۞ هل يوجد للشيعة كتاب جامع للأحاديث النبوية الشريفة على غرار الصحيحين مثلاً ۞
بتاريخ : 26-07-2010 الساعة : 12:17 AM
هل يوجد للشيعة كتاب جامع للأحاديث النبوية الشريفة على غرار الصحيحين مثلاً ؟!!
الإجابة للشيخ صالح الكرباسي
إن جوامع الحديث لدى الشيعة ليست قليلة وهي تحوي عشرات الآلاف من الأحاديث، وفيما يلي نشير إلى بعضها كالتالي :
1 ) الكافي : للشيخ أبي جعفر محمد بن يعقوب الكليني الرازي قدَّس الله نفسه الزَّكية المتوفى سنة 328هـ، وهذا الكتاب رتَّبه مؤلفه في 34 كتاباً و326 باباً، أما عدد أحاديثه فهو 16199 حديثاً، وقد قسَّم المؤلف الكتاب إلى ثلاثة أقسام أصول وفروع وروضة، فجمع في قسم الأصول الأحاديث الاعتقادية، وجمع في قسم الفروع الأحاديث الفقهية، وجمع في قسم الروضة الأحاديث الأخلاقية وما شابه ذلك، ولقد أمضى المؤلف في جمع هذه الأحاديث عشرين عاماً من عمره.
2 ) من لا يحضره الفقيه : لأبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي، المتوفى سنة 381هـ، جزَّأه مؤلفه أربعة أجزاء، وبوَّبه 666 باباً، وضمَّنه 5998 حديثاً.
3 ) تهذيب الأحكام : لأبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي، المتوفى سنة 460هـ، وعِدَةُ أبوابه 393 باباً، وعدد أحاديثه 13590 حديثاً.
4 ) الاستبصار فيما اختلف فيه من الأخبار : لأبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي، المتوفى سنة 460هـ، يقع في ثلاثة أجزاء، جزءان منه في العبادات، والثالث في بقية أبواب الفقه، وعدد أحاديثه 5511 حديثاً.
5 ) الوافي : للشيخ محمد بن مرتضى المدعو بمحسن الكاشاني، والملقب بالفيض، والمتوفى سنة 1091هـ، يضم 50000 حديثاً.
6 ) تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة : للشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي قدَّس الله نفسه الزَّكية، وعدد أحاديثه 35850 حديثاً.
7 ) مستدرك الوسائل و مستنبط المسائل : للشيخ ميرزا حسين بن محمد تقي الطبرسي النوري، المتوفى سنة 1320هـ، طبع في إيران حجرياً سنة 1321هـ، ثم أعيد طبعه في طهران سنة 1382هـ، فيه زهاء ثلاثة وعشرين ألف حديث، استدركها مؤلفه على كتاب وسائل الشيعة للحر العاملي.
8 ) بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار : للعلامة الشيخ محمد باقر بن محمد تقي المجلسي قدَّس الله نفسه الزَّكية، المتوفى سنة 1110هـ، طبع على الحجر في إيران سنة 1303 - 1315 هـ في خمسة وعشرين مجلداً وفق تجزئة المؤلف، ثم طُبع طباعة حديثة على الحروف في 110 مجلد.
9 ) جامع أحاديث الشيعة : ألفته لجنة من العلماء تحت إشراف آية الله البروجردي قدَّس الله نفسه الزَّكية.
لكن ينبغي التنبيه على أمر هام و هو أنه لو كان مقصود السائل وجود جوامع حديثية للشيعة يعتقد بأن كل ما ورد فيها من الأحاديث هي أحاديث صحيحة وغير قابلة للنقاش كما هو الحال بالنسبة إلى صحيح البخاري عند أهل السنة مثلاً، فلابد أن نقول بكل صراحة أن كتب الحديث عندنا ليست هكذا فهي تحتوي على الحديث الصحيح والضعيف والمرسل، وليست جوامع الحديث عند الشيعة صحاحاً يستدل بكل حديث ورد فيها، بل الاستدلال يتوقف على اجتماع شرائط الصحة التي ذكرها علماء الدراية والحديث.
وتهتم الشيعة بالحديث الشريف الذي يمثّل السنة الشريفة كل اهتمام باعتباره المصدر الثاني للتشريع الإسلامي على كافة الأصعدة بعد القرآن الكريم.
أما الحديث عند الشيعة فهو : كلامٌ يحكي قول المعصوم عليه السَّلام أو فعله أو تقريره، وبهذا الاعتبار ينقسم إلى الصحيح ومقابله، وبهذا عُلم أن مالا ينتهي إلى المعصوم عليه السَّلام ليس حديثاً، وأما العامة فاكتفوا فيه بالانتهاء إلى أحد الصحابة والتابعين، ولأجل التمييز بين القسمين ربما يسمّون ما ينتهي إلى الصحابة و التابعين بالأثر[1].
ثم إن الشيعة تعتبر علم الحديث من أشرف العلوم وأكثرها نفعاً، لذا فإن علماء الشيعة قد بذلوا قصارى جهدهم من أجل تدوين علوم الحديث، فألّفوا في غريب الحديث وغرائبه، كما ألّفوا في علم رجال الحديث المتكفل بتمييز الثقاة من الرواة عن غيرهم، كما وألّفوا في علم الدراية الذي يبحث عن العوارض الطارئة على الحديث من ناحية السند والمتن وكيفية تحمّله[2] وآداب نقله وأدائه[3].
ولأن الحديث اعتمد في تحمله ونقله الرواية الشفوية ثم الرواية التحريرية، ولقد جاء أكثر الحديث عن طريق الآحاد، وخبر الواحد - كما هو مقرر ومحرر في علم أصول الفقه - لا يفيد اليقين بصدوره عن المعصوم، فوضع العلماء ما يعرف بـ" علم الرجال " و" علم الحديث " لهذه الغاية[4].
وعلم الرجال : هو العلم الذي يبحث فيه عن قواعد معرفة أحوال الرواة من حيث تشخيص ذواتهم، وتبيين أوصافهم التي هي شرط في قبول روايتهم أو رفضها[5].
ولقد عَدَّ العلماء تعلّم علمي الرجال والحديث من شروط الاجتهاد المطلق ومن أساسيات الفقاهة، واعتبروه من المقدمات الضرورية للبلوغ إلى مرتبة الاجتهاد الفقهي وتطبيق عملية الاستنباط.
هذا وأن إخضاع الراوي إلى التقييم الدقيق في علم الرجال يعبّر عنه بالجرح والتعديل، ويراد منه النتيجة الحاصلة من التدقيق في أحوال الراوي من حيث الوثاقة أو اللاوثاقة، فالوثاقة تساوي التعديل، كما أن اللاوثاقة تساوي الجرح في مصطلح علم الرجال[6].
أما الشيعة فتمتاز على غيرها من المذاهب بإخضاع كافة الرواة من دون استثناء إلى هذا التقييم للتعرّف على حالهم ولتمييز الصالحين منهم من الطالحين والمؤمنين عن المنافقين، كي يتسنى لهم الأخذ من الصالحين والمؤمنين دون غيرهم.
أما السُنة فيستثنون الرواة من الصحابة من هذا التدقيق والتقييم، ويرون بأنهم فوق الجرح والتعديل، لذلك فهم لا يخضعونهم أبداً إلى التقييم.
هذا وإن موضوع عدالة الصحابة من المواضيع الحساسة التي شغلت مساحة كبيرة من أبحاث الحديث والرجال، وقد ذهب جمهور من أبناء العامة إلى أن جميع الصحابة عدول ولا ينبغي أن تنالهم يد الجرح والتعديل كما تناله غيرهم من المسلمين.
ومما يدعو إلى العجب هذا الإصرار على قداسة الصحابة، وأنهم فوق مستوى الجرح والتعديل، مع أنهم رووا عشرات الأحاديث التي اختارها أصحاب الصحاح حول ارتداد الصحابة عن الدين ومخالفة جملة من أصوله ومبادئه وأحكامه مضافاً إلى ممارسات غير مشروعة ارتكبوها على نحو لا يدع مجالاً للريب في أنهم كانوا كسائر الناس فيهم الصالح والطالح، والمنافق والمؤمن، إلى غير ذلك من الأصناف التي يقف عليها المتتبع لآيات الذكر الحكيم والسنة النبوية، وهذا أمر عجيب جداً[7]. لكن علماء الشيعة يصرحون بضرورة التدقيق في أحوال الرواة بصورة كاملة، ويرون بأن الحديث إنما يصبح صالحاً لأن يكون مصدراً من مصادر التشريع بعد مروره بالمراحل التالية :
1 ] تقييم رواة الحديث بصورة دقيقة لا تقبل التسامح لتشخيص وتعيين هوية الراوي بصورة كاملة، وذلك على أسس علمية وقواعد مرسومة في علم خاص بهذا الأمر يسمى بعلم الرجال، وبالاستعانة بهذا العلم يتعرف العلماء على حال الرّواي من حيث الوثاقة واللاوثاقة، فيقررون قبول روايته أو رفضها.
2 ] تقييم كافة الأحاديث المروية عن المعصومين عليهم السَّلام من حيث متن الحديث وسنده وطرقه لتمييز الأحاديث الصحيحة عن السقيمة، ويتم هذا التدقيق والتقييم على أسس علمية رصينة وقواعد مدونة في علم خاص بهذا الأمر يسمى بعلم الدراية[8].
3 ] ثم بعد ذلك تخضع الرواية إلى المناقشة في حجيتها في علم الأصول[9].
4 ]وبعد ذلك كله تأخذ الرواية طريقها إلى استنباط الحكم الشرعي منها في علم الفقه، وبعد ثبوت حجية الرواية وصلاحيتها للاستدلال بها يعتمدها الفقيه مصدراً تشريعياً يفيد منه الحكم المطلوب.
نعم هذه هي المراحل التي لابد وأن يمر الراوي وما رواه من خلالها حتى يصل الحديث إلى مرحلة استنباط الحكم الشرعي منه، خلافاً لأهل السنة، فهم يعتبرون الصحابة فوق مستوى الجرح والتعديل، إذ جعلوا عدالة الصحابي هي الأصل، سواء أكان معلوم الحال أم مجهولها، فالصحابة في رأيهم في منأى عن النقد، فلا يصح التعرّض لهم بشكل من الأشكال، إذ لا يتسرب الشك إليهم أبداً.
مواصفات الراوي المقبول روايته ومؤهلاته :
1 ) الإسلام : فلا تقبل رواية الكافر مطلقاً، أما قبول شهادة الذمي في باب الوصية في حق المسلم، فهو خارج بالدليل، وهو قول الله تعالى : ﴿ يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ... ﴾[10]، فقد فَسّرت الروايات قوله تعالى : ﴿ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ ﴾ بالذمي[11].
2 ) العقل : فلا يقبل خبر المجنون وروايته، وهو واضح وبديهي.
3 ) البلوغ : فلا يقبل خبر الصبي غير المميّز، وبالنسبة إلى المميّز فالمشهور عدم قبول روايته.
4 ) الإيمان : أي كون الراوي شيعياً إمامياً إثنا عشرياً[12].
5 )العدالة : وهي كما يراه المشهور، عبارة عن ملكة نفسانية راسخة باعثة على ملازمة التقوى وترك ارتكاب الكبائر وعدم الإصرار على الصغائر، وترك منافيات المروءة التي يكشف ارتكابها عن قلة المبالاة بالدين، بحيث لا يوثق منه التحرّز عن الذنوب[13].
وفي الختام لابد من التنبيه على أنه قد يتساءل السائل ويقول إذن لماذا لم تدوَّن الجوامع الحديثية لدى الشيعة على الأساس المذكور، فتستخرج منها الأحاديث الصحيحة وتطرح غيرها، إذ لا فائدة في الأحاديث غير الصحيحة ؟!!.. وفي الجواب نقول : إن تقييم الحديث كما أشرنا إلى ذلك من الأمور الدقيقة جداً، ولا يتمكن من ذلك إلا ذوي الخبرة والاختصاص، وهي مسألة اجتهادية لا بد وإن يكون باب الخوض فيها مفتوحاً أمام جميع العلماء بصورة دائمة وفي أي وقت، ولا يمكن البَتُّ في تقييم الرواي والرواية اعتماداً على رأي من سبقنا من العلماء وسدّ باب التحقيق في سند الرواية ومتنها أمام الآخرين، فباب البحث والنقاش مفتوح دائماً، ولهذا السبب لا يمكن وضع جوامع حديثية تضم الصحاح من الأحاديث فقط.
ـــــــــــــــــــالهوامشـــــــــــــــــــ
[1] أصول الحديث وأحكامه 19، للعلامة المُحقق آية الله الشيخ جعفر السبحاني حفظه الله.
[2] التحمّل : مصطلح من مصطلحات علم الحديث، ويراد منه تلقّي الراوي للحديث من الراوي الآخر الذي ألقاه إليه، ثم الحفظ له من قبل الراوي المتلقي، سواءً كان ذلك الحفظ استظهاراً وعن ظهر القلب، أو كتابةً وتدويناً، فالتحمّل - إذن - يعني الحمل - لغة - حمل في مشقة، ومن غير شك أن حمل الحديث فيه شيء من المشقة لما فيه من وجوب الاحتياط له من أن يدخله أو يشوبه شيء ليس منه، يراجع : أصول الحديث 223، للعلامة الدكتور الشيخ عبد الهادي الفضلي، الطبعة الثانية سنة 1416هـ، مؤسسة أُم القرى للتحقيق والنشر.
[3] الأداء : مصطلح من مصطلحات علم الحديث، ويراد منه إلقاء الراوي للحديث لراوٍ آخر يتلقاه منه، يراجع : أصول الحديث 223.
[4] أصول الحديث 14.
[5] أصول علم الرجال 11، للعلامة الدكتور الشيخ عبد الهادي الفضلي، الطبعة الثانية، سنة 1416هـ، مؤسسة أم القرى للتحقيق والنشر.
[6] لمعرفة الألفاظ المستعملة في الجرح والتعديل يراجع : أصول الحديث وأحكامه في علم الدراية 153، للعلامة المُحقق آية الله الشيخ جعفر السبحاني حفظه الله، الطبعة الثانية سنة 1419هـ، مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام، قم - إيران، ويراجع أيضاً : أصول الحديث 115 – 123، للعلامة الدكتور الشيخ عبد الهادي الفضلي، الطبعة الثانية سنة 1416هـ، مؤسسة أُم القرى للتحقيق والنشر.
[7] الحديث النبوي بين الرواية والدراية - بتصرف يسير - 51، للعلامة المُحقق آية الله الشيخ جعفر السبحاني حفظه الله، الطبعة الأولى سنة 1419هـ، مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام، قم - إيران.
[8] علم الدراية : هو العلم الباحث عن الحالات العارضة على الحديث من جانب السند أو المتن، أصول الحديث وأحكامه في علم الدراية 14، للعلامة المُحقق آية الله الشيخ جعفر السبحاني حفظه الله، الطبعة الثانية سنة 1419هـ، مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام، قم - إيران.
[9] علم الأصول : صناعة يعرف بها القواعد التي يمكن أن تقع في طريق استنباط الأحكام أو التي ينتهي إليها في مقام العمل، كفاية الأصول 1 / 9، للمحقق الخراساني قدَّس الله نفسه الزَّكية.
[10] القران الكريم سورة المائدة الآية 106.
[11] يراجع : زين الدين العاملي المعروف بالشهيد الثاني المتوفى سنة 966هـ، الرعاية في علم الدراية 181 – 182.
[12] للتفصيل يراجع : العلامة الطوسي محمد بن الحسن عدة الأصول 379 – 381، طبعة مؤسسة آل البيت، سنة 1403هـ.
[13] يراجع : جمال الدين حسن بن زين الدين العاملي المتوفى سنة 1011هـ، المعالم 201، عنه العلامة المُحقق آية الله الشيخ جعفر السبحاني حفظه الله : أصول الحديث وأحكامه 134.
بسمه تعالى
اللهم صل على محمد وآل محمد
وعجل اللهم فرج الحجة ابن الحسن عجل الله فرجه الشريف
والعن اعداهم أجمعين من الأولين الى الآخرين
شكرا أختي العزيزة (نرجس )
بحث جميل جداً ورائع ونتمى الأكثر
ونتمنى منك تفاعل أكثرفي منتدى الكتاب
موفقين لكل خير
والتوفيق للجميع
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلي على محمد وآل محمد وعجل فرجهم الشريف
وألعن اعداهم من آل امية الى آل عبوس والى ابد الآبدين
آمين يارب العالمين
وبعد
لك الشكر على هذا الموضوع الملفت للنظر
ونتمنى منك الكثير والمثيرومواضيع اشوق إن شاء الله
ولكم الشكر الجزيل