الأن لم ينتهي الحديث بعد حول قول النبي صلى الله عليه وسلم ( اللهم إجعله هداياً مهدياً )
وهذا الحديث صحيح لا علة فيه يا زميلي النجف الأشرف وكم أتمنى أن تجيب في صلب الموضوع
فالحديث صحيح وقول النبي صلى الله عليه وسلم فيه يصح وأما الإسناد فإليكَ تعليقنا
أخرج الإمام البخاري بسند صحيح في التاريخ الكبير (5|240): عن أبي مسهر حدثنا سعيد بن عبد العزيز عن ربيعة بن يزيد عن (الصحابي عبد الرحمن) بن أبي عميرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاوية: «اللهم اجعلهُ هادِياً مَهديّاً واهده واهدِ به». إنظر أيضاً مسند الشاميين (1|190) و الآحاد والمثاني (2|358).
أبو مسهر قال عنه الخليلي: ثقةٌ إمامٌ حافظٌ متفقٌ عليه»، كما في تهذيب التهذيب (6|90). سعيد إمام ثقة ثبت مجمعٌ على توثيقه، قال عنه أحمد في المسند: «ليس بالشام رجل أصح حديثاً من سعيد بن عبد العزيز، هو والأوزاعي عندي سواء»، كما في سير أعلام النبلاء (8|34) و تهذيب الكمال (10|539). وكان إماماً فقيهاً زاهداً شديد الورع. ربيعة بن يزيد إمام ثقة مجمعٌ على توثيقه، قال ابن حبان عنه في الثقات: «كان من خيار أهل الشام»، كما في تهذيب التهذيب (3|228). يونس بن ميسرة مجمعٌ على توثيقه، كما في التهذيب (11|394)، وقال عنه أبو حاتم: «كان من خيار الناس». وكذلك مروان بن محمد ثقة، كما في التهذيب (10|86).
وأبو مسهر ثقة جليل من الفضلاء
قال الحافظ في تهذيب التهذيب 6 / 101 :
و قال أبو حاتم : ثقة .
و قال الحاكم أبو أحمد : كان عالما بالمغازى ، و أيام الناس .
و قال ابن حبان فى " الثقات " : كان ابن معين يفخم من أمره .
و قال فى ترجمة عمرو بن واقد من كتاب " الضعفاء " : كان من الحفاظ المتقنين ،
و أهل الورع فى الدين .
و قال الخليلى : ثقة حافظ إمام ، متفق عليه .
و قال الحاكم : إمام ثقة .
و قال ابن وضاح : كان ثقة فاضلا . اهـ .
قال البخاري في التاريخ الكبير (5|240): «عبد الرحمن بن أبي عميرة المزني ، يعد في الشاميين. قال أبو مسهر: حدثنا سعيد بن عبد العزيز، عن ربيعة بن يزيد، عن ابن أبي عميرة، قال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاوية: "اللهم اجعله هاديا مهديا واهده واهد به". وقال عبد الله عن مروان عن سعيد عن ربيعة سمع عبد الرحمن سمع النبي صلى الله عليه وسلم مثله».
قلتُ : ورجاله كلهم ثقات وأبو مسهر ثقة جليل من حفاظ الشام وشيخ الشام كما قال الذهبي في ترجمته : الإمام ، شيخ الشام ، من أجل العلماء و أفصحهم و أحفظهم وقال عنه إبن حجر رحمه الله تعالى : ثقة فاضل فهو من أفاضل الحفاظ وشيخُ الشام وهذه فضيلةٌُ لا ينكرها إلا جاهل .
و هذا إسناد رجاله كله ثقات أثبات أخرج لهم الشيخان. و قد توبع أبو مسهر (بجماعة كالوليد بن مسلم، ومروان بن محمد الطاطري، وعمر بن عبد الواحد، محمد بن سليمان الحراني) و كذلك ربيعة (توبع بيونس بن ميسرة). وقد علمنا أنه لو كان الإسناد متصلاً ورجاله ثقات وخلى المتن من شذوذٍ وعلة، فإننا نحكم على الحديث بالصحة. وقد وقع التصريح بالسماع في جميع طبقات الإسناد، وسنده صحيح، ورجاله ثقات أثبات. وهذا الحديث صحيح بلا ريب على شرط مسلم.
فقد احتج مسلم برواية أبي مسهر ومروان بن محمد عن سعيد بن عبد العزيز عن ربيعة بنيزيد، في حديث «يا عبادي، إني حرمت الظلم على نفسي». وهو الحديث الذي قال فيه الإمام أحمد بن حنبل: «هو أشرف حديثٍ لأهل الشام». وهو حديثٌ مجمعٌ على صحته. والحديث الذي نتكلم عليه هو بنفس إسناد ذلك الحديث. وإنما اختلف الصحابي، وهذا لا يضر لأن الصحابة كلهم عدول.
وأي محاولةٍ لتضعيف هذا الحديث فالشبهات الأقوى والتي جمعها كثر من أراد تضعيفه فجمعوا :
الطعن في الصحابي الجليل عبد الرحمان المزني (وليس الأزدي) رضي الله تعالى عنه. وهو أخو الصحابي الجليل محمد بن أبي عميرةرضي الله تعالى عنه (لم يختلف أحد في صِحَّة صُحبته). وقد ترجم له ابن عساكر بستة صفحات في تاريخ دمشق.
وجاء في علل ابن أبي حاتم (2|362): سألت أبي عن حديث رواه الوليد بن مسلم عن سعيد بن عبد العزيز عن يونس بن ميسرة بن حليس عن عبد الرحمن بن عميرة الأزدينه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وذكر معاوية فقال ( اللهم اجعله هاديا مهديا واهد به ) . قال أبي «روى مروان وأبو مسهر عن سعيد بن عبد العزيز عن ربيعة بن يزيد عن ابن أبي عميرة عن معاوية ( قال لي النبي صلى الله عليه وسلم ). قلت لأبي: «فهو ابن أبي عميرة، أو ابن عميرة؟». قال: «لا. إنما هو ابن أبي عميرة». فسمعت أبي يقول: «غلط الوليد، وإنما هو ابن أبي عميرة، ولم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحديث».
ومن هنا ظنّ ابن عبد البر أن المقصود عدم صحة صحبة إبن أبي عميرة رضي الله تعالى عنه . وقد ردّ عليه إبن حجر في الإصابة بما يثبت قطعاً سماعه وصحبته (علماً أن أبا حاتم نفسه قد ذكر أن لإبن أبي عميرة صحبة، كما في الإصابة). وليس هذا مقصود أبي حاتم، و إنما المقصود هو أن هذا الحديث ليس فيه التصريح بالسماع، وفيه ترجيح لرواية أبي مسهر (الذي ذكرناها أعلاه) على رواية الوليد بن مسلم (التي فيها التصريح بالسماع) لأنه سُئل عن هاتين الروايتين فأجاب بهذا. فهو ينص على أن ابن أبي عميرة لم يسمع هذا الحديث بالذات من رسول الله صلى الله عليه وسلم , بل سمعه من معاوية رضي الله تعالى عنه . وإلا فإن أبا حاتم الرازي ممن يثبتون صحبة ابن أبي عميرة رضي الله تعالى عنه. وعلى أية حال فقد روى الحديث (هاديا مهديا): أبو زرعة الشامي وعباس الترقفي عن أبي مسهر، وفيه التصريح بالسماع أيضاً. فهو إذاً المحفوظ. وأرى أن أبا حاتم –رحمه الله- قد وهم في ذكر معاوية في الإسناد، تبعاً للسؤال. ذلك لأنه لم نجد ذكر معاوية لا في طريق صحيح ولا سقيم لهذا الحديث.
و عبد الرحمن بن عميرة قد ذكره ابن حجر في القسم الأول من "الإصابة"، مما يعني أنه عنده ممن ثبتت له رؤية أو سماع. وقد أثبت صحبته –كما في "الإصابة"– كل من: أبي حاتم الرازي، وابن السكن، والبخاري (أمير المؤمنين في الحديث)، وابن سعد، ودُحيم (وهو المرجع في تعديل وجرح الشاميين)، وسليمان بن عبد الحميد البهراني. وكذلك أثبت صحبته ابن قانع في معجم الصحابة (2|146)، و الذهبي في تجريد أسماء الصحابة (3742) وفي تاريخ الإسلام (4|309) وفي غيرهما، وبقي بن مخلد في مقدمة مُسنده (#355)، والترمذي في تسمية الصحابة (#388)، ويعقوب بن سفيان في المعرفة (1|287> )، وأبو القاسم البغوي في معجم الصحابة (4|489)، وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (5|273)، وابن حبان في الثقات (3|252)، وأبو بكر بن البرقي في كتاب الصحابة، وأبو الحسن بن سميع في الطبقة الأولى من الصحابة، وأبو بكر عبد الصمد بن سعيد الحمصي في "تسمية من نزل حمص من الصحابة"، وابن منده، وأبو نعيم، والنووي في تهذيب الأسماء واللغات (2|407)، والخطيب البغدادي في تالي تلخيص المتشابه (2|539)، والشيباني في الآحاد والمثاني (2|358)، والمِزِّي في تهذيب الكمال (17|321)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (35|230)، وأبو نصر الحافظ، وابن فتحون. هذا عدا الإمام سعيد بن عبد العزيز التنوخي –راوي الحديث– وهو أدرى به، وكلامه معتمدٌ في جرح وتعديل الشاميين. بل أفرد له الإمام أحمد بن حنبل جزءً في مسنده. مما يدل على تحقق الإجماع (قبل ابن عبد البر) على صحة صحبة عبد الرحمن.
ولذلك شنّع الحافظ ابن حجر بشدة على ابن عبد البر في ذلك، وسرد عدداً من الأحاديث المصرحة بسماعه من النبي صلى الله عليه وسلم , ثم قال: «فما الذي يصحّح الصُّحبةَ زائداً على هذا؟!». وابن عبد البر ذكره شيخ الإسلام بالتشيع في منهاج السنة (7|373) . وهو واضح لمن قرأ كتبه وبخاصة تراجم بعض الصحابة بكتابه الاستيعاب. والعجيب أنه زعم أن من الرواة من أوقف الحديث. وهذا باطل لا شك في ذلك. وهناك من بحث طرق هذا الحديث بتوسع جداً مثل ابن عساكر وغيره، فما عثر أحد على من أوقف الحديث، ولا حتى من ذكر ذلك. ولهذا قال ابن حجر عن ابن عبد البر (كما في الأربعون المتباينة 22): «وجدنا له في "الاستيعاب" أوهاماً كثيرة، تتبع بعضها الحافظ ابن فتحون في مجلدة».
زعم أصحاب الشبهة أن إسناد الحديث مضطرب. وذلك لأنه روي عن سعيد عن ربيعة ويونس. والجواب أنكلا الطريقين محفوظ عن الوليد بن مسلم. فقد رواه أحمد في مسنده (4|216): «حدثنا علي بن بحر، حدثنا الوليد ابن مسلم، حدثنا سعيد بن عبد العزيز، عن ربيعة بن يزيد، عن عبد الرحمن به». وعلي بن بحر هذا ثقة، وسعيد التنوخي ثقة ثبت فضّله أبو مسهر على الأوزاعي. فمن كانت هذه صفته، احتمل تعدد الأسانيد. وعلى فرض المخالفة فقد رجّح أبو حاتم الرواية الأولى التي رواها أيضاً أبو مسهر ومروان. وكذلك فعل ابن عساكر (59|84). أما الرواية الثانية فلم يتفرّد بها الوليد، بل تابعه عليها عمر بن عبد الواحد (ثقة) عند ابن شاهين كما في الإصابة. فثبت أن كلا الطريقين محفوظين وليس هناك اضطراب في الحديث.
وقد أثبت ذلك الحافظ ابن حجر فقال في الإصابة (4|343) عن هذا الحديث: «ليست للحديث الأول علة الاضطراب، فإن رواته ثقات. فقد رواه الوليد بن مسلم وعمر بن عبد الواحد عن سعيد بن عبد العزيز –فخالفا أبا مسهر في شيخه– قالا سعيد عن يونس بن ميسرة عن عبد الرحمن بن أبي عميرة. أخرجه ابن شاهين من طريق محمود بن خالد عنهما. وكذا أخرجه ابن قانع من طريق زيد بن أبي الزرقاء عن الوليد بن مسلم».
الطعن بالإمام التنوخي بحجة أنه اختلط. قلت: أما إعلال الحديث باختلاط سعيد بن عبد العزيز فليس بسديد، وذلك لأنه لم يحدّث وقت اختلاطه، بنص من وصفه بالاختلاط وهو أبو مسهر (وإليه المرجع في جرح وتعديل الشاميين). قال ابن معين في تاريخ الدوري (4|479): «قال أبو مُسْهِر: كان سعيد بن عبد العزيز قد اختلط قبل موته، وكان يُعرض عليه قبل أن يموت، وكان يقول: لا أجيزها!». ولذلك فقد احتج مسلم بحديثه من رواية أبي مسهر، والوليد بن مسلم، ومروان بن محمد، وهم نفسهم الذين رووا هذا الحديث عنه. وسعيد التنوخي، ثقة حجة، في مستوى الأوزاعي أو يزيد، فكيف يضعف حديثه بعد ذلك؟!
فلم يُعِلَّ الحديث بهذا أحدٌ من الحفاظ، بل لا تجد مِن مُتقدِّميهم أحداً يُعل باختلاط سعيد أصلاً. فهو أثبتُ الشاميين وأصحُّهم حديثاً، كما قال الإمام أحمد وغيرُه. وما غمز فيه أحد، بل ساووه بالإمام مالك، وقدّموه على الأوزاعي، واحتج بروايته الشيخان وغيرُهما مطلقاً.
ومَن روى الحديث عنه هو أبو مسهر: عالمٌ بالحديث يَقظٌ متثبّت، بل أثبت الشاميين في زمانه عموماً، وأثبتهم في سعيد خصوصاً. وكان سعيد يقدّمُه ويخصُّه. وقد رفع من أمره وإتقانه جداً الإمامان أحمد وابن معين. وأبو مسهر عالم باختلاط شيخه، بل إن كشفَه لاختلاط شيخه من تثبّته، فيَبعُد أن يأخذَ عن شيخه ما يُحْذَرُ منه. قال الشيخ الألباني في الصحيحة (4|616) بعد أن ذكر متابعة أربعة من الثقات لأبي مُسهر: «فهذه خمسة طرق عن سعيد بن عبد العزيز، وكلهم من ثقات الشاميين. ويبعد عادة أن يكونوا جميعاً سمعوه منه بعد الاختلاط. وكأنه لذلك لم يُعله الحافظ بالاختلاط».
زعمه أن الحديث مرسل. قال هذا المبتدع: «ولو ثبت لابن أبي عميرة صحبة، فهذا الحديث بالذات نص أهل الشام على أنه لم يسمعه من النبي كما في علل الحديث لابن أبي حاتم»
قلت: هذا من هراءه ومحاولته لتضعيف الحديث بأي طريقة كانت. فمرسل الصحابي حجة باتفاق علماء الحديث، عدا أننا قد سبق وأوضحنا أن أبا حاتم لم يقصد في كلامه ما أراده ذلك المبتدع. والحديث إسناده صحيح بلا ريب.
محاولته تعليل الحديث بروايات ومتابعات ضعيفة ساقطة لا تصح. وغالب هذه الروايات ذكرها ابن عساكر في تاريخ دمشق. هذا مع اعتراف هذا المبتدع بأن في أسانيد هذه الروايات الضعيفة كذابين. فكيف يعتمد على روايات كهذه في إعلال الأحاديث الصحيحة؟ لأنه كما قال الحافظ ابن حجر في مقدمة الفتح: «الضعيف لا يُعَـلُّ به الصحيح». وهذا من بديهيات علم الحديث عند أهل السنة. ولولا ذلك لما كاد يبقى حديثٌ في صحيحي البخاري ومسلم، إلا وأمكن تضعيفه برواية الضعفاء والكذابين. والاضطراب معناه تعارض الروايات بحيث يستحيل الترجيح، لا مجرد تعارض الصحيح مع الضعيف! وقد سبق نقلنا قول الحافظ ابن حجر في الإصابة (4|343) عن هذا الحديث: «ليست للحديث الأول علة الاضطراب، فإن رواته ثقات».
محاولته الخلط بين ربيعة بن يزيد الدمشقي، وربيعة بن يزيد السَّلَمي. قلت: أجمع المحدثون كلهم على أن السلمي ليس له أي رواية، بل هو رجل يكاد يكون مجهولاً. ولا نعرف عنه إلا أن الإمام البخاري جزم في تاريخه الكبير (3|280) بأن له صحبة. وقال ابن حبان في الثقات (3|129): «يقال إن له صحبة». وقال العسكري: «قال بعضهم إن له صحبة». ولم ينف ذلك إلا ابن عبد البر (وهو متأخر) إذ قال في الاستيعاب (2|495): «ربيعة بن يزيد السلمي: ذكره بعضهم في الصحابة، ونفاه أكثرهم (!!). وكان من النواصب يشتم علياً. قال أبو حاتم الرازي: لا يروى عنه ولا كرامة، ولا يذكر بخير. ومن ذكره في الصحابة لم يصنع شيئاً».
قلت: وهذا وهمٌ قبيحٌ من ابن عبد البر. فما زعمه أن أكثرهم نفاه غير سديد، إذ لم ينف الصحبة عن ربيعة السلمي إلا هو (ابن عبد البر). وما نسبه لأبي حاتم الرازي لا يصح. وليس عنده إسناد عنه، إنما هو صحيفة وجدها، كما اعترف في ترجمة ربيعة الجرشي. وقد ذكر ابن أبي حاتم الرازي في الجرح والتعديل (3|472): «ربيعة بن يزيد السلمي: ليس بمشهور، ولا يُروى عنه الحديث. وقال بعض الناس له صحبة. سمعت أبي يقول ذلك». فثبت بطلان ما زعمه ابن عبد البر عن أبي حاتم، ولعله وهم في ترجمة شخص آخر إذ هو يروي وجادةً قد يكثر فيها التصحيف، إن صحت نسبتها أصلاً!
ولذلك قال الحافظ ابن حجر في الإصابة (2|477): «وقد استدرك ابن فتحون، وأبو علي الغساني، وابن معوز على أبي عمر (أي ابن عبد البر) اعتماداً على قول البخاري». وهذا قول صحيح. فإن ابن عبد البر (ت 463هـ) من المتأخرين. ومثله لا يصح أن يتكلم في مسألة إثبات الصحبة إن لم يكن له سلف بها، فضلاً عن دليل يتكلم به. فكيف يرد واحد متأخر، بغير برهان ولا دليل على ما جزم به أمير المؤمنين بالحديث محمد بن إسماعيل البخاري؟!
وهذا كله على أية حال لا علاقة له بموضوعنا. فقد أجمع العلماء أن السلمي هذا ليس له رواية حديث. وإنما رواية الإمام التنوخي الدمشقي من طريق ابن بلده: ربيعة بن يزيد الدمشقي، وليس السَّلَمي. وهذا مما اعترف به المبتدع الزيدي المومئ إليه. بل إنه يتبجح بذلك ويقول بصراحة: «وهذا أيضاً مما لم أجد من نَبَّهَ عليه قبل، ولو احتمالاً». قلت: فاعرف قدرك إذاً أمام أئمة أهل السنة، فليس قولك بشيء أمام إجماعهم.
وفي كل الأحوال فإن ربيعة بن زيد الدمشقي لم يتفرد بهذا الحديث، بل تابعه عليه يونس بن ميسرة (كما أسلفنا)، وهو إمام ورِعٌ حافظٌ لا خلاف في توثيقه.
وحاول إثبات ما زعمه بأن مناسبة الحديث كانت عندما عزل عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه لعمير بن سعد الأنصاري رضي الله تعالى عنه من ولاية حمص وولاها معاوية رضي الله تعالى عنه . فقد أخرج الخلال في كتابه السنة (2|450): أخبرنا يعقوب بن سفيان أبو يوسف (ثقة) قال ثنا محمود بن خالد الأزرق (السلمي، ثقة) قال ثنا عمر بن عبد الواحد (ثقة) قال ثنا سعيد بن عبد العزيز (ثقة) عن ربيعة عن يزيد (ثقة): «إن بعثاً من أهل الشام كانوا مرابطين بآمد. وكان على حمص عمير بن سعد. فعزله عثمان وولى معاوية. فبلغ ذلك أهل حمص فشق عليهم. فقال عبد الرحمن بن أبي عميرة المزني: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لمعاوية: اللهم اجعله هادياً مهدياً واهد به».
وزعم بأن ذلك كان عام 24هـ، وربيعة توفي بعد عام 120هـ. ثم حاول إيهام القارئ بوجود انقطاع بين ربيعة والصحابي الجليل عبد الرحمان رضي الله عنه , ثم اتهامه لربيعة بالتدليس! وقال: وهي العلة «عرفناها بالاستقراء. وإن لم ينبه لذلك أهل الحديث». قلت: لم ينبهوا عليها لأنه لا أساس لها أصلاً.
وليس هناك انقطاع أصلاً في السند ولا إرسال. لأنه ليس في القصة أن ربيعة الدمشقي كان حاضراً، وإنما هو سمعها عن الصحابي عبد الرحمان رضي الله تعالى عنه فرواها عنه. والمعاصرة بينهما متحققة بلا شك. وفي الصحيح أمثلة كثيرة لأحاديث روى التابعي قصتها مرسلاً لكنهم صححوها لأنه روى المرفوع منها مسنداً، فحملوا أنه سمع القصة كذلك من الصحابي. ومثال ذلك حديث «هل تُنصَرون وتُرزَقون إلا بضعفائكم؟» الذي أخرجه البخاري في صحيحه. هذا بالإضافة إلى متابعة يونس بن ميسرة لربيعة. وإلى وقوع التحديث بين ربيعة الدمشقي وعبد الرحمان رضي الله تعالى عنه في عدد من طرق الحديث.
يُذكر أن هذه القصة، فيها تصريح بسماع الصحابي عبد الرحمان رضي الله تعالى عنه لهذا الحديث بالذات من رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقد أثبت الشيعي هذا الحديث. فكيف يطعن إذاً في صُحبة عبد الرحمان ؟! فظهر أنه يحاول تضعيف الحديث بأي طريقة، حتى لو ظهر فيها تناقضه الواضح. فنعوذ بالله من اتباع الهوى.
محاولته الطعن برواة الحديث، فقد بحث كتب الرجال كلها، ولم يجد في إسناد الحديث مطعنٌ ولا مغمز. فإن كلهم قد انعقد الإجماع على توثيقهم والاحتجاج بهم. فلم يقدر إلا أن يأتي بحجج باردة سخيفة وهي: كونهم شاميون! وهذه عند الشيعة تهمة توجب رد حديثهم كله. وحاول جاهداً البحث في سيرتهم الشخصية ليطعن بهم بتهمة أنهم عاشوا في دمشق عاصمة الأمويين. أقول، فليقرأ القارئ المنصف تراجمهم في سير أعلام النبلاء، وما قاله علماء أهل السنة فيهم، ثم ليحكم عليهم بعدها. فإنهم كلهم متفقين على عدالتهم وضبطهم وزهدهم وعبادتهم وشدة ورعهم وسعة علمهم وفقههم. وكلهم من خيار أهل الشام.
وما زعمه من أن مجرد كون الرجل شامياً يعني أنه ناصبي، فهذا افتراء واضح. ولنا أن نقول عندئذٍ أن كل عراقي شيعي يجب علينا رد حديثه. فهل يقبل هذا الزيدي بهذا؟ وعلى أية حال فلا أهمية لرأيه أصلاً عندنا. إنما اعتمادنا على أقوال أئمتنا من أهل السنة. وأما مجرد كيل التهم بلا دليل، فهذا هوىً مرفوض لا يقبله أحد.
ثم وجدت أيضاً شبهات متهالكة ألقاها طلبة ناشئون في هذا العلم، وإليك إياها:
قال ابن الجوزي في العلل المتناهية (1|275) بعد أن ساق الحديث من طريقالوليد بن سليمان، وطريق أبي مسهر: «هذان الحديثان لا يصحان.... وهذا من أعجب ما رأيت! فقد أخطأ أخطاء مركبة في تضعيفه. فذكر أن مدار الحديث على محمد بن إسحاق البلخي، وهو ليس بثقة. فرد عليه الذهبي في تلخيص العلل المتناهية (225): «وهذا جهل منه. فإنما محمد بن إسحاق هنا هو أبو بكر الصاغاني، ثقة». ثم أبطل الذهبي نسبة التفرد له، وهذا واضح في سياق طرق الحديث. ثم قال ابن الجوزي: «إن في سنده الآخر إسماعيل بن محمد، وقد كذّبه الدارقطني. فرد عليه الذهبي: «وهذه بليّة أخرى! فإن إسماعيل هنا هو الصفار، ثقة، والذي كذبه الدارقطني هو المزني، يروي عن أبي نعيم». والحديث مروي من غير هذين الرجلين، وعيب ابن الجوزي تسرعه في الحكم من غير استيفاء الطرق.
وقد ناقشت في هذا الحديث أحد أهل السنة المتشيعين. فبذل جهداً كبيراً في إيجاد علةٍ حقيقيةٍ (وفق نهج أهل السنة في علم الحديث)، فلم يعثر في الحديث على أية علة. فلم يجد طريقة لتضعيفه إلا بأن يزعم بأن في الحديث علة خفية لا يعرفها!
وهذا دليل على انقطاع حجته، وكلامه باطل لا يقبل عند أهل الصنعة. فإن قيل نرد الحديث في الموضع الذي نرى أنه باطل. قلنا هذا هو التحكم بالباطل. فأين الدليل الذي ستعتمدون عليه في رد الخبر بلا حجة؟ ولو قال بذلك خصومكم، فما يكون جوابكم عليهم؟! فأنتم تريدون إخضاع السنة لأهوائكم، فكيف تريدون أن يتبعكم الناس وبأية حجة؟! وأين البرهان؟ قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين. أم أنه مجرد استحسانٌ بالرأي الشخصي؟ قال الإمام ابن حزم في الأحكام (1|134): «فمن حَكَمَ في دينِ الله –عز وجل– بما استَحسَنَ وطابت نَفْسُه عليه دُون برهانٍ من نصِّ ثابتٍ أو إجماع، فلا أحَدَ أضَلُّ منه، وبالله تعالى نعوذ من الخِذلان».
لا يمكن أن يأتينا حديث صحيح الظاهر لا نجد له أي علة، ثم يكون في واقع الأمر باطلاً موضوعاً. قال ابن حزم (1|127): «إننا قد أمنا -ولله الحمد- أن تكون شريعة أمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم أو نَدَب إليها، أو فَعَلها -عليه السلام-، فتضيع ولم تبلغ إلى أحد من أمته: إما بتَوَاتُرٍ، أو بنقلِ الثقةِ عن الثقة، حتى تَبْلغَ إليه. وأمِنَّا أيضاً قطعاً أن يكون الله تعالى يُفرِدُ بنقلها من لا تقوم الحُجَّة بنقله من العُدول. وأمِنَّا أيضاً قطعاً أن تكون شريعةٌ يخطىء فيها راويها الثقة، و لا يأتي بيانٌ جليٌّ واضحٌ بصحة خَطَئِه فيه».
ثم إذا جاز للشيخ أن يفتي بمجرد رأيه وهواه، فلماذا لا يجوز لعلماء الفيزياء والرياضيات مثلاً أن يفتوا في أمور الدين؟ فإن قال "المتعقلون" لأن علماء الرياضيات لا يعرفون شيئاً عن أصول الفقه والحديث، قلنا لهم طالما أنكم تفتون دون استنادٍ إلى كتابٍ أو سُنة، فما فائدة أصول الفقه والحديث إذاً؟ فإذا كان عندكم رأي في الدين ليس عليه دليلٌ لا من الكتاب ولا من السنة، فكل رَجُل له آراء ليس لها دليل. فإن زعمتم أن كل إنسان يحق له أن يفتي بالدين بغير علم ولا دليل، صرتم أضل الناس كلهم بنص القرآن. قال الله تعالى: ( فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ. وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ؟ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) (القصص:50). وقال كذلك: (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً؟ فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ؟ أَفَلا تَذَكَّرُونَ ) (الجاثـية:23). وقد نهى الله أشدّ النهي عن اتباع من يتبع هواه، فقال: ( وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً ) (الكهف: من الآية28).
هذا والله تعالى أعلى وأعلم
|