الحرّيّات السياسية بين رقابة ومراقبة
شهادة أميركية في «الديمقراطية» البحرانيّة
التقرير السنوي للحرّيّات الدينية عن العام ٢٠٠٩ الصادر عن وزارة الخارجية الأميركية، يفرد ست صفحات كاملة للحديث عن الانتهاكات التي تتعرّض لها حرّيّة المعتقد في البحرين، علماً بأن المادة ٢٢ من الدستور البحراني تضمّن حرّيّة الضمير. والقيود لا تقتصر على المجموعات المسيحية والبهائية، إنما تتجاوزها الى مراقبة مساجد السنّة والشيعة والمآتم الشيعية، وهيئات الوقف للمذهبين على السواء، والمحاكم الشرعية التي تمثّل المدارس الجعفرية والمالكية في الفقه الإسلامي.
ما أهميّة هذا التقرير قبل أشهر قليلة من موعد الانتخابات التشريعية المقبلة؟
«المشاهد السياسي» ـ لندن
موقع مركز البحرين لحقوق الإنسان يربط بصورة مباشرة بين التقرير الأميركي والاستحقاق الانتخابي عندما يتوقّف عند «رقابة أخرى» يخشى أن تتكرّس في مرحلة الاعداد لانتخابات الخريف، من خلال جمعيتين بحرانيتين يتوقّع أن تكونا الوحيدتين المرخّص لهما بمراقبة الانتخابات العامّة بتمويل حكومي. ويخشى المركز أن يؤدّي ذلك، بقصد أو بغير قصد، الى إعطاء السلطة المزيد من الهيمنة على العملية الانتخابية، ما يزيد في قدرتها على التلاعب بنتائجها وتضليل الرأي العام الداخلي والخارجي.
وفي عودة الى تجربتي ٢٠٠٢ و٢٠٠٦، يؤكّد المركز أن الحكومة استخدمت سلطاتها للتلاعب بالعملية الانتخابية، لجهة تقسيم الدوائر واستخدام الصناديق العامّة والتجنيس السياسي والجيش، والتدخّل المباشر في دعم المرشّحين المحسوبين على السلطة أو إسقاط المعارضين. وفي الوقت الذي منعت السلطة أي جهة خارجية وداخلية من مراقبة الانتخابات، فإنها حصرت ذلك في جمعيتين، هما الجمعيتان اللتان تطالبان اليوم بمراقبة الانتخابات المقبلة. ورغم ما أثير في شأن التلاعب بالعملية الانتخابية الأخيرة، فقد كانت خلاصة تقرير هاتين الجمعيتين تصبّ في مصلحة السلطة، مما أثار الكثير من اللغط والانتقاد، خصوصاً في صفوف المعارضين.
وقد ثبت من التجارب السابقة أن السلطات البحرانية تستخدم أساليب مختلفة في اختراق منظّمات حقوق الإنسان غير الحكومية، بقصد التأثير في تقاريرها، ومن الطبيعي أن يكون الاعتماد على التمويل الحكومي فرصة لتعزيز القدرة على هذا الاختراق، علماً بأن المنظّمات الدولية تعتبر تلقّي أي منظّمة غير حكومية تمويلاً علنياً أو سرّيّاً من السلطة التنفيذية، مؤشّراً الى عدم استقلالية هذه المنظّمة، الأمر الذي لا ينطبق على التمويل الذي تخصّصه الدولة لمؤسّسات المجتمع المدني.
ومن الواضح أن أي جهة تتطوّع لمراقبة نزاهة الانتخابات، يفترض أن تتمتّع بالحد الأدنى من المواصفات المطلوبة لهذه المراقبة، وأبرز هذه المواصفات:
< الاستقلالية بحيث لا تتلقّى أي تمويل حكومي من جهات تؤثّر في عملها أو ذات مصلحة مباشرة في العملية الانتخابية.
< الامكانيات البشرية والتنظيمية والكفاية المطلوبة، ما يغطّي العملية الانتخابية زمنياً وجغرافياً، وإلا فإنه يكون عليها أن تقصر تقريرها على المراقبة الميدانية الجزئية، ولا تعطي استنتاجات شاملة في تقريرها النهائي.
< أن لا يقتصر هذا التقرير على عملية الاقتراع ونتائج التصويت، وإنما يشمل كل المؤثّرات التي تسبق أو تواكب العملية، لجهة توافقها مع المعايير الدولية، بدءاً بالحرّيّات الأساسية، أي حرّيّة التعبير والصحافة والتنظيم تشريعاً وممارسة.
< أن لا تكون الرقابة المحلّيّة بديلاً عن الرقابة الدولية بل مكمّلة لها.
في هذا السياق، يشجّع مركز البحرين لحقوق الإنسان العمل التطوّعي في هذا المجال المرافق بالتدريب والاعداد الجيّدين، بعدما ثبت من تجارب الدول الأخرى أن المتطوّعين يكونون عادة أكثر التزاماً ودقّة من الذين يتولّون المراقبة من أجل الكسب المادي. كما أن سياسة الاعتماد على العمل التطوّعي تخفّف من الاعتماد على التمويل من أي مصدر كان. والمطلوب في النهاية استقلالية وكفاية وحيادية في مراقبة الأداء السياسي أو الانتخابي، لأن أي جهة تتمتّع بتمويل حكومي مرشّحة لأن تكون جهة ملتصقة بالسلطة التنفيذية ومخطّطاتها بدلاً من أن تكون محايدة وذات صدقيّة.
في السياق نفسه، سجّل مركز حقوق الإنسان في البحرين مجموعة دلالات على ممارسات حكومية تستهدف كمّ الأفواه، وحجب الحقائق عن الرأي العام المحلّي والدولي، وهذه الممارسات تتّصل باستدعاء صحفيين وكتّاب بحرانيين للتحقيق بتهمة نشر أخبار ومعلومات، حول قضايا صدر فيها قرار بمنع النشر من قبل النيابة العامّة، علماً بأن مثل هذه القرارات مناف لحرّيّة التعبير وحقوق الإنسان، وأن أي حظر على نشر معلومات صحيحة فإنه يمسّ حرّيّة الممارسة السياسية في أي مجتمع ديمقراطي.
التجنيس السياسي
والتطوّرات الأخيرة في البحرين توحي منذ الآن، باستعداد الحكومة للتدخّل السافر في الانتخابات المقبلة، ليس لجهة تأمين تنظيم كاف لهذه الانتخابات، وإنما لجهة التأثير في نتائجها بكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة، وأبرزها التجنيس السياسي الذي يتواصل فصولاً مع كل استحقاق انتخابي. وقد شهد الشهر الفائت مسيرات شعبية سلمية تقدّمها عدد من الرموز الدينية والشخصيات السياسة، احتجاجاً على هذا التجنيس. إحدى هذه المسيرات انطلقت من مجمّع البحرين التجاري، وصولاً الى الدوّار المقابل لمجمّع الدانة، وشاركت فيها أعداد من المواطنين رجالاً ونساء حملوا يافطات وشارات وزّعتها اللجنة المنظّمة المناهضة للتجنيس السياسي، وهو تزوير مفضوح عشيّة الاستحقاق الانتخابي.
والمقصود بالتجنيس السياسي، كما هو معروف، منح الجنسيّة البحرانية لغير البحرانيين لأغراض سياسية، وفي هذا السلوك انتقاص من أهميّة الجنسيّة والانتماء الوطني، ومنافسة غير مشروعة لأبناء الوطن الأصيلين، أي إنه انتهاك مفضوح للهويّة الوطنية والسكّانية بأساليب غير مشروعة.
وفي عجقة التحضير لشهر رمضان المبارك، يبدو أن أعداداً من المرشّحين مصمّمون منذ الآن على توظيف المناسبة عبر سياسة الافطارات، للوصول الى الناخبين بطرق ملتوية، وهم يهيّئون منذ الآن لاستغلال العمل الخيري في الدعاية الانتخابية. والمراقبون يتوقّعون الاعلان عن موعد الانتخابات في الأيام القليلة المقبلة، وبالتحديد قبل بدء شهر الصوم، وهكذا سوف يكون متاحاً للمرشّحين التدخّل مع الصائمين من أجل ترتيب أوراقهم الانتخابية، وتعزيز فرص نجاحهم منذ الآن، علماً بأنه ينبغي إجراء الانتخابات في الأشهر الأربعة الأخيرة من السنوات الميلادية الأربع التي تلي تاريخ أول انعقاد للمجلس الوطني، أي خلال الفترة الواقعة بين منتصف آب (أغسطس) ومنتصف كانون الأول (ديسمبر) المقبلين.
ومراجعة الصحف البحرانية المحايدة والمعارضة على السواء، تحمل على الاعتقاد أن هناك توجّهاً متزايداً لدى الجهات النافذة للانتقاص مما أنجزه المجلس النيابي الأخير، وتضخيم ما أنجزه مجلس الشورى في التجربة التشريعية البحرانية، علماً بأن أعضاء الشورى معيّنون من قبل الجهات الحاكمة، بقصد تعطيل أو الحد من نفوذ النواب المنتخبين. وعلى طريقة الجمعيتين اللتين تطالبان بمراقبة الانتخابات بدعم حكومي، هناك من يعمل منذ الآن على ابتكار «معارضات» موالية في المجلس المقبل، من أجل توظيفها في دعم المسار السياسي العام، في الوقت الذي يستمرّ الصراع التاريخي بين السكان الأصليين والمواطنين الطارئين على البحرين، بوساطة عمليات التجنيس التي تستولد كل يوم بحرانيين لا يمتّون بأي صلة الى النسيج البحراني، ولم يتح لهم قبل تجنيسهم الاختلاط بأهالي البحرين كي يتعرّفوا الى مشاكلهم الحقيقية ويعملوا على مراعاتها أو الاستجابة لها.
وباختصار يمكن القول، إن عوامل متجانسة وأخرى طارئة تتجمّع في المشهد السياسي البحراني كي تعطّل الرؤية الديمقراطية قبل أيام من تحديد موعد الانتخابات العامّة. وفي هذا المجال يمكن التوقّف عند التقارير الأميركية السنوية التي تؤكّد عدم قدرة النظام على تأمين تداول السلطة على المستوى الحكومي، وحظر الأحزاب السياسية، وانتهاك الحقوق المدنية (حرّيّة التعبير والرأي والتظاهر وتكوين الجمعيّات) والاحتجاز الاداري لفترات طويلة، والفساد في الجهاز القضائي، والتمييز على أساس الجنس أو الدين أو المذهب أو العرق، وانتهاك حق المواطن في السرّيّة، وانتهاك حرّيّة المعتقد وحرّيّة الحركة، وممارسة العنف ضد المرأة... علماً بأن نصف أعضاء مجلس الوزراء هم من أفراد الأسرة الحاكمة، وأن مجلس الشورى المعيّـن يمارس سلطات تشريعية كمجلس النواب المنتخب.
أما الثُّغر الصغيرة والكبيرة التي تخلّلت انتخابات ٢٠٠٦ البلدية والنيابية، والتي سمح لمراقبين محلّيّين بمتابعتها، فلم تسجّل عليها أي ملاحظات من قبل هؤلاء المراقبين، رغم التلاعب الذي حصل في فرز الأصوات وفي المناطق المختلصة مذهبيّاً وسياسياً.
http://www.almushahidassiyasi.com/4/8459/