كان الملوك يحضرون مجلسهم العام بعد حضور الناس، لكي يقوم الناس بجماعتهم لتعظيمهم ولا يقومون لأحد، وفي يوم كان مع الداخلين بهلول العاقل، وكان ملك زمانه والخليفة الظاهري هارون الرشيد.
ولما دخل هارون وقبل جلوسه على كرسييه، قام بهلول وجلس على كرس الملك قبله، وبقي هارون واقف، فأخذ الحرس بهلول و بدؤوا يجلدونه ويضربوه ويركلوه أمام الملك والناس.
فأخذ بهلول بالبكاء بالعويل والصياح العالي والصراخ، وبعد فترة من الضرب والجلد والركل، أمر هارون الرشيد بالكف عنه.
وقال له هارون : هل أوجعك الضرب والجلد؟..
قال بهلول : لا!!.
فقال له هارون : إذن، لماذا هذا البكاء والعويل والصياح والصراخ، إذا لم يوجعك الضرب؟!..
قال بهلول : بكيت عليك، و أعولت على حالك، ولم أبكي على نفسي!..
فقال هارون : وكيف والضرب والجلد وقع عليك، والبكاء والصراخ صدر منك؟!..
فقال بهلول : أنا جلست على هذا الكرسي أقل من دقيقة، فنالني من الضرب من الجند والحرس ما قد رأيت، ولولا لم تأمرهم بالكف عني لما كفوا.. وأنت جالس على هذا الكرسي سنين، فكم ستحصل عليه من الضرب والجلد من جند الله تعالى وملائكته وحرس جهنم ولا يكف عنك، فلذا شغلني حالك عن حالي وبكيت عليك.
فيقال : استحسنه الحاضرون، وأعتبر كلام بهلول حكمة علمية وعملية، مع ما فيه من موقف طريف ونادر وعجيب، ويدل على الذكاء والفطنة في الوعظ، ولكن بتصرف يحسب أوله من الجنون والبساطة.