|
عضو جديد
|
رقم العضوية : 30463
|
الإنتساب : Feb 2009
|
المشاركات : 16
|
بمعدل : 0.00 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
الامير احمد
المنتدى :
المنتدى العقائدي
العقائد الاءمامية تب الموضع
بتاريخ : 14-02-2009 الساعة : 11:16 PM
ثانياً: كيف يجب أن نعرف الله؟ في الساحة البشرية عقائد متنوعة ولكنها ترتبط بقواسم مشتركة فيما بينها مما يجعلها تتمحور حول صنفين من العقائد الصنف الأول: يجتمع على الإيمان بوجود الله الخالق الأزلي والصنف الثاني: لا يؤمن بوجود إله أزلي خالق للكون بل يدعو لأزلية شيء آخر كالمادة مثلاً أو يبقى متشبثاً بنكران الخالق وجحود الله بكونه علة الوجود ومدبره.
ويشمل الصنف الأول عقائد متنوعة أيضاً منها ما يؤمن بأن لله سبحانه شريك ومعاون في الإدارة الكونية أو عدة شركاء له، وبعضُها يؤمن بالإثنيّنية في الخالق حيث يرى استحالة اجتماع النقيضين في إله واحد فلا يكون إله الخير وإله الشر إلهاً واحداً وإله النور وإله الظلام إلهاً واحداً بل لابدّ أن يكون هنالك إلهان في العالم إله المنافع والخير والإيجابيات، وإله الأضرار والشر والسلبيات كما في عقيدة المجوس. وهنالك من يؤمن بتعدد الآلهة فإله للخير وإله للشر وإله للظلام وإله للنور وإله للمطر وإله للشمس، وهكذا.
كما ذهب الأغارقة إلى ذلك - في غابر الزمن - ومنهم من يرى ان الله سبحانه أوجد وأبدع الكون والوجود فهو علة الإيجاد والإبداع وليس علة الدوام والاستمرار حيث فقد أو ترك سيطرته بعد أن أبدع قوانين الحياة وسيّرها، بقيت الطبيعة وقوانينها الكونية هي التي تسيّر الوجود فهي المدبرة حالياً لمسيرها، أما الله فهو الخالق للقوانين الطبيعية فقط في بدايتها أما القوانين الطبيعية الحالية هي الآلهة الميدانية فهي تدير نفسها بنفسها بالاستمرارية كدحرجة الكرة من مرتفع فالبداية هي بتحريك الإنسان للكرة أما دوام الحركة فللاستمرارية وعليه فقد انتهى دور الخالق في الكون - وفقاً لهذه النظرية - بمجرد الإيجاد والإبداع! بينما يرى الإسلام إن الله سبحانه هو علة الوجود والإبداع أولاً وعلة الدوام والاستمرار كذلك فلا شريك له ولا نظير - كما مر.
وعموماً إن هذه النظريات الفلسفية المتعددة تلتقي في فكرة الإيمان بوجود الله ولكن باختلاف وجهات النظر وعلينا أن نتوصل عبر الأدلة العقلية والنقلية إلى أحقية العقيدة الصحيحة ويلزمنا أن نقدم الأدلة لدحض الأباطيل والأوهام التي تكتنف هذه العقيدة - عقيدة الإيمان بالله بالمعنى الإسلامي - فندفع نظرية تعدد الآلهة والإثنيّنية وغيرهما ولنقرر عبر الأدلة أن الله تعالى هو الواحد الأحد المبدع والمدبر المهيمن الدائم على ملكوته.
وقبل التطرق لهذه التفصيلات نودّ أن ندخل في حوارٍ موضوعيٍّ هادئ مع الصنف الثاني ولا نريد النقاش في صحة أو خطأ النظرية لأن ذلك سيأتي وإنما لنضع الجماعة أمام مفترق الطرق بعيدين عن التفصيلات والتشعبات فبكلمة واحدة نقول: إن الحق لواحد أينما نكون ومن أي منظار ننطلق فلا يمكن أن نؤمن بالتناقض فالشمس إما مشرقة أو مظلمة والقمر إما أبيض أو أسود فلا نؤمن بالتناقض في مكان واحدٍ وزمانٍ واحد وشروط منطقية واحدة.
ومن أبسط المناقشات والاستدلالات ومن واقع المنكرين لله! يمكن أن نتوصل مع هذه الجماعة إلى أنهم لا يطيقون جواباً أمام كلمة الحق وكلما هنالك نراهم يلتفون على هذا الأمر الفطري وهو الإيمان بالله بدوافع عديدة منها شخصية ومنها سياسية واجتماعية وعلى ما في تصوري الشخصي أنهم ينهزمون من الواجبات الشرعية التي تثقل كاهلهم غالباً فيبررون لهذا الانهزام تمسكهم بهذه الأفكار والنظريات المنكرة لمبدع الكون ليروضوا عقولهم ويجبروها على مسايرة شهواتهم وطموحاتهم الشخصية.
فالمؤمن مكلف بعدة واجبات بعد إيمانه بالرسل والرسالة الإسلامية والإمامة والمعاد فعليه أن يصلي ويصوم ويلتزم بالواجبات الشرعية ويترك المحرمات فالإيمان هو سلسلة من الالتزامات والضوابط فيفر المنكر هارباً من هذه الالتزامات عبر الضغط على فطرته وعقله بضغوطات النفس الأمارة بالسوء حتى ترضخ هذه الفطرة النقية! لضغوط وإرهاصات الغرائز النفسية وطموحاتها وبالنتيجة سينجذب العقل إلى أن يضع التبريرات والمسوغات بقالب فلسفي معين يرضاه لنفسه! ومثله مثل ذلك الصبي الذي أخذه والده إلى الكتاتيب كي يتعلم اللغة العربية وقراءة القرآن الكريم وحفظه وقد كان الطفل ذكياً جداً لكنه في الدرس الأول امتنع عن مسايرة الدرس والاستجابة للتعلم وتظاهر بالبلاهة والبلادة وامتنع من تلفّظ الحروف الهجائية (أ، ب، ت...) فسأله المعلم عن السبب أجابهُ بأنه لا يستطيع التلفظ وحينما سأله عن أموره الحياتية الأخرى أجابه بطلاقة!! فعرف الشيخ أنه محتال فاستعمل معه وسائل الضغط المعروفة لدى بعض المعلمين بالتهديد والضرب وفعلاً ضربه ضرباً مبرحاً، حينها تعالت صرخاته وملأت الجو الدراسي ضجيجاً وبالتالي أعلن عن استجابته لقرار الشيخ في مواصلة التعليم وبالفعل بدأ يتلفظ الحروف بشكلٍ جيّد واستمر في دراسته وبعد فترة سأله الشيخ عن ذلك فأجابه بصراحة: لقد عرفت انه لا مخلص من هذه السلسلة الدراسية الطويلة فالمسألة لا تنتهي حينما أتلفظ الحروف الأولية حيث سنواصل الدراسة من بعد الحروف الهجائية تأتي سور القرآن وبعد السور التزامات وبعد الالتزامات سلوكيات وعبادات وواجبات وهلم جرّاً... ففكرت أن أنهزم كليّاً من البداية من دون الدخول في هذه الخطة التعليمية الطويلة فامتنعت من القراءة.. ولكني ما أفلحت! فكثير من أفراد هذه المجموعة المنكرة يشبهون هذا الصبي ففي واقعهم ينضمون إلى طريقة الانهزام من المسؤوليات والانفلات من الواجبات فقد قال سبحانه في محكم كتابه:
(فلمّا جاءتهم آياتنا مبصرةً قالوا هذا سحر مبين، وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلوّاً فانظر كيف كان عاقبةُ المفسدين). [سورة النمل: الآيتان 13، 14].
وهكذا مهما اختلفت الأسباب والتصورات في تفسير أصحاب الصنف الثاني فالمسألة مصيرية بحد ذاتها وبحاجة إلى القرار الشجاع في اختيار العقيدة التوحيدية الخالصة من الشوائب التي أشرنا إليها.
ونعود الآن إلى الحديث عن فكرة الصنف الأول: لماذا التعدد في وجود الآلهة؟
يقول القرآن الحكيم: (الذي خلق سبع سماوات طباقاً، ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور). [سورة الملك: الآية 3].
فالدقة البنائية في الخلق الإبداعي للكون تدل على وحدة الخالق المبدع.
ونتساءل لماذا لابد من وجود إلهين اثنين؟ والحال إن كل شيءٍ في الكون يدل على أن الخالق واحد لعظمة الانسجام والتنسيق فيما بين المخلوقات في العالم.
فــوا عجبا كيف يُعصى الإله أم كيــــف يجـــحده الجــاحِدُ
وفــــي كــل شـــــيءٍ له آيـةٌ تــــدل عــــلى أنـــه الـواحِدُ وجدلاً نقول إن هذه الآلهة المتعددة أو الإلهين إما أن يكون أحدهم أو أحدهما هو الأقوى فيقدر على غيره وأما أن يكونوا بدرجة متساوية من القوة فلا يقدر أحدهم على غيره فإن قلنا إن أحدهم قادر على غيره فهو الإله المدبر الواحد وإن قلنا إن أحدهم ليس قادراً على غيره من المشاركين معه في الألوهية فنسلب منه صفة مهمة من صفات الألوهية وهي القدرة فإذن لا يستحق أحدهم منصب الإله الحقيقي المبدع المهيمن القادر وكيف نقول إنه قادر ويعجز عن السيطرة على وجودات منافسة له فالإيمان بالإله على أنه قادر وعاجز في آن واحد هو إيمان بالتناقض الباطل عقلاً، والعجز صفة شاملة لكل أنواع العجز سواء كان من السيطرة على المنافس أو الهيمنة على قانون الطبيعة فهو عجز على كلِّ حال وبالمقابل القدرة صفة شاملة كذلك لكل أفرادها فالقادر قدرته مطلقة والمهيمن هيمنته مطلقة.
(إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون). [سورة يس: الآية 82].
ولا فرق لديه بين إبداع السماوات والأرضين وإبداع حشرة حقيرة كالذبابة أو البعوضة فقد قال سبحانه:
(إن الله لا يستحي أن يضرب مثلاً ما بعوضة فما فوقها فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلاً يُضل به كثيراً ويهدي به كثيراً وما يضل به إلاَّ الفاسقين). [سورة البقرة: الآية 26].
والقرآن العظيم في موضع آخر يتناول فكرة الشريك لله سبحانه ووجود الآلهة المتعددة فيقول:
(لو كان فيهما آلهة إلاَّ الله لفسدتا فسبحان الله ربّ العرش عمّا يصفون). [سورة الأنبياء: الآية 22].
فالدقة التي نراها في خلق الكون من الذرة إلى المجرة والنظام الذي نراه في جسم الإنسان والحيوان والنبات إنه حقاً يرغمنا للاعتراف والإذعان للمبدع الأكبر فلو كان هنالك مدبّران لهذا الكون لارتبكت الأمور الكونية كما لا يمكن أن نتصور رئيسين لدولة أو مديرين لمعمل وهكذا لا يمكن أن نتصور إلهين لهذا الكون وبالفعل لو كانت الإدارة أثنينية لكانت تأتينا الأوامر والإرشادات من كل إله بل تأتينا رسل وكتب سماوية من كل إله ونحن ما وجدنا في قديم الزمان أو الزمن الحالي من يدّعي هذا الإدعاء الباطل فقد قال الله تعالى في محكم كتابه العزيز:
(إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم. ألاَّ تعلوا عليّ وأتوني مسلمين). [سورة النمل: الآيتان: 30، 31].
وقال الإمام علي (عليه السلام) في وصيته لولده الحسن أو محمد بن الحنفية على اختلاف الروايات: (واعلم يا بُني أنّه لو كان لربك شريك لأتتك رسله ولرأيت آثار ملكه وسلطانه، ولعرفت أفعاله وصفاته ولكنه إله واحد كما وصف نفسه).
أما الإمام الصادق (عليه السلام) فقال في جواب الزنديق الذي قال له: لم لا يجوز أن يكون صانع العالم أكثر من واحد؟:
(لا يخلو قولك أنهما اثنان من أن يكونا قديمين قويين أو ضعيفين أو يكون أحدهما قوياً والآخر ضعيفاً فإن كانا قويين فلِمَ لا يدفع كل واحد منهما صاحبه وينفرد بالتدبير وإن زعمت ان أحدهما قوي والآخر ضعيف ثبت أنه واحد كما نقول للعجز الظاهر في الثاني وإن قلت إنهما اثنان لم يخل من أن يكونا متفقين من كل جهة أو مفترقين من كل جهة فلما رأينا الخلق منتظماً والفلك جارياً واختلاف الليل والنهار والشمس والقمر دلَّ صحة الأمر والتدبير وائتلاف الأمر على أن المدبر واحد)(1).
أما فكرة تعدد الآلهة فكذلك إن قلنا كلهم موجودون في آن واحد يأتينا الحديث المار الذكر بمعنى أيهم أقوى وأقدر؟ فإن برز منهم أحد فهو الإله القادر وإن كانوا متساوين في القوة والقدرة فيكون كل واحد منهم عاجز وقادر في آن واحد وهذا ما أبطلناه حيث التناقض - كما مر معنا - فإذن لا يمكن أن نؤمن بإله عاجز وغير قادر.
هذا إن قلنا إن الآلهة موجودة في آن واحد وهنالك من يذهب إلى أن تعدد الآلهة عبر تجدد الزمن وبكلمة أخرى يرى أنّ العرش الإلهي هو منصب وراثي: إله ابن إله فكل اثنين بحاجة إلى ثالث والثالث بحاجة إلى رابع والرابع بحاجة إلى خامس، وهكذا...
فالموجد المبدع بحاجة إلى من أوجده وأبدعه فهو حادث والحادث بحاجة إلى علة والعلة بحاجة إلى علة أخرى، ونقع حينئذ في التسلسل الباطل كما يقول الفلاسفة إذ لابد من نقطة بداية لهذا الكون ولهذا الوجود فإن لم نتوصل لهذه القناعة سنبقى نسلسل العلل تلو العلل إلى ما لا نهاية.
وهذا الكلام يصلح للجواب على من يسأل من أوجد الله؟! فيدخل في نفق التسلسل علة تجر علة من دون أن يخرج منه بنتيجةٍ ملموسة بل يزداد تيهاً على تيه.
وهنا إما أن نقول إن هذه العلل باقية على حالها وكانت هكذا من دون الحاجة إلى علة رئيسية موجدة أو سبب أخير في إبداعها. وبالتأكيد إن هذا الكلام هو نكران واضح للقانون العقلي فلكل معلولٍ علة ولكل مسبَّب سبب، هذا قول، وإما أن نأخذ بالقول الآخر وهو: أن نفترض أن لهذه الموجودات ولهذه العلل علة تعتبر أم العلل الكونية وهي التي أبدعت الوجود ووضعت القوانين الطبيعية وخلقت الإنسان والحيوان وهذه العلة الرئيسية نسميها الله القادر المبدع المهيمن وهكذا نتوصل إلى فهم الخالق الموجد المبدع.
1 - حق اليقين: ج1 ص 15 وما بعدها.
|
|
|
|
|