّن لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ للهِ تَبرَّأَ مِنهُ}(4). فهذه الآيات ناطقة بوجوب معاداة أعداء الله، بل دالّة على أنّ ذلك جزء من الإيمان، وأنّ مخالف ذلك لا يمكن أن يكون مؤمناً.
فمودّة العدوّ خروج عن ولاية الوليّ، فكما يحرم الخروج عن موالاة الله وأوليائه، يحرم الدخول في موالاة أعداء الله، وأعداء أوليائه. وقد روي أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) كان يقول: اللّهمّ لا تجعل لفاجر ولا لفاسق عندي نعمة، فإنّي وجدت فيما أوحيته(2): {لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادّون من حادّ الله }(3).
فَعُلم من ذلك أنّ التبرّي من أعداء الله جزء الإيمان، وأن الله تعالى سائل عنه يوم القيامة لا محالة.ولا ريب أن التبرّي يحصل بكلّ ما دلّ على المعاداة والمجانبة
والقطيعة واللعن وإن كان ممّا يدلّ على المجانبة والبراءة التزاماً إلاّ أنه لايدلّ عليها صريحاً ; لقول أمير المؤمنين (عليه السلام): " فأمّا السبّ فسبّوني فإنّه لي زكاة ولكم نجاة، وأمّا البراءة فلا تتبرّؤا مني فانّي ولدت على الفطرة وسبقت إلى الإيمان والهجرة "(1).
فإذا اقتصر المكلف عليه قاصداً به البراءة أجزأه، وفي هذه الحالة يكون واجباً وجزءاً للإيمان ومثاباً عليه. وإن أتى به مع البراءة كان أولى، فيكون مستحبّاً استحباباً مؤكدّاً ; لأن الله تعالى قد كرّر ذكره في كتابه كما أشرنا اليه سابقاً.
من كتاب نفحات اللاهوت في لعن الجبت والطاغوت للمحقق الكركي