|
عضو نشط
|
رقم العضوية : 73209
|
الإنتساب : Jul 2012
|
المشاركات : 214
|
بمعدل : 0.05 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
السلوك الزينبي
المنتدى :
المنتدى الثقافي
بتاريخ : 26-07-2012 الساعة : 08:09 PM
8. عالَم الحقائق
فقال: « ولكنّهم عندما امتُحِنوا بالتكاليف في العالم المادّي، أغفلوا العمل ببعض تلك الواجبات، لأنّ إقرارهم الأوّل كان باللسان فقط، فكان أن لم ينجحوا في الامتحان، وهنا في هذه المرحلة الاُولى من هذا العالم، يجيب الجميع: مؤمنين ومنافقين، إجابات صحيحة تتّفق مع الحقيقة (16). إلاّ أنّ هذا السؤال الأخير امتحان يراد به معرفة ما إذا كانت العقيدة قلبية، إذ في هذه الحالة يكون الجواب ما قلته ويكون الخلاص. أمّا إذا كان الجواب: كان الناس يقولون فقلت، فعندئذ لا ينفع التقليد في القول بغير أن يعقد عليه القلب، كما أنّك تعلم أنّ أخبار المعصومين تورد هذه التفاصيل نفسها ».
فقلت: « نعم، الآن تذكّرت أنّ هذا هو ما ورد في الأخبار، ولكنّ الخوف والاندهاش عند طرح السؤال أنساني ذلك، وها أنت تذكّرني به الآن، فلا أبعدك الله عنّي. والآن قل لي كيف حدث أنّك تعرفني، مع أنّي لم أرَك مِن قبل، ومع ذلك فإنّي لفرط حبّي لك أرى فراقك يعني الهلاك لي ؟ ».
فقال: « لقد كنتُ معك منذ البداية، وأنا أُكنّ لك الودّ، ولكنّك لم تشعر بي، لأنّك في عالم المادّة لم تكن قويّ البصيرة. ما أنا إلاّ حبل المحبّة الذي يربطك بعليّ بن أبي طالب وأهل بيت النبوة وسَورة الهدى (17)، وهي المحبّة التي لهم فيك بقدر قابليتك. ولذلك كان اسمي الهادي، أي هاديك أنت. أمّا هو فإنّه هادي المتّقين جميعاً (18)، ذَلِكَ الكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ (19).
إنّه تمسّكك بتلك العروة الوثقى: فَمَنْ يَكفرْ بِالطَّاغُوتِ ويؤمِن بِاللهِ فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالعُرْوَةِ الْوْثقَى لا انْفِصَامَ لَها ، لذلك فأنا لا أنفصل عنك إلاّ إذا أبعدت نفسك عنّي باتّباعك الهوى.
أمّا وجه تكنيتي بأبي الوفاء وأبي تراب فيعود إلى سلوكك وانطباقه على الأقوال والوعود وتواضعك للمؤمنين. وخلاصة القول: إنّي وليد عليّ في مهد قلبك، وإنّ مقدار استعدادي لمسالمتك وعدم مسالمتك يعود إليك، ففي حالة معصيتك أهرب منك، وفي حالة توبتك أكون جليسك. ومن هذه الناحية قلت: إنّي في رحلة هذا العالم لا أنفصل عنك، إلاّ في حالة تقصيرك أو قصورك، وهما من صنع يديك: ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أيْدِيكُمْ وأنَّ اللهَ لَيسَ بِظَلاَّمٍ لِلعَبيدِ (20).
سأذهب الآن وأتركك تستريح، فما أنا إلاّ تلك الأمانة الإلهية التي عَهِد الله بها إليك. إنّ القرآن مليء بحكايتي، ولكن من المؤسف أنّك قرأت القرآن كثيراً، ومع ذلك تقول إنّكَ لا تعرفني ».
_____________________________________
16 ـ لعلّ المرحوم المؤلّف قد صادف بهذا الخصوص حديثاً خاصّاً، ولكن جاء في بعض الروايات صراحة أنّ المؤمن هو وحده القادر على الإجابة الصحيحة، وأنّ المنافقين يعجزون عن ذلك.
17 ـ سَورة الهدى، تعني التحرك والهيجان والهداية في ولاية عليّ وأهل بيت العصمة عليهم السّلام.
× 18 ـ لابدّ هنا من إيضاح أنّ لكلمة « ولاية » معاني متعددة، تدلّ كلّها على التقارب بين شيئين تقارباً ظاهرياً أو معنوياً.
إلاّ أنّ بعض كتب اللغة، مثل كتاب ( مفردات القرآن ) للراغب الإصفهاني، يقول بوجود اختلاف في معنى « الولاية » بكسر الواو وبفتحها، فمعناها بالكسر هو العون والمساعدة، ومعناها بالفتح يشتق منه الولي الذي له حقّ السلطة على أمر من الاُمور.
أما في القرآن الكريم فقد وردت الولاية بمعنى حقّ السلطة بصورة واضحة وصريحة. إنّنا نرى أن الكلمة الواردة في الآية(71) من سورة التوبة: (!« والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض »!) تؤدّي المعنى الأوّل. وفي الآية (55) من سورة المائدة: (!« إنّما وَلِيّكُمُ اللهُ وَرسُولُهُ والذينَ آمَنُوا الَّذينَ يُقيمونَ الصلاة ... »!)، وهذه الآية بإجماع الشيعة والسنة قد نزلت بشأن عليّ عليه السّلام، كما أنَّ آية: (!« أطِيعُوا اللهَ وأطِيعُوا الرَّسُولَ واُولي الأمرَ مِنْكُمْ »!) ـ وبمراجعة حديث غدير خم ـ نجد أنّ الكلمة قد استُعملت فيها بالمعنى الثاني.
وقد سبق أن قلنا إنّه لا شّك في أنّ هذه الكلمة تأتي بمعنى المحبّة والودّ، وهو العلاقة القلبية والقرب المعنوي. وعلى هذا فإنّ جمعاً كبيراً من علماء أهل السنة يقولون بهذا المعنى في الآيات والروايات التي تخصّ أهل البيت عليهم السّلام.
وقد قال الشافعي:وأمسكت حبل الله كما قد أُمرنا
وهو ولاؤُهم بالتمسك بالحبلِ
حسبما جاء في ( الكنى والألقاب ) للمحدّث الجليل القمّي.
وفي باب محبّة أهل البيت، وردت عن طريق أهل السنّة روايات كثيرة نكتفي هنا برواية واحدة وردت في تفسير ( الكشّاف ) للزمخشري، وهي: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: « من مات على حبّ آل محمّد مات شهيداً ». أمّا الشيعة فبموجب الروايات الكثيرة التي وصلتنا من أهل بيت العصمة ( وأهل البيت أدرى بالذي فيه )، يعتقدون أنّ محبّة أهل البيت وولايتهم هي الإكسير الأعظم، وهي من أهمّ العبادات، وهي مقدَّمة على كلّ الواجبات.
قد جاء في كتاب ( وسائل الشيعة ) ج 1 ص 4 عن أحد المعصومين عليهم السّلام: « بُني الإسلام على خمس: على الصلاة والزكاة والصوم والحجّ والولاية، ولم يُنادَ بشيء كما نُودي بالولاية ».
وفي ( اُصول الكافي ) للمرحوم الكليني في باب ( أنّ الأئمّة نور الله ) نقلاً عن أبي خالد الكابلي أنّه قال: سألت الإمام محمد الباقر ـ الإمام الخاس ـ عليه السّلام عن معنى الآية الشريفة « فآمِنُوا باللهِ ورسوله والنورِ الذي أنْزَلْنَا ». فقال الإمام في شرح الآية: « والله ـ يا أبا خالد ـ نور الإمام في قلوب المؤمنين أنور من الشمس المضيئة في النهار ».
بعد هذه المقدّمة يمكن القول: إنّ المؤلّف قد استلهم الآيات الشريفة ومئات الروايات، فاعتبر مقام الولاية هو الهادي والمرشد في عوالم ما بعد الموت، وحبّ أهل البيت نافذاً ومؤثراً في جميع العوالم، ولكي نوضّح كيف يمكن أن يكون مقام ولاية أهل البيت نافذاً ومؤّثراً في جميع العوالم، لابدّ لنا من ذكر تمهيد آخر:
عند دراسة التفاسير المعتبرة دراسة دقيقة والتمعّن في معاني الآيات الكريمة، يتّضح بشكل لا يقبل الشكّ أنّه على الرغم من أنّ الله سبحانه وتعالى غني بذاته وفعّال لما يريد، وهو مطلق القدرة على كلّ شيء، وإلى ذاته القدسية يُنسب تدبير جميع الاُمور، فإنّنا نلاحظ أنّه يُوكِل بعض الأعمال إلى بعض مخلوقاته من الملائكة والرسل والعباد المقرّبين المخلصين، كما جاء في الآية 11 من سورة السجدة: « قُلْ يتوفّاكُمْ مَلَكُ مَوت »، والآية 27 سورة النحل: « الَّذينَ تتوفّاهُمُ الملائكَةُ »، والآية 61 من سورة الأنعام: « ويرسل عليكُمْ حفَظَةً حتّى إذا جاء أحدَكُم الموتُ توفّتْه رُسُلُنا وهُم لا يُفرِّطُون »؛ فهو ينسب عملية قبض الأرواح إلى ملائكته ورسله، كما يمنح القدرة على شفاء المرضى وإحياء الموتى إلى عيسى ابن مريم، أو يعطي القدرة على التصرّف في الزمان والمكان وإحضار عرش ملكة سبأ إلى وزير النبيّ سليمان عليه السّلام الذي كان عنده علم من الكتاب.
هذه كلّها أدلّة على أنّ تحقيق بعض الاُمور يوكله الله تعالى كلّياً إلى وسائط تقوم بذلك بإذن الله، ولا يتنافى هذا مطلقاً مع وحدانية الله جلّ شأنه، لأنّ فعل هؤلاء هو في الحقيقة فعل الله، كما يحصل بخصوص تصوير الجنين في رحم اُمّه باعتباره ممّا يقوم به الملائكة، ولكنّه يقول: « هو المصوِّر »، وفي آية اُخرى يقول: « ورفعنا فوقَكمُ الطور » مع أنّ هذا قد قام به جبرئيل ظاهراً.
صحيح أنّ الله هو وحده القادر المطلق في عالم الوجود، وما من أحد ـ حتّى المنتخبين في عالم الخليقة ـ يملك ممّا ينفعه أو يضرّه شيئاً « بيده المُلْكُ وهو على كلّ شيء قدير »، كما يقول لحبيبه خاتم الأنبياء في الآية 188 من سورة الأعراف: « قل لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضَرّاً »، فحتّى النبيّ الكريم، على رفعة مقامه ومنزلته، لا يملك من القدرة المستقلة والإرادة الذاتية شيئاً.
ولكن مع أخذ ما ذُكر بنظر الاعتبار، فإنّ الله تعالى يمنح النفوس الزكية المطهّرة عن كلّ تلوث مادّي، والمنزّهة عن كلّ هوى نفسيّ، وتحمل علم الكتاب، يمنحها الولاية والاختيار والحرية في العمل في هذا العالم وفي العوالم الاُخرى، كما قال الإمام عليه السّلام: « إنّ الله أقدرنا على ما نريد ». فهم بإذنه يطلبون الغفران لعباد الله المذنبين فيغفر لهم. وخلاصة القول: إنّهم يقسمون الجنّة والنار بأمره بين أحبّائهم وأعدائهم.
19 ـ البقرة / 2.
20 ـ آل عمران / 182.
|
|
|
|
|