شيعي فاطمي
|
رقم العضوية : 23528
|
الإنتساب : Oct 2008
|
المشاركات : 4,921
|
بمعدل : 0.84 يوميا
|
|
|
|
المنتدى :
منتـدى سيرة أهـل البيت عليهم السلام
هل الغيبة من المرفوض عقلاً؟
بتاريخ : 19-08-2009 الساعة : 04:07 PM
اللهم صل على محمد وآل محمد
هل الغيبة من المرفوض عقلاً؟
لو أردنا أن نحلل فكرة الغيبة, والدليل على إمكان وقوعها, واستمرارها, لا بدَّ لنا أن نبحث _ أوّلاً _ في إمكانية أمرين مهمين, هما: الاختفاء الحسي, وطول العمر, الملازم لغيبة طويلة الأمد.
فالاختفاء الحسي, تارة يكون باختفاء الهوية, وهذا لا يمكن تصوّر عدم إمكانه, وإنما هو طبيعة كل مجهول, فمن يأتيني, وأنا لا أعرف شكله, لا يمكنني أن أعرفه, ما لم أصل إلى معرّف له, وهذا أمر طبيعي, لا يحتاج إلى مزيد من البحث. فهذا النوع من الاختفاء, هو ما عليه كل التخفي البشري, بل, والحيواني _ أيضاً _ من تغيير اللون, والصورة, والشكل, وإيهام الحس, بأن هذا الشيء هو غيره تماماً. والتخفي بهذه الطريقة, هو دأب كل من يتخفّى من أعداءه, أو لأية أسباب أخرى تخصه. وهذا النوع ليس ممكناً فقط, بل هو واقع, نعيشه في كل مجالات حياتنا, في الإنسان, والحيوان, والنبات.
وتارة يكون الاختفاء, باختفاء الجسد, وما هو عليه (الخفاء البصري). وهنا, قد يشكّك من لا علم له بحقائق الأمور, بحقيقة وقوعه أو إمكان ذلك. ولكنّ من يعرف الحقائق, ويطلع على الدراسات, والثوابت في المعرفة الإنسانية, يجد أن هذه الحالة, واقعة, فضلاً عن القول بإمكان وقوعها, أو حدوثها.
وقبل كل شيء, لا بدَّ لنا أن ننبه إلى أننا لا نتكلم عن ظاهرة اختفاء مجردة, وإنما نتكلم عن حالة تكوينية, متعلقة بإرادة الله _ تبارك وتعالى _ وقدرته. وهنا يجب البحث, انطلاقاً من أن هذا, هو أمر الله, وأن الله قادر على تحقيق مثل هذا الإخفاء.
وعليه فإن بحث مسألة: أن هذا الاختفاء أمر إلهي, تتعلق ببحث التبشير بذلك, والنصوص الدالة على تعلق إرادة الله, بهذا الخفاء.
وأما مسألة البحث في قدرة الله على الإخفاء, فهذا بحث لا يليق بمسلم. بل لا يليق بعاقل يعرف الله, وقدرته. وهو أمر لا يجوز التفكير في استحالته عليه, بأيّ شكل من الأشكال. فالله _ تبارك وتعالى _ هو خالق الأجسام, وخصائصها, وهو من يستطيع تمكين الخصائص, أو إعدامها, فليس يليق بعاقل, أن يدعي بأن الله جل جلاله غير قادر على إخفاء عبد من عباده, بناءً على تصورنا البشري, أن الطبيعة الفيزيائية الظاهرة, تقتضي الصورة المرئية للجسم.
فقد كانت الطبيعة الفيزيائية, تقتضي إحراق إبراهيم عليه السلام بالنار الهائلة, ولكن ذلك لم يتحقق, وكانت عليه برداً وسلاماً.
والطبيعة الفيزيائية, تقتضي عدم انتقال الأشياء بطريقة الاختفاء, من مكانٍ, والظهور في مكانٍ آخر, يقع على بعد مئات, أو آلاف الأميال, كما حدث لنقل عرش بلقيس, في طرفة عين, إلى مجلس سليمان عليه السلام.
والطبيعة الفيزيائية _ أيضاً _ لا تقبل أن ينشق البحر لبني إسرائيل طريقاً يبساً, ليعبروا فيه, على أرض صلبة, وقد حدث ذلك, وتغيرت قوانين الفيزياء والطبيعة.
والقوانين الحياتية لا تقتضي أن تتكلم الحيوانات, ولكن الهدهد تكلم, والنملة تحدّثت _ كذلك _ وسمعهما نبي الله سليمان عليه السلام.
والقوانين الفيزيائية _ أيضاً _ تقتضي أن الجن لا يُرى؛ لأنه مستور عن أنظار وأبصار البشر, وهو من خلقة ومادة غير مادتنا, لا ترى بالعين, ولكن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم التقى بهم, ومن قبله سليمان عليه السلام, وهو الذي حبس مردتهم في قوارير.(1)
والقائمة طويلة في مخالفة, ومغايرة قوانين الطبيعة, بأمر إلهي منصوص, فليس في المخالفة, أي مجال للتساؤل عن قدرة الله عليها, حتّى بالنسبة للحسي, الذي لا يعقل إلاّ المألوف, لأنه يؤمن من خلال النقل, أو رؤية العين, بقدرة, وبكيفية اختراق القوانين الفيزيائية والطبيعية, بتدخل من الله تعالى.
وكم قد حصل, لعباد الله في حياتهم, من دلائل, تعتبر نوعاً من الخوارق للعادة, للنجاة, أو حدوث ما لا يقبله العقل من توقيت, أو تهديف في الحوادث. بحيث يكون خارقاً للعادة, نقتنع بحدوثه, أن الله أراد النجاة, ودفع البلاء في ذلك الوقت, لغرابة الموقف فعلاً.
والإخفاء, لا يختلف _ من هذه الناحية _ أبداً.
وهنا ننتقل إلى بحث لا نطيل فيه؛ لأنه بحث مستقل, يحتاج إلى كتب, ومجلدات, وذلك لدراسة ظاهرة اختفاء الأجسام المرئية, وسنشير إلى إلماعات فيه, تكفي العاقل أن يتنبه للربط بين المعلومات, التي تمر عليه.
إن العلماء لا زالوا يدرسون تفسير ظواهر كثيرة, سميت الظواهر الروحية, أو الظواهر الخارقة, ومن بينها ظواهر التخفي, والاختفاء الكلي للأجسام, وقد عبروا عن هذه الدراسات, باسم علم الباراسيكولوجي, أو أسماء أخرى, ترتبط بالتأثير غير الفيزيائي, في الكون الفيزيائي.
لقد أيقن الباحثون, بوقوع حالات من التخفي, أو من التأثيرات من قبل أجسام, أو قوى مختفية تماماً علينا, وقد وصل الحال إلى تصوير بعضها بالصور المتحركة, لدراستها, وقد صورت _ أيضاً _ بالأشعة المختلفة مثل الأشعة تحت الحمراء, أو أشعة جاما, أو أشعة أكس, وما شابه ذلك, وتبيّن وجود وقائع وحقائق, وهنا انطلق العلماء ليس بطريقة تفكير متسلسلة؛ لأنهم لم يتساءلوا عن الإمكان, وإنما تساءلوا عن صدق إخبار من يخبر عن هذه الظواهر, وحين ثبتت هذه الظواهر, بدأوا في إيجاد تفسير لها, بعيداً عن التفكير البيزنطي, في التشكيك بالواقع؛ لأن ما عندهم من معطيات معلوماتية, تمثل واقعاً يجب تفسيره, بشكل يتوافق مع وقوع الظاهرة.
وهناك عشرات التفسيرات, لمثل هذه الظواهر, ابتداء من فلسفة الضوء, واختراقه للأجسام, أو انعكاسه عنها, حيث افترض بعضهم, أن هذه الأجسام المختفية, إما أن تكون لها القابلية على امتصاص الضوء, أو أنها تسمح بنفاذ الضوء إلى الفراغ الذري داخلها, أو أنها تسيّل, وتشتت الضوء حول الجسم؛ ليذهب في نفس اتجاهه, من دون انعكاس, كما لو انحنى قليلاً, كما ينحني تيار الماء عن الجسد الواقف وسط التيار, وقد تفرّع من هذه النظريات, محاولات تجريبية في التطبيقات التقنية الحديثة, وقد تم اعتماد هذه النظريات, في بناء الطائرات, التي لا يكتشفها الرادار, بنفس هذه التصورات, من هندسة تمكّن من امتصاص الضوء, أو الذبذبة الرادارية, ومن تحويل بسيط لتيار الضوء حول جسد الطائرة, وغير ذلك, بل إن هناك الآن دراسات, لمراقبة مواد سرية, يمكنها تغيير تيار الضوء, لأيّ شكل كان, بدون حاجة إلى هندسة معيّنة, تسمح بتكوين انفراج في الحزمة الضوئية, حول الجسم. وهي دراسات سرية, لا نعلم شيئاً عن مقدار النجاح فيها, ولكن _ بشكل أوّلي _ تم الإعلان عن نجاح التجارب المخبرية, لقسم من التجارب في الحالة الساكنة.
وهذه المعطيات العلمية, لم تكن مبنية على فراغ. ولكن, في المجال الإنساني الفعلي, فإن الاختفاء حقيقة, ثبتت المصادقة عليها, علمياً, ودينياً. فالخفاء الذي يمارسه الرهبان المسيحيون المعروفون, وكذا كهنة اليهود, والظواهر المشابهة عند بعض كهنة الهنود, وما يمارسه فقراء الهنود, بما يسمى بطاقية الإخفاء, وأمّا ما ثبت لبعض الأولياء المسلمين, وما نقل عنهم, فهو كثير جدّاً, إلى حد ضرورة التيقن من وقوعه. (منبهين إلى وقوع الاختفاء البصري لنبينا محمّد صلى الله عليه وآله وسلم في ساعة هجرته وهذا أهم من جميع ما قيل ويقال، فليراجع).
وبعد أن كانت حكايات الاختفاء, مجرد حكاية, وقناعة شخصية, لبعض الأفراد, الذين تعاملوا مع الحالة, وتيقنوا منها, فقد أصبحت _ اليوم _ حالة تدرس مخبرياً, بشكل جاد, وترصد لها الميزانيات الكبيرة, فهناك مراكز دراسات, لتفسير الظاهرة والاستفادة منها, وليس للتأكد منها فقط, فقد انتهى هذا الدور نهائي(2).
إننا لا نريد _ هنا _ أن نغرق في تفسير الظاهرة, والتمكن من فهم طبيعتها, وأسبابها, وهل هي أسباب مسيطر عليها, أم هي خارجة عن السيطرة؟ وإنما نريد: أن نفهم قضية مهمة, وهي أن ظاهرة الإخفاء البصري للأجسام موجودة, وهي محل دراسة علمية, واعتراف علمي, والوجود أدل دليل على الإمكان.
وبهذا, ينهار _ تماماً وكليّاً _ الجزء الأوّل من التشكيك في الغيبة, ولا مجال لعاقل أن يدخل من هذا الباب. ويبقى الأمر الثاني الذي عادة ما يكون مدعاة للتشكيك في الغيبة وحدوثها, وهو طول العمر وعدم كونه مألوفاً.
و نحن نواجه هنا _ أيضاً _ مشكلة معرفية أخرى, فحين يقال: إن نوحاً عليه السلام, عاش يدعو قومه (950) عاماً, وعاش بعدها كما قيل: ثلاثمائة, أوخمسمائة, أو ألف, أو ألفي سنة, للتدليل على إمكانية وقوع مثل ذلك, يكون الرد السطحي الحاضر: وهل المهدي مثل نوح عليه السلام؟ ولمن يورد _ عادة _ مثل هذا التساؤل الغريب, نقول: إن البحث هو عن إمكانية الوقوع, وليس عن التماثل, والتشابه بين حالتين! ومثل هذا الردّ الغريب لا يؤدي بنا إلى إدراك حقيقة الأمر, فأين البحث في إمكانية أن يطول عمر الإنسان إلى مثل هذه المدة المديدة, من التساؤل عن التشابه والتماثل بين نوح عليه السلام, والمهدي المنتظر عليه السلام.
إن المسألة _ برمتها ترتكز على إثبات إمكانية الوقوع, وهو _ هنا _ إمكانية أن يعيش الإنسان عمراً طويلاً كعمر نوح عليه السلام, وهذا الأمر ثابت لا جدال فيه, وقد أشار إليه القرآن الكريم بوضوح لا لبس فيه, ولما كان الأمر كذلك بالنسبة إلى نوح عليه السلام, فلا يبعد أبداً أن يقع مثيله, أو أن تكون هناك حالات مشابهة له, وهذا ثابت, دلَّت عليه الشواهد الكثيرة التي تمثلها بصورة دقيقة قصة نبي الله نوح عليه السلام.
فإذا أضيفت قصة الخضر عليه السلام وغيرها من القصص والشواهد الأخرى, إلى ما تقدم من قصة نوح عليه السلام, خرج الأمر عن الندرة إلى الكثرة, وعن دليل الوقوع الواحد إلى شيوع الأدلّة, مما لا يبقي مجالاً للقول باستحالة الإمكان, ومما يفرض علينا التسليم بصحة, وإمكانية, ووقوع مثل هذا الأمر.
وبحسب الروايات حول قضية الخضر عليه السلام, ينبغي أن يكون عمره إلى يومنا هذا قد تجاوز الألفي سنة (بل هناك أقوال تدل على أن عمره يزيد عن اثني عشر ألف عام لأنه الابن الصلبي لآدم كما يقولون، وسيأتي الكلام فيه), ومما يثير الغرابة حقيقة في هذا الموضوع أن ابن تيمية أنكر وجود الخضر, ونفى الروايات التي أشارت إلى لقاءه النبي صلى الله عليه وآله وسلم, وبعضها صحيح, والملاحظ في بحوث هذه القصة وحيثياتها, أن البعض يحاول أن يثبت بقاء الخضر عليه السلام حيّاً إلى زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم, ومع ذلك فإن مثل هذا البقاء, يكون دليلاً على طول عمر خارق, فقد قيل عنه أنه سابق للمسيح بمئات السنين, وزمن بعثة النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان في القرن السابع الميلادي فهو قد عاش ما يقارب الألف سنة, في ذلك الوقت, ونفي إمكانية بقاءه حيّاً إلى زمننا هذا, لا يعني _ أبداً _ أنه لم يعش مدة طويلة وعمراً مديداً قد يكون تجاوز الألف عام. وهذا بالتالي دليل إمكان للوقوع ينبغي الأخذ به.
وأما قصة عيسى عليه السلام وكونه حيّاً إلى الآن, وقصة إدريس عليه السلام, الذي رفعه الله مكاناً عَلِيّاً, وهو حي يرزق الآن. فهذه حالات جاءت بنصوص قرآنية, ونبوية ثابتة, ومن يريد أن يشكّك فيها, فعليه أن يشكّك في كل منظومته الإسلاميّة, ولا تجوز التجزئة, وأحادية النظر, بحيث ترفض هنا, وتقبل هناك! والقضية نفس القضية.
هذا بالإضافة إلى أن كتب التاريخ تعج بروايات المعمرين الخارقين للعادة. وها هم بيننا في جبال القوقاز, مئات المعمرين الخارقين, وقد تحدّثت الأنباء عن بعضهم, بأنه عاش أكثر من (130) سنة, وقد أجرت إحدى الصحف لقاءً مع معمر قوقازي, قيل: إن عمره أكثر من (150) سنة, وأنه لا زال يمارس نشاطه اليومي, في الزراعة, وما أشبه ذلك. ومثل هذه الحالات تعتبر خارقة للعادة فالإنسان _ اليوم _ رغم تحسن صحته, وارتفاع متوسط العمر لديه, فإنه يكاد أن يكون بمتوسط عمر (66) سنة, في الدول الراقية الغنية, بينما في الدول الفقيرة يبلغ أقل من أربعين سنة. وعلى كل حال فإنَّه من النادر البقاء بحدود (120) سنة.
وهذه المعلومات, لا تحتاج إلى إسنادٍ؛ لأن على المعترض أن يبحث عنها في نشرات منظمات الصحة العالمية, وسيجد ما يسره من المفارقة بين متوسط العمر, وبين أعمار معمرين أصحاء بكامل قواهم العقلية, والبدنية.
للموضوع تتمة.....
|