الانفجار العظيم بين العلم والدين.
مصطفى الهادي.
(ما أشهدتهم خلقَ السماوات والأرضِ ولا خلقَ أنفسهم).
عقلا ومنطقا ، فإن المواد المتفجرة مثل مادة السي فور أو مادة التي أن تي المتفجرة عندما توضع في مكان ما لتفجيره لإنشاء شيء جديد فهذه المادة فيها كل مقومات الانفجار إلا شيء واحد وهو المهم في حصول عملية الانفجار. العامل المساعد على الانفجار وهو وجود من يضغط الزر ويقوم بالتفجير. فلا شيء يحدث اعتباطا ومن دون مؤثّر. فلو تصورنا هذه المواد وهي تنفجر بشكل عشوائي، لرأيناها تُحدث أضرار وفوضى كبيرة مدمرة. بينما لو قام بوضعها مهندس يعلم ماذا يريد وخطط لذلك، ثم قام بتفجيرها لما رأينا تخريبا عشوائيا، بل عملية تغيير نحو إنشاء شيء أفضل. وهكذا هو الانفجار الكوني الكبير. فهناك من قام بذلك وهو يتحدث بصراحة عن هذه العملية وأهدافها وغاياتها فيقول تعالى : (إن السماوات والأرضَ كانتا رتقا ففتقناهما).(1) نعم كان هناك مسبب لحصول هذا الفتق (الانفجار). وكذلك أخبرنا الفاعل عن أهداف حصول ذلك فيقول : (إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين).(2) فلم نجد بين من اعترض مثل هذا التفصيل، ولم يخبرنا مخبر منهم عن أسباب حصول هذا الانفجار إلا قولهم بأنهُ حصل عن طريق (صدفة عشوائية). فازداد الأمر تعقيدا عليهم وأوقعهم ذلك في مشكلة تفسير معنى الصدفة العشوائية.
وفي المقابل نرى تأكيد ثابت ممن خلق ذلك ، وأن المسألة ليست صدفة عشوائية ولا لعب كوني بل تصميم وإرادة فيقول تعالى : (وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين).(3) وكذلك أن الذي أحدث هذا الانفجار أخبرنا بأن الانفجار يتوسع وسوف ينكمش مرة أخرى فيقول عن توسع الانفجار : (والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون).(4) وكذلك أخبرنا بأن هذا التوسع سوف يصل حدا ينكمش مرة فيه أخرى كما يقول: (كما بدأنا أول خلق نُعيدهُ).(5) ثم يأتي علماء الفيزياء فيؤكدون بأن الكون يتمدد ، وفي النهاية سينكمش. تأييد العلم لذلك يثبت لنا أنه لا يوجد تعارض او اختلاف بين العلم والدين. لأن الدين يذكر الأسباب والأهداف الكامنة وراء أي فعل، ثم يأتي العلم فيضع أمامنا الكيفية ثم يُفسرها وفقا للقوانين الطبيعية المعروفة نفسها.
أما الذين عميت بصائرهم فقالوا أن كل ما حدث هو نتيجة (الصدفة العمياء). والذين عجزوا عن تفسير صدفتهم هذه نضرب لهم مثال واحد على صدفتهم، فنسألهم (لو حصل ـ صدفة ـ انفجار كبير في مكتبة عامة فهل سيتشكل من بقايا الكتب المتناثرة والأوراق المبعثرة قاموس لمفردات اللغة، أو مجلد لموسوعة تاريخية أو معجم مصطلحات أو أي شيء مفيد آخر؟). أمثال هؤلاء يقول لهم مهندس الكون وخالقه : (ما أشهدتهم خلقَ السماوات والأرضِ ولا خلقَ أنفسهم وما كُنتُ متخذ المضلين عضدا). (6)
فإلى الذين يؤمنون بالعلم من دون الدين أقول لهم : أن الدين ثابت في ما ذكر، بينما العلم متغير ينقض اليوم ما قاله بالأمس وكم من نظرية كانت قائمة في الأمس انهارت اليوم. ومثال على ذلك هو نظرية العالم إسحاق نيوتن، والتي كانت تقول إن الوقت ثابت لا يتغير في أي مكان في الكون، وبعد سنين قليلة جاء العالِم ألبرت آينشتاين بنظرية تنقضها.(7)
ختاما فإن العلم المادي والإيمان بالله متكاملان و لكن بحاجة إلى التزام أخلاقي لأن أخطر ما يقع فيه الباحث في علوم المادة هو الانجرار لإنكار ما ورائها، وبذلك يكون الإيمان هو الوسيلة التي تحميه من الضياع لأن الهدف الأسمى للعلم هو بلوغ الحكمة والغاية من وجود الخلق. ومن دون الإيمان يصبح العلم أداة تدمير وتخريب ووسيلة لإشاعة الفوضى وهذا ما نراه في الدول العلمانية التي تُنكر وجود الإيمان فكل ما نراه من دمار وخراب ورعب يكاد يودي بالأرض ومن عليها هو من صنع وتدبير علماء تجردوا من الالتزام الأخلاقي والديني.
المصادر:
1- سورة الأنبياء آية : 30.
2- الأعراف آية : 54.
3- سورة الأنبياء: 16.
4- الذاريات آية : 47.
5- سورة الأنبياء: 104.
6- سورة الكهف آية: 51.
7- راجع في ذلك كتاب (مفهوم الزمن في القرآن) الدكتور بابا عمي، الطبعة الأولى سنة 2000، طبع دار الغرب بيروت لبنان.