واعتقد انني اتيت لك بدليل من القرأن ولايجوز ان ينافي القرأن بعضه بعض فعليك ان تشرح كيف ينافي من وجهة نظرك حتى لايلتبس الامر على القارىء
وهذا حقـــــــــــك أخي العقيد وحق المشرف العقائدي أيضاً ...
وإن كنت أصلاً قد فندت فهمك لتلك الآيتين بآيتين محكمين من كتاب الله الكريم وفيهما تفنيداً ملزماً لك بما فيهما ونقضاً لما انت مؤمن به يا طيب ... ولمعنى يفهمه هنا من يتابع ....
والدليل قولك أن هذه الآيتين قد أنهيت النقاش فيه أنا بإدراجهما .....!!!
ولكن ونزولاً عند طلبكم وجميعاً أفندها وبالله أستعين ....
قال الله تعالى :
( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ )
وفي تفسيرالبرهان :
و قوله: «إلى ربها ناظرة» خبر بعد خبر لوجوه، و «إلى ربها» متعلق بناظرة قدم عليها لإفادة الحصر أو الأهمية.
و المراد بالنظر إليه تعالى ليس هو النظر الحسي المتعلق بالعين الجسمانية المادية التي قامت البراهين القاطعة على استحالته في حقه تعالى بل المراد النظر القلبي و رؤية القلب بحقيقة الإيمان على ما يسوق إليه البرهان و يدل عليه الأخبار المأثورة عن أهل العصمة (عليهم السلام) و قد أوردنا شطرا منها في ذيل تفسير قوله تعالى: «قال رب أرني أنظر إليك»: الأعراف: 143، و قوله تعالى: «ما كذب الفؤاد ما رأى»: النجم: 11.
فهؤلاء قلوبهم متوجهة إلى ربهم لا يشغلهم عنه سبحانه شاغل من الأسباب لتقطع الأسباب يومئذ، و لا يقفون موقفا من مواقف اليوم و لا يقطعون مرحلة من مراحله إلا و الرحمة الإلهية شاملة لهم «و هم من فزع يومئذ آمنون»: النمل: 89 و لا يشهدون مشهدا من مشاهد الجنة و لا يتنعمون بشيء من نعيمها إلا و هم يشاهدون ربهم به لأنهم لا ينظرون إلى شيء و لا يرون شيئا إلا من حيث إنه آية لله سبحانه و النظر إلى الآية من حيث إنها آية و رؤيتها نظر إلى ذي الآية و رؤية له.
و من هنا يظهر الجواب عما أورد على القول بأن تقديم «إلى ربها» على «ناظرة» يفيد الحصر و الاختصاص، إن من الضروري أنهم ينظرون إلى غيره تعالى كنعم الجنة.
و الجواب أ لما لم يحجبوا عن ربهم كان نظرهم إلى كل ما ينظرون إليه إنما هو بما أنه آية، و الآية بما أنها آية لا تحجب ذا الآية و لا تحول بينه و بين الناظر إليه فالنظر إلى الآية نظر إلى ذي الآية فهؤلاء لا ينظرون في الحقيقة إلا إلى رحمة وآيات ونعيم ربهم.
( تفسير الميزان )
وأقول ...
أولاً .... أنه سبحانه استخدم كلمة وجوه لا عيون ، فقسم الوجوه إلى قسمين : وجوه ناضرة ، ووجوه باسرة ، ونسب النظر إلى الوجوه لا العيون ، فلو كان المراد هو الرؤية لكان المتعين استخدام العيون بدل الوجوه ، والعجب أن المستدل غفل عن هذه النكتة التي تحدد معنى الآية وتخرجها عن الإبهام والتردد بين المعنيين ، وأنت لا تجد في الأدب العربي القديم ولا الحديث موردا نسب فيه النظر إلى الوجوه وأريد منه الرؤية بالعيون والأبصار ، بل كلما أريد منه الرؤية نسب إليهما .....
ثانياً ..... نوضح مفاد الآية ونبين ما هو المراد الاستعمالي والجدي فيها ، وذلك لا يعلم إلا برفع إبهام الآية بمقابلها ، فنقول : إن هناك ستة آيات تقابلها ثلاثة ، وهي كالآتي :
1 -( كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ ) يقابلها : ( وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ ) .
2 -( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ ) يقابلها : ( وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَة ) .
3 -( إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ) يقابلها : ( تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ ) .
فلا شك أن الآيات الأربع الأول واضحة لا خفاء فيها ، وإنما الإبهام وموضع النقاش هو الشق الأول من التقابل الثالث ، فهل المراد منه جدا هو الرؤية ، أو أنها كناية عن انتظار الرحمة ؟
والذي يعين أحد المعنيين هو الشق الثاني من التقابل الثالث ، أعني ( تظن أن يفعل بها فاقرة ) فهو صريح في أن أصحاب الوجوه الباسرة ينتظرون العذاب الكاسر لظهرهم ، ويظنون نزوله .
وهذا الظن لا ينفك عن الانتظار ، فكل ظان لنزول العذاب منتظر ، فيكون قرينة على أن أصحاب الوجوه المشرقة ينظرون إلى ربهم ، أي يرجون رحمته ، وهذا ليس تصرفا في الآيات ولا تأويلا لها ، وإنما هو رفع الإبهام عن الآية بالآية المقابلة لها ، وترى ذلك التقابل والانسجام في آيات أخرى ، غير أن الجميع سبيكة واحدة .
1 -( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ ) يقابلها : ( ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ ) .
2 -( وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ ) يقابلها : ( تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ ) (عبس 38-40 ). فإن قوله ( ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ ) قائم مقام قوله ( إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ) فيرفع إبهام الثاني بالأول .
3 -( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ ) يقابلها : ( عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ * تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً ) ( الغاشية4 ).
4 -( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاعِمَةٌ ) يقابلها : ( لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ ) الغاشية10 ).
أنظر إلى الانسجام البديع ، والتقابل الواضح بينهما ، والهدف الواحد ، حيث الجميع بصدد تصنيف الوجوه يوم القيامة ، إلى ناضر ومسفر ، وناعم وإلى باسر ، وأسود ( غبرة ) وخاشع .
أما جزاء الصنف الأول فهو الرحمة والغفران ، وتحكيه الجمل التالية : إلى ربها ناظرة ، ضاحكة مستبشرة ، في جنة عالية .
وأما جزاء الصنف الثاني فهو العذاب والابتعاد عن الرحمة ، وتحكيه الجمل التالية : تظن أن يفعل بها فاقرة ، ترهقها قترة ، تصلى نارا حامية .
أفبعد هذا البيان يا طـــيب يبقى شك في أن المراد من ( إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ) هو انتظار الرحمة ! !
والقائل بالرؤية يتمسك بهذه الآية ، ويغض النظر عما حولها من الآيات ، ومن المعلوم أن هذا من قبيل محاولة إثبات المدعى بالآية ، لا محاولة الوقوف على مفادها .
ويدل على ذلك أن كثيرا ما تستخدم العرب النظر بالوجوه في انتظار الرحمة أو العذاب ، وإليك بعض ما ورد في ذلك : وجوه بها ليل الحجاز على الهوى إلى ملك كهف الخلائق ناظرة وجوه ناظرات يوم بدر إلى الرحمن يأتي بالفلاح فلا نشك أن قوله : وجوه ناظرات بمعنى رائيات ، ولكن النظر إلى الرحمن هو كناية عن انتظار النصر والفتح . إني إليك لما وعدت لناظر نظر الفقير إلى الغني الموسر فلا ريب أن اللفظين في الشعر وإن كانا بمعنى الرؤية ، ولكن نظر الفقير إلى الغني ليس بمعنى النظر بالعين ، بل الصبر والانتظار حتى يعينه .
قال سبحانه : ( إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً أُوْلَـئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) ( آل عمران / 77 )، والمراد من قوله : ( لاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ ) هو طردهم عن ساحته وعدم شمول رحمته لهم وعدم تعطفه عليهم ، لا عدم مشاهدته إياهم ، لأن رؤيته وعدمها ليس أمرا مطلوبا لهم حتى يهددوا بعدم نظره سبحانه إليهم ، بل الذي ينفعهم هو وصول رحمته إليهم ، والذي يصح تهديدهم به هو عدم شمول لطفه لهم ، فيكون المراد عدم تعطفه إليهم ، على أن تفسير قوله ( لاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ ) ب لا يراهم يستلزم الكفر ، فإنه سبحانه يرى الجميع ( وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ ) .
والنتيجــــــــة ... أن النظر إذا أسند إلى العيون يكون المعنى بالمراد الاستعمالي والجدي هو الرؤية على أقسامها ، وإذا أسند إلى الشخص كالفقير أو إلى الوجوه فيراد به الرؤية استعمالا والانتظار جدا .
ثم إن لصاحب الكشاف هنا كلمة رائعة حيث يقول بهذا الصدد :
( يقال : أنا إلى فلان ناظر ما يصنع بي يريد معنى التوقع والرجاء ، ومن هذا القبيل قوله : وإذا نظرت إليك من ملك والبحر دونك زدتني نعما وقال : سمعت سروية مستجدية بمكة وقت الظهر حين يغلق الناس أبوابهم ويأوون إلى مقائلهم تقول : عيينتي نويظرة إلى الله وإليكم ، تقصد راجية ومتوقعة لإحسانهم إليها ، كما هو معنى قولهم : أنا أنظر إلى الله ثم إليك ، وأتوقع فضل الله ثم فضلك ...)
( الزمخشري ، الكشاف 3 : 294 ).
والآن أرجــــــــــــــع الى مشاركتي السابقة وطلبي بأن توفق بين هذين الآيتين مع قوله تعالى :
إذ يقول سبحه نافياً رؤيته وإدراكه بالبصر البشري قطعاً :
فكيف أيها الفاضل الكريم ستربط وتجمع بين قول المصطفى صلى الله عليه وآله لو سلمنا مسلمين بصحته وبين قوله تعالى بنفي الرؤية له سبحانه وتعالى عما تصفون ...؟؟؟؟