الحرب الأهلية السورية قبل سقوط النظام أم بعد سقوط النظام
بتاريخ : 27-01-2012 الساعة : 11:20 PM
بقلم/ فارس اللواء
الحرب الأهلية السورية قبل سقوط النظام أم بعد سقوط النظام
مر الآن ما يقرب من عام علي انطلاق الثورة السورية ولم تشهد الأحداث في الداخل السوري إلا صراع الإرادات والأبدان...فالضغوط علي النظام السوري تزداد يوما بعد يوم..ولكن مع المراوحات السياسية والمَلَكة الذهنية والشخصية الكاريزمية يخِف الضغط إلي مستويات يشعر بها مؤيدي النظام بالنصر ثم وبالتبعية يزداد الضغط فيشعر معارضي النظام أيضا بالنصر ..إذا نحن أمام صراع إرادات حقيقي، ومن الطبيعي وفي ظل الحالة السورية التي تتسم بالعتامة الإعلامية أن ينتقل الصراع إلي حالة الصراع البدني الذي يسقط فيه الشهداء واحدا بعد الآخر..هذه العتامة الإعلامية بدت أنها عنوان المرحلة ..فالعتامة هنا ليست في إمكانية المعرفة بما يحدث علي الأرض السورية..ولكن بإبراز الرأي الواحد عبر سلوك كافة أنواع التضليل الإعلامي والتزوير المتعمد والفبركات التي أصبح تداولها علي شبكة الإنترنت شيئا عاديا..وتقريبا أري يوميا عشرات من الحالات التي تثبت هذا التوجه الإعلامي السئ من جميع الأطراف سواءا كان من النظام أو من المعارضة..
ومع بروز حالة الصراع البدني وسقوط الشهداء تبرز المخاوف من نشوب حرب أهلية بين السوريين..وقد حذّر منها القادة السياسيون مرارا...والحرب الأهلية في ذاتها ليست خيارا لطرف ما بقدر ما هي حالة يُجبر علي سلوكها الأطراف المعنية تبعا للمعطيات والمتغيرات..بيد أن أطراف تلك الحرب المحتملة يلجأون إلي نفي إمكانية حدوثها أملا في ترويج بضاعة مقبولة إنسانيا لدي الآخر..ولكن هذا لا يكفي فالنفي لإمكانية الحدوث لابد وأن يرافقه حوادث علي شكل أفكار وأفعال تحد من ظواهر انبعاث تلك الأزمة..تقريبا نفس الذي حدث في دولة العراق إبان نشوء تلك الحرب الأهلية والمذهبية المضاية التي أودت بحياة أكثر من مليون شهيد عراقي..فالمعطيات حينها كانت تتسم بنفس الشبه الموجود لدي الحالة السورية..الجميع ينفي إمكانية الحدوث ولكن في ظل الإحتقان يجد الإنسان نفسه مجبورا علي خوض ذلك الصراع..
الحالة السورية تتسم تقريبا بالتعتيم الإعلامي وبالتالي نشوء تشابكات فكرية وتناقضات منطقية وهذا نتاج طبيعي في ظل حالة استبدادية دكتاتورية يعاني منها السوريين علي مدي عدة عقود..ولكن وبعد انطلاق الثورة السورية بدت لنا علي السطح ماهية هذا التشابك وإمكانية رصده تهميدا لَحَلّه..فالمتابع لنشأة هذا النظام علي يد حافظ الأسد يري توجها ثوريا علي خلفية أيدلوجية بدأت منذ انهيار الوحدة السورية المصرية في مطلع الستينات كانت تمر فيها سوريا بحالة اضمحلال سياسي كَثرت فيها الانقلابات العسكرية وعززته هزيمة يونيو 67..وفي تلك الفترة شاهدنا عِدّة حكام لسوريا ختامها كان بتولي حافظ الأسد مهام الرئاسة عام 71..ومن يومها عاد الإستقرار للحالة السياسية لسوريا ولكنه استقرار أدي للجمود فيما بعد..فعلي ما يبدو أن الخلفية الأيدلوجية .."البعثية".. لحافظ الأسد حالت دون تواصل رأس النظام مع القواعد الجماهيرية التي تأثرت فيما بعد بأيدلوجيات دينية رافضة لتوجه البعث وحاكمة عليه..
مهم جدا معرفة نشأة هذا النظام علي أسس وقواعد فكرية صحيحة فالمقدمات الخاطئة تُعطي وبالتبعية نتائج خاطئة..فالكثير منا يخلط بين مذهبية النظام"بحاليته" وبين أيدلوجيته الفكرية والتي تُعطيه بُعدا قوميا وهذا أعِزه في الغالب لخطاب ديني متشدد أثر في القواعد الجماهيرية وبعض النُخب أواخر السبعينات وأوائل الثمانينات..لذلك كانت من ضمن مفارقات هذا النظام مع مخالفيه قيامه بارتكاب المجازر ضد الشعب في حماة واتهامة للإخوان المسلمين بمحاولة الإنقلاب العسكري عليه..ومع ضخامة أعداد الشهداء نجد أن صورة الضحايا في الداخل السوري كانت مشوهة وصورة النظام كانت هي البطل الذي حرر السوريين من.. "الإرهاب والتخلف" ..حتي قرأت تقريرا منذ عِدة أشهر يقول فيه بأن الأغلبية العظمي من الشعب السوري كانوا يحتفلون بنجاح النظام في القضاء علي عصابات الإخوان كما كانوا يصفونهم في إعلامهم دوما..وهذا التصرف ليس بغريب علي الأنظمة الشمولية التي تعتمد فرض الرأي كسلوك وفكرة دون النظر إلي ماهيتها ومدي قبولها من كافة الأطراف..بيد أنه قد رأينا مثل هذه التصرفات في الصين ومجازرها في ساحة "تيان آن من"..ومجازر روسيا في الشيشان ..ومجازر إسرائيل في لبنان وفلسطين في مطلع الثمانينيات ومؤخرا رغم أن التكوين السياسي للنظام الإسرائيلي لا يعطيه بُعدا شموليا..ولكن عقيدته العنصرية بتميز الفكرة الصهيونية هي التي جعلت له هذا التشابه مع الأنظمة القمعية ولو بطريقة فلسفية..
ومع تولي بشار الأسد الحُكم رأينا توجها جديدا لدي رأس القيادة البعثية يتمثل في الدعوة لضرورة إجراء إصلاحات أشار إليها بشار الاسد في أولي خطاباته في العام 2000 بعد توليه مهام الرئاسة وهو تأريخ للقيادة السياسية السورية يؤرخون فيه لبدء عقلية إصلاحية كما يروجون لها في إعلامهم الرسمي..ولكن هذا الترويج شابه أنواع من التناقض إذ لو كان الإصلاح هدفا لكان من السهل صناعة دستور يتوافق عليه السوريون دون إقصاء..ولا شك أن أحد أبرز سقطات النظام السوري هو إقصائه لجماعة الإخوان المسلمين السورية وعدم إلغاء بشار الأسد للقانون الذي يحكم بالإعدام لكل من ينتمي للجماعة في سوريا..وبعد مرور11 عاما علي خطابه "الإصلاحي" في بداية القرن الحادي والعشرين لم نسمع لبشار الأسد أو نقرأ له توجها تواصليا مع مخالفيه في الداخل..وقد كان ذلك حُجة قويا لتوسيع رقعة الرفض لنظامه داخل سوريا وخارجها خاصة للمنتمين لجماعة الإخوان المسلمين في باقي البلدان..
في ظل هذه العقلية الإقصائية للنظام السوري رأينا توجها للنظام السوري يتسم بالعقلية الثورية الممانعة للحالة العامة لعقلية النظام العالمي ، هذا النظام الذي يحطّ بمشاريعه واستراتيجياته بمنطقة الشرق الـأوسط بالتحديد كمنطقة استراتيجية له لدعم الكيان الصهيوني كهدف استراتيجي يضمن بقاء الكيان كآداه وسط الحالة العربية والإسلامية التي رافقت صدمة الحداثة في عقليات تلك الشعوب..وهو ما أوجد للنظام السوري منذ نشأته عام 71 أرضية شعبية خاصة في المناطق التي تشهد مواجهات عسكرية وإعلامية مع الكيان الصهيوني والولايات المتحدة..وهذا طبيعي إذ بالعودة إلي المعطيات التي رافقت نشأة النظام في الستينات نري أن النظام ذو عقلية ثورية أيدلوجية تمددت أنسجتها داخل دول الجوار ..
هذه المقدمة مهمة للوقوف علي الحالة التكوينية للنظام السوري تمهيدا لمعرفته وإمكانية رصد عقليته في التعامل مع الاحداث..ولكن في خِضم ذلك ومع بروز حالة التشدد الديني التي رافقت صعود جماعات التيار السياسي في المنطقة العربية رأينا بروزا لأفكارا إقصائية دينية كانت لها توابع في مصر والعراق والاردن وسوريا ولبنان كأحد خطوط التماس مع ممثل النظام العالمي الإمبريالي في المنطقة.."الكيان الصهويني"..ومع ثبوت تلك العقلية الدينية الإقصائية فكان ومن الطبيعي لها أن ترفض الأيدلوجية البعثية بل واتهمتها بالكُفر والمروق وهذا مهّد بعد ذلك لنشأة عقلية شعبية "دينية" ضد النظامين البعثيين قديما في العراق وحاليا في سوريا..وزادت الرقعة في سوريا بترويج الخلفية المذهبية للنظام السوري كأسلوب للقطع دون الوصل بأي حال..ومنه إلي إنشاء عقلية شعبية تتهم النظام السوري بالطائفية..
شخصيا ورغم انتقادي للنظام السوري وعّدي له كأحد أسباب الأزمة بل هو أصل من أصولها..أري أن الترويج لطائفية النظام السوري بها نُظُر وبحاجة لمراجعة حثيثة..فهذا الترويج يترافق في العادة مع خطاب طائفي لمعارضي النظام السوري في الداخل وفي الخارج بدلالة فتاوي بعض الشيوخ ضد النظام السوري وضد العلويين ووضعهم في نَسَق واحد..أيضا بدلالة تكفير العلويين من قِبل معظم الشيوخ تمهيدا للقول بأحقية خلعه والانقلاب عليه كونه حاكم كافر كما يدعون..لكن هذه العقلية وهذه النوعية من التفكير أتحفظ عليها طبعا وأضيف أنها نظرة سطحية لا تخدم تلك العقلية فضلا عن إرادتها للإصلاح بدلالة استقطاب معنوي وفكري يحول دون التمكين علي أُسس ديمقراطية تهدف للمساواة..وهذا ما لا أظنه مطلب هؤلاء الشيوخ ولكنهم يقعون فيه في الغالب إما لجهلهم بطبيعة النظام أو بجهلهم بالفِرقة ذاتها أو بجهلهم بأسس وقواعد الحُكم الشرعي الصحيح والذي يخلط –في العادة-الحُكم الشرعي بالسياسي ولكل علومه الخاصة وهذا مشهور..
أيضا وباستطلاعي لحالية هذا النظام لم أري في خطابه السياسي ولا في خطابه مؤيديه من الشيوخ وعلماء الدين أي خطاب طائفي بل بالعكس وجدت خطابا وحدويا يضع جميع الفِرق والمذاهب والأيدلوجيات في نظم واحد ويربطهم بمصير واحد وهذه الفكرة هي الأفكار التي أتفق فيها مع هذا النظام، فهذا شئ جيد علي كل حال،ولكن مع ذلك فالدعوة للوحدة علي أسس وطنية لابد لها من إجراءات سياسية علي الأرض وهذا ما قصّر فيه النظام طيلة عقود ،بيد أن خلقت له مشاكل سياسية وأحيانا تُخلط هذه المشاكل بأيدلوجيات دينية تداعيا لحالة الفراغ الديني التي عاني ويعاني منها المسلمون في العصر الحالي..وهذه نقطة يبدو أنها غائبة علي الكثير من مؤيدي النظام السوري ولا يعملون علي حلّها..فالفكرة التي ينطلق منها خصوم النظام الدينيون هي سياسية بحتة..مما أنشأ لحالة استقطاب سياسي ممزوجة دينيا مع أفكار إقصائية وفي الغالب تكفيرية نتج عنها ربط بعض الطوائف والملل مصيرهم بمصير النظام ، حدث ذلك مع بروز تلك الأفكار علي السطح في حالة الإنفتاح الإعلامي التي تُعد سمة رئيسية من سمات العصر الحالي..وهذه لها سلبيات وإيجابيات ولسنا في معرض الحديث عنها ويكفينا في هذا المقام أن نشير إلي تداعيات الحالة الإعلامية السلبية علي العقل العربي والتي خلقت منه تابعا للمؤسسة الإعلامية التي غزت البيوت والعقول ولم تجعل للفرد متنفس لتحديد شخصيته أو الدفاع عن نفسه وأفكاره أو السيطرة علي حياته الخاصة..فالحشد والتجييش هو عنوان المرحلة -بكل تأكيد -وعليه فلابد من العمل علي خلق طرق فعّالة لمواجهة هذه الأزمة الإعلامية التي مسّت الضمير الإنساني وجعلته كيانا فاقد الهوية..
إلي هنا ننتهي من التعريف بعقلية النظام وكيفية تفكيره ورصد وضعه بين الأحداث ونبدأ هنا في رصد الواقع السوري الحالي الذي يحكي ثورة داخلية علي النظام تعددت فيها أوجه المعارضة وتطلعاتهم وأحيانا أيدلوجياتهم وهذا شئ طبيعي في خِلاف البشر واتحادهم علي القيمة والمبدأ..والثورة في ذاتها قيمة ومبدأ ومنها ينطلق الإنسان مدعما بروح التضحية من أجل أهدافه..ولكن في ظل هذا الصراع بين الثورة والنظام نرصد حالة غريبة –نوعا ما-عن ما رأيناه في بقية الثورات التي طالت مصر وتونس وليبيا واليمن والبحرين..رأينا اصطفافا عسكريا مع النظام السوري وفي الغالب جماهيريا أيضا طبقا لاستطلاع الرأي التي أجرته المؤسسة القطرية مؤخرا وطبقا لمشاهد المليونيات المؤيدة في شتي المدن والمحافظات السورية..وهذا يؤكد ما قلناه مسبقا بأن العقلية السياسية للنظام هي عقلية ثورية في الأصل تعتمد في روحها علي الحشد، وتتسلح بخطاب وحدوي وموقف ممانع من القوي الإمبريالية التي لا يوجد لها أرضية شعبية في أنفس الشعوب العربية..
وبالنسبة للاصطفاف العسكري فهو أيضا معقد ومتشابك ففي ظل الأخبار التي تتوالي بحدوث الإنشقاقات العسكرية علي مدي عام كامل لم نري لهؤلاء المنشقين وجودا فاعلا علي الأرض أو سيطرة مُحكمة علي محافظات معزولة أو مناطق قوة ينطلقون منها..وقد يقول قائل أن هناك سيطرة بالفعل علي مناطق بعينها ولكن هذه السيطرة ليست مدعومة بسلاح كافي أو بقوة شعبية كافية بيد توالي الأخبار أيضا عن مواجهات عسكرية تعلو وتنخفض حدتها حسب رؤية النظام، وهذا الأمر –سياسيا-يوحي بتملك النظام السوري زمام المبادرة وأن قرار الحسم العسكري بيده ، وأن خروج بعض المناطق عن سيطرته ليست إلا تكتيكات عسكرية سرعان ما يتدراكها لحسابات إقليمية ودولية بدلالة ما حدث في السابق في محافظة درعا وفي منطقة جسر الشغور الحدودية وما حدث بدير الزور وما حدث أيضا بحُماة....ولكن في المحصلة أن فكرة الإنشقاق العسكري في ذاتها موهمة لمن يسمعها..فالإنشقاق بمعناه الصحيح هو انشقاق ألوية ووحدات عسكرية كاملة بسلاحها وهذا إلي الآن لم يحدث..فلم تشهد الانشقاقات أي سلاح ثقيل في حوزة المعارضة كما حدث بليبيا..والموجود والمرئي فقط هو سلاح خفيف صِرف لا يتعدي البنادق الآلية وقواذف الRBG وبعض الأنواع من القناصات والرشاشات التي أصبح تداولها سهلا في سوق السلاح..
بالتأكيد هذا الوضع يعطي دلالة عسكرية بسيطرة النظام السوري علي الأوضاع وأنه لو أراد بسط سيطرته لفَعَل..وأنه أيضا لو أراد استخدام سلاح الجو للحسم النهائي أيضا لفَعل..وقد يقول قائل أن النظام السوري لن يستطيع استخدام سلاح الجو خوفا من الحشد الإعلامي والعالمي مما يمهد لسرعة خلق المنطقة العازلة ضده..ولكن هذا أيضا غير صحيح-من وجهة نظري- فالنظام علي ما يبدو وحسب متابعتي للأحداث أمس واليوم قد امتلك الجرأة علي المواجهة المباشرة بعد أشهر من الضغط السياسي والإعلامي المكثف..وقد يعود ذلك لارتكازه علي تقارير لجنة المراقبة التابعة لجامعة الدول العربية التي تعمل منذ شهر في سوريا والتي أشارت في تقريريها إلي وجود مسلحين يعملون بجانب الثوار وأن الكثير من المسلحين يعملون علي إثارة الفوضي والتخريب وأظن أن هذا التقرير هو المرجعية الآن للنظام السوري لقيامه بعمليات عسكرية ،ولكن لن نناقش عمل تلك اللجنة ولا الأحداث التي رافقتها ولا تداعياتها ولا قصتها..ويكفي لنا الإشارة لتلك اللجنة وعملها فالتحليل بشأنها يطول ، وأذكر أنني توقعت نتائجها بالإدانة المزدوجة قبل عملها حتي قبل سحب دول الخليج مراقبيهم منها..ما نود الحديث بشأنه هو التصور الكامل للوضع السوري علي الأرض ومناقشة المخاوف من حدوث الحرب الأهلية في سوريا والتي أراها علي مقربة وشيكة جدا بدلالة ظهور بوادرها في بعض البلدان والمناطق..
كما قلنا عاليه بأن فكرة الحرب الأهلية في ذاتها هي حالة يُجبر علي سلوكها طرفي الصراع دون إرادة منهما..وفي الحالة السورية أري أن الحرب الأهلية ستكون صراعا بين النظام والمعارضة قبل السقوط..فمن الممكن جدا أن تحدث هذه الحرب الأهلية وفي النهاية يبقي النظام علي سدة الُحكم..ومن الجائز العكس..ولكن المعطيات علي الأرض توحي بتفوق عسكري وشعبي للنظام السوري..ولكن مع ذلك فمن المؤكد أن النظام السوري في ذاته الإعلامية ضعيف وهذا متوقع للخلفية الشمولية له والتي لا تتيح ولا تساعد لخروج كفاءات إعلامية تخدمه..وهذه حالة عامة تتسم بها الانظمة الشمولية بوجه عام..أما بعد السقوط فلا أظن حدوث أي حرب أهلية ولكن ربما تحدث مواجهات مذهبية أو عمليات انتقامية وسيحتويها السوريون إذا نجحوا-حينها في ضبط أنفسهم..فلو سقط النظام السوري حينها يكفي الترويج لخطاب سلام تواصلي تعايشي لدحض فكرة المواجهة المسلحة قبل تضخمها..فالحالة النفسية الشعبية آنذاك ربما تكون لها بعض ردود الأفعال والتي ستتمثل حتما في عمليات انتقام مؤكدة الحدوث كما أشرنا من قبل ولكن أن تصل الأوضاع إلي حالة الحرب الأهلية فهذا يتوقف علي قدرة سادة المعركة والأرض علي ضبط الأوضاع والرجوع إلي قاعدة تصفير المشاكل تمهيدا للبناء..وهذا العمل هو الأقرب بل هو المؤكد حدوثه..فالمعارضة السورية رغم أنها تحوي رموزا وأشكالا للعمل الطائفي إلا أنها مع ذلك تحوي رموزا وأشكالا للعمل المدني التواصلي..وسيتوقف الاتجاه العام للمعارضة علي قدرة أي منهما علي تغليب أيدلوجيته وجعلها فكرة توافقية يصطلح عليها جميع السوريين..
هذه الفكرة مهم جدا طرحها لأبعاد وطنية سورية أو إقليمية دولية فهناك فعلا من يريد دفع الأزمة السورية إلي حالة الحرب الأهلية أو الدينية لإضعاف سوريا وإخراجها- كدولة لها مؤسسات فاعلة في خدمة المقاومة ضد الصهيونية- من سياق دعم المقاومة تمهيدا لفرض السلام وإنهاء القضية الفلسطينية عبر القضاء علي باقي قوي المقاومة الأخري كحماس وحزب الله-ولو معنويا..وهذا ما يتفهمه الأخوة في حزب الله لذلك نري أن الخطاب السياسي والإعلامي لهم محكوم بفكرة الدعم للنظام السوري ولكن بموازنة دقيقة تحفظ هيبة الحزب عبر مطالبته للنظام السوري بالإصلاح..أما الأخوة في حركة حماس فالخطاب السياسي لديهم بدا في ذاته محايدا فحماس تختلف عن حزب الله في أشياء كثيرة تعطي تفوقا واتزانا للحزب في جزئية الوقوف علي أرضية شعبية وجغرافية متسعة في العمق اللبناني تساعده علي اختزال قضية المقاومة في نفسه وذاته..أما حماس فلكونهم فلسطينيين فهم مطالبون بتحقيق أحلام ملايين الفلسطينيين المبعدين خارج الوطن والمُحتلّين داخل الوطن بالتحرر من قبضة الكيان الصهيوني واستعادة الأرض والمقدسات..وبما أن الفسلطينيون مُشتتون في كافة دول الجوار الفلسطيني وبحساب عددهم خاصة في سوريا نري أن موقف حماس أصعب من موقف حزب الله..فنظريا مصير حركة حماس في المقاومة محكوم ببقاء النظام السوري أما عمليا فهذا شئ آخر..
في نفس السياق وعلي الجانب الآخر جانب المعارضة رأينا تصريحات من بعض قادة المعارضة السورية توحي بنوايا مبيتة لمواجهة وقطيعة مع كافة قوي المقاومة في المنطقة خاصة إيران وحزب الله..ولو كان البعض ينفي هذه التصريحات وبادر البعض الآخر بتدارك نفسه إلا أن الوضع يحكي احتقانا طائفيا يجتاح أكثر الشرائح المؤيدة للثورة السورية في الداخل والخارج..وبغض النظر عن من المسئول في نشأة هذا الإحتقان فإن أول المتضررين من هذا الإحتقان هما إيران وحزب الله..أما حماس فمن السهل تفكيك قواعدها السياسية الخارجية فيما لم تجد لنفسها ظهيرا سياسيا خارجيا يحميها في هذه الفترة..هذا الوضع يترافق مع صعود الإسلاميين إلي منصّات الحكم في بعض البلدان ولكن الظرف السياسي يبدو أنه لن يسمح بدعم حماس في تلك المرحلة وإلا لطالبوا حماس بالتنازلات وأولها الإعتراف بالكيان الصهيوني وهو مقدمة لتصفية القضية الفلسطينية وأزمة اللاجئين وأزمة القدس إذا ما نجحوا في ضغطهم علي حركة حماس..
هذا الأمر يبدو أنه يعيه الأخوان المسلمون في مصر والأردن جيدا لذلك تجد خطابهم السياسي المؤيد لثورة سوريا في ذاته ضعيفا خوفا علي حماس خصوصا ومبدأ المقاومة عموما..ولكن هذا لا يشفع للحركتين - علي ما يبدو-في نَظر أتباعهما فرأينا تذمرا يتضخم مع تصاعد الأحداث وتفاعل قواعدهما مع ما يحدث وهذا بالتأكيد سيضعهما في موضع مُحرج مع القيم التي غرسوها في أنفس الشباب ،تلك القيم والمبادئ التي تنادي بالسلام والمحبة والوحدة الإسلامية ونبذ الطائفية والعمل علي نشر الإسلام ودعوته الحُسني..وبالعمل علي دعم المقاومة ضد الصهيونية العالمية والإمبرالية الإستغلالية بشتي الطرق –المنهجية- المتاحة..ويبدو أن من أحد أسباب أزمة الحركة الإسلامية عموما هو الإعلام التي تتشابك خيوطه..فكما أشرت في السابق بأن الإعلام له دور في تعميق الأزمة بدلالة فرض الرأي الواحد وعرض التقارير والأخبار المزيفة التي تساعد في زيادة رقعة الإحتقان..فلو وقفنا مثلا علي ماهية إعلام محايد تمهيدا لتبنيه والمطالبة به لوقفنا علي حجم المشكلة والتي أراها قد تكون صغيرة وقابلة للحل توفر علي السوريين مزيدا من الدماء وإمكانية تفادي حرب أهلية محتملة فيما لو قويت شوكة المعارضة..
الحل في سوريا لن يخرج من قاعدة الحوار والتوافق، وهذا يتطلب تحجيما للإعلام المزيف من كِلا الطرفين ابتداءا..ولو أن للساسة سلطة علي هذا الإعلام فسيكون الحل أمامهم سهلا دون التعرض لخطابات غير مقنعة كعدم مسئوليتهم عن الإعلام وأنهم مع حرية الإعلام وهذا الخطاب الذي أثبت فشله وأنه كان سببا في تعميق الأزمة واستفحالها..فنظريا وعمليا أصبح الإعلام هو المسيطر تماما وهو سيد المعركة دون منازع..وكل طرف يلجأ تسويق رؤيته دون النظر للطرف الآخر..أيضا علي النظام إعادة رسم أيدلوجيته من جديد..فشعارات العروبة والممانعة والوحدة العربية لم يعد لها مكان تقريبا في العقل الجمعي العربي..هذا العقل الآن الذي يحوي تحررا أوليا من كافة صنوف الأستبداد والقهر..وعليه فلم يعد للوحدة العربية مكان في الضمير العربي إلا إذا توافق مع ما يريده من تصور لشكل الدولة المدنية الديمقراطية التي توفر للشعب تداولا للسلطة يتيح للجميع المشاركة في الحكم..وأظن أن هذا العقل الجمعي بتوقه للحريات والانطلاق نحو الديمقراطية سوف يطال أيضا كافة النُظم العربية الشمولية الملكية منها والأميرية والجمهورية والسلطانية..ولو تأخر وصوله وقواعد أفكاره إلي بعض النُظم والشعوب فلا يعني ذلك إمكانية وصوله..فالظرف السياسي العالمي بدا في ذاته تغيرا استراتيجيا بصعود أنظمة وهبوط أخري..وعليه فلابد من التعامل مع الاحداث بواقعية تراعي المصلحة العامة..
أخيرا وبعد هذا التحليل فالأزمة في سوريا في ذاتها صعبة بل ومفصلية تتشابك فيها الأفكار والمعتقدات والأيدلوجيات..وتهدد قيم الآخرين وتضعهم في مواجهة مباشرة مع ذواتهم وأفكارهم ومعتقداتهم من كافة الأطراف .والذي سيخرج من هذه الأزمة سليما هو نفسه من سيقود الفترة المقبلة بنجاح..
[بسم الله وصلّ اللهمّ على آلِ بيتك الطيبين الطاهرين
أخي الكريم فارس اللواء
تقريرك قيّم وثري وفيه بعض الإنصاف في محاكاة الحقيقة بالرغم ما فيه من التوجه العاطفي ضد النظام القائم في سوريا اليوم
وجهة نظري وحسب المعطيات على الساحة أنّ من يدير الثورة في سوريا حاليا ليست المعارضة وهذا بيّن للمنصف، والمصلحة الأولى لتغيير النظام في سوريا الآن لإسرائيل وهذا من دون أدنى شك وأنت تطرقت لهذا مجازا، وإن كانت الثورة شعبية لرأينا على الأقل أعداد الثائرين تتعدى أعداد المؤيدين وهذا لم يحصل على الأرض حتى الآن وأيضا تطرقت أنت لذلك.
في رأيي أنّ النظام السوري له مساوئ كثيرة بالرغم من إيجابياته على الصعيد الإسلامي التي تغطي على مساوئه الداخلية ولكن لابد أن يتغير بنظام تتداول فيه السلطة وهو يضمن للشعب التحكم بمن يحكمهم بديمقراطية إختيار الحاكم، ولكن تغيير النظام في هذا الظرف خاطئ جدا وسوف بلا شك يثير الحرب الأهلية والآن يوجد أناس تُقتل وتهجّر في سورية على الهوية، وبالرغم من ذلك لن يتحقق للشعب الثائر أمنيته، وإنما سوف يستلمها بعد ذلك من ترضى عليه إسرائيل وموالي لهم كالأعراب في دول الخليج الفارسي
للأسف أنّ بعض الشعوب سنية المذهب تريد إزالة هذا النظام في هذا الظرف الذي يتكالب عليه المستكبرين فقط لعاطفة المذهب أو حقدا على الشيعة ليس إلا، رغم وجود معظمهم في أنظمة لا تختلف كثيرا ولربما أسوء من النظام السوري القائم، نعم الشعب السوري الطيب يعاني من النظام ولكن جل معاناته من الحصار القائم على سوريا ونحن نتمنى لهم الحرية وإختيار من يحكمهم ولكن هذا الظرف غير مناسب بتاتا لأنّ الذي يطالب بالحرية الآن إسرائيل على لسان أمير قطر ودول الإستكبار وليس الشعب
يجب أن نتفهم أنه بسقوط النظام السوري في هذا الظرف يعني سقوط المقاومة بكل أشكالها وبالتالي نقول لقبلتنا الأولى وبعض الدول العربية السلام حيث الأرض الموعودة كمى يدعي الإسرائيليون من النيل إلى الفرات، وهذه بداية تحقيق حلمهم ولكن يمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين
أخي فارس اللواء، حقيقة أتمنى أن يستلم الحكم في حال سقط النظام أشخاص أمثالك واعين ومثقفين ويؤمنون بالمساواة بالحقوق والواجبات وليس لديهم النعرة الطائفية المقيتة ويعتزون بدينهم ومقدساتهم ويعرفون ما يحاك ضد الإسلام من دول الإستكبار، فهذا منى كل مسلم حر أن يرى إخوته في الدين يتمتعون بالحرية ويقومون بمسؤولياتهم إتجاه أوطانهم وما فيه مصلحة الإسلام ولكن هيهات، لن يستلمها إلى من ترضى عليه إسراميركا ولا أظن أي مؤمن يرضى بذلك