بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم
ان الغذاء هو قوام الحياة وبما أن من خصائص الروح (الحياة) فلابدّ لها من غذاء وإذا كانت الأبدان تختلف أغذيتها باختلاف أذواقها وما يلائمها فإن غذاء الأرواح يختلف باختلاف كونها خيرة أو شريرة سعيدة أم شقية.
فغذاء الأرواح الشقية التردي في الموبقات وارتكاب المعاصي والتدرج في مهاوي الشقاء، أما غذاء الأرواح النورانية الخيرة السعيدة فهو التدرج في الأعمال الصالحة والالتزام بطاعة الله تعالى وصولا إلى الكمال الإنساني المنشود والنعيم المقيم.
وكما ان الغذاء الجسدي لا يكون غذاءاً نافعاً إلاّ إذا تضمن العناصر الأساسية للغذاء الصحي المتوازن وهو ما يحدده أهل الخبرة من علماء أحياء وأطباء وفق الأسس العلمية فإن الغذاء الروحي لا يكون غذاءاً نافعاً إلاّ إذا كان مما تسمو به الروح وتتطهّر به النفس وليس لأحد أيّاً كان تشخيص ذلك إلاّ عدل القرآن وهم المعصومون (عليهم السلام) لذا فإنه لا يكون غذاءاً للروح إلاّ ما نصّوا على إنه غذاءٌ لها.
ولا تستطيع الروح أن تتغذى إلاّ إذا كانت تحمل الاستعداد والقابلية فإن الأرواح الشريرة لا تستطيع أن تتغذى بغذاء الأرواح الخيرة والعكس صحيح أيضاً.
وكلما مالت النفس إلى الشرور والخبائث كان من الواجب إصلاحها والحيلولة دون انحرافها وعدم إطلاق العنان لكل ما تبتغيه لأن النفس بطبعها نزاعة إلى الهوى ميالة إلى الشهوات راغبة في التمتع بالملذات جانحة إلى حب الثروة والمال والعظمة والشهرة فإذا أرخي لها العنان صار الإنسان عبداً لشهواتها وأسيراً لهواه وبالتالي توقعه باقبح الرذائل.
روي في نهج البلاغة عن أمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام):
"من أصلح سريرته أصلح الله علانيته ومن عمل لدينه كفاه الله دنياه ومن أحسن فيما بينه وبين الله كفاه الله ما بينه وبين الناس"(1).
فلابدّ من تطهير القلب وتنقية الباطن ليسري ذلك إلى تطهير الجوارح والظاهر يكون الإنسان عارفاً بالمعاصي والذمائم وهي حب الدنيا والكبر والعجب والحسد والرياء والسمعة والحقد والبخل واليأس فالواجب على الإنسان السيطرة على نفسه عند ميولها إلى الشهوات وعدم إعطائها ما تريد وأن يكون خاضعاً للقوانين الشرعية ولا يكون كالذين أطلقوا لأنفسهم العنان وأفرطوا في اللذات ورأوا أنهم ما خلقوا إلاّ ليتمتعوا بما يشتهون
كما قال سبحانه وتعالى:
{يأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم}(2).
هؤلاء قوم خرجوا عن جادة الصواب بخلاف من زهدوا في الدنيا وأعرضوا عن شهواتها ولذاتها وتمتعوا بما خلق الله من النعيم المباح وضبطوا أنفسهم والتزموا بما حكم به الشرع أولئك هم المؤمنون حقاً.
__________________
1 ـ نهج البلاغة، ج20، ص68، منشورات دار الهجرة.
2 ـ محمد، 47: 12.
المصدر : مجلة الزهراء عليها السلام