العارف الجليل آية الله السيد علي القاضي استاذ العلامة الطباطبائي في العرفان والسير والسلوك
يقول العلامة الطباطبائي: نحن كل ما عندنا فهو من المرحوم القاضي، سواء ما
تعلمناه منه في حياته ، واستفدناه من محضره أو الطريق الخاص بنا، كل ذلك من
المرحوم القاضي
يقول العلامة الطباطبائي رحمه الله: عندما كنت في طريقي من تبريز إلى النجف
الأشرف للدراسة ، لم أكن أعرف شيئاً عن النجف، ولم أكن أعرف أين أذهب، وماذا
أفعل.. كنت في الطريق أفكر دائماً أي درس أدرس؟.. وعلى من أتتلمذ؟.. وأي
طريقة أختار ويكون فيها رضا الله تعالى؟.. عندما وصلت إلى النجف الأشرف، وحين
الدخول توجهت إلى قبة أمير المؤمنين (ع) وقلت:
(يا علي!.. تشرفت بمحضرك لمواصلة الدراسة، ولكني لا أعرف أي نهج أسلك، وأي
برنامج أختار ، أريد منك أن ترشدني إلى ما فيه صلاحي.
استأجرت منزلاً وسكنته.. وفي الأيام الأولى وقبل أن أبدأ أي درس ، كنت جالساً
في البيت أفكر في مستقبلي فجأة طرق الباب، فتحت الباب فرأيت أحد العلماء
الكبار سلم ودخل.. جلس في الغرفة ورحب بي، كانت له طلعة جذابة ونورانية جداً،
حادثني بكامل الصفاء والصميمية والأنس ، وخلال أحاديثه قرأ لي أشعاراً، وقال
لي ما مضمونه: الشخص الذي يأتي إلى النجف بهدف الدراسة من الجيد أن يفكر
بالإضافة إلى الدراسة بتهذيب نفسه وتكميلها، وأن لا يغفل عن نفسه.. قال هذا
ومضى..
وفي ذلك المجلس أسرني أخلاقه وتصرفاته، وقد أثرت في قلبي كلماته القصار
والأخاذة، إلى حد أني عرفت منها برنامجي المستقبلي.. وطيلة الفترة التي كنت
فيها في النجف لم أترك محضر ذلك العالم التقي، اشتركت في درسه الأخلاقي
واستفدت من سماحته.. ذلك العالم الكبير هو المرحوم آية الله الحاج الميرزا
علي القاضي (رضوان الله عليه).
كان المرحوم القاضي يعطي لكل من تلامذته تعليمات خاصة به طبق الموازين
الشرعية، مع رعاية الآداب الباطنية للأعمال، وحضور القلب في الصلوات،
والإخلاص في الأفعال.. وهكذا كان يؤهل قلوبهم لتقبل الإلهامات الغيبية.
كانت له حجرة في مسجد الكوفة، وحجرة في مسجد السهلة، وكان يقضي الليالي فيها
وحيداً ، وكان يوصي تلامذته بإحياء بعض الليالي بالعبادة في مسجد الكوفة أو
السهلة.. وكان قد أوصى أنه إذا كنتم في الصلاة، أو قراءة القرآن، أو في حال
الذكر والفكر، فرأيتم صورة جميلة أو أشياء أخرى من عالم الغيب، فلا تهتموا
وتابعوا عملكم.
يقول العلامة الطباطبائي رحمه الله: ذات يوم كنت جالساً في مسجد الكوفة
مشتغلاً بالذكر ، فرأيت حورية من الجنة جاءت عن يميني وفي يدها كأس من شراب
الجنة، جاءت به إليَّ وهي تحاول إثارة اهتمامي بها، وبمجرد أن أردت الإلتفات
إليها تذكرت كلام الاستاذ، فأغمضت عيني ولم أهتم.. قامت تلك الحورية وجاءت
شمالي وقدمت لي ذلك الكأس، فلم أهتم أيضاً وصرفت وجهي فتألمت تلك الحورية،
وأنا إلى الآن كلما تذكرت ذلك المشهد أتأثر لتألمها.
ويعرف أهل النجف وخصوصاً أهل
العلم الكثير من قصصه.. كان في منتهى الفقر، وكانت عائلته كبيرة، وكان في
منتهى التسليم والتفويض والتوحيد، بحيث لم تخرجه هذه العائلة درة عن مساره..
واليك هذه القصة عن احد طلبة العلم قال: ذهبت ذات يوم إلى
دكان بائع الخضار، رأيت المرحوم علي القاضي منحنياً ينتقي الخس إلا أنه على
عكس المتعارف، كان يختار الخس الذابل ذا الأوراق الخشنة.
وقفت أتأمله بدقة إلى أن نهض من الانتقاء، وقدم الخس لصاحب الدكان ليزنه..
ووضعه السيد تحت عباءته ومضى، وكنت عندها طالباً شاباً، وكان المرحوم القاضي
رجلاً مسناً.. فتبعته وقلت له: مولاي!.. لدي سؤال.. لماذا اخترت بعكس الجميع
الخس غير المرغوب فيه؟..
قال: عزيزي، هذا الرجل بائع فقير، وأنا أساعده أحياناً، ولا أريد أن أعطيه
شيئاً بلا عوض لأحفظ له عزته وماء وجهه أولاً، ولا يعتاد على "الأخذ" مجاناً
فيتكاسل في الكسب ثانياً.
وبالنسبة لنا لا فرق بين الخس الطري والناعم أو هذا الخس، وأنا أعلم أن هذا
الخس لن يشتريه منه أحد، وعندما يقف دكانه ظهراً سوف يلقي بها بعيداً، ومنعاً
لتضرره وخسارته فقد اشتريت هذا منه...
ويدلل البغدادي وللكلام تتمه انشاء الله
التعديل الأخير تم بواسطة حميد م ; 13-05-2012 الساعة 01:21 AM.