وقوله: (اللذين خالفا أمرك) إشارة إلى قوله تعالى : (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول) فخالفا الله ورسوله في وصيه بعد ما سمعا من النص عليه ما لا يحتمله هذا المكان ، ومنعاه في حقه فضلوا وأضلوا وهلكوا وأهلكوا وإنكارهما الوحي إشارة إلى قوله تعالى: (بلغ ما انزل إليك من ربك فإن لم تفعل فما بلغت رسالته).
( وجحدهما الانعام ) إشارة إلى أنه تعالى بعث محمدا صلى الله عليه وآله رحمة للعالمين، ليتبعوا أوامره، ويجتنبوا نواهيه، فإذا أبوا أحكامه وردوا كلمته فقد جحدوا نعمته وكانوا كما قال سبحانه: (كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم فريقا كذبوا وفريقا يقتلون) وأما عصيانهم الرسول صلى الله عليه وآله فلقوله صلى الله عليه وآله : يا علي من أطاعك فقد أطاعني، ومن عصاك فقد عصاني، وأما قلبهما الدين فهو إشارة إلى ما غيراه من دين الله كتحريم عمر المتعتين وغير ذلك مما لا يحتمله هذا المكان وأما تغييرهما الفرض إشارة إلى ما روي عنه عليه السلام أنه رأى ليلة الاسرى مكتوبا على ورقة من آس أني افترضت محبة علي على أمتك، فغيروا فرضه، ومهدوا لمن بعدهم بغضه، وسبه حتى سبوه على منابرهم ألف شهر.
و( الإمام المقهور منهم ) يعني نفسه عليه السلام، ونصرهم الكافر إشارة إلى كل من خذل عليا عليه السلام وحاد الله ورسوله، وهو سبحانه يقول ( لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ) الآية.
( وطردهم الصادق ) إشارة إلى أبي ذر طرده عثمان إلى الربذة، وقد قال النبي صلى الله عليه في حقه : ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء الحديث. ( وإيواؤهم الطريد ) وهو الحكم بن أبي العاص طرده النبي صلى الله عليه وآله فلما تولى عثمان آواه ( وإيذائهم الولي ) يعني عليا عليه السلام ( وتوليتهم المنافق ) إشارة إلى معاوية وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة والوليد بن عتبة و عبد الله بن أبي سرح والنعمان بن بشير ( وإرجائهم المؤمن ) إشارة إلى أصحاب علي عليه السلام كسلمان والمقداد وعمار وأبي ذر، والإرجاء التأخير، ومنه قوله تعالى : ( أرجه وأخاه ) مع أن النبي صلى الله عليه وآله كان يقدم هؤلاء وأشباههم على غيرهم.
والحق المخفي هو الإشارة إلى فضائل علي عليه السلام وما نص عليه النبي صلى الله عليه وآله في الغدير وكحديث الطاير وقوله عليه السلام: يوم خيبر لأعطين الراية غدا الحديث، وحديث السطل والمنديل، وهوي النجم في داره، ونزول هل أتى فيه وغير ذلك مما لا يتسع لذكره هذا الكتاب: وأما المنكرات التي أتوها فكثيرة جدا وغير محصورة عدا حتى روي أن عمر قضى في الجده بسبعين قضية غير مشروعة، وقد ذكر العلامة قدس الله سره في كتاب كشف الحق ونهج الصدق، فمن أراد الاطلاع على جملة مناكرهم، وما صدر من الموبقات عن أولهم وآخرهم، فعليه بالكتاب المذكور، وكذا كتاب الاستغاثة في بدع الثلاثة وكتاب مسالب الغواصب في مثالب النواصب، وكتاب الفاضح، وكتاب الصراط المستقيم، وغير ذلك مما لا يحتمل هذا المكان ذكر الكتب فضلا عما فيها.
وقوله: ( فقد أخربا بيت النبوة ) إشارة إلى ما فعله الأول [أبو بكر] والثاني [عمر] مع علي عليه السلام وفاطمة عليها السلام من الايذاء، وأرادا إحراق بيت علي عليه السلام بالنار، وقاداه قهرا كالجمل المخشوش، وضغطا فاطمة عليها السلام في بابها حتى سقطت بمحسن، وأمرت أن تدفن ليلا لئلا يحضرالأول [أبو بكر] والثاني [عمر] جنازتها وغير ذلك من المناكير.
وعن الباقر عليه السلام ما أهرقت محجمة دم إلا وكان وزرها في أعناقهما إلى يوم القيامة، من غير أن ينتقص من وزر العاملين شيء، وسئل زيد بن علي بن الحسين عليهما السلام وقد أصابه سهم في جبينه: من رماك به ؟ قال : هما رمياني، هما قتلاني.
وقوله: ( وحرفا كتابك ) يريد به حمل الكتاب على خلاف مراد الشرع لترك أوامره ونواهيه، ومحبتهما الأعداء إشارة إلى الشجرة الملعونة بني أمية ومحبتهما لهم، حتى مهدا لهم أمر الخلافة بعدهما، وجحدهما الآلاء كجحدهما النعماء، و قد مر ذكره، وتعطيلهما الاحكام يعلم مما تقدم، وكذا إبطال الفرائض، والالحاد في الدين الميل عنه.
( ومعاداتهما الأولياء ) إشارة إلى قوله تعالى: ( إنما وليكم الله ورسوله ) الآية ( وتخريبهما البلاد وإفسادهما العباد ) هو مما هدموا من قواعد الدين، وتغييرهم أحكام الشريعة، وأحكام القرآن، وتقديم المفضول على الفاضل ( والأثر الذي أنكروه ) إشارة إلى استيثار النبي صلى الله عليه وآله عليا من بين أفاضل أقاربه وجعله أخا ووصيا، وقال له : أنت مني بمنزلة هارون من موسى وغير ذلك ثم بعد ذلك كلها أنكروه ( والشر الذي آثروه ) هو إيثارهم الغير عليه، وهو إيثار شر متروك مجهول على خير مأخوذ معلوم، هذا مثل قوله عليه السلام : (علي خير البشر من أبى فقد كفر).
( والدم المهراق ) هو جميع من قتل من العلويين، لأنهم أسسوا ذلك كما ذكرناه من قبل من كلام الباقر عليه السلام ( ما أهرقت محجمة دم ) ا.هـ. حتى قيل * وأريتكم أن الحسين أصيب في يوم الثقيفة * والخبر المبدل منهم عن النبي صلى الله عليه وآله كثير كقولهم أبو بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة وغير ذلك مما هو مذكور في مظانه. والكفر المنصوب : هو أن النبي صلى الله عليه وآله نصب عليا عليه السلام علما للناس وهاديا فنصبوا كافرا وفاجرا، والإرث المغصوب : هو فدك فاطمة عليها السلام، والسحت المأكول هي التصرفات الفاسدة في بيت مال المسلمين، وكذا ما حصلوه من ارتفاع الفدك من التمر والشعير، فإنها كانت سحتا محضا، والخمس المستحل : هو الذي جعله سبحانه لآل محمد صلى الله عليه وآله فمنعوهم إياه واستحلوه حتى أعطى عثمان مروان بن الحكم خمس إفريقية وكان خمس مائة ألف دينار بغيا وجورا، والباطل المؤسس : هي الاحكام الباطلة التي أسسوها وجعلوها قدوة لمن بعدهم، والجور المبسوط هو بعض جورهم الذي مر ذكره.
( والنفاق الذي أسروه ) هو قولهم في أنفسهم لما نصب النبي صلى الله عليه وآله عليا عليه السلام للخلافة قالوا: والله لا نرضى أن تكون النبوة والخلافة لبيت واحد، فلما توفي النبي صلى الله عليه وآله أظهر واما أسروه من النفاق، ولهذا قال علي عليه السلام: والذي فلق الحبة و برئ النسمة ما أسلموا ، ولكن استسلموا: أسروا الكفر، فلما رأوا أعوانا عليه أظهروه. وأما الغدر المضمر: هو ما ذكرناه من إسرارهم النفاق ، والظلم المنشور كثير أوله أخذهم الخلافة منه عليه السلام بعد فوت النبي صلى الله عليه وآله، والوعد المخلف هو ما وعدوا النبي صلى الله عليه وآله من قبولهم ولاية علي عليه السلام والايتمام به فنكثوه، والأمانة الذي خانوها هي ولاية علي عليه السلام في قوله تعالى: " إنا عرضنا الأمانة على السماوات " الآية. والانسان هم لعنهم الله، والعهد المنقوض : هو ما عاهدهم به النبي صلى الله عليه وآله يوم الغدير على محبة علي عليه السلام وولايته، فنقضوا ذلك.
والحلال المحرم كتحريم المتعتين، وعكسه كتحليل الفقاع وغير ذلك، والبطن المفتوق بطن عمار بن ياسر ضربه عثمان على بطنه فأصابه الفتق، والضلع المدقوق والصك الممزوق إشارة إلى ما فعلاه مع فاطمة عليها السلام من مزق صكها ودق ضلعها، والشمل المبدد هو تشتيت شمل أهل البيت عليهم السلام وكذا شتتوا بين التأويل والتنزيل وبين الثقلين الأكبر والأصغر، وإعزاز الذليل وعكسه معلوما المعنى وكذا الحق الممنوع، وقد تقدم ما يدل على ذلك. والكذب المدلس مر معناه في قوله عليه السلام ( وخبر بدلوه ) والحكم المقلب مر معناه في أول الدعاء في قوله عليه السلام.
( وقلبا دينك ) والآية المحرفة مر معناه في قوله عليه السلام: ( حرفا كتابك ) والفريضة المتروكة هي موالاة أهل البيت عليهم السلام لقوله تعالى ( قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) والسنة المغيرة كثيرة لا تحصى، وتعطيل الأحكام يعلم مما تقدم، والبيعة المنكوثة هي نكثهم بيعته كما فعل طلحة والزبير، والرسوم الممنوعة هي الفئ والخمس ونحو ذلك، والدعوى المبطلة إشارة إلى دعوى الخلافة وفدك، والبينة المنكرة هي شهادة علي والحسنين عليهم السلام وأم أيمن لفاطمة عليها السلام فلم يقبلوها. والحيلة المحدثة هي اتفاقهم أن يشهدوا على علي عليه السلام بكبيرة توجب الحد إن لم يبايع.
وقوله: (وخيانة أوردوها) إشارة إلى يوم السقيفة لما احتج الأنصار على أبي بكر بفضائل علي عليه السلام ووأنه أولى بالخلافة ، فقال أبو بكر : صدقتم ذلك ولكنه نسخ بغيره لأني سمعت النبي صلى الله عليه وآله يقول: إنا أهل بيت أكرمنا الله بالنبوة ولم يرض لنا بالدنيا وأن الله لن يجمع لنا بين النبوة والخلافة، وصدقه عمر وأبو عبيدة و سالم مولى حذيفة على ذلك، وزعموا أنهم سمعوا هذا الحديث من النبي صلى الله عليه وآله كذبا وزورا فشبهوا على الأنصار والأمة، والنبي صلى الله عليه وآله قال: من كذب على متعمدا فليتبوء مقعده في النار.
وقوله: ( وعقبة ارتقوها ) إشارة إلى أصحاب العقبة وهم أبو بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير وأبو سفيان ومعاوية ابنه وعتبة بن أبي سفيان وأبو الأعور السلمي والمغيرة بن شعبة وسعد بن أبي وقاص وأبو قتادة وعمرو بن العاص وأبو موسى الأشعري اجتمعوا في غزوة تبوك على كؤد لا يمكن أن يجتاز عليها إلا فرد رجل أو فرد جمل، وكان تحتها هوة مقدار ألف رمح من تعدى عن المجرى هلك من وقوعه فيها، وتلك الغزوة كانت في أيام الصيف.
والعسكر تقطع المسافة ليلا فرارا من الحر فلما وصلوا إلى تلك العقبة أخذوا دبابا كانوا هيؤها من جلد حمار، ووضعوا فيها حصى وطرحوها بين يدي ناقة النبي صلى الله عليه وآله لينفروها به فتلقيه في تلك الهوة فيهلك صلى الله عليه وآله.
فنزل جبرئيل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وآله بهذه الآية (يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم وهموا بما لم ينالوا) الآية وأخبره بمكيدة القوم ، فأظهر الله تعالى برقا مستطيلا دائما حتى نظر النبي صلى الله عليه وآله إلى القوم وعرفهم وإلى هذه الدباب التي ذكرناها أشار عليه السلام بقوله: (ودباب دحرجوها) وسبب فعلهم هذا مع النبي صلى الله عليه وآله كثرة نصه على علي عليه السلام بالولاية والإمامة والخلافة، وكانوا من قبل نصه أيضا يسوؤنه لان النبي صلى الله عليه وآله سلطه على كل من عصاه من طوائف العرب، فقتل مقاتليهم، وسبا ذراريهم ، فما من بيت إلا وفي قلبه ذحل، فانتهزوا في هذه الغزوة هذه الفرصة، وقالوا إذا هلك محمد صلى الله عليه وآله رجعنا إلى المدينة، ونرى رأينا في هذا الامر من بعده، وكتبوا بينهم كتابا فعصم الله نبيه منهم ، وكان من فضيحتهم ما ذكرناه.
وقوله: (وأزياف لزموها ) الازياف جمع زيف ، وهو الدرهم الردى غير المسكوك الذي لا ينتفع به أحد، شبه أفعالهم الردية وأقوالهم الشنيعة بالدرهم الزيف الذي لا يظهر في البقاع، ولا يشترى به متاع، فلأفعالهم الفضيحة وأقوالهم الشنيعة، وذكرهم الله تعالى في قوله: ( والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة ).
( والشهادات المكتومة ) هي ما كتموا من فضائله ومناقبه التي ذكرها النبي صلى الله عليه وآله وهي كثيرة جدا وغير محصورة عدا ( والوصية المضيعة ) هي قول النبي صلى الله عليه وآله أوصيكم بأهل بيتي وآمركم بالتمسك بالثقلين، وإنهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض ، وأمثال ذلك انتهى كلامه قدس سره .
قوله: ( لان الضمير ) لا يخفى ما فيه إذ لا مانع حينئذ من إرجاع الضمير إلى الصنمين، ولا ريب في أن تأنيث الضماير أظهر، لكن العلة معلولة، قوله: ( إلى استيثار النبي صلى الله عليه وآله) الظاهر أن المراد بالأثر إما الخبر وآثار النبي صلى الله عليه وآله ولعله حمل الأثر على الذي آثر الله ورسوله ، واختاره على غيره ، وهو بعيد لفظا ويحتمل أن يكون في نسخته ( وأثير ) على فعيل.
قوله: ( الأزياف جمع زيف ) أقول: في بعض النسخ بالراء المهملة جمع ريف بالكسر، وهي أرض فيها زرع وخصب، والسعة في المأكل والمشرب، وما قارب الماء من أرض العرب، أو حيث الخضر والمياه و الزروع، ولا يخفى مناسبة الكل.
ثم إنا بسطنا الكلام في مطاعنهما في كتاب الفتن، وإنما ذكرنا هنا ما أورده الكفعمي ليتذكر من يتلو الدعاء بعض مثالبهما لعنة الله عليهما وعلى من