بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزاك الله خير الجزاء ، و بارك الله فيك ، و أثابك الله الجنة إن شاء الله
وفقكم الله لكل خير ببركة و سداد أهل البيت عليهم السلام
أسال الله تعالى أن يسدد خطاكم المباركة ويقضي حوائجكم بحقه وبحق محمد وال محمد في الدنيا والاخرة مع شيعة محمد وال محمد
رَزَقَكُمْ اَلْبَارِيْ مِنْ فِيُوْضَاتْ نُوْرِهِ اَلّعَظِيّمَّةَ
وربي يجعل حياتك مليئه بالخير والبركه والفرح والسعادة
انا عاجز عن رد هذا اللطف والادب الجم شكرا وانا في الخدمة ويوجد المزيد بعون الله تعالى
الادعاء الثامن
أنه لا يجوز اللطم والنوح وشق الجيب عند ذِكر مقتل الحسين عليه السلام
يقول الشيخ عثمان الخميس في حقبة من التاريخ ص117: (لا يَجوز للإنسان إذا تذكَّر مقتل الحسين أن يقوم باللطم والشق ـ أي شق الجيوب ـ وما شابه ذلك بل كل هذا منهي عنه) ، ثُم ذكر روايات من صحيحَي البخاري ومسلم مفادها النهي عن لطم الخدود وشق الجيوب والنياحة.
أقول: كان الأولَى بالشيخ عثمان الخميس أن لا يَخوض في المباحث الفقهية، وكان الأجدر به أن لا يَحشر أنفه في القضايا الشرعية، لأن هذه المطالب تحتاج إلى شخص لديه سعة اطِّلاع وطول باع،كما أن البحث فيها يتطلَّب شخصًا يتمتع بِفهم واستيعاب عميقين لعلم الفقه وأصوله، لا مَن يتحدَّث بالخرص ويتلفظ بالكذب ويفتي بغير علم فيركب رأسه وهو لا يدري ـ كما هو حال الشيخ ـ.
ولِهذا نقول لعثمان الخميس وأضرابه: إنَّ مِن العناوين العامة والمستحبات الثابتة عند المسلمين، إظهار مودة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام بالفرح لأفراحهم والحزن لِمصائبهم، وقد ثبت من
خلال الروايات والنصوص الثابتة أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم بكى على سبطه الحسين عليه السلام وحزن عليه في مناسبات عدَّة، ولا شك بأنَّ فِعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم حُجَّة وسُنَّة، كما لا شك بأنَّ عُرف العقلاء هو الذي يُحدِّد مصاديق إظهار هذا الحزن، بشرط أن لا يدخل أحدها في الأمور المحرَّمة المنصوص عليها شرعًا وأن لا يَعرض عليه عنوان آخر مُحرَّم، أما لو دخل أحد المصاديق في الأمور المحرَّمة أو عَرَض عليه عنوان مُحرَّم، بِحيث يُصبح المصداق مؤذيًا للبدن ومضرًّا للنفس وموهِنًا للدين ومضعِفًا له ـ كما هو الحال في التطبير وضرب القامات بالسيوف ـ فلن يُعَد ذلك مِن المستحبات ولا مِن الشعائر الدينية .
والشعائر الحسينية التي يقوم بِها الشيعة هي أحد مصاديق إظهار المودة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وآله عليهم السلام والحزن على مصائبهم، فالبكاء، والرثاء، ولبس السَّواد، والنوح، واللطم على الرؤوس والصدور، حزنًا على ما جرى على الحسين عليه السلام أحد أبرز صور إظهار مودته والحزن عليه، إلا أنَّ كل ذلك مشروط بأن لا تلحق هذه الأفعال ضررًا مُحرَّمًا بالمكلَّف.
وقد أجمع فقهاء الشيعة على أنَّ الأحكام الشرعية ـ مثل الواجب والمستحب والمكروه والحرام ـ يتم استنباطها من مصادر التشريع، وهي
القرآن الكريم والسنة الشريفة والإجماع والعقل، لا مِن خلال القياس والهوى والاستحسان والمِزاج الشخصي ـ كما يفعل ذلك الشيخ عثمان الخميس وأقرانه ـ، ولِهذا كان الرأي المشهور لدى فقهاء الشيعة هو جواز النوح على الميت بشرط أن لا يتضمن الكذب وأن لا يشتمل على الويل والثبور، وعدم جواز اللطم وشق الثوب على غير الأب والأخ، وهذا الرأي الفقهي الذي تبنَّاه فقهاؤنا ناتِج عن اجتهادهم في فهم الآيات القرآنية والسنة الشريفة.
أما بخصوص اللطم والنوح وشق الجيب على المصائب التي حلَّت على الإمام الحسين عليه السلام، فقد وردت روايات خاصة عند الشيعة تفيد أن ذلك مستحب لا كراهة فيه، ولِهذا أفتى فقهاؤنا باستحباب البكاء واللطم والنوح والجَزَع على الحسين عليه السلام.
وأما ما أرسله الشيخ عثمان الخميس إرسال المسلَّمات مِن " فتواه " بِحرمة اللطم وشق الجيب والنياحة، فإنه مُخالف لِما ذهب إليه علماء أهل السنة، حيث إنَّ هذه المسألة وقع فيها الخلاف بينهم، فقال بعضهم بالجواز وقال بعضهم بعدمه.
وإلى ذلك أشار ابن قدامة في المغني والشرح الكبير ـ ج2 ص411بقوله: (وأما الندب.. والنياحة وخَمش الوجوه وشق الجيوب وضرب الخدود والدعاء بالويل والثبور، فقال بعض أصحابنا: هو مكروه، ونقل حرب عن أحمد كلامًا فيه احتمال إباحة النوح والندب، اختاره الخلال وصاحبه، لأن واثلة بن الأسقع
وأبا وائل كانا يستمعان النوح ويبكيان.. وظاهر الأخبار تدل على تحريم النوح) .
وقال ابن مفلح المقدسي في الفروع في فقه الإمام أحمد بن حنبل ـ ج1 ص580: (وذكر الشيخ أنَّ عن أحمد ما يدل على إباحتهما ـ أي الندب والنوح ـ، وأنه اختيار الخلال وصاحبه، وجزم صاحب " المحرر " أنه لا بأس بيسير الندب إذا كان صدقًا..) .
وأما الأحاديث التِي ذكرها الشيخ عثمان الخميس، واستدل بِها على صحة " فتواه " بِحرمة النياحة وشق الجيوب ولطم الخدود، لورود النهي فيها من النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فيَرِد عليها أمور:
الأول: أنَّ هذه الأحاديث لو صحَّت في كتب أهل السنة، فليس بالضرورة أن تكون صحيحة عند الشيعة، وعليه فلَن تكون مُلزِمة للطرفين ولا حُجَّة عليهما، وإنما تكون مُلزِمة لأهل السنة فقط، وذلك لعدم ثبوت صحتها عند الشيعة.
الثانِي: قد تقدَّم رأي علماء الشيعة في عدم جواز اللطم وشق الثوب على غير الأب والأخ، وحرمة النوح إذا اشتمل على الكذب أو الويل والثبور، فلو ثبتت صحة هذه الأحاديث عند الشيعة، فهي مَحمولة على هذه الموارد لا على مُصاب الحسين عليه السلام.
الثالث: أنَّ بعض علماء أهل السنة قد حَمَل النهي الوارد فِي هذه
الأحاديث على النهي التنزيهي لا التحريمي، أي أن المراد هو كراهة هذه الأمور لا حرمتها، قال ابن قيِّم الجوزية في (عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين ـ ص98-100)
: (وأما الندب والنياحة، فنص أحمد على تحريمهما.. وقال بعض المتأخرين مِن أصحاب أحمد: يُكرَه تنزيهًا، وهذا لفظ أبِي الخطاب في الهداية، قال: ويُكرَه الندب والنياحة وخَمش الوجوه وشق الجيوب والتحفي، والصواب القول بالتحريم.. وقال المبيحون لِمُجرَّد الندب والنياحة مع كراهتهم له: قد روى حرب عن واثلة بن الأسقع وأبِي وائل أنهما كانا يسمعان النوح ويسكتان).
وقال ابن حَجَر العسقلانِي في (فتح الباري في شرح صحيح البخاري ـ ج3 ص207)ـ في شرحه لعنوان باب " ما يُكرَه من النياحة على الميت " ـ ما نصُّه: (قال الزين بن المنير:.. ويُحتمَل أن تكون (ما) مصدرية و (من) تبعيضية، والتقدير كراهية بعض النياحة، أشار إلى ذلك ابن المرابط وغيره، ونقل ابن قدامة عن أحمد رواية أن بعض النياحة لا تحرم، وفيه نظر، وكأنه أخذه من كونه صلى الله عليه وسلم لَم ينهَ عمَّة جابر لَمَّا ناحت عليه، فدل على أن النياحة إنما تحرم إذا أنضاف إليها فِعل مِن ضرب خد أو شق جيب، وفيه نظر..).
والعجيب من ابن تيمية ـ عند دفاعه عن يزيد بن معاوية ـ أنه اعتبَر
قيام النياحة على الحسين عليه السلام في بيت يزيد مِن حسناته، ومِن المواقف الحسنة والمشرِّفة له، لذا نراه قال في منهاجه (منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة والقدرية ـ ج2 ص249) ـ المعوَج ـ: (وفي الجملة فما يُعرَف في الإسلام أن المسلمين سبَوا امرأة يعرفون أنها هاشِمية ولا سبي عيال الحسين، بل لَمَّا دخلوا دار يزيد قامت النياحة في بيته وأكرمهم..) .
أقول: هذا ما قاله ابن تيمية واعتبَره منقبة وفضيلة ليزيد بن معاوية، فلِماذا كل هذا التشنيع والتهويل على الشيعة؟
الادعاء التاسع
أن يزيد بن معاوية ليس له يَد في قتل الحسين عليه السلام ولم يسبِ نساءه
يقول الشيخ عثمان الخميس: (لَم يكن ليزيد يد في قتل الحسين وليس هذا دفاعًا عن يزيد ولكنه دفاع عن الحق) (حقبة من التاريخ ـ ص118)، ثُم نقل قول شيخه ابن تيمية بأنه: (لَمَّا بلغ يزيد قتل الحسين أظهر التوجُّع على ذلك وظهر البكاء في داره ولَم يَسبِ لَهم حريمًا بل أكرم أهل بيته.. أما الروايات التي في كتب الشيعة أنه أهين نساء آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنهن أخِذن إلى الشام مسبيَّات وأهِنَّ هناك هذا كله كلام باطل..) (ص119من نفس الكتاب).
أقول: ما دمتَ تعتقد أنَّ يزيد بن معاوية أمير المؤمنين، وأنَّ دفاعك عنه دفاع عن الحق، فحشرك الله معه في يوم القيامة، وإذا أردت أن تعرف سيرة يزيد ودوره في قتل الحسين عليه السلام وسبي النساء، فإليك بعضًا من النصوص التاريخية التي أعرضت عنها والتي سطَّرها علماؤك في كتبهم:
أولاً: دور يزيد بن معاوية في قتل الحسين عليه السلام
ذكر الذهبِي يزيد بن معاوية في كتابه ( ميزان الاعتدال في نقد الرجال ـ ج4 ص440) وقال عنه: (مقدوح في عدالته، ليس بأهل أن يُروَى عنه، وقال أحمد بن حنبل: لا ينبغي أن يُروَى عنه) .
وقال عنه أيضًا في سير أعلام النبلاء ـ ج4 ص37و38: (وكان ناصبيًّا، فظًّا، غليظًا، جلفًا، يتناول المسكِر، ويفعل المنكر، افتتح دولته بِمقتل الشهيد الحسين، واختتمها بواقعة الحرة، فمقته الناس، ولَم يُبارَك في عمره، وخرج عليه غير واحد بعد الحسين..) .
وجاء في كتاب " تاريخ الخلفاء ص165": (.. فكتب يزيد إلى واليه بالعراق عبيد الله بن زياد بقتاله) ، أي بقتال الحسين عليه السلام.
قال ابن كثير في (البداية والنهاية ـ ج8 ص178): (وقد أخطأ يزيد خطأ فاحِشًا فِي قوله لِمسلم بن عقبة أن يُبيح المدينة ثلاثة أيام.. وقد تقدَّم أنه قَتَل الحسين وأصحابه على يدي عبيد الله بن زياد..) .
وجاء في رسالة يزيد بن معاوية إلى الوليد بن عتبة: (أما بعد، فخذ حسينًا وعبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير بالبيعة أخذًا شديدًا ليست فيه رخصة حتى يبايعوا..) (الطبري: تاريخ الأمم والملوك ـ ج3 ص169. وانظر ابن كثير: البداية والنهاية ـ ج8 ص وأيضًا ابن الأثير: الكامل في التاريخ ـ ج3 ص377118).
ولِهذا قال التفتازانِي: (والحق أنَّ رضا يزيد بقتل الحسين واستبشاره بذلك وإهانته أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مِمَّا تواتر معناه وإن كان تفصيله آحادًا..) (ابن العماد: شذرات الذهب في أخبار من ذهب ـ ج1 ص123).
ونقل ابن الأثير قول عبيد الله بن زياد: (أما قتلي الحسين، فإنه أشار عَلَيَّ يزيد بقتله أو قتلي، فاخترت قتله..) (ابن الأثير: الكامل في التاريخ ـ ج3 ص474).
كما نقل ابن كثير قول يزيد بن معاوية عن نفسه: (فأبغضني البِر والفاجر بِما استعظم الناس علَي مِن قتلي حسينًا) (ابن كثير: البداية والنهاية ـ ج8 ص186. وانظر ابن الأثير: الكامل في التاريخ ـ ج3 ص440 وأيضًا الطبري: تاريخ الأمم والملوك ـ ج3 ص365).
أما ادعاء ابن تيمية ـ حسب نقل الشيخ عثمان الخميس ـ بأن يزيد أظهر التوجع لقتل الحسين عليه السلام، فهو ادعاء يفتقِر إلى الدليل، والثابت أن يزيد بن معاوية فرح عندما علم بِمقتل الحسين عليه السلام، ثُم ندم بعد أن رأى بُغض الناس له وسخطهم عليه والآثار التي ترتبت على ذلك، أي أن ندَمه كان سياسيًّا، لا حبًّا للحسين عليه السلام.
ويؤكِّد ذلك ما قاله السيوطي: (ولَمَّا قتِل الحسين وبنو أبيه، بعث
ابن زياد برؤوسهم إلى يزيد، فَسُرَّ بقتلهم أولاً، ثم ندم لَمَّا مقته المسلمون على ذلك وأبغضه الناس، وحق لَهم أن يبغضوه) (السيوطي: تاريخ الخلفاء ـ ص166).
وجاء في " الكامل في التاريخ ": (لَمَّا وصل رأس الحسين إلى يزيد حسنت حال ابن زياد عنده، ووصله، وسَرَّه ما فعل، ثُم لَم يلبث إلا يسيرًا حتى بلغه بغض الناس له ولعنهم وسبهم، فندم..) (ابن الأثير: الكامل في التاريخ ـ ج3 ص439).
ثانيًا: سَبي يزيد بن معاوية للنساء وإهانته لهن :
روى ابن كثير عن فاطمة بنت علي قالت: (إنَّ رجلاً من أهل الشام أحمر قام إلى يزيد فقال: يا أمير المؤمنين هَب لي هذه ـ يعنيني ـ وكنت جارية وضيئة، فارتعدت فزِعة من قوله وظننت أن ذلك جائز لَهم، فأخذت بثياب أختي زينب ـ وكانت أكبر مني وأعقل وكانت تعلم أن ذلك لا يجوز ـ، فقالت لذلك الرجل: كذبت والله ولؤمت وما ذلك لك وله، فغضب يزيد فقال لَها: كذبت والله إنَّ ذلك لِي، ولو شئت أن أفعله لفعلت، قالت: كلاَّ والله ما جعل الله ذلك لك إلا أن تخرج من ملَّتنا وتدين بغير ديننا، قالت: فغضب يزيد واستطار ثم قال: إياي تستقبلين بِهذا؟ إنما خرج من الدين أبوك وأخوك، فقالت زينب: بدين الله ودين أبِي ودين أخي وجدي اهتديت أنت وأبوك وجدك، قال: كذبت يا عدوَّة الله، قالت: أنت أمير المؤمنين مسلط تشتم ظالِمًا وتقهر بسلطانك.. ثُمَّ قام ذلك الرجل، فقال: يا أمير المؤمنين هَب لِي هذه، فقال له يزيد: اعزب، وَهَب الله لك حتفًا قاضيًا..) (ابن كثير: البداية والنهاية ـ ج8 ص156. وانظر ابن الأثير: الكامل في التاريخ ـ ج3 ص438و 439. وأيضًا الطبري: تاريخ الأمم والملوك ـ ج3 ص339. وأيضًا ابن الجوزي: المنتظم في تاريخ الملوك والأمم ـ ج5 ص343و344).
وفي رواية أنه: (لَمَّا أقبل وفد الكوفة برأس الحسين دخلوا به مسجد دمشق، فقال لَهم مروان بن الحكم: كيف صنعتم؟ قالوا: ورد علينا منهم ثَمانية عشر رجلاً فأتينا والله على آخرهم، وهذه الرؤوس والسبايا..) (ابن كثير: البداية والنهاية ـ ج8 ص 341وانظر الطبري: تاريخ الأمم والملوك ـ ج3 ص157)
ولِهذا قال ابن العماد: (ولَمَّا تم قتله ـ يعني الحسين عليه السلام ـ حُمِل رأسه وحرم بيته وزين العابدين معهم إلى دمشق كالسبايا) (ابن العماد: شذرات الذهب في أخبار من ذهب ـ ج1 ص122).
وقال التفتازانِي: (والحق أنَّ رضا يزيد بقتل الحسين واستبشاره بذلك، وإهانته أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مِمَّا تواتر معناه..) (ابن العماد: شذرات الذهب في أخبار من ذهب ـ ج1 ص123 ).
وجاء في تاريخ ابن كثير: (ثُم إنَّ ابن زياد أمر بنساء الحسين وصبيانه وبناته فجهزن إلى يزيد، وأمر بعلي بن الحسين فغل بغل إلى عنقه.. فلما بلغوا باب يزيد بن معاوية رفع محقر بن ثعلبة صوته، فقال: هذا محقر بن ثعلبة أتَى أمير المؤمنين باللئام الفجرة.. فلما دخلت الرؤوس والنساء على يزيد، دعا أشراف الشام فأجلسهم حوله، ثُم دعا بعلي بن الحسين وصبيان الحسين ونسائه، فأدخلن عليه والناس ينظرون، وكان أراد ابن زياد قتله فصرفه الله عنه، فلما بعثه سيَّره مع أهله ولكنه مغلغل في عنقه وبقية الأهل في حالة سيئة على ما ذكر بعضهم، فلما دخلوا على يزيد بن معاوية قال لعلي بن الحسين: يا علي أبوك قطع رحمي وجهل حقي ونازعنِي سلطانِي، فصنع الله به ما قد رأيت..) (ابن كثير: البداية والنهاية ـ ج8 ص155. وانظر الطبري: تاريخ الأمم والملوك ـ ج3 ص338و 339).
وذكر اليافعي أنَّ عبيد الله بن زياد (دعا بعلي بن الحسين، فحَمَله وحَمَل عماته وأخواته إلى يزيد على مَحامل بغير وطاء، والناس يخرجون إلى لقائهم في كل بلد ومنزل حتى قدموا دمشق.. وأقيموا على درج باب المسجد الجامع حيث يُقام السبي) (اليافعي: مرآة الجنان وعبرة اليقظان ـ ج1 ص109).
وقال أيضًا: (ولَمَّا قُتِل الحسين وأصحابه سيقت حريمهم كما تساق
الأسارى، قاتل الله فاعل ذلك، وفيهن جمع من بنات الحسين، وبنات علي رضي الله عنهما..) (اليافعي: مرآة الجنان وعبرة اليقظان ـ ج1 ص109).
أقول: هذا ما ورد في مصادر علماء أهل السنة، ذكرناه على سبيل المثال لا الحصر، ليتضح بطلان وفساد ما ذهب إليه عثمان الخميس وإمامه ابن تيمية مِن أن يزيد بن معاوية لِم يكن له يد فِي قتل الحسين عليه السلام، وأنه لَم يسبِ نساءه، وليظهر زيف ما زعمه النواصب حول فاجعة كربلاء، تلك الفاجعة التي عبَّر عنها السيوطي بقوله: (لا يَحتمل القلب ذكرها) (السيوطي: تاريخ الخلفاء ـ ص165).
ولِهذا نعود ونقول للشيخ عثمان الخميس: إنَّ هذه الأخبار والأقوال التي نقلناها هي لأكابر علمائك، وقد وردت في أمهات كتبهم، فإما أنك تعلم بوجودها، وإما أنك لا تعلم.
فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة... وان كنت تدري فالمصيبة أعظم
الادعاء العاشر
أن رأس الحسين عليه السلام لم يُبعَث إلى يزيد بالشام
يقول الشيخ عثمان الخميس: (بقي أنه ذُكِر أن رأس الحسين أرسِل إلَى يزيد فهذا أيضًا كذب لَم يثبُت بل إنَّ رأس الحسين بقي عند عُبَيد الله في الكوفة) (حقبة من التاريخ ـ ص119).
أقول: قبَّح الله عثمان الخميس، ما أجرأه على الكذب والافتراء، دون أن يشعر بأن الجهل والحمق والغباوة قد ظهروا فِي مقاله بأجلى المظاهر، وأن الكذب الذي ينسبه إلى الشيعة عائد عليه، وقد تبيَّن مِن كل ما تقدَّم أن الخداع والتمويه هُما أفضل الأساليب التي يستخدمها لتشويه التاريخ وإنكار الثابت فيه، والنظرية الميكيافيللية ـ التي تقول إنَّ " الغاية تبَرِّر الوسيلة " ـ تبدو واضحة وجلِيَّة لِمن يقرأ كتابه " حقبة من التاريخ "، فالغاية عند الشيخ عثمان الخميس هي تثبيت شرعية خلافة يزيد بن معاوية وأنه أمير المؤمنين وأن الحق معه وأنه مغفور له، ولِهذا نجد الوسيلة عنده هي تخطئة الإمام الحسين عليه السلام، وإنكار وقوع الكرامات يوم قتله، وافتراء أنه عليه السلام أراد أن يضع يده في يد يزيد، وتكذيب النصوص التِي تنقل فسق يزيد، وتبرئته من قتل الحسين عليه السلام
وسبي النساء، وأخيرًا إنكار إرسال رأس الحسين عليه السلام إليه بالشام.
ولكي نزيد مِن غيظ الشيخ عثمان الخميس ننقل بعض الروايات وأقوال علماء أهل السنة التي تثبت إرسال رأس الحسين عليه السلام إلى يزيد ابن معاوية.
قال ابن كثير: البداية والنهاية ـ ج8 ص163: (وأما رأس الحسين رضي الله عنه، فالمشهور عند أهل التاريخ وأهل السير أنه بَعَث به ابن زياد إلى يزيد بن معاوية، ومِن الناس مَن أنكر ذلك، وعندي أن الأول أشهر).
وقال أيضًا: (اختلف العلماء بعدها في رأس الحسين، هل سيَّره ابن زياد إلى الشام إلى يزيد أم لا، على قولين، الأظهر منهما أنه سيَّره إليه، وقد ورد في ذلك آثار كثيرة) (ج8 ص154).
فعلى قول الشيخ عثمان الخميس يكون ابن كثير كاذبًا، ويكون ما قاله كذبًا.
وقال السيوطي: (ولَمَّا قتِل الحسين وبنو أبيه بَعَث ابن زياد برؤوسهم إلى يزيد) ( تاريخ الخلفاء ـ ص166).
وعن مُجاهد أنه قال: (لَمَّا جيء برأس الحسين، فوُضِع بين يدَي
يزيد، تمثَّل بِهذه الأبيات:
ليت أشياخي ببدرٍ شهدوا... جزع الخزرج فِي وقع الأسل
فأهلُّوا واستهلوا فرحًا ... ثُم قالوا لي هنيًا لا تسَل
حين حكت بفناء بركها ... واستحر القتل فِي عبد الأسل
قد قتلنا الضعف من أشرافكم...وعدلنا ميل بدر فاعتدل)
( ابن كثير: البداية والنهاية ـ ج8 ص154)
وجاء في كتاب " سِيَر أعلام النبلاء " عن حمزة بن يزيد الحضرمي أنه قال: (وقد حدَّثني بعض أهلنا أنه رأى رأس الحسين مصلوبًا بدمشق ثلاثة أيام) (سير أعلام النبلاء ـ ج3 ص319).
ولِهذا قال ابن كثير: (وأمر ابن زياد فنودِي الصلاة جامعة.. ثم أمَرَ برأس الحسين، فنُصِب بالكوفة، وطيف به في أزقتها، ثم سيَّره مع زحر بن قيس ومعه رؤوس أصحابه إلى يزيد بن معاوية بالشام، وكان مع زحر جماعة من الفرسان.. فخرجوا حتى قدِموا بالرؤوس على يزيد ابن معاوية) (البداية والنهاية ـ ج8 ص153. وانظر ابن الأثير: الكامل في التاريخ ـ ج3 ص436 , وأيضًا الطبري: تاريخ الأمم والملوك ـ ج3 ص338).
وقال ابن العماد: (ولَمَّا تم قتله ـ أي الحسين عليه السلام ـ، حُمِل رأسه، وحرم بيته، وزين العابدين معهم إلى دمشق كالسبايا) (شذرات الذهب في أخبار من ذهب ـ ج1 ص122).
وجاء في رواية ابن كثير: (فأوفده إلى يزيد بن معاوية، فوضع رأسه بين يديه، وعنده أبو برزة الأسلمي، فجعل يزيد ينكت بالقضيب على فيه ويقول:
يفلِّقن هامًا مِن رجال أعزَّة... علينا وهم كانوا أعق وأظلما
فقال له أبو برزة: ارفع قضيبك فوالله لَربَّما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم واضعًا فيه على فيه يلثمه) (ابن كثير: البداية والنهاية ـ ج8 ص158. وانظر ابن الأثير: الكامل في التاريخ ـ ج3 ص437و 438. وأيضًا الطبري: تاريخ الأمم والملوك ـ ج3 ص298. وأيضًا ابن الجوزي: المنتظم في تاريخ الملوك والأمم ـ ج5 ص342).
وبِهذا المعنى جاء عن اليافعي قوله: (ثُم وُضِع الرأس المكرَّم بين يدي يزيد، فأمَر أن يُجعَل في طست..) (مرآة الجنان وعبرة اليقظان ـ ج1 ص109).
وفي تاريخ ابن الجوزي: (ثُم نصب رأس الحسين بالكوفة بعد أن طيف به، ثُم دعى زفر بن قيس، فبعث معه برأس الحسين ورؤوس أصحابه إلى يزيد) ( المنتظم في تاريخ الملوك والأمم ـ ج5 ص341).
قال ابن حجر: (فقاتل ـ أي الحسين عليه السلام ـ حتى قتِل، وقتله رجل من مذحج وجزر رأسه، فانطلق به إلى عبيد الله بن زياد فوفده إلى يزيد ومعه الرأس، فوُضِع بين يديه..) (تهذيب التهذيب ـ ج1 ص531).
وقال القسطلانِي: (ولَمَّا قتلوه ـ يعني الحسين عليه السلام ـ بعثوا برأسه إلى يزيد..) .
يقول الشيخ عثمان الخميس: (قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " أول جيش يغزون مدينة قيصر مغفور لَهم ".. وكان هذا الجيش بقيادة يزيد بن معاوية) (حقبة من التاريخ ـ ص121).
أقول: لقد أضل هذا الرجل هواه، وأفسد عقله، وجانب الحق، واستجاب لِحنقه، وأراق آخر قطرة من دينه وحيائه، فضرب جَميع النصوص والروايات والأقوال المعتبَرة بعرض الحائط، واستنبط مغفرة الله ليزيد بن معاوية، متمسِّكًا بتعليل عليل دأب النواصب في الاستدلال به على اعتقادهم الفاسد بإيمان يزيد بن معاوية وفضله في الإسلام.
أما ادعاؤه هذا وما جاء به مِن الكلام الباطل، فيَرد عليه أمران:
الأمر الأول: إن هذا الكلام يدل على سخافة عقل الشيخ عثمان الخميس، وجهله بالتاريخ، وتوغُّله في الجهالة، وعِشقِه اللاَّ مَحدود ليزيد الخمور والقرود، لِذا نراه كالغريق الذي يتشبَّث بالطحلب أو بأرجل الضفادع، وكالطفل الذي يتخبَّط في الوحل.
الأمر الثانِي: لو كان يزيد بن معاوية مِن المغفور لَهم، فلماذا يا ترى
لَعَنَه علماء أهل السنة وحَكَموا عليه بأنه ناصبي، بل وذهب بعضهم إلى كُفرِه.
قال الذهبِي عن يزيد: (وكان ناصبيًّا، فظًّا، غليظًا، جلفًا، يتناول المسكِر، ويفعَل المنكَر..) (سير أعلام النبلاء ـ ج4 ص37).
وقال عنه عبد الله بن حنظلة: (إنَّه رجل ينكَح أمهات الأولاد، والبنات، والأخوات، ويشرب الخمر، ويَدَع الصلاة) (السيوطي: تاريخ الخلفاء ـ ص167. وانظر ابن الأثير:الكامل في التاريخ ـ ج3ص449و450 وأيضًا الذهبي: سير أعلام النبلاء ـ ج3 ص324).
وجاء عن الشوكانِي قوله: (.. الخمير السِّكِّير الهاتك لحرم الشريعة المطهرة يزيد بن معاوية) (نيل الأوطار من أحاديث سيد الأخيار ـ ج7 ص176).
وذكر ابن العماد الحنبلي قول التفتازانِي في " شرح العقائد النسفية ": (اتفقوا على جواز اللعن على مَن قتَل الحسين أو أمر به أو أجازه أو رضي به، قال: والحق أنَّ رضا يزيد بقتل الحسين واستبشاره بذلك وإهانته أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مِمَّا تواتر معناه وإن كان تفصيله آحادًا، قال: فنحن لا نتوقف في شأنه، بل في كفره وإيمانه، لعنة الله عليه وعلى أنصاره وأعوانه) (شذرات الذهب في أخبار من ذهب ـ ج1 ص123).
ولِهذا قال السيوطي: (فقتِل ـ أي الحسين عليه السلام ـ وجيء برأسه
في طست، حتى وُضِع بين يدَي ابن زياد، لعن الله قاتله وابن زياد معه ويزيد أيضًا) (تاريخ الخلفاء ـ ص165).
وقال ابن العماد: (ولَمَّا تم قتله، حُمِل رأسه، وحرم بيته، وزين العابدين معهم إلى دمشق كالسبايا، قاتل الله فاعل ذلك وأخزاه، ومَن أمر به، أو رضيَه) (شذرات الذهب في أخبار من ذهب ـ ج1 ص122).
وعن الفقيه الشافعي الكيا الهراسي أنه قال عن يزيد: (وأما قول السلف، ففيه لأحمد قولان تلويح وتصريح، ولِمالِك قولان تلويح وتصريح، ولأبِي حنيفة قولان تلويح وتصريح، ولنا قول واحد التصريح دون التلويح، وكيف لا يكون كذلك وهو اللاعب بالنرد والمتصيِّد بالفهود ومُدمِن الخمر، وشِعره في الخمر معلوم..) (ابن خلكان: وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان ـ ج3 ص287).
قال ابن كثير: (وقد استدل بِهذا الحديث وأمثاله مَن ذهب إلى الترخيص في لعنة يزيد بن معاوية، وهو رواية عن أحمد بن حنبل اختارها الخلال وأبو بكر عبد العزيز والقاضي أبو يعلى وابنه القاضي أبو الحسين، وانتصر لذلك أبو الفرج ابن الجوزي في مصنف مفرد وجوَّز لعنته..) (البداية والنهاية ـ ج8 ص179).
وقال ابن العماد: (وقال رجل في حضرة عمر بن عبد العزيز: أمير المؤمنين يزيد، فضربه عُمَر عشرين سوطًا. واستفتِي الكيا الهراسي فيه، فذكر فصلاً واسعًا مِن مَخازيه حتى نفدت الورقة، ثُم قال: ولو مُددت ببياض لَمددت العنان في مخازي هذا الرجل..) (شذرات الذهب في أخبار من ذهب ـ ج1 ص123و124).
قال ابن حجر الهيتمي: (اعلم أنَّ أهل السنة اختلفوا في تكفير يزيد ابن معاوية.. فقالت طائفة إنه كافر، لقول سبط بن الجوزي وغيره: المشهور إنه لَمَّا جاءه رأس الحسين رضي الله عنه جَمَعَ أهل الشام وجعل ينكت رأسه بالخيزران وينشد أبيات الزبعرى " ليت أشياخي ببدرٍ شهدوا ".. وقال ابن الجوزي فيما حكاه سبطه عنه: ليس العجب من قتال ابن زياد للحسين وإنما العجب من خذلان يزيد وضربه بالقضيب ثنايا الحسين، وحَمله آل رسول الله صلى الله عليه وسلم سبايا على أقتاب الجِمال.. وعلى القول بأنه مسلم، فهو فاسق شرير سكير جائر.. وبعد اتفاقهم على فسقه اختلفوا في جواز لعنه.. فأجازه قوم منهم ابن الجوزي، ونقله عن أحمد وغيره..) (الصواعق المحرقة في الرد على أهل البدع والزندقة ـ ص330-332).
وقال ابن تيمية: (وأما أبو الفرج بن الجوزي فله كتاب في إباحة لعنة يزيد..) (منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة والقدرية ـ ج2 ص253).
أقول: وقد اعترف الشيخ عثمان الخميس نفسه بأن هناك مَن أجاز لَعن يزيد بن معاوية، حيث قال: (وهناك مَن يُجَوِّز لعن يزيد بن معاوية وهناك مَن يَمنَع) (حقبة من التاريخ ص120).
فهل إنَّ الناصبِي والذي يَجوز لعنه مغفور له فِي رأي الشيخ عثمان الخميس؟! وهل إنَّ العلماء الذين لعنوا يزيد بن معاوية وحكموا بكفره ونصبِه وفسقه لَم يطَّلِعوا على حديث مغفرة الله لأوَّل جيش يغزو مدينة قيصر ولَم يعلموا بأنَّ يزيد كان قائدًا على هذا الجيش؟! فاطَّلع على ذلك ـ فقط ـ الشيخ عثمان الخميس وعلم بأنَّ الله تعالى قد غفر له!!
أما ما يتعلَّق بالحديث الذي أورده والذي يفيد أنَّ أوَّل جيش يغزو مدينة قيصر مغفور له، فغير صحيح عند الشيعة، بل ومع كونه مروِيًّا في صحيح البخاري إلا أنه ينبغي على الباحث المنصف أن يتوقف بشأن هذا الحديث قبل الأخذ به والتسليم بصحته، وذلك لأن السَّند يشتمل على غير واحد من المجروحين، مثل " يحيى بن حمزة الحضرمي " الذي يُعَد من القدرية ـ المنحرفين في نظر الشيخ عثمان الخميس ـ (انظر الذهبي: ميزان الاعتدال في نقد الرجال ـ ج4 ص369. وأيضًا ابن حجر العسقلاني: تهذيب التهذيب ـ ج6 ص129)، وكذلك " ثور ابن يزيد الكلاعي " الذي كان من النواصب، ذكره الذهبي في الميزان وقال عنه: (قال ابن معين: ما رأيت أحدًا يشك أنه قدري.. وكان
ضمرة يحكي عن ابن أبِي رواد أنه كان إذا أتاه مَن يريد الشام قال: إنَّ بِها ثورًا فاحذر لا ينطحك بقرنيه.. وقال أحمد بن حنبل: كان ثور يرى القدر وكان أهل حمص نفوه وأخرجوه.. وقال سلمة بن العيار: كان الأوزاعي سيئ القول في ثور..)(ميزان الاعتدال في نقد الرجال ـ ج1 ص374).
وجاء في " تهذيب التهذيب " في ترجمة " ثور بن يزيد ": (.. ويُقال إنه كان قدريًّا وكان جدُّه قتِل يوم صفين مع معاوية، فكان ثور إذا ذكر عليًّا قال: لا أحِب رجلاً قتل جدِّي.. وقال أبو مسهر وغيره: كان الأوزاعي يتكلم فيه ويهجوه.. وقال أبو مسهر عن عبد الله بن سالِم: أدركت أهل حمص وقد أخرجوا ثور بن يزيد وأحرقوا داره لكلامه في القدر) (ابن حجر العسقلاني: تهذيب التهذيب ـ ج1 ص344و345).
فمن غير البعيد أن تكون الرواية ـ بسندها ومتنها ـ قد وُضِعَت وافتعِلَت من قبل هذا الناصبِي الجلف الذي يحمل في نفسه البغض والحقد على أمير المؤمنين علي بن أبِي طالب عليه السلام، لا سيما إذا لا حظنا أنَّ جدَّه كان من أتباع معاوية بن أبِي سفيان، فيكون حفيده من الموالين ليزيد بن معاوية.
ولو سلَّمنا جدلاً بصحة الحديث، فإنه لا بد مِن تقييده بِمَن وُجِد فيه شرط المغفرة، لا كل مَن هَب ودَب مِن أفراد الجيش، ويدل على ذلك
ما قاله ابن حجر عند شرحه للحديث: (قال المهلَّب: في هذا الحديث منقبة لمعاوية لأنه أول مَن غزا البحر، ومنقبة لولدِه يزيد لأنه أول مَن غزا مدينة قيصر، وتعقَّبه ابن التيِّن وابن المنير بِما حاصله: أنه لا يلزم مِن دخوله في ذلك العموم أن لا يَخرج بدليل خاص، إذ لا يَختلف أهل العلم أن قوله صلى الله عليه وسلم " مغفور لَهم " مشروط بأن يكونوا مِن أهل المغفرة، حتى لو ارتد واحد مِمَّن غزاها بعد ذلك لَم يدخل في ذلك العموم اتفاقًا، فدل على أن المراد لِمَن وُجِد شرط المغفرة فيه منهم) (فتح الباري في شرح صحيح البخاري ـ ج6 ص127و128).
على أنَّ ابن الأثير يُبيِّن لنا الظروف التي صاحبت هذه الغزوة والتي أجبَرت يزيد بن معاوية على الخروج، حيث إنه لَم يَخرج باختياره ومحض إرادته، وحتى عند خروجه لَم يكن قاصدًا رضا الله تعالى وثوابه.
قال ابن الأثير: (سَيَّر معاوية جيشًا كثيفًا إلى بلاد الروم للغزاة، وجعل عليهم سفيان بن عوف، وأمَر ابنه يزيد بالغزاة معهم، فتثاقل واعتل، فأمسَك عنه أبوه، فأصاب الناس في غزاتهم جوع ومرض شديد، فأنشأ يزيد يقول:
ما أن أبالِي بِما لاقت جموعهم... بالفرقدونة من حمى ومن موم
إذا اتكأت على الأنماط مرتفقًا ... بدر مران عندي أم كلثوم
وأم كلثوم امرأته وهي ابنة عبد الله بن عامر، فبلغ معاوية شِعره، فأقسم عليه ليلحقنَّ بسفيان في أرض الروم ليصيبه ما أصاب الناس، فسار ومعه جَمع كثير أضافهم إليه أبوه..) (الكامل في التاريخ ـ ج3 ص314).
كانت هذه هي آخر الشبهات والادعاءات والاعتراضات التي أثارها الشيخ عثمان الخميس حول واقعة الطف، وقد أجبنا عنها بأوضح دليل وأجلى برهان، مقتصرين على قدر ما يسعه المقام، تجنبًا للإطالة وطلبًا للاختصار، وفيما قدمنا كفاية لِمن أراد اتباع الحق ونيل الهداية، واجتناب الغواية.