[لله... ثم للتاريخ] هكذا جاء هذا العنوان المزوق أخّاذاً، برّاقاً، موهماً.
كتاب أساسه الكذب ودعائمه البهتان وسقفه الزور.
لقد كانت العرب قبل الإسلام تحترم الكلمة وتعطي أرواحها كي تصون كلمتها، فما بال المؤلفّ ـ إن كان يدّعي انه عربي ـ لم يلتزم بأدنى قواعد الجاهلية فضلا عن قواعد الإسلام؟ فأين شرف الكلمة؟! أين أمر الله بوجوب الصدق؟!
كتابٌ حاول النيل من عقائد الشيعة ـ وليست هذه أول ولا آخر محاولة، ولكن هيهات فالجبال لا تزيلها الرياح ـ ، فلم يجد إلاّ طريقاً مفضوحاً ساذجاً لا ينطلي إلاّ على البسطاء من الناس، وتغافل اننا نعيش في عصر الكمبيوتر والأنترنيت وانه ممكن للقارىء وبضغطه زر واحد أن يحصل على ما شاء من المعلومات الدقيقة والعميقة.
وإليك أيها المسلم الغيور نكت حول الكتاب اختصرناها من كتاب كامل في الردّ على مثل هذه الترهات، فاضحك إن شئت تضحك، وابك أن شئت ، فنحن في زمن مضحك مبك ، يرتكب فيه بعض من يدّعي الإسلام أبشع الكبائر وأكبر الذنوب لضرب أخيه المسلم ، فلخدمة مَن؟ وكم هو الأجر؟!
1 ـ مؤلف الكتاب عمره 200 سنة أو أكثر !!
لقد قيل في المثل ( إذا كنت كذوباً فكن ذكوراً )، لكن المؤلف نسي هذا المثل. وهذا طبيعي فـ (حبل الكذب قصير)، فقد ذكر في كتابه الآنف ص104 ما نصّه: «في زيارتنا للهند التقينا بالسيد دلدار علي النقوي فاهداني كتابه أساس الأصول ..».
ومعلوم جزماً أن دلدار علي النقوي ـ وهو مؤلف وعالم شيعي ـ توفي سنة 1820 ميلادي [ كما هو مذكور في كتاب [الأعلام للزركلي ج2: ص340 ]، ولنفرض أن هذا المؤلف كان عمره آنذاك حين التقى بدلدار علي النقوي 20 سنة ـ على أقل تقدير ـ إذن ستكون ولادة هذا المؤلف سنة 1800م . هذا بالنسبة لولادته. أما وفاته، فهو لم يتوف بعد لانه قال في مقدمة كتابه ص6 : (أما أنا فما زلت حياً داخل العراق وفي النجف بالذات) ، كما أنه يدّعي أنه كان حاضراً حينما توفي السيد الخوئي ، ومعلوم أنّ السيد الخوئي توفي سنة 1992م ، فاذا طرحنا 1992 من 1800 سيكون عمره إلى حين وفاة السيد الخوئي 192 سنة ، أما عمره إلى الآن فهو 203 سنوات!! فاضحك فقد راق الضحك.
2 ـ يقول : (إنه مجتهد وأنّه نال الاجتهاد من الشيخ كاشف الغطاء)!
ومعلوم أن كاشف الغطاء رحمه الله تعالى ـ وهو مرجع شيعي كبير ـ ولد سنة 1877م ، أي ان المؤلف حينما ولد كاشف الغطاء كان عمره 77 سنة ، كما ان الشيخ كاشف الغطاء بدأ بتدريس بحوث الخارج سنة 1898[راجع العبقات العنبرية في الطبقات الجعفرية : ص12 ] أي كان عمر المؤلف 98 سنة ، على أن الطالب يحضر هذه الدروس لا أقل مدة 5 سنوات كي يجتهد ، فيكون عمر المؤلف 103 سنوات حينما حصل على اجازة الاجتهاد، ويقول في ص5 : (أنّه حصل عليها بتفوّق)!!
فأي تفوّق هذا يا هذا؟! وما حال الطلاب غير المتفوقين؟ لابدّ ان أعمارهم تصل إلى 300 أو 400 سنة حتى ينالوا الاجتهاد!!
3 ـ المؤلف لا يعرف مصطلح السيد ومصطلح الشيخ ، ولا يميز بينهما! واليكها :
الأولى : قال في ص5 : (أنهيت الدراسة بتفوّق حتى حصلت على اجازتي العلمية في نيل درجة الاجتهاد من أوحد زمانه سماحة السيد محمد الحسين آل كاشف الغطاء)، وقال في ص9 : (وسألت السيد محمد آل حسين آل كاشف الغطاء ..).
الثانية: قال في ص13 : (والسيد محمد جواد مغنية..).
الثالثة: قال في ص21 : (قال السيد علي الغروي..).
الرابعة: قال في ص48 : (السيد لطف الله الصافي..).
الخامسة : قال في ص52 : (وكان آية الله العظمى السيد محمد كاظم شريعتمداري..).
الخامسة : (وكان صديقنا الحجّة السيد أحمد الوائلي ..).
السادسة : قال في ص102 : (بينما يقول السيد أبو جعفر الطوسي المتوفي 460هـ ).
السابعة: بل وصل به الحال إلى الجمع بين المتناقضين، فقال في ص102 : (قال الشيخ الثقة السيد حسين بن السيد حيدر الكركي العاملي المتوفى 1076هـ ).
وهناك موارد أخرى لم نذكرها اختصاراً.
ومن الواضح البيّن عند الشيعة، يعرفه صغيرهم وكبيرهم أن هناك فرقاً بين السيد والشيخ; فالسيد يطلق على مَن ينتسب إلى السلالة العلوية، والشيخ يطلق على كل من لم يكن من السلالة العلوية، فكيف غاب عن هذا الشخص والذي يدّعي الاجتهاد أن هؤلاء الذين ذكرهم في كلامه، وأطلق عليهم لفظ (السيد); أنهم من المشايخ وليسوا من السادة؟! مع أن هذا الأمر يعرفه أطفال الشيعة فضلا عن عوامهم، فما بالك بفقهائهم؟!!
وكيف غاب عنه أنّ محمد حسين آل كاشف الغطاء شيخاً وليس سيداً؟ مع أنه يقول : حضرت عنده وحصلت على درجة الاجتهاد منه، فكيف غاب عنه خلال هذه الفترة من الحضور عنده أنه شيخاً وليس سيداً بحيث أطلق عليه في ثلاث موارد (ص5 ـ 9 ـ 52) لفظ السيد؟!
فالمؤلف المذكور ألف مسريحة ولم يتّقن أداء الدور فيها; فلبس لباس التشيع وأخذ يكتب بعنوان كونه شيعياً; لكنّه لم يفلح بذلك فوقع في أغلاط فاضحة.
4 ـ زعم هذا الكذّاب في ص14 من كتابه المذكور ان الشيعة يسمون أخوانهم أهل السنة بـ (النواصب) .
وهذا هو الخبث بعينه والفتنة بعينها والله تعالى يقول : (( والفتنة أَشَدّ منَ القَتل )) [ البقرة : 191 ] فهو يريد الوقيعة بين الشيعة وإخوانهم من أهل السنة، ويريد للمسلم أن يكفّر أخاه المسلم ويلعنه ويقاتله، وقد روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنّه قال : «من قال لا إله إلاّ الله فقد عصم مني نفسه وماله إلاّ بحقه وحسابه على الله»[ صحيح البخاري ج4 : ص5 ، باب دعاء النبي إلى الإسلام ] .
وإليك قارئي الكريم حقيقة الحال في لفظ النواصب ومن أمهات كتب الشيعة لتعرف حقيقة الحال، ولكي لا تنطلي عليك مثل هذه الألاعيب الخبيثة فالنواصب عندنا ـ نحن الشيعة ـ هم جماعة خاصّة تبغض أهل البيت (عليهم السلام) وتكرههم وتنصب لهم العداوة، مخالفةً بذلك أمر الله تعالى حيث يقول في كتابه المجيد (( قل لَّا أَسْأَلكمْ عَلَيْه أَجْرًا إلَّا المَوَدَّةَ في القرْبَى )) [ الشورى : 23 ] ، أي قل يا محمد لقومك لا سألكم على الرسالة وعلى أتعابي وما لقيت من جهد أي أجر سوى أجراً واحداً وهو أن تودوا أهل قرباي ، ومعلوم لدى كل مسلم من هم قرابة النبي(صلى الله عليه وآله)، فكل من يعاديهم ـ والعياذ بالله ـ فهو ناصبي ، وإليك كلمات علمائنا في ذلك :
أ ـ قال الشهيد الثاني زين الدين العاملي الجبعي ـ وهو من كبار فقهاء الشيعة ـ في كتابه (مسالك الأفهام ج1، ص24) : «النواصب : وهم المعلنون بعداوة أهل البيت صريحاً أو لزوماً».
ب ـ الشيخ رضا الهمداني في كتابه (مصباح الفقيه ج1، ص564 ): «النواصب : الذين اظهروا عداوة أهل البيت الذين أوجب الله مودتهم وأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً...».
ج ـ السيد محمد رضا الگلپايگاني في (هداية العباد ج2، ص217) قال : «النواصب : هم المعلنون بعداوة أهل البيت(عليهم السلام) وان أظهروا الإسلام».
د ـ السيد أبو القاسم الخوئي في كتابه (تنقيح العروة الوثقى ج2، ص75) قال في تعريف النواصب : «هم الفرقة الملعونة التي تنصب العداوة وتظهر البغضاء لأهل البيت(عليهم السلام)».
فاتضح لك الأمر قارئي الكريم أن الشيعة تطلق لفظ النواصب على فرقة خاصّة كرهت أهل البيت، مثل: الخوارج الذين حاربوا إمام زمانهم، وسيد أهل بيت النبي وهو الإمام علي (عليه السلام)، أو من قاتل الإمام الحسين (عليه السلام); فهؤلاء نواصب.
أما عامة أهل السنة فانهم محبون لأهل البيت، بل إنّ كثيراً منهم يذرفون الدمع عند سماعهم بمصيبة الحسين وأهل بيته فكيف نسميهم نواصب؟! وما هذا الكذب الذي افتراه هذا المفتري إلاّ كيداً للإسلام وضرباً لاتباع النبي محمد (صلى الله عليه وآله) من سنة أو شيعة، فأخزى الله كل متآمر على الإسلام.
5 ـ في ص14 من كتابه المذكور ـ والكتاب كلّة عبارة عن كذب ومغالطات رخيصة ـ ذكر عدّة مفتريات توالت بنسق واحد ، ومصبها وهدفها الصاق كل ما يمكن الصاقه من المفتريات بالشيعة والتشيّع ، محاولا أن يجمع فيها كل كلمة ذم وتوبيخ وعتاب قيلت من قبل الأئمة في أي جماعة كانت ولصقها بالشيعة، بل زاد ـ وبشكل مفضوح ـ الأمر بأن جعل كلام الإمام الحسين (عليه السلام) الذي قاله بحق اعدائه وقتلته الذين قاتلوه في يوم عاشوراء، جعل هذا الكلام موجهٌ إلى الشيعة، ولكن لا عجب، فقد قال الشاعر :
لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى *** حتى يراق على جوانبه الدم
وقبل البدء بالجواب نستعرض لك ـ أيها القارىء اللبيب ـ قسماً من تلك المفتريات المخزية ثم نيجب عليها ان شاء الله :
أ ـ في ص14 : نقل كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) الموجّه لأهل الكوفة (يا اشباه الرجال ولا رجال حلوم الأطفال وعقول ربات الحجال...).
ب ـ في ص15 أورد خطبة الإمام علي (عليه السلام) ـ وقد حذف منها كلمتين ـ فغير المخاطب وهذا أسلوب قذر، إذ قد يردّ الذم والتوبيخ لزيد، لكن الناقل للذم يغيره ويقول : إن الذم ورد في عمر ـ فقد أورد الكاتب الخطبة هكذا «صمٌ ذوو اسماع، وبكم ذوو كلام، وعمي ذوو أبصار، لا أحرار صدق عند اللقاء و...» ، وقد حذف أول الخطبة وهي قول أمير المؤمنين (عليه السلام) «يا أهل الكوفة منيت منكم بثلاث واثنتين: صمٌ ذوو اسماع و...».
فتلاحظ كم تغير الخطاب وكم هو الفرق بين أن يدّعي هذا الكاذب ان الخطاب مقصود به الشيعة ، وبين حقيقة الحال وان المقصود به هم أهل الكوفة ، وسنثبت للقارىء الفرق الكبير والبون العظيم الشاسع بين اللفظتين (الشيعة) و(أهل الكوفة).
ج ـ في ص18 لخَّص مطالبه بأمور وكان أهمها قوله: ملل وضجر أمير المؤمنين من (شيعتهم أهل الكوفة)، وأرجو من القارىء أن يتنبّه جيداً للتعبير الذي بين القوسين ففيه تمام المغالطة على ما سنبينه لاحقاً.
الجواب : تلاحظ ـ عزيزي القارىء ـ انه استخدم لفظ (أهل الكوفة) ليضرب به الشيعة والتشيع محاولا ايهام القراء ان لفظ (الكوفة = الشيعة) والعكس بالعكس، وهذا كذب عظيم سنجيب عليه بالنقاط التالية:
أ ـ ان المتتبّع لتاريخ الكوفة تتبّعاً علمياً دقيقاً يجد أن الكوفة من المدن التي أحدثها الإسلام، فقد بناها سعد بن أبي وقاص بأمر من الخليفة الثاني عمر بن الخطاب سنة 17 هجرية حتى سميت بـ (كوفة الجند) (راجع تفصيل ذلك في معجم البلدان / لياقوت الحموي ج4، ص491) ، وعندما تأسست هذه المدينة تسابق لها المسلمون بشتى مشاربهم واتجاهاتهم السياسية والفكرية ، حتى احصى (ابن سعد) في كتابه (الطبقات الكبرى) في باب (طبقات الكوفيين) ما يقارب (150) صحابياً ممّن نزل الكوفة ، وقد سكنها العرب واليهود والنصارى والفرس، أما العرب فقد كان تعدادهم على ما أخبر به الشعبي فقال: «كنا نعد أهل اليمن اثني عشر الفاً، وكانت نزار ثمانية آلاف) راجع (معجم البلدان ج4 ص492).
إذن، فالعرب في الكوفة أيام علي ـ(عليه السلام) ـ وولده الحسن والحسين ـ يربوا عددهم على العشرين ألف، فهل من العقل والمنطق أن نقول : أنّ 000/20 الف عربي و150 صحابي كلّهم شيعة لعلي(عليه السلام)؟!
ب ـ الفرس في الكوفة : وكان عددهم 4000 رجل تحالفوا مع قبيلة تميم وسموا بـ (الحمراء) أو (حمراء ديلم)، لأن قائدهم يدعى (ديلم)، وهم بقايا فلول الجيش الفارسي المنهزم من معركة القادسية، استوطنوا الكوفة راجع (فتوح البلدان/للبلاذري ج2 ص344) ، فهل هؤلاء أيضاً هم شيعة أو يمكن أن يكونوا شيعة؟!
ج ـ الأديان في الكوفة (اولا: النصارى) : قال ياقوت الحموي / في معجم الزوائد ج4 ص493 في وصف الكوفة: «أما ظاهر الكوفة فانها منازل النعمان بن المنذر و... وما هناك من المتنزهات والديرة الكبيرة».
والديرة: جمع دير وهو مكان عبادة النصارى.
كما ذكر لنا المؤرخ الشهير الطبري في كتابه (تاريخ الامم والملوك) المعروف بتاريخ الطبري ج3، ص445 الطبعة الاولى المصحّحة، كيف ان نصارى العرب من قبيلة تغلب كانوا ممّن ساهموا في إعمار الكوفة واستيطانها في زمان الخليفة الثاني وإليك النصّ : «... فعاقدوا عمر على بني تغلب فعقد لهم ; على أن من أسلم منهم فله ما للمسلمين وعليه ما عليهم ومن أبى فعليه الجزاء ]أي أن يدفع الجزية[... ، فقالوا : اذن يهربون وينقطعون ويصيرون عجماً... فهاجر هؤلاء التغلبيون ومن اطاعهم من النمريين والأياديين إلى سعد بالمدائن وحطوا معه بعد بالكوفة ...»، فلا أدري هل هؤلاء النصارى الذين سكنوا الكوفة هم من الشيعة؟!!
د ـ اليهود في الكوفة : لقد تواجد اليهود في الكوفة منذ زمن بعيد يرجع إلى 597 قبل الميلاد منذ ان سباهم الملك الكلداني نبوخذ نصّر، وحافظوا على وجودهم في المنطقة على مرّ العصور، كما انظم إلى يهود العراق يهود المدينة حين تم جلائهم منها ، فاستوطنوا الكوفة منذ عام (20) للهجرة (راجع نزهة المشتاق في تاريخ يهود العراق/ليوسف رزق الله ص103)، وقد سيطر اليهود في الكوفة على التجارة والصياغة ، ولهم معابد ومزارات لا تزال موجودة إلى اليوم ، ومن كان من أهل الكوفة يعرف ذلك جيداً، فانا أسأل هل اليهود أيضاً من شيعة علي(عليه السلام)؟!
هـ ـ المسلمون ومشاربهم السياسية في الكوفة : واخيراً ننهي الجواب بالتعرف إلى أمر مهم وهو أن المسلمين الذين استوطنوا الكوفة انفسهم لم يكن لهم رأي واحد أو مشرب سياسي واجتماعي واحد، فقد كان كثير منهم بل الأغلبية الغالبة كانوا يرون أفضلية أبو بكر وعمر وعثمان على علي بن أبي طالب(عليه السلام)، وهذا واضح لمن له ادنى تأمل، ويكفينا هنا شاهد واحد من أدلّة وشواهد لا تحصى لكن المقام مقام اختصار; فقد ذكر ابن أبي الحديد المعتزلي في كتابه الشهير (شرح نهج البلاغة / ج12، ص283 طبع دار احياء التراث / بيروت) قال: «وقد روي ان أمير المؤمنين [ يعني علياً](عليه السلام) لما اجتمعوا إليه بالكوفة، فسألوه أن ينصب لهم إماماً يصلي بهم نافلة شهر رمضان ]وهي صلاة التراويح عند أهل السنة وهي بدعة عندنا، بل ان عمر نفسه سمّاها بدعة واستحسنها قائلا: نعم البدعة هذه(راجع البخاري/كتاب صلاة التراويح حديثه...[ فزجرهم ] أمير المؤمنين [ وعرّفهم أن ذلك خلاف السنة، فتركوه واجتمعوا لأنفسهم، وقدّموا بعضهم ] أي أنهم عصوا أميرهم وسيدهم [ فبعث إليهم ابنه الحسن(عليه السلام) فدخل عليهم المسجد، ومعه الدرّة، فلما رأوه تبادروا الأبواب وصاحوا: وا عمراه».
وأول من صاح بها قاضي الكوفة شريح كما نقل ذلك صاحب (قاموس الرجال/التستري ج5، ص67) فهل هؤلاء شيعة علي (عليه السلام)؟!!
أم هل يمكن أن أبو موسى الأشعري الذي وقف يخاطب جموع أهل الكوفة ويثبّطهم عن نصرة أمير المؤمنين علي(عليه السلام) في حرب الجمل ويقول لهم : « ان علياً [لاحظ انه حتى لم يقل أمير المؤمنين وقاحةً وصلفاً ] انما يستنفركم لجهاد أمكم عائشة، ... أشيموا سيوفكم، وقصروا رماحكم، وقطعوا أوتاركم والزموا البيوت» (راجع كتاب الجمل / الشيخ المفيد ص134، وشرح نهج البلاغة ج14، ص15 ، فتح الباري في شرح صحيح البخاري ج13، ص73] .
فهل هذا ومن لفَّ لفّه يمكن أن نعدهم من شيعة علي(عليه السلام)؟
وأخيراً : هذين شذرتين صغناها لك قارئي الكريم لتكتمل معرفتك، وهناك شذرات لا عدَّ لها لمن أراد الاستزادة وهي موجودة في بطون الكتب، فمن أراد فليتابع البحث بنفسه:
1 ـ قال الحسين(عليه السلام) مخاطباً الجيش الذي جاء لقتاله في يوم عاشوراء: «ويلكم يا شيعة آل أبي سفيان إن لم يكن لكم دين وكنتم لا تخالفون المعاد فكونوا أحراراً في دنياكم، وارجعوا إلى أحسابكم ان كنت عرباً كما تزعمون»/راجع كتاب اللهوف في قتلى الطفوف / علي بن موسى بن طاووس ص71.
2 ـ في كتاب اختيار معرفة الرجال (المعروف برجال النجاشي) / تأليف الشيخ الطوسي ص6 رواية رقم 11، عن الإمام الباقر(عليه السلام) قال: «كان علي بن أبي طالب(عليه السلام)عندكم بالعراق يقاتل عدوه ومعه اصحابه، وما كان فيهم خمسون رجلا يعرفونه حق معرفته، وحق معرفته امامته».
فيتبيّن لك ـ قارئي الكريم ـ من هم قتلة الحسين(عليه السلام)، وكم هم الشيعة الواقعيون في ذاك الزمان.
6 ـ جهل المؤلف بالمصطلحات الشرعية التي يعرفها عوام الناس:
1 ـ جهلة بمعنى التقية عند الشيعة والسنّة، وجاء بكلام حولها لا يتفوّه به إلاّ الجهال ومن لا معرفة عندهم، فقد قال في ص9 : (وسألت السيد محمد الحسين آل كاشف الغطاء عن ابن سبأ؟ فقال: إن ابن سبأ خرافة وضعها الأمويون والعباسيون حقداً منهم على آل البيت الأطهار ، فينبغي للعاقل أن لا يشغل نفسه بهذه الشخصية) ويتابع المؤلف كلامه فيقول: (ولكني وجدت في كتابه ]أي كتاب كاشف الغطاء[ المعروف بأصل الشيعة وأصولها ص40 ـ 41 ما يدلّ على وجود هذه الشخصية وثبوتها حيث قال : (أما عبدالله بن سبأ الذي يلصقونه بالشيعة ويلصقون الشيعة به، فهذه كتب الشيعة باجمعها تعلن بلعنه والبراءة منه) ثم يقول المؤلف : (ولا شك أن هذا تصريح بوجود هذه الشخصية فلمّا راجعته في ذلك قال : (إنما قلت هذا تقية، فالكتاب مقصود به أهل السنّة).
وملخّص ما ذكره المؤلف: ان كاشف الغطاء ذكر رأيين في كتاب واحد في صفحة واحدة حول عبدالله بن سبأ فلمّا سأله الكاتب عن ذلك أجاب: إن ذلك تقية!
وهذا جهل فضيع من المؤلف بمعنى التقية الشريعة التي يؤمن بها الشيعة والسنّة، لا يصدر من متعلّم فضلا عن عالم يدّعي الإجتهاد والعلم، وإليك معنى التقية الشرعية عند الشيعة باجماع فقهائهم لترى هل ينطبق عليها كلام المؤلف أم لا.
التقية: معناها : (إن الإنسان إذا خاف على نفسه أو عياله أو على مؤمن من عدو أو ظالم فله أن يخالف الشريعة في حدود ما يرتفع به الخوف والإكراه) [ الموسوعة الفقهية، محمد علي الأنصاري : ج1، ص19 ] .
وقال بشرعيتها الشيعة والسنة، كما أن القرآن والسنة النبوية نطقا بذلك :
قال تعالى: ((لاَّ يَتَّخذ الْمؤْمنونَ الكَافرينَ أَوْليَاء من دوْن الْمؤْمنينَ وَمَن يَْعَلْ ذَلكَ َلَيْسَ منَ اللّه في شَيء إلاَّ أَن تَتَّقواْ منْهمْ تقَاةً ...)) [ آل عمران : 28 ] ، وكذلك الآية 106 من سورة النحل، والآية 28 من سورة غافر.
وأما السنة النبوية : فارجع إلى الحاكم، وابن سعد، وابن عساكر، والذهبي في قضية عمار بن ياسر حينما قال له الرسول(صلى الله عليه وآله) : (ما وراءك؟ قال: شرّ يا رسول الله، ما تفرفكتف حتى نفلتف منك، وذكرتف آلهتهم بخير. فقال: كيف تجد قلبك؟ قال: مطمئن بالايمان، قال(صلى الله عليه وآله) : إن عادوا فعد) [ مستدرك الحاكم 2: 357، الطبقات الكبرى 3: 249 ، سير أعلام النبلاء 1: 411، ابن عساكر 43 : 373 ] .
وذكر الشوكاني ـ وكان قاضي القضاة وامام أهل السنة والجماعة ـ في (نيل الأوطار) أن تسمية زياد بن سفيان الذي ورد في كلام المحدثين، كان في زمن بني أفمية خوفاً واتقاءً منهم، مخالفين بذلك الاجماع على تحريم نسبته إلى أبي سفيان، قال: (وقد أجمع أهل العلم على تحريم نسبته إلى أبي سفيان، وما وقع من أهل العلم في زمن بني أفمية فانما هو تقية) [نيل الأوطار، الإمام الشوكاني 5: 193] ، فهل التقية حلال على أهل السنة حرام على أهل الشيعة؟
وأخرج البخاري حديث أبي هريرة: (حفظت عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) وعاءين فاما أحدهما فبثته وأما الآخر فلو بثثته لقطع هذا البلعوم)[ صحيح البخاري 1: 56 ، الذهبي، سير أعلام النبلاء: 2/597 ] ، أي انه اخفاه تقيةً وخوفاً.
وقد علّق العلامة شعيب الارنؤوط على ذلك بقوله: (وقد حمل العلماء الوعاء الذي لم يبثه على الأحاديث التي فيها تبيين امراء السوء وأحوالهم... ولا يصرّح بها خوفاً على نفسه منهم كقوله: أعوذ بالله من رأس الستين وإمارة الصبيان. يشير إلى خلافة يزيد بن معاوية; لأنّها كانت على رأس سنة ستين).
وقال الفخر الرازي : (.. روى عوف عن الحسن أنه قال: التقية جائزة للمؤمنين إلى يوم القيامة وهذا القول أولى; لأنّ رفع الضرر عن النفس واجب بقدر الامكان) تفسير الرازي 8/14.
إذا عرفنا معنى التقية عند الشيعة والسنّة أنّها تجوز عند الضرورة، لا فرق بين أن تكون مع الكفّار أو المسلمين نأتي إلى كلام المؤلف فنقول : إذا كان الشيخ كاشف الغطاء يتّقي في كتابه أصل الشيعة وأصولها فلماذا لم يقتصر على انكار وجود عبدالله بن سبأ فقط، ولا حاجة لأن يثبت وجوده؟! بينما نجده يقول في ص40 ـ 41 : (أما عبدالله بن سبأ الذي يلصقونه بالشيعة أو يلصقون الشيعة به فهذه كتب الشيعة باجمعها تعلن بلعنه والبراءة منه وأخف كلمة تقولها كتب الشيعة في حقّه ويكتفون بها عن ترجمة حالة عند ذكره في العين هكذا (عبدالله بن سبأ العن من أن يذكر)، على أنه ليس من البعيد رأي القائل أن عبدالله بن سبأ وأمثاله كلها أحاديث خرافة وضعها القصاصون وأرباب السمر والمجون)؟!
فالشيخ يقول:
أولا: ان الشيعة تتبرأ من عبدالله بن سبأ ولا ربط لعقيدة الشيعة به، سواء كان موجود أو غير موجود.
ثانياً: إن عبدالله بن سبأ لعله شخصية وهمية وضعها أعداء الشيعة للنيل منهم.
فأين التقية في هذا الكلام؟ وما هي الضرورة ـ التي عندها يجوز التقية ـ التي دعت الشيخ إلى ذلك؟
وإذا كان يريد الاتقاء ومداراة ابناء السنّة لكان من المضحك أن يقول هذا الكلام; إذ فيه الاقرار بوجود عبدالله بن سبأ، فكيف يتّقي وينكره؟!
وكيف يأتي بأمرين في آن واحد وهو يتقي، فهذا يكون حاله كحال من اضطره الكفار إلى الكفر فيقول: (كفرت) ثم يتبع كلامه بالقول (لا أنا باق على الإسلام ولم أكفر) في نفس الوقت وفي نفس الموقف، فهل هذا إلاّ ضحك ولعب؟!
7 ـ جهل المؤلف بالمعنى الشرعي لنكاح المتعة :
قال المؤلف الذي يدّعي العلم ـ كما زعم ـ في ص38 : (إن المتعة كانت مباحة في العصر الجاهلي ولما جاء الإسلام أبقى عليها مدة ثم حرمت يوم خيبر).
وأخذ يفسّرها بما شاء من الأكاذيب والأباطيل، ولكن إذا رجعنا إلى المصادر الروائية والتاريخية لا نجد ذكراً لنكاح المتعة في الانكحة الجاهلية.
فارجع إلى صحيح البخاري تجد أن أم المؤمنين عائشة ذكرت أن نكاح الجاهلية أربعة اقسام :
1 ـ النكاح المعروف في زماننا من الخطبة والمهر والتزويج.
2 ـ المرأة المتزوجة يطلب منها زوجها أن تذهب وتستبضع من رجل آخر كي تحمل بحمل من ذلك الشخص، طلباً لنجابة الولد.
3 ـ أن يجتمع عشرة انفار على امرأة فإذا حملت ارسلت إليهم، وهي تعين من الأب لهذا الحمل.
4 ـ نكاح البغايا وحاملات الرايات [صحيح البخاري : 3/369، حديث رقم 5127 ] .
ونقل سيد سابق نوعين آخرين:
1 ـ نكاح البدل: وهو أن يبدل الرجل مع الرجل الآخر زوجة كل منهما.
2 ـ والخدن: وهي المتزوجة التي تصادق شخص سراً يزني بها [فقه السنّة 2: 8 ] .
وسواء كانت الاقسام أربعة أم ستة لا نجد نكاح المتعة في انكحة الجاهلية، فكيف يدّعي أنه نكاح جاهلي؟!
والمؤلف بما أنه ليس شيعياً فقد أخذ هذا القول من الوهابي المتشدّد (موسى جار الله) صاحب كتاب (الوشيعة في نقض عقائد الشيعة) حيث قال هناك ص3 : (أرى أن المتعة من بقايا الانكحة الجاهلية) . فلاحظ انه قال (أرى) ولم يكن لديه أي دليل والمؤلف لما كان وهابي ولما كان ينقل من غيره وقع في هذا الخطأ الفضيع نفسه.