|
عضو برونزي
|
رقم العضوية : 7859
|
الإنتساب : Aug 2007
|
المشاركات : 1,357
|
بمعدل : 0.21 يوميا
|
|
|
|
المنتدى :
منتـدى سيرة أهـل البيت عليهم السلام
كرامات الإمام الرضا عليه السلام .. الحلقة (7)
بتاريخ : 25-09-2008 الساعة : 12:32 AM
من كرامات الإمام الرضا عليه السلام
الحلقة السابعه
إنّ أحداً.. يأتي!
عيشتنا نحن الفقراء مثل الزقّوم. لا أدري لماذا الله...
تقاطعينه:
لا تكفر يا رجل! هي حكمة الله. (عليّ) إذا يَحدث له شيء.. فهو من إرادة الله.
يرنو إليكِ يعقوب. يحسّ بالخجل يملأ وجوده، ويهمس مع نفسه:
كلامكِ صحيح.. لكنْ ماذا أفعل ؟! سبحان الذي يختبر عباده دائماً بالبلاء.
ثمّ يلتفت إليك ويصيح:
عفّت.. انظري هنا!
وتنظرين إلى حيث أشار، إلى شاشة التلفزيون بالأبيض والأسود: تشاهدين عَتَبة الإمام الرضا عليه السّلام، وأمواج الناس التي تُهرَع هناك إلى ينبوع النور والرحمة.
كلّ واحد منهم عنده همّ. نحن أيضاً عندنا همّ!
يعقوب مشدود نظره إلى التلفزيون، وعيناه قد غرقتا بالدمع والرجاء. يقول:
ليت عندنا نقوداً، فنأخذ (عليّ) إلى مشهد، لعلّ الإمام ينظر بلطفه إلينا وإلى هذا الولد.
ابتلع بقيّة كلامه.. لكنّكِ تعرفين هذه البقيّة. كلامك كلام يعقوب، وكلام يعقوب حديث قلبك.
تعرفين.. ما عندي إلاّ قطعة أرض زراعيّة. والفلوس التي نحصل عليها كلّ سنة من بيع المزروعات هي بمقدار «قُوت.. حتّى لا يموت!
وتفكّرين أنت في عليّ. في عينيه بريق النشاط والمرح. يضع كفّكِ في كفّه ويضغط عليها بمحبّة:
بعد التخرّج أشتغل يا ماما، وترتاحين أنت وأبي من هذا الوضع.
وتَهمِّين أن تنطقي معترضة على كلامه، لكنّه يبادرك بالقول:
يعني.. نبقى راضين بهذه الأرض وهذا البيت القفص ؟! إذا اشتغلتُ نذهب لنعيش في المدينة.
أردتِ أن تقولي له: « أنت وأبوك يعقوب قد وُلدتما في هذه القرية وكبرتما فيها على حليبها الطازج، وخبزها الحارّ الذي أُخرج توّاً من التنوّر ».. لكنّ نظرات عليّ صرفتك عن توجيه ضربة إلى قلعة أحلامه تُحوّلها في لحظة إلى حطام. إنّه شاب ممتلئ بالأحلام. لم تفعلي غير الابتسام، وهمستِ له:
إن شاء الله.
وانحنى عليّ فطبع قُبلة على يدك ».
ويلاحظ يعقوب دمعة عالقة بأطراف أهدابك. ينهض من مكانه، ويلقي نظرة على طرف الغرفة الآخر.. حيث يرقد عليّ في فراشه على الأرض، وهو ما بين الحياة والموت. يهزّ رأسه آسفاً، ويذهب إلى عليّ. يزيح البطانيّة عنه قليلاً، ويقول له بلطف:
علاّوي.
لا يصدر من عليّ جواب. يتحرّك حركة دون أن ينطق. وجهه مغسول بالدموع. أنتِ تنظرين إلى يعقوب، ويعقوب ينظر إلى عليّ. عليّ.. آه! لقد حُرمتِ من نظراته الهادئة الطَّموحة، وتشوّقتِ إلى حديثه وإلى شفته وهي تطبع قُبلة على يدك الكادحة المُخشَوشِنة. تنظرين إلى يعقوب الذي كان ينظر إلى ولده بوجوم، فتخنقك العَبرة. وبعد لحظة يخرج يعقوب من الغرفة، وتظلّلين أنت وعليّ والتلفزيون الذي لم يَعُد يعرض على شاشته صورة العتبة الرضويّة.
تنهضين من مكانك ساهمة، وأنت تنقلين ساقَيك الثقيلتين بعسر. لو مشيتِ متّكئة على كتف عليّ لَسَهُل عليكِ المشي. ( وتعود بك الذكرى إلى الوراء:
لازم أشتري لك كرسيّاً متحرّكاً يا ماما. لا.. لماذا الكرسيّ المتحرّك ؟! أنا نفسي أكون عصا ليدك، آخذك أينما تريدين.. أينما تريدين.
ترنو نظراتك إلى عليّ، وهو يرنو إليك أيضاً. تقولين له:
لا ماما. في البداية مَشِّ حالك، ثمّ فكِّرْ بي بعد ذلك.
لا يا ماما، أنت أوّلاً.
تعلو شفتيك الشاحبتين ابتسامة:
هذا كلام الآن. في غد إذا وجدتَ ابنة الحلال تنسى هذا الكلام.. تُخلّينا وتروح!
ما هذا الكلام يا ماما ؟! هل ممكن أن أنسى ؟! أنتِ أوّلاً ثمّ المرأة. محبّة الأمّ لها مكانها، والزوجة لها مكانها.
ثمّ تنفرج شفتاه بابتسامة. تأنسين بهذا الكلام، وتضفي عليك نظراته طمأنينة وأنت تشمّين في كلماته عطر الصدق والإخلاص.
أنتِ وأبي.. كلاكما أُصعِّدكما إلى السماء...
تضحكين أنت، في حين يلثم عليّ جبينك، ويقول:
فقط ادعي لي، فقط ادعي.
تلتمع عيناه بدمعة، فينهض من مكانه عاجلاً ويخرج من الغرفة، ويَدَعكِ وحيدة بقلب كلّه استفهام واضطراب.
تجدين يعقوب مختلياً بنفسه في فِناء الدار، جالساً وحده بصمت.. وكأنّه لم يشعر بوجودك. لعلّه مثلك يفكّر في عليّ. يفكّر بالسكوت الذي يتخلّل حديثه الودود.. بدفء كفّه.. بنظراته. وتتقدّمين باتّجاه يعقوب.. يخاطبك:
هل تصدّقين يا عفّت أنّ عليّ الذي كان شعلة مرح ونشاط يقع هكذا دفعة واحدة ؟!
تقولين باكية:
لا.. أبداً.
ويتابع يعقوب:
أنا أيضاً لا أصدّق. هل خطر هذا على بال أحد ؟! لا.. لا أحد.
تقولين بصوت منكسر:
بغير وجود عليّ.. أنا لا شيء.
ويقول يعقوب:
لا أدري كيف أستطيع أن أواصل العيش بدونه. عليّ قطعة من كبدَينا.
ثمّ يغطّي يعقوب وجهه بيديه.. وتغطّي وجهَك الدموع، فتشتعل في قلبك نيران اليأس. وتعود إلى ذهنك ذكرى ذلك اليوم حيّةً شاخصة:
كنتِ منشغلة عند التنّور في باحة الدار تُعدّين الخبز.. لمّا أقبل عليك ابن الجيران صارخاً:
خالة.. خالة.. عليّ.. سيّارة قرب دكّان حاج قاسم...
ولم تسمعي بقيّة كلامه. وضعتِ العباءة على رأسك بارتباك. وبعد دقيقة واحدة ـ وربّما أقلّ من دقيقة ـ وصلت إلى دكان الحاج قاسم. الناس متجمّعون. واقتحمتِ الجمع. ولمّا شاهدتِ عليّ أردت أن تصرخي، لكنّ الحياء الذي في داخلك منعك من الصراخ. الأرض حمراء مصبوغة بدم عليّ.. المطروح على الأرض نصف ميّت ونصف حيّ. يصل أيضاً يعقوب. يعقوب زوجك وأنيسك.. وأبو عليّ. بعد لحظات يُحمَل عليّ على الأيدي، ويوضع على كرسيّ سيّارة. تريدين أن تذهبي أنت كذلك مع يعقوب وعليّ، لكنّ يعقوب يمنعك:
أنتِ روحي إلى المنزل.
لم تكوني تطيقين الرَّواح إلى المنزل، لكنْ لا مفرّ. وحين تدخلين الغرفة تنظرين إلى صورة عليّ وتطيلين التحديق. كان عليّ في الصورة يضحك.. أمّا أنت فتبكين.
تجلسين في زاوية الغرفة تنتظرين. تمرّ ساعة.. ساعتان، ويطول على قلبك الانتظار..حتّى يحلّ الليل. كأنّ قيامة قد قامت، يومها مقداره ألف سنة. وتقضين الليل مستوحدة حَيرى محزونة تترقّبين.. حتّى يُقبل الصباح.. تتوضئين وتقومين لصلاة الفجر: ترفعين يديك بالدعاء لعليّ.. وليعقوب.
على حين غرّة.. يقتحم الدارَ صوت. تقفزين من مكانك، وتخرجين إلى فناء الدار. الشمس لم تطلع بعد. تفتحين الباب.. وإذا بيعقوب. يلقي عليك التحيّة مُرهَقاً، ويلج إلى الفِناء. يدور في داخل الغرفة، وأنت معه تدورين. ويَعلَق بصره بصورة عليّ، ثمّ يلتفت إليك:
يتحسّن عليّ، لكن...
ألف «لكن» تطنّ في ذهنك:
لكنْ .. ماذا ؟!
سلامته الكاملة.. ليس للدكتور فيها أمل. لا أدري، يقولون نُخاعه أٌصيب بضرر. قلت: آخذه إلى طهران.. قالوا: لا فائدة.
ينبوع الدمع يجفّ من عينيك، وتتمنّين لو كان بإمكانك أن تذرفي دمعة على خدّك. تحدّقين بصورة عليّ. إنّه يضحك أيضاً.. وأنت تبكين. إنّه يستمرّ يضحك ).
أنتِ ويعقوب غائصان في عتمة باحة الدار. وأنت على تلك الحال تتطلّعين إلى عينَيّ يعقوب. عيناه نديّتان بالدمع، يقول:
فقط علينا أن نظلّ على أمل. يمنّ الله علينا ويحفظ لنا عَلِيَّنا. الله يعلم كم هو عزيز علينا عليّ.
التمعَتْ في ذهنك فكرة، لا تدرين أتقولينها ليعقوب. تتردّدين مدّة، ثمّ تنطقين:
أريد أن أحوك سجّادة.
تبتسمين لنظرة يعقوب المتسائلة، وتواصلين الكلام:
مِن غد أبدأ.. أبيعها، وبثمنها آخذ عليّ إلى مشهد.
يرنو إليك يعقوب، وتلمحين في عينيه وميض والقبول والاستحسان. كأنّما تهمّين أن تقولي إنّك تأملين أن يظلّ عليّ يحكي لك عن آماله وأحلامه، وإنّك تحنّين إلى لمس دفء يديه.. بَيْد أنّ العَبرة التي كانت تتكسّر في صدرك تمنعك من الكلام.
* * *
أنتِ جالسة إلى النُّول العموديّ أمامك.. تحوكين السجّادة التي وعدتِ بها يعقوب. أنت منهمكة بها لا تشعرين ممّا حولك بشيء. لا تشعرين حتّى بيعقوب الذي جاء من خلفك. إنّه هو الذي يقول:
لا تُرهقي نفسكِ كثيراً.
يجلس يعقوب إلى جنبك عند النُّول، وبصره يرنو إلى السجّادة التي لم تكتمل بعد.
تحوكين السجّادة بطريقة «نقش زهرة الآس» ؟
إي، الآس أفضل من الكلّ.
يضحك يعقوب:
في الليلة الآتية يقام مجلس لدعاء (التوسّل).. هل تأتين ؟
يجري تفكيرك على لسانك:
لا، أريد أن أكمل السجّادة.
بغتة.. تسمعين عليّ يئنّ. تتسارع في صدرك دقّات القلب، وبارتباك تروحين إلى عليّ.
ماء!
يُحضر يعقوب الماء ويناوله إلى عليّ. يشرب عليّ بمشقّة، ثمّ يرمي برأسه على المخدّة.. بوجهٍ ناحل، وعين مفتوحة إلى النصف. ترجعين، وتجلسين عند النول، وفي قلبك عالَم من الآمال.
يداك تحوكان آخر (أدوار) السجّادة. تَعْبى النفس حقّاً، لكنّك تصرّين على مواصلة العمل حتّى النهاية. قلبك دافئ بوجود عليّ، بأحلام حديثه الودود، ووعوده الجميلة. عليّ! الآن اتّضحت صورة زهر الآس على السجّادة بجلاء. تتذكرين عليّ، فتجدين في داخلك طاقة مضاعفة. تعلمين أنّ الليلة هي ليلة الأربعاء، ليلة دعاء (التوسّل) الجماعيّ في المسجد، ويعقوب... .
فجأةً ترتجف يداك على النُّول.. أنتِ كلّك ترتجفين. تُحسّين أحداً في الغرفة! تقولين في سرّك:
مَن غيرنا أنا وعليّ في الغرفة ؟!
كلّ لحظة يزداد شعورك بوجود الشخص. إنّ أحداً يأتي في انفراد قلبك وعليّ. إحساس مبهم يقتحم وجودك. تحدّقين بالسجّادة وتهمسين:
أستغفر الله وأتوب إليه.
ما زلتِ تسمعين وَقْع أقدام الآتي.. في قلبك.. في كيانك. ويفاجؤك صوت عليّ يتأوّه. تلتفتين إليه، فترَين عليّ حائراً مبهوتاً. كلاكما مبهوت: عليّ ينظر اليك مندهشاً. أنت ترتجفين.. وكذلك عليّ.
أمام ناظرَيك المذهولين: عليّ على فراشه في نصف قَعدة. تعجين كذلك وتَحارين، كأنّك لستِ الآنَ في هذه الدنيا. عليّ يقعد على الفراش. إنّه الأمل الذي طالما ذرفتِ من أجله ساخن الدمع. عليّ الذي ليس في وسعه أن ينطق بحرف واحد ها هو يتكلّم.. يخاطبك:
ماما.. أين ذهب ؟!
يأخذك الخوف. عليّ يقوم واقفاً.. كما كان مِن قبل. تكادين تموتين من الدهشة. عليّ ينقل قدمَيه، ويتقدّم إلى الأمام باضطراب ظاهر. تقرئين سورة (الحمد) بصوت خفيض. إنّه ما يزال يمشي:
أين ذهب ؟! أين ذهب ؟!
وأنت في حيرتك الخائفة تسألين:
مَن هو ؟!
عليّ لا يجيب عن السؤال. يُطلق ساقَبه يركض باتّجاه فِناء الدار.. وأنتِ تلحقينه. يَفتح الباب ويمدّ رأسه إلى خارجه لحظات يفتّش في الزقاق. ثمّ يغلق الباب على مهل. وحين يستدير تشاهدين وجهه مغسولاً بالدموع. تتطلّعين إلى عليّ بِحَيرةٍ حائرة:
ولدي عليّ.. أنا فداء لك.. أنت.. أنت الذي.. ها أنت تمشي الآن!
وتنساب من عينيكِ أنتِ أيضاً سيول الدموع. وكطفلٍ هائج يضرب عليّ رأسه بالحائط. يضرب ويضرب ويبكي. ويبلغ الآذانَ صوتُ مذياع المسجد. دعاء التوسّل: (... يا عليّ بنَ موسى، أيّها الرضا.. يا ابنَ رسول الله يا حجّةَ الله على خلقه، يا سيّدَنا ومولانا إنّا توجّهنا واستشفعنا وتوسّلنا بك إلى الله وقدّمناك بين يدَي حاجاتِنا، يا...)
وتتذكّرين أن يعقوب الآن في المسجد. وتقولين في سرّك:
لم يبقَ كثير على عودة يعقوب.
واضح لديك أنّ عليك أن تسجدي شكراً لله. تنظرين إلى السماء، وتذرفين دمعة. عليّ جالس على الأرض في حَيرة ووجوم. تقودينه إلى داخل الغرفة. تنشّفين دموع عينيه، وتجلسين عند النّول. أنت منهمكة الآن بأخر (دَور) من أدوار السجّادة تحوكينه.. ويدخل يعقوب.
ينهض عليّ من مكانه ويرمي بنفسه باكياً في أحضان يعقوب. يبكي يعقوب بكاءً صامتاً، وعليّ ينتحب. لا يقرّ له قرار، كأنه قد فقد عزيزاً عليه.
ومن خلال النُّول المنتصب تنظرين إلى عليّ ويعقوب. عليّ يُقبِل إليك. يتطلّع إلى السجّادة المنقوشة عليها زهرة الآس. أنت تحدّقين في عليّ، وعليّ يحدّق في السجّادة على النُّول.
تمرّ لحظات. يأخذ عليّ كفّك بين كفَّيه، ثمّ تلامس شفته كفّك:
في يدك يا ماما عطر الآس. لكنْ لا عطر أروع أبداً من عطر وجود مولاي الإمام.. الذي أتاني عند فراشي، وأطلقني من العذاب والمرارات.
تحتضنين عليّ بمسرّة وابتهاج.. ويتوحّد قلبك بقلب عليّ.
ترجمة وإعداد: إبراهيم رفاعة
من مجلة الحرم ـ العدد 45 و 46،
تشرين الثاني 1997.
|
|
|
|
|