اما بالنسبة للمسألة، اقول ان علينا مراجعة كل النصوص المتعلقة بالمسالة وليس نصا واحدا وان نربطها معا لكي نصل الى الصواب والله اعلم، وان اخذنا جزئيات منها ستعطينا جوابا على هذه الجزئية سيكون خاطئا.
تقول القاعدة الاصولية ان عموم اللفظ في خصوص السبب هو عموم في الحادثة وليس عموما في كل شيئ، لانه لفظ الرسول معلق بموضوع الحادثة او السؤال فيكون الحكم معلقا بذلك الموضوع ولا يتعداه الى غيره.
حسب هذه القاعدة يتبين من الحديث بنصه الكامل ان المنزلة خاص بالحادثة نفسها ولا يتعدى لغيرها، ويبقى محصورا في نفس المسألة، والمنزلة هنا كما سيتضح هي الاستخلاف في النساء والصبيان وليست عامة في كل شيئ ومنها الحكم والاستخلاف بعد الممات وانما هي محصورة في موضوع الحادثة وفي جواب السؤال ولا تتعداها.
للحديث عدة روايات: روى البخاري عن مصعب بن سعد عن ابيه "ان رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج الى تبوك واستخلف عليا فقال: اتخلفني في الصبيان والنساء؟ قال الا ترضى ان تكون مني بمنزلة هارون من موسى؟ الا انه ليس نبي بعدي".
وروى مسلم عن عامر بن سعد بن ابي وقاص عن ابيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي "انت مني بمنزلة هارون من موسى الا انه لا نبي بعدي" وفي رواية"اما ترضى ان تكون مني بمنزلة هارون من موسى".
يستفاد من الحديث:
1- استخلف الرسول صلى الله عليه وسلم عليا على الصبيان والنساء ولم يستخلفه على المدينة.
2- انما خلف على المدينة مكانه محمد بن مسلمة ليتولى رعاية شؤون النسلمين وادارة شؤون الحكم، وخلف عليا على اهله وامره بالاقامة فيهم، فارجف به المنافقون وقالوا ما خلفه الا استثقالا له وتخففا منه، فلما قال المنافقون ذلك، اخذ علي سلاحه ثم خرج حتى اتى رسول الله وهو نازل بالجرف، فقال: يا نبي الله، زعم المنافقون انك انما خلفتني انك استثقلتني وتخففت مني، فقال: "كذبوا، ولكني خلفتك لما تركت ورائي، فارجع فاخلفني في اهلي واهلك، افلا ترضى يا علي ان تكون مني بمنزلة هارون من موسى، الا انه لا نبي بعدي"
3- واقع الحادثة انه عليا خلف في اهله، فلا يعمم ليشمل الخلافة.
4- واقع الحادثة ان الرسول استخلف على المدينة محمد بن سلمة (أي الحكم) لا يدل على ان هذا الشخص الذي خلفه هو خليفة مكانه، بدليل ان الرسول استخلف كثيرين في الغزوات، ففي غزوة العشيرة استعمل على المدينة ابا سلمة بن عبد الاسد. وفي غزوة سفوان استعمل على المدينة زيد بن حارثة.
5- معنى الفاظ (الا ترضى ان تكون بمنزلة هارون من موسى): أي اما ترضى ان يكون مثلك فيما تخلفني فيه مثل ما يخلف هارون موسى – فهو تشبيه لعلي بهارون - ووجه الشبه هو الاستخلاف.
6- المراد من الحديث تطييب خاطر علي لانه جاء غير راض بهذا الاستخلاف، وهو في نفس الوقت افهام لعلي انه هو الذي يقوم مقامه في اهله اذا غاب، كما قام هارون مقام موسى في قومه اذا غاب.
7-استثناء الرسول (الا انه لا نبي بعدي) نفي للنبوة عن الشبه، ولا يفهم منه أي بعد وفاته، لان الكلام في الاستخلاف حال الحياة وليس بعد الوفاة، ففي الحديث الصحيح الذي رواه الحاكم ان هارون قد مات في حال حياة موسى.
هذا هو معنى الحديث ولا توجد فيه اية اشارة للاستخلاف في الخلافة، ولا يفهم منه مطلقا ان الرسول اراد بالحديث ان ينص على جعل علي خليفة على المسلمين بعد وفاة الرسول.
فلا يمكن بحث كلمة منزلة وحدها دون ايراد جميع النصوص الشرعية المتعلقة بالمسألة كاملا، فالفقهاء عندما يريدون ان يستنبطوا حكما شرعيا، يضعوا كل النصوص الشرعية المتعلة بالمسألة ثم يستنبطوا حكما مستندا على القواعد الاصولية.
..
ثم لو كان ما قلتي صحيحا..
وحتى لو كان الوجهان السابقان للعموم صحيحان و هما ليسا كذلك
فلا حجة لهم في العموم
ببساطة لأن من منازل هارون من موسى الأخوة النسبية
فهو أخوه كما ذكر مرارا في القرآن
و ابن أمه كما خاطبه مرتين في القرآن
فيكون من منازل هارون من موسى الأخوة النسبية
فلو قالوا أنه عموم أريد به العموم لزمهم كذب الرسول صلى الله عليه وسلم
فلم يبق إلا أن يقولوا أنه عموم أريد به الخصوص
فينهدم استدلالهم
العام الذي أريد به الخصوص هو على قولين في أصول الفقه
لا حجة له
أو له حجة ضعيفة
و بكلا القولين ينهار استدلالهم
-------
على كل
فحتى لو سلم عموم المنازل
فليست الخلافة منزلة لهارون من موسى ليكون مثلها لعلي من محمد