لا يخفى على الجميع أهمّية القراءة في تثقيف الفرد وتنمية قدراته العقلية، ومنذ صغري كنت أتلقّى الكثير من النصائح حول أهمية القراءة، لكنّ التحدي لم يكن في البدء بالقراءة، بل في مواصلة القراءة، لأنّني ـ ككثيرٍ من الناس ـ كنت أكتسب جرعات من الحماس بعد خروجي من ندوةٍ عن أهمية القراءة وأبدأ في القراءة بشكل متواصل لعدة أسابيع، لكن سرعان ما تنطفئ الحماسة وتقلّ العزيمة، وهنا تكمن المشكلة.
قبل عامٍ ونصف بدأتُ مرحلةً جديدة من حياتي، وهي مرحلة الاغتراب، سافرتُ للدراسة بأمريكا، وفي أثناء هذه الفترة تأثّرت بكثيرٍ من عادات الشعب الأمريكي، والتي من ضمنها استغلالهم لأوقات الانتظار في أيّ مكان كان بالقراءة، فتراهم يقرؤون في باصات النقل الجماعي وفي محطّات الانتظار وعند انتظارهم لموعد الطبيب، مثل هذه العادات تخلّف آثاراً إيجابيّة على الإنسان، فيشعر بأنّ حمل كتاب عند الخروج من المنزل لا يقلّ أهمية عن حمل الهاتف الجوال، وأنّ أوقات الانتظار ليست مضيعةً للوقت بل هي فرصة ثمينة للقراءة.
ما أريد قوله: أنّ البيئة الاجتماعية لها تأثير كبير في مسألة القراءة وفي جعل الشخص مرتبطاً بالكتاب، لكن للأسف في مجتمعٍ كمجتمعنا يعتبر الشخص الذي يقرأ كتاباً أثناء انتظاره في مستوصفٍ شخصاً شاذّاً، وهذا أبسط مثال على عدم توفّر بيئةٍ مناسبة تحفّز الناس للقراءة.
جانبٌ آخر يشجّع على القراءة في الغربة هو وجود وقت فراغ كبير، خصوصاً مع قلّة أو عدم وجود ارتباطات ومناسبات اجتماعية، وكتجربةٍ شخصية أقمت في شقّةٍ بمفردي لعدّة شهور، كان الكتاب هو أنيسي في غربتي وبُعدي عن عائلتي وأصدقائي.