2. الفتوى
من المصطلحات الفقهية مصطلح : الفتوى
وعُرّف بأن الفتوى : إخبار الفقيه عن اللَّه سبحانه بحكم شرعي كلي متعلق بموضوع كلي حسب رأيه وما أدى إليه نظره .
أو قل هي رأي الفقيه في مقام استكشاف حكم الله عز وجل الشرعي الكلي
وقد تقدم تعريف الحكم الشرعي وما يشتمل عليه من أقسام وعرِفنا أنه : التشريع الصادر من الله تعالى
فالفقيه وفق وسائل وأدلة الاستنباط يحاول التعرف على هذا التشريع الإلهي في هذه المسألة أو تلك فيُخبر بما يؤدي
اليه نظره في تلك الأدلة على أنه حكم الله تعالى ومجعوله الشرعي في تلك المسألة
فالفتوى هي نتيجة الاجتهاد والاستنباط الفقهي ونتيجة النظر في الأدلة ، مثلاً إذا أراد الفقيه معرفة رأي الشريعة في
غسل الجمعة أنه واجب أو مستحب ، أو في حكم صلاة الجمعة في عصر الغيبة ، أو غير ذلك فإنه حينئذٍ سينظر في
الأدلة الشرعية وما يصلح استفادة الحكم الشرعي منه من الكتاب والسنة وغيرهما فما توصّل اليه نظره واستنباطه
واستنتاجه من تلك الأدلة يسمى بالفتوى ، فقوله غسل الجمعة مستحب يسمى فتوى وقوله صلاة الجمعة واجبة فهذه
فتوى ، ويعبر عنها الفقيه بتعبيرات مختلفة مثل : يجب ، يستحب ، يحرم ، يكره ، يجوز ، يبطل ، يثبت ، يصح ،
يشترط ، .... الى غير ذلك من ألفاظ .
ملاحظة / إذا أراد الفقيه معرفة رأي الشريعة في مسألة فإنه سيبحث عن الدليل عليه في ما يصلح أن يكون دليلاً
على الفتوى ومرجعاً لاستنباطها فإن وجد الدليل كآية أو رواية وأفتى على أساسه سمي ذلك ( فتوى ) ويسمى ذلك
الدليل بالدليل الاجتهادي ، وإن لم يجد الدليل فإنه سيلجأ الى وسيلة أخرى لمعرفة الحكم الشرعي في تلك المسألة
وهي بالاعتماد على بعض القواعد التي تسمى بالأصول العملية لكن حينئذ الرأي الناتج عنها لا يسمى ( فتوى )
إذن الفتوى هي رأي الفقيه المستند الى الدليل الاجتهادي في بيان الحكم الشرعي
مثلاً يقول الفقيه :
( كل من اشترى حيواناً - إنساناً كان أو غيره - ثبت له الخيار ثلاثة أيام ) لاحظ مثلاً منهاج الصالحين - السيد الخوئي ج2 ص29
وقد استفاد هذا الحكم الشرعي وهو ثبوت خيار الفسخ لعقد البيع لمن اشترى حيواناً لمدة ثلاثة أيام من عدة روايات
منها ما رواه الشيخ الطوسي رضوان الله عليه عن الحسن بن علي بن فضال قال : ( سمعت يا أبا الحسن علي بن
موسى الرضا عليه السلام يقول : صاحب الحيوان المشتري بالخيار بثلاثة أيام ) وسائل الشيعة ج 12 ص 349
فالحكم بثبوت خيار الفسخ يسمى فتوى والرواية التي استفيد منها هذا الحكم تسمى بالدليل الاجتهادي .
ثم إن قيد الكلي المأخوذ في التعريف يراد به الاحتراز عن الإخبار بحكم جزئي المصطلح عليه ( الحكم ) بمعنى
القضاء ، فالفتوى حكم شرعي كلي ، والحكم بمعنى القضاء حكم شرعي جزئي ، والمراد من كون الفتوى حكماً شرعياً
كلياً كونه قاعدة عامة يذكرها الفقيه لا تختص بمورد معين أو حالة معينة ولا يكون الملحوظ فيها موضوع خارجي ،
فقول الفقيه ( الخمر حرام ) حكم شرعي كلي لأنه يتحدث عن الخمر بشكل عام وكقاعدة كلية تنطبق على جزئيات
خارجية أي تشمل كل خمر يوجد في الخارج ولا يختص الحكم بالحرمة بخمر معين دون غيره ، وهذا بخلاف الحكم
بمعنى القضاء الذي يكون موضوعه قضية خارجية .
وعليه فقولنا هذا الخمر حرام في إشارة الى خمر خارجي هو في الحقيقة ليس فتوى وإنما تطبيق للفتوى لأنه ليس
حكماً كلياً حينئذٍ لأن الحديث ليس عن كل خمر أو قل عن طبيعة الخمر بل عن خمر مشخّص موجود في الخارجي
فالمقصود أن هذا المائع الخارجي هو أحد تطبيقات تلك القاعدة الفقهية والحكم الكلي التي يدل عليها قول الفقيه
( الخمر حرام ) ، وتسمية ذلك بالفتوى من باب التوسع في الإطلاق وليس حقيقة .