العودة   منتديات أنا شيعـي العالمية منتديات أنا شيعي العالمية منتدى الجهاد الكفائي

منتدى الجهاد الكفائي المنتدى مخصص للجهاد الكفائي الذي أطلق فتواه المرجع الأعلى السيد السيستاني دام ظله

إضافة رد
   
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع

الصورة الرمزية kumait
kumait
عضو برونزي
رقم العضوية : 65773
الإنتساب : May 2011
المشاركات : 452
بمعدل : 0.09 يوميا

kumait غير متصل

 عرض البوم صور kumait

  مشاركة رقم : 71  
كاتب الموضوع : kumait المنتدى : منتدى الجهاد الكفائي
افتراضي الأمراء الحاكمون: (أمواتٌ غير أحياء وما يشعرون)
قديم بتاريخ : 25-02-2013 الساعة : 09:58 PM



جيل ثالث انتهت صلاحيته

أمواتٌ غير أحياء!

وفاة أمير الرياض سطام والتغيير عبر (ملك الموت)!
الأمراء الحاكمون: (أمواتٌ غير أحياء وما يشعرون)
عبدالحميد قدس

كان أمراً متوقعاً أن تكرّ سبحة الموت فتتخطف أبناء مؤسس الدولة عبدالعزيز آل سعود، بحيث أن الفارق بين وفاة أمير وأخيه تتقلّص الى أشهر قليلة بعد أن كان يُحسب بالسنوات.

عدد الأخوة كبير، وتواريخ ميلادهم متقاربة، وبالتالي فإن أعمارهم متقاربة أيضاً. وفي حين أن الأعمار بيد الله، فإن سنته في الموت ماضية على الجميع. اكثر من 36 ولداً كانوا أبناء مؤسس الدولة. أولهم (وهو تركي) ولد في الكويت عام 1900؛ وآخرهم حمود الذي ولد في الرياض عام 1947. تركي توفي عام 1919 بالحمى الأسبانية، وحمود توفي عام 1994؛ وما بين ولادة الإثنين اقتربت الأعوام أكثر فأكثر، ولنشهد وفاة العديد من الأمراء في السنوات القليلة الأخيرة مثل: سلطان ونايف وحديثاً سطام، امير الرياض الذي توفي في 12 من هذا الشهر (فبراير).

لماذا لم يفكر الأمراء في مسألة استقرار حكمهم من جهة ترتيب شؤون الخلافة، قبل أن يحشروا في أرذل العمر، ويضطروا الى تغييرات متتابعة تنهك الدولة واستقرارها؟ ثم مَن بقي حيّاً من الأمراء الـ 36؟

المتوفون حسب التاريخ (20 من 36 أميراً وملكاً):

1/ تركي (1900-1919)؛ كانت وفاته بسبب الوباء الذي فتك بآلاف من البشر.
2/ منصور (1918-1951)؛ من أحب ابناء ابن سعود الى نفسه، وهو أول وزير دفاع منذ تأسيس الوزارة عام 1944، كان مرشحاً للحكم، وتصارع مع أخويه فيصل وسعود عليه في حياة أبيه. اشتهر بالقسوة وقد سجل دبلوماسيون اجانب جوانب من فتكه وبطشه وسحله لمواطنين.
3/ ثامر (1937-1953)؛ أمه نوف الشعلانية بنت زعيم قبيلة الرولة، انتحر في ميامي بامريكا، حيث صبّ الزيت على ملابسه وأشعل في نفسه النار في يونيو 1953.
4/ الملك سعود (1902-1968)؛ ولد ليلة احتلال الرياض، وتوفي في المنفى باليونان في نوفمبر 1969 بعد عزله عام 1964.
5/ الملك فيصل (1906-1975)؛ كان ملكاً ووزير خارجية ورئيس مجلس وزراء. قُتل على يد ابن اخيه فيصل بن مساعد انتقاماً لمقتل أخيه خالد بن مساعد. قيل ان السي آي أيه دبرت مقتله بالتعاون مع فهد.
6/ الملك خالد (1913-1982)؛ كان شخصية ضعيفة، ومنذ توليه الملك عام 1975 كان مجرد اسم، وكان فهد يدير البلد بالنيابة.
7/ ناصر (1913-1984)؛ أول من تولى امارة الرياض في 1947، واشتهر بالفجور الى حدّ ان والده اضطر الى جلده علناً.
8/ عبدالمحسن (1925-1985)؛ وزير داخلية سابق في عهد الملك سعود؛ ثم خرج معترضاً ضمن قائمة (الأمراء الأحرار)، وقد أغراه فيصل بالعودة، وكافأه بأن ولاّه أمارة المدينة المنورة وبقي في منصبه حتى وفاته. كانت سمعته سيئة، كما كان متجاهراً بالتحلّل، وقد وقعت بينه وبين المشايخ مشاجرات!
9/ محمد (1910-1988)؛ لقبه أبوه بـ (ابو الشرين)، فقد كان شرساً، قاتلاً كما سطرت ذلك الكتب للنساء والأطفال، عيّنه ابوه أميراً للمدينة فور احتلالها في ديسمبر 1925. أيضاً كان متجاهراً بالسكر والفسق، وجلده أبوه امام الملأ، كما يذكر وزير العراق المفوض في السعودية امين المميز في مذكراته. ومحمد شقيق الملك خالد، وقد تنازل له بأن يكون ملكاً، لأنه يعلم بانه ليس رجل دولة. محمد كان كبير العائلة وكانت كلمته مسموعة، وله دور في مقتل الأميرة التي تزوجت أحد ابناء العامة، وفضح الأمر في (فيلم موت أميرة).
10/ سعد (1915-1993)؛ لم يتولّ مناصب رسمية.
11/ حمود (1947-1994)؛ لم يهتم بالموضوع السياسي وكان منشغلاً بأعماله التجارية.
12/ مشاري (1932-2000)؛ وهو الذي قتل نائب القنصل البريطاني في جدة سيريل اوسمان بالرصاص في نوفمبر 1951، وكان في حالة سكر، وبسبب شجار بسيط وقع بينهما. قيل ان القنصل رفض تناول الخمر معه، فقتله! كما دون ذلك مؤرخون. الملك اعطى زوجة المتوفى (دورثي) عشرين الف جنيه كفدية وارتحلت الى جنوب افريقيا. اما مشاري فقد اختفى الى ان هدأ والده، ولم يعاقب. ولكن ـ ربما بسبب تلك الحادثة ـ قضي على آماله السياسية ان كان لديه تطلع بشأنها.
13/ ماجد (1938-2003)؛ تولى وزارة الشؤون البلدية والقروية ثم عيّن أميراً لمكة حتى وفاته. كان يعتبر نفسه مختلفاً عن آل سعود، وكان متواضعاً محبوباً من النخبة الحجازية، ومكروهاً من الجناح السديري. لكن أداءه الإداري لم يكن متميزاً، وكان السديريون يتعمدون إفشاله بتخفيض مخصصات أمارة مكة، ما أوقع تلك المنطقة في مشاكل الى اليوم.
14/ الملك فهد (1923-2005)؛ عين ابتداءً وزيراً للمعارف ـ التعليم بين عامي 1953-1960، وان كان لم ينه حتى شهادة السادس الإبتدائي! وكان يدير الوزارة وكيله عبدالوهاب عبدالواسع. ثم اصبح في 1962 وزيراً للداخلية بعد ان اصطف مع فيصل ضد سعود؛ ليصبح ولي عهد خالد، ثم ملكاً غير متوج عام 1982. في 1996 اصيب بجلطة في الدماغ اقعدته وأقعدت البلد وجمدت الحياة فيها حتى وفاته عام 2005.
15/ عبدالمجيد (1941-2007)؛ عُين أميراً لمنطقة تبوك حتى 1987 لينقل بعدها الى امارة منطقة المدينة، ثم الى أمارة مكة بدعم من الملك عبدالله الذي رأى فيه دعماً لجناحه مقابل السديريين. لكن القدر لم يمهله فقد أًصيب بالسرطان وارتحل الى امريكا للعلاج، ثم عاد ومات. لم يشهد له انه كان متميزاً في الإدارة، وقد اتهم بالنهب والفساد شأنه شأن أفراد عائلته الآخرين.
16/ فواز (1934-2008)؛ كان من الأمراء الأحرار!، وعاد فعيّنه فيصل أميراً لمكّة، وقد اشتهر بالفسوق والمجون، وكُتبت عنه كتب توضح مسلكه من قبل غربيين، وقد هاجمه جهيمان من المسجد الحرام علناً، وبعد اسبوعين من وقوع حادثة احتلال الحرم أُقيل من منصبه في ديسمبر 1979 لتهدئة الرأي العام.
17/ سلطان (1931-2011)؛ تولى في عهد أبيه رئاسة الحرس الملكي، ثم عيّن كأول وزير للزراعة عام 1953؛ فوزيراً للمواصلات عام 1955 حتى عام 1960، ليصبح بعدها وزيراً للدفاع عام 1962 حتى وفاته، اضافة الى توليه ولاية العهد بعد وفاة الملك فهد. كان مقرباً من فيصل وأبناء فيصل، وكان أكثر من اشتهر بالفساد والنهب واطلق عليه (الوهّاب النّهاب)، وكان كثير الكلام، واطلق عليه فيصل لقب (أبو الكلام)! لم يكن الملك خالد يثق به ورآه مخادعاً معتدياً على المحارم.
18/ نايف (1934-2012)؛ كان اميراً للرياض برهة من الزمن؛ ثم وكيلاً لوزارة الداخلية في عهد شقيقه فهد، ليصبح وزيراً كاملاً عام 1975 بعد مقتل فيصل، وليصبح ايضاً ولياً للعهد بعد وفاة شقيقه سلطان. عرف عنه الشدّة والقسوة وقتل الخصوم وتعذيبهم، كما عرف عنه تملّقه وتقرّبه من المشايخ الوهابيين ليكونوا في صفّه، فأطلقوا عليه (حامي السنّة)! أسس مركزاً باسمه باسم (السنّة النبوية) امعاناً في التضليل وترضية للمشايخ الذين أحبوه لقمعه خصومهم الأيديولوجيين ومنافسيهم من الليبراليين والإصلاحيين والشيعة. اشتهر عنه قوله في منتصف الثمانينيات: (المرأة لن تقود السيارة ما دمتُ حيّاً)!
19/ هذلول (1942-2012)؛ لم يشغل منصباً سياسياً، وانقطع الى أعماله التجارية.
20/ سطام (1940-2013). وهو شقيق ماجد، كان نائباً لسلمان في أمارة الرياض، وبعد تعيين سلمان ولياً للعهد ووزيراً للدفاع، اصبح سطام تلقائياً اميراً للرياض. ولم يعمّر في منصبه إلا أشهراً قليلة.

الأحياء حسب ترتيب السنّ (16 أميراً بينهم ملك):

1/ بندر (1921- 92 سنة)؛ لم يتول مناصب رسمية، وابنه امير لمنطقة القصيم.
2/ مساعد (1923- 90 سنة)؛ لم يتول منصباً رسمياً، واتهم بالجنون كونه تزوج من شمرية، اي من قبيلة حكام نجد السابقين، وقد قتل ابنه خالد بأمر من فهد وزير الداخلية عام 1964، ولكن ابنه الآخر فيصل قتل الملك فيصل لاحقاً في مارس 1975، ثم تم إعدامه.
3/ الملك عبدالله (1924- 89 سنة)؛ تولى رئاسة الحرس الوطني منذ 1963، وقد أقنعه عبدالعزيز التويجري بأن يقبل المنصب ويعود الى المملكة، وكان معترضاً ومقيماً في بيروت، وذلك لأن المنصب يمكن ان يكبر به ويحفظ له موقعه في السلطة. وهذا ما حدث. لم يتخل عبدالله عن الحرس الوطني إلا بعد ان اصبح ملكاً ليحول رئاسته الى ابنه متعب. عبدالله كان ولياً للعهد منذ 1982، وكان السديريون يتمنون ازاحته ولكن محمد ابو الشرين أوقفهم، فلم يستطيعوا إزاحته. وتشاء ارادة الله ان يتوفى أقطاب الجناح السديري قبله (فهد وسلطان ونايف)! ما منحه فرصة لتعديل مسار الحكم، وتعيين عدد من أبنائه في مناصب كبيرة وفق ما يشتهي في غياب كبار الامراء وعجزهم. الملك يعتبر عاجزاً عن أداء مهماته، ولكنه متلكيء في نقل السلطة الى الجيل الثالث.
4/ مشعل (1925- 88 سنة)؛ شقيق منصور، واصبح وزيراً للدفاع بعد وفاة شقيقه (1951-1957)، ثم تولى امارة مكة برهة من الزمن. يعتبر من لصوص الأراضي الكبار (ملك الشبوك)، وكان قد تنازل لسلطان بولاية العهد مقابل مليارات الدولارات ومساحات شاسعة من الأراضي. وهو يرأس هيئة البيعة حالياً، مع ان الهيئة لا قيمة له ولا مكانة ولا تأثير حقيقي في تحديد مسار الخلافة.
5/ متعب (1928- 85 سنة)؛ تولى وزارة الإسكان عام 1975، ثم وزيراً للبلديات، واعترض على تعيين نايف نائباً ثانياً ـ اي ولياً للعهد مستقبلاً ـ فرفض الحضور الى جلسات مجلس الوزراء. تولى ابنه منصور الوزارة وراثة من أبيه.
6/ طلال (1931- 82 سنة)؛ هو ابن مناير، زوجة ابن سعود المحببة، وكان يسميها (البقرة الحمراء) كونها جارية. تولى وزارة المواصلات عام 1954، اعترض على الملك سعود عام 1958 ودعم فيصلاً، ثم انقلب على هذا الأخير فاستعاد سعود صلاحياته عام 1960 واصبح طلال وزيراً للمالية بين 1960-1961، ثم استقال وقاد مجموعة الأمراء الأحرار التي تطالب بالإصلاح وكان معه (فواز، وبدر، وعبدالمحسن، وسعد بن فهد) ومنذئذ لم يتسلم منصباً، ونُظر اليه معادياً من قبل الجناح السديري.
7/عبدالرحمن (1931- 82 سنة)؛ من السديريين السبعة، تولى نيابة وزارة الدفاع والطيران بين عامي 1979-2012 اي حتى إقالته العام الماضي حين تم تعيين شقيقه سلمان وزيراً للدفاع. ايضاً يعتبر من لصوص الأراضي الكبار، وهو جاهل بالسياسة والإدارة، ولكنه غاضب على إزاحته من منصبه، ورأى لنفسه الحق بأن يكون الملك القادم (حسب السنّ).
8/ بدر (1932- 81 سنة)؛ تولى وزارة المواصلات بين 1960-1961 قبل ان يلتحق بطلال الى المنفى؛ ثم عاد وشغل منصب نائب رئيس الحرس الوطني، قبل أن يبعده الملك عبدالله ويعين ابنه متعب.
9/ تركي الثاني (1932- 81 سنة)؛ ولاه فيصل نيابة وزارة الدفاع والطيران عام 1969 وبقي فيها الى 1979، حين غضب عليه إخوته لزواجه من هند الفاسي، فاستقال او اقيل وارتحل الى مصر وبقي فيها الى عام 2010، حيث توفيت الزوجة وعاد تركي مع اولاده.
10/ نواف (1933- 80 سنة)؛ عين وزيراً للمالية لبرهة بعد رحيل طلال معارضاً عام 1961؛ وفي 2001 عين رئيساً للإستخبارات خلفاً لتركي الفيصل؛ واستمر في منصبه حتى 2005، ليعين مكانه الأمير مقرن ـ النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء حالياً.
11/ ولي العهد سلمان (1936- 77 سنة)؛ تولى امارة الرياض من 1954 الى نوفمبر 2011 (عدا فترات قصيرة). وهو يمتلك كل اسرار العائلة ومشاكلها ما أعطاه قوة غير مسبوقة، حيث كان يبتزّ الجميع. في 2011 عين وزيراً للدفاع بعد وفاة سلطان، وبعد أشهر عينه الملك ولياً للعهد بعد وفاة شقيقه نايف، وذلك خارج اطار هيئة البيعة. وسلمان يمتلك الحصة الأكبر في الشركة السعودية للأبحاث والتسويق، ويتولى ابناؤه العديد من المناصب. عرف عنه خشونته حتى على أبنائه، الذين توفي بعضهم بسبب الإدمان (فهد نائب امير الشرقية السابق؛ وأحمد رئيس الشركة مثلاً) كما أنه متهم بقتل أحد أبنائه ـ غير الشرعيين.
12/ ممدوح (1939- 74 سنة)؛ عيّن عام 1986 اميراً لتبوك؛ ولما وجد فهد أن ضبط طموحاته صار صعباً، خدعه بأن اقنعه بالتنازل ليتولى منصب رئيس (مركز الدراسات الاستراتيجية) والذي تحتاجه البلاد! صدق ممدوح الأمر، وتمت الإقالة من الإمارة والتعيين في المركز الذي لم ير النور الى اليوم، ولا توجد له حتى طاولة وليس مكتباً!
13/ عبدالإله (1939- 74 سنة)؛ عين اميراً للقصيم عام 1980 وحتى عام 1992، وفي 1999 عين اميراً لمنطقة الجوف، ليقال منها بعد ثلاث سنوات ويعين كمستشار للملك، ولازال! بمعنى أن منصب الإستشارية مجرد من أية صلاحيات.
14/ مشهور (1942- 71 سنة)؛ لم يتول مناصب ومنشغل في أعماله التجارية.
15/ أحمد (1942- 71 سنة)؛ من السديريين السبعة، عينه فيصل وكيلاً لإمارة مكة، وفي 1975 عيّن نائباً لنايف في وزارة الداخلية، وبقي في المنصب حتى يونيو الماضي 2012، حيث تمت ترقيته ليصبح وزيراً للداخلية ولكن لأقل من خمسة أشهر (تم اعفاؤه في 5/12/2012). وكان متوقعاً ان يكون احمد ولي عهد شقيقه سلمان، لكن تبين ان توزيره في الداخلية اصطدم مع الرجل الأساس والقوي فيها محمد بن نايف الذي كان يديرها كاملة في عهد والده، واراد أحمد ان يسحب الصلاحيات من ابن اخيه، وحدث صراع قوي فضّل معه الملك إزاحة أحمد، لصالح ابن الأخ محمد بن نايف، المرغوب أمريكياً جداً.

16/ مقرن، النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء (1945- 68 سنة)؛ خدم كطيار في القوات الجوية ثم أصبح آمراً فيها، وفي 1980 تم تعيينه أميراً لحائل لمدة 19 عاماً، لينقل الى امارة المدينة في اواخر 1999، وليمضي فيها ست سنوات حتى تعيينه عام 2005 رئيساً للإستخبارات العامة خلفاً لنواف. وفي يوليو 2012 اطيح به من جهاز الإستخبارات لصالح بندر بن سلطان، وليتولى هو منصباً استشارياً اسمياً. لكن السماء منحته ما لم يتوقعه، ففي الأول من هذا الشهر فبراير تم تعيينه نائباً ثانياً لرئيس مجلس الوزراء، أي أنه سيكون ـ ما لم يحدث أمر غير متوقع ـ الملك القادم بعد سلمان. والأعمار بيد الله!

ملاحظات عامة

الأولى ـ أن القيادة السعودية هرمة جداً، فمن بين الأحياء من أبناء عبدالعزيز، وعددهم 16 أميراً، هناك 10 منهم تجاوزوا سن الثمانين وبينهم الملك الذي يقترب من التسعين عاماً (بعضهم تجاوز التسعين كمساعد وبندر). ايضاً هناك 5 من 16 تجاوزوا السبعين عاماً، وبعضهم اقترب من الثمانين حتى (مثل ولي العهد سلمان). ولا يبقى سوى أمير واحد هو مقرن والذي لم يتخط عمره سقف السبعين (68 عاماً)؛ مع انه بالتقويم الهجري ـ المعتمد في السعودية ـ وصل الى السبعين عاماً (مقرن من مواليد 7/11/1364هـ، ونحن الآن في شهر 4 من عام 1434هـ).

وبناء على هذا، فإن هذه القيادة المعمّرة، اذا اعتبرنا ان الحكم ينتقل من الأخ لأخيه، فإن تعيين أصغر ابناء ابن سعود لا يغير من شيخوخة القيادة التي هي متحكمة الآن بالسلطة، وإن حُصرت في الملك وولي عهده. لا تستطيع السعودية ان تمضي في طريق التعافي بمثل هذه القيادة.

الثانية ـ مثلما اقتربت تواريخ الولادة لأبناء ابن سعود، فإن تواريخ وفاتهم ـ والأعمار بيد الله ـ ستكون متقاربة، ذلك أن الأغلبية الساحقة من أبناء عبدالعزيز (15 من 16) هم فوق السبعين، وبعضهم تجاوز التسعين. ما يشير الى موت متسارع، لا يفصل الواحد عن الآخر إلا قليلاً، اي أشهر فحسب. هذه الفاصلة التي تصغر مع الزمن، تسبب الإرباك لأي حكم، خاصة مع وجود عدد هائل من الحفدة (ابناء الجيل الثالث) الذين أصابت الكثير منهم الشيخوخة أيضاً، وبعضهم أكبر من أعمامه سنّاً.

وهنا تكمن الملاحظة:

بين عام 1919 وحتى عام 1960، توفي ثلاثة إخوة، في 41 عاماً، بمعدل يزيد عن 13 سنة كفارق بين المتوفين.
بين 1961 وحتى 1980 توفي إثنان في عشرين سنة، أي أن الفارق تقلّص الى 10 سنوات.
وبين 1981 وعام 2000 توفي سبعة إخوة، في عشرين سنة، بفارق تقريبي يصل الى أقل من ثلاث سنوات.
وبين 2001 وحتى الآن 2013، توفي ثمانية أخوة، في 12 سنة وشهرين، بفارق يتقلص الى سنة ونصف بين كل وفاة (معدلاً).

ماذا يعني هذا؟

إنه يعني ضرورة التجديد لمسألة الوراثة، بل حتميته، فالتأخير لا يزيد الأمور إلاّ سوءً، واقتراب الموت من الطبقة العليا، بدون ترتيب الخلافة الى الجيل الثالث، ولا ترتيب أمور الجيل الثالث نفسه فيجعلهم متوائمين متفقين، بسبب غياب النظام والمرجعية التي تحكم عملية الخلافة.. يعني تفجير الوضع برمته بعد غياب الملك وولي عهده سلمان.

لا ننس هنا عجزة الجيل الثالث أيضاً ـ المبتلين بالأمراض والعاهات ـ مثل:

ـ خالد الفيصل، من مواليد 1941، وهو امير مكة الآن، ويبلغ من العمر 72 عاماً.
ـ سعود الفيصل، من مواليد عام 1940، وهو وزير الخارجية منذ 1975، ويبلغ من العمر 73 عاماً.
ـ تركي الفيصل، وهو اصغر ابناء الملك فيصل، وهو من مواليد 1945، اي انه في عمر عمّه مقرن، 68 عاماً.
ـ خالد بن سلطان، نائب وزير الدفاع، ومالك جريدة الحياة، وهو من مواليد 1949 ويبلغ من العمر 64 عاماً.
ـ محمد بن فهد، الذي تولى امارة المنطقة الشرقية لثمان وعشرين سنة (من يناير 1985 وحتى يناير 2013)، وهو من مواليد 1950 ويبلغ من العمر 63 عاماً.
ـ بندر بن سلطان، رئيس الإستخبارات العامة، سفير السعودية في واشنطن سابقاً. وهو من مواليد 1949، ويبلغ من العمر 64 عاماً.

هذه عيّنات أسماء بلغت من الكبر عتيّاً، وهي تحسب على جيل (جديد) او (جيل ثالث)..
هؤلاء يفترض أن لا يتولوا مناصب جديدة، ان اريد تجديد شباب الدولة!!

بوفاة أمير الرياض (سطام)، يتزايد صراع الأمراء لخلافته، من جيلي الأبناء والحفدة، ولكن الأزمة الحقيقة ـ اضافة الى أزمة الخلافة ـ هي أزمة (شرعية النظام). فحتى لو تمّ الوصول الى حلول جذرية او مؤقتة لمسألة وراثة العرش، فإن هناك شعباً بدأ بفتح عينيه على واقع السلطة المهلهل، وعلى واقع الفساد المستشري في العائلة المالكة، وهو يطالب بالتجديد والإصلاح، وإلا فالتغيير الشامل. السؤال كيف سيتعامل الأمراء مع هذه المطالب الشعبية المتصاعدة وغير المسبوقة تاريخياً؟


توقيع : kumait


يحتاج الإنسان إلى سنتين ليتعلم الكلام وخمسين ليتعلم الصمت
إرنست همنغواي
من مواضيع : kumait 0 تأملات في فتوى جهاد النكاح
0 وجه واحد!
0 هل الهاتف المحمول كان موجودا عام 1938؟
0 الاعلام العربي و أشكالية الضمير..
0 الأرض تستعد لمواجهة «عاصفة شمسية مدمرة»

الصورة الرمزية kumait
kumait
عضو برونزي
رقم العضوية : 65773
الإنتساب : May 2011
المشاركات : 452
بمعدل : 0.09 يوميا

kumait غير متصل

 عرض البوم صور kumait

  مشاركة رقم : 72  
كاتب الموضوع : kumait المنتدى : منتدى الجهاد الكفائي
افتراضي اسرائيل والربيع الكردي
قديم بتاريخ : 01-03-2013 الساعة : 04:12 PM


اسرائيل والربيع الكردي
صحف عبرية
2013-02-28

أحدثت الهزة التي تعصف بالشرق الاوسط في أعقاب الربيع العربي تغييرات جغرافية سياسية بعيدة الاثر في منطقتنا. فمن جهة، أدت هذه الى بعض التردي في الميزان الاستراتيجي لاسرائيل، وعمقت هشاشة الاتفاقات التي وقعت مع مصر، الفلسطينيين والاردن. ومن جهة اخرى، فتحت امامها فرصا جديدة، هي تحصيل حاصل لضعف الدول القومية والانهيار المحتمل لاحدى الوحدات السياسية المصطنعة التي صممت بعد الحرب العالمية الاولى.

احد الامثلة البارزة على الدولة القومية في سياق الانهيار هي العراق. فمنذ قيامه لم ينجح العراق في بلورة هوية قومية عراقية شاملة، تجسر الهوة بين القومية العربية والقومية الكردية التي تطلعت الى تقرير المصير. وبدأت التطلعات الكردية تتحقق مع قيام 'اقليم كردستان'، بعد حرب الخليج في 1991، الخطوة التي تسارعت في أعقاب الاجتياح الامريكي للعراق في 2003 والانسحاب منه في 2011. وخلق ضعف الحكم المركزي في بغداد وآثار الربيع العربي وضعا توجد فيه اليوم دولة كردية بحكم الامر الواقع تؤدي مهامها بشكل مستقل في ظل دفع ضريبة لفظية لوحدة العراق الاقليمية. لقد فهم الاكراد بان الاعلان عن اقامة دولة سيجعلهم فقط يصطدمون بدول مجاورة وسيمس بتطلعاتهم على المدى البعيد. ولهذا فقد امتنعوا عن مثل هذه الخطوة الرسمية.

في باقي الدول الثلاثة التي يتواجد فيها الاكراد ايضا، والذين يبلغ عددهم معا اكثر من 30 مليون نسمة، يحدث اليوم 'ربيع كردي' موازٍ لـ 'الربيع العربي'. فالاحداث في سوريا استغلت من الاكراد الذين يسكنون في شمالي الدولة لاقامة حكم ذاتي في منطقتهم الكردية. هذا الحكم الذاتي يعزز علاقاته مع الحكم الذاتي في كردستان العراقية، ويخلق معها تواصلا اقليميا ايضا. وأدت هذه الخطوات بالتوازي الى تشديد ضغوط الاكراد الاتراك لاقامة حكم ذاتي كردي في تركيا، وكذا الاكراد في ايران لا يصمتون.

ويحث الربيع الكردي سياقات التحول الديمقراطي بسرعة اكبر مما في الانظمة الجديدة في المنطقة التي تعتمد على الاسلام السياسي. وتغير هذه التطورات الخريطة الجغرافية السياسية كما عرفناها حتى الان والسؤال المركزي هو كيف ينبغي لاسرائيل أن تستعد حيالها.

على اسرائيل ان تنظر في النقاط التالية:

هل يوجد مجال 'للخروج من العلبة' ومحاولة اقامة علاقات مع القوة الصاعدة في المنطقة، اي الاكراد؟
هل الاكراد أنفسهم معنيون بمثل هذه العلاقة؟
أي تأثير كفيل بان يكون للعلاقات مع الاكراد على علاقات اسرائيل تركيا؟

كيان كردي مستقر ومتين في العراق كفيل بان يشكل ذخرا استراتيجيا صرفا لاسرائيل، ولا سيما عندما يرتبط مثل هذا الكيان بحبله السري بالاكراد في سوريا، في تركيا وفي ايران، ويخلق حضورا عرقيا ذا مغزى يتمتع بتواصل اقليمي. فالاكراد يرون في اسرائيل نموذجا قدوة، وعلى المستوى الشعبي يوجد عطف تجاه اليهود وتجاه اسرائيل، بسبب ما يعتبر شراكة في المصير بين الشعبين اللذين ترفض الدول المحيطة بهما حقهم في دولة خاصة بهم. وأعلن زعماء الاقليم الكردي في العراق غير مرة بان لا مانع من اقامة علاقات مع اسرائيل حين يجد الحكم المركزي من السليم عمل ذلك. وخلف الكواليس يلمحون ايضا بانهم مستعدون لاقامة كل علاقات مع اسرائيل التي تعتبر حليفا طبيعيا في محيط معادٍ للاكراد. ومع ذلك، ففي الاقليم الكردي في العراق توجد مخاوف كبرى من ردود فعل العالم العربي، ولا سيما ايران على اقامة علاقات مع اسرائيل.

الفكرة السائدة في اسرائيل هي أن العلاقات مع الاكراد ستمس بشدة بالعلاقات مع أنقرة. مثل هذا الفهم يتجاهل التغييرات التي وقعت في علاقات تركيا والاكراد وعلاقات تركيا واسرائيل. فقد تحولت تركيا نفسها الى شريان الحياة المركزي، وربما المؤسسة بالفعل لكردستان العراقية. كما أن أنقرة تعمل بكد على حل المشكلة الكردية الداخلية. وعليه فلم يعد هناك مجال للخوف من العلاقات مع الاكراد. فعلاقات تركيا اسرائيل على اي حال توجد في درك أسفل غير مسبوق ولا يبدو في الافق تغيير بعيد الاثر.

فالدعم الذي تعطيه أنقره لحماس، والتي هي منظمة ارهابية بكل معنى الكلمة، والتهجمات التي لا تنتهي على اسرائيل والمس بها في كل محفل دولي يستدعي تأسيس بنية علاقات جديدة تقوم على أساس التماثل والتبادلية. واذا ما وعندما يكون تحسين في العلاقات بيننا وبين تركيا، فان على اسرائيل أن تبقي لنفسها حرية اقامة علاقات مع الاكراد مثلما تقيم تركيا علاقات وثيقة مع الفلسطينيين بل وتظهر كسيدة لحماس.

مرغوب فيه جدا محاولة تحسين العلاقات مع تركيا ولكن يجب الفهم بان التغييرات الواسعة التي حصلت في تركيا تجعل الامر صعبا جدا. فليس الاكراد هم الذين سيشكلون العائق امام تحسين العلاقات واسرائيل يمكنها أن تنزع عنها هذا القيد الذي نبع من الرغبة في الحفاظ على شبكة علاقات سليمة مع الاتراك.

يجدر باسرائيل أن تتبنى سياسة نشطة ترى في الكيان الكردي في شمال العراق وفرعه في سوريا حليفا. وتبني مثل هذه السياسة معناه المساعدة الانسانية، الاقتصادية والسياسية. وبالنسبة للاكراد في تركيا، لا ينبغي لاسرائيل أن تظهر كمن ينبش في الشؤون الداخلية لتركيا ومن جهة اخرى عليها أن تبلور موقفا اخلاقيا بالنسبة للموضوع الكردي. كما أنه لا مانع لان تحث اسرائيل العلاقات مع الاكراد في ايران، الذين يوجدون في مواجهة مع النظام الاسلامي. وللمساعدة الاسرائيلة في مرحلة مبكرة كهذه كفيل بان تكون أهمية في المدى البعيد، وكل ذلك بالطبع على فرض انه يوجد اهتمام كردي لمثل هذه المساعدة. في نظرنا يعد هذا جهدا اسرائيليا جديرا.

عوفرة بنجو وعوديد عيران
' البروفيسورة بنجو هي باحثة في مركز ديان في جامعة تل أبيب؛
د. عيران باحث في مركز بحوث الامن القومي جامعة تل أبيب.
هآرتس 28/2013


توقيع : kumait


يحتاج الإنسان إلى سنتين ليتعلم الكلام وخمسين ليتعلم الصمت
إرنست همنغواي
من مواضيع : kumait 0 تأملات في فتوى جهاد النكاح
0 وجه واحد!
0 هل الهاتف المحمول كان موجودا عام 1938؟
0 الاعلام العربي و أشكالية الضمير..
0 الأرض تستعد لمواجهة «عاصفة شمسية مدمرة»

الصورة الرمزية kumait
kumait
عضو برونزي
رقم العضوية : 65773
الإنتساب : May 2011
المشاركات : 452
بمعدل : 0.09 يوميا

kumait غير متصل

 عرض البوم صور kumait

  مشاركة رقم : 73  
كاتب الموضوع : kumait المنتدى : منتدى الجهاد الكفائي
افتراضي الاعتراف الأمريكي بالحكومة الصومالية وتأثيراته السياسية في المنطقة
قديم بتاريخ : 01-03-2013 الساعة : 04:32 PM



الرئيس الصومالي حسن الشيخ محمود ووزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون بمقر الوزارة بواشنطن (الفرنسية)

الاعتراف الأمريكي بالحكومة الصومالية وتأثيراته السياسية في المنطقة
عبد الرحمن محمد حسين

أثارت قضية الاعتراف الدبلوماسي الأمريكي بالنظام الصومالي الجديد الذي يرأسه حسن شيخ محمود الكثير من التساؤلات حول أهميته وتأثيراته السياسية محليا وإقليميا ودوليا.

ظهرت كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية مع الرئيس حسن شيخ محمود في مؤتمر صحفي يوم 17 يناير/ كانون الثاني 2013 عقداه معا في وزارة الخارجية الأمريكية، أعلنت فيه الإدارة الأمريكية استرجاع العلاقات الدبلوماسية مع الصومال بعد انقطاع دام أكثر من 22 عاما. وفي عام 1991م حين سقطت الحكومة المركزية الصومالية سحبت أمريكا بعثتها الدبلوماسية من الصومال، ولم تكن الإدارة الأمريكية تتعامل منذ ذلك مع الحكومات الانتقالية المتعاقبة بطريقة رسمية، وإنما كانت تتعامل معها بالطرق الأمنية أي عبر مؤسساتها الأمنية بفروعها المختفة على ما يخدم مصالحها القومية الاستراتيجية في الصومال وفي محيطها الإقليمي.

وقد أثير بعض الأسئلة المهمة حول هذا الاعتراف الأمريكي للنظام. وتحاول هذه الورقة أن تسلط الضوء على ذلك وتأثيراته المحلية والإقليمية من خلال تحليله عبر المحاور التالية:

بدايات العلاقات الصومالية الأمريكية.. التحالف الإستراتيجي

اعترفت أمريكا رسميا بالصومال في أول يوم من استقلاله 1يوليو 1960، وذلك بإرسال تهنئة من الرئيس الأمريكي أيزنهاور إلى الرئيس الصومالي آدم عبد الله عثمان، ورفعت أمريكا قنصليتها في مقديشو الي مستوى السفارة وكان على رأسها القائم بالأعمال: أندروغ ليينج.

ومنذ ذلك الوقت شهدت العلاقات الصومالية الأمريكية تجاذبات وتوترات كثيرة، كان السبب الرئيسي وراءها رغبةَ الدولة الصومالية الوليدة في تحرير بقية الأراضي الصومالية، والتي ما فتئت تحت الاستعمار (الإثيوبي، الفرنسي، والبريطاني-الكيني). وكانت أمريكا قد وقعت معاهدة عسكرية مع إثيوبيا في عام 1953 لمدة 25عاما قابلة للتجديد، مقابل حصولها على تسهيلات عسكرية في ميناء (كاجينوا) بارتريا.

عندما استقل الصومال وجدت الدولة نفسها في حاجة ماسة إلى قوة تستند اليها، وخاصة أنه كانت في نية القادة الصوماليين استعادة الأراضي الصومالية التي ما زالت مستعمَرة. ولذلك توجه رئيس الوزراء الصومالي عبد الرشيد علي شرماركي إلى أمريكا في عام 1963، وقابل الرئيس الأمريكي جون كينيدي، وبعد مناقشات ومداولات طويلة عرضت الإدارة الأمريكية على الحكومة الصومالية بأنها تقوم بتسليح خمسة آلاف جندي من الجيش الصومالي وذلك بشرط ألا تُستخدم ضد كينيا وإثيوبيا، مما كان يعني بصورة مباشرة الاعتراض على المطالبة على بقية الأراضي الصومالية من قبل الحكومة الأمريكية. وكانت لأمريكا بعض المشروعات التنموية في الصومال مثل مشروع جوبا للتطوير الزراعي ومشاريع تنقيب البترول، كما أنها كانت تنوي إقامة قواعد عسكرية، إلا أن الطرح الأمريكي لم يكن مقنعا للحكومة الصومالية، ولذلك توجهت الي الاتحاد السوفييتي الذي وعد ببناء جيش صومالي قوامه عشرون ألف جنديا خلال عشرين سنة. ووقعت معاهدة تعاون بين البلدين في هذا الشأن في عام 1963.

وكانت الاستراتيجية الأمريكية في القرن الإفريقي تعتمد في ذلك الوقت على:

· إبعاد الاتحاد السوفييتي من السيطرة على باب المندب الاستراتيجي.
· حماية استمرار تدفق البترول إلى أمريكا والدول الأوروبية.

وفي عام 1977 اختلف الصومال والاتحاد السوفييتي في مسألة الحرب مع الجارة إثيوبيا لتحرير منطقة الصومال الغربي التي تحتلها. ووقف الاتحاد السوفييتي إلى جانب إثيوبيا ضد الصومال، ولم يكن أمام الصومال إلا الرجوع إلى دائرة التأثير الأمريكي، وكان هذا خطأ استراتيجيا وسوء تقدير من قبل القيادة الصومالية في ذلك الوقت للحسابات السياسية والاستراتيجية الأمريكية في المنطقة، خاصة بعد زيارة رئيس الوزراء الصومالي لأمريكا في عام 1963، حيث اتضح للقيادة السياسية الصومالية من خلال تلك الزيارة، الموقف الأمريكي الرسمي من هذه المسألة، وتجاوبت أمريكا مع المطالب الصومالية ولكن بشروط كان من ضمنها: انسحاب الجيش الصومالي من الأراضي التي حررها من إثيوبيا والتي كانت تفوق 90% من منطقة الصومال الغربي، منح قاعدة بربرة الاستراتيجية لأمريكا بعد طرد الاتحاد السوفييتي منها، وأن يكون الدعم فقط للأغراض الدفاعية لا الهجومية. وعلى هذا الأساس عقدت اتفاقية الدفاع المشترك بين الحكومتين الصومالية والأمريكية، والتي بسببها حصلت أمريكا علي كل التسهيلات البرية والبحرية والجوية في موانئ ومطارات الصومال، وأنشأت قواعد أمريكية في أماكن كان يستخدمها الجيش السوفييتي في كل من بربرة وكيسمايو، وكانت تعد هذه التسهيلات بدون مقابل بالنسبة لأمريكا.

واستمر هذا التعاون -أو هذا الاستخدام- بين الدولتين حتي أثار الرأي العام الأمريكي موضوع انتهاكات حقوق الانسان في الصومال أواخر ثمانينيات القرن الماضي. وتحت ضغط الكونغرس الأمريكي أنهت إدارة بوش الأب المساعدات العسكرية للصومال في عام 1988. وأثناء احتدام القتال في مقديشو يناير/ كانون الثاني عام 1991 أخلت أمريكا سفارتها وأجلت جميع رعاياها من الصومال، مما يعني توقف العلاقات الدبلوماسية مع الصومال بشكل عملي كما أوقفت أمريكا التعامل مع الأنظمة الصومالية التي جاءت بعد ذلك علي أنهم الممثلون الشرعيون للصومال وشعبه.

أمريكا لم تغب طويلا عن الساحة الصومالية، فقد قادت أكبر عملية عسكرية إنسانية في التاريخ تحت اسم (عملية إعادة الأمل) في 9 ديسمبر/ كانون الأول عام 1992م، وذلك بقرار من الأمم المتحدة والتي هدفت إلى القضاء علي المجاعة في الصومال، وقد نجحت هذه المهمة في بداية الأمر إلا أن التدخل الأمريكي في الشئون الداخلية وعدم وضوح المهام القيادية بين القوات الأممية أدت إلى نشوب حرب بين القوات الدولية بقيادة أمريكا وقوات الجنرال محمد فارح عيديد مما أدى إلى مقتل آلاف الصوماليين ومئات من القوات الأممية والأمريكية، كان من ضمنها 18 جنديا أمريكيا والمئات من الصوماليين قتلوا في يوم واحد، 3 أكتوبر/ تشرين الأول 1993، وفي هذا اليوم تم سحل جثة أحد الجنود الأمريكيين في شوارع مقديشو في مشهد أثار الرأي العام الأمريكي الذي ضغط على حكومته، مما أدى إلى إعلان الإدارة الأمريكية بقيادة كلينتون سحب قواتها من الصومال، وتفويض مهمة حفظ السلام في الصومال الي الأمم المتحدة. وكان لهذا الانسحاب تأثيراته السلبية الواضحة على العلاقات الصومالية الأمريكية فيما بعد والتي اتسمت بالشكوك وعدم الثقة المتبادلة ليس فقط على المستوى السياسي بل على المستوى الشعبي أيضا. ولذلك فوضت أمريكا مسألة التدخل –سواء كان سياسيا أو عسكريا- في الشئون الصومالية إلى حلفائها الإقليميين: مثل دول منظمة إيغاد، وعلى رأسها إثيوبيا وكينيا وحصرت دورها الإدارة من وراء الكواليس، وتوجيه حلفاها الإقليميين أمنيا وسياسيا.

من نهاية التسعينيات القرن الماضي إلى الآن.. الصومال والإرهاب

في عام 2000م تم انشاء أول حكومة انتقالية صومالية في جيبوتي بعد اجتماع مصالحة دام أكثر من ستة أشهر، وتم انتخاب عبد القاسم صلاد حسن رئيسا لهذه الحكومة، وقد رحبت أمريكا بالنظام الجديد واعتبرته خطوة إلى الأمام، إلا أنها لم تعترف بالنظام كحكومة شرعية للصومال. مما أعطى إشارة واضحة إلى الدول المجاورة بعدم التعامل مع الحكومة الوليدة والاستمرار في دعم حلفائهم من زعماء الحرب في الصومال. وتزامن إنشاء هذه الحكومة مع أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001، وتحدث بوش عن الدول أو الأماكن التي تتخفى فيها القاعدة، وأصبح الصومال بعد أفغانستان على رأس الدول التي يمكن أن تجد القاعدة فيه ملاذا آمنا وذلك لعدم وجود حكومة تسيطر على البلاد، وأصبح في قائمة الأولويات الأمريكية في محاربة الإرهاب، كما أن التفجيرات الذي حدثت في 1998 والتي استهدفت السفارات الأمريكية في نيروبي/كينيا ودار السلام/تنزانيا ألقت بظلالها على الصومال حيث ذُكِر أن المنفذين فروا إلى الصومال حيث لا حكومة تتعقبهم.

وفي خلال الاثنتا عشرة سنة الماضية 2001-2012, كان ملف محاربة الإرهاب يسيطر على العلاقات الصومالية الأمريكية، وبما أن الوضع في الصومال لم يكن واضحا بما فيه الكفاية لدى الإدارة الأمريكية، فإن إثيوبيا وزعماء الحرب المتحالفين معها في الصومال قد استغلوا الوضع لصالحهم، ولأن أمريكا لم تكن تنوي التدخل المباشر في الصومال قامت بدعم زعماء الحرب في الصومال، وشجعتهم على تأسيس تحالف جديد سمي (تحالف إعادة السلام ومحاربة الإرهاب) والذي ضم 11 من زعماء الحرب في مقديشو. وكان هدفه القضاء على الإسلاميين الذين نما نفوذهم في الصومال وخاصة في العاصمة مقديشو عبر المحاكم الإسلامية. وكانت أمريكا تدعم هذا التحالف شهريا بمبلغ مائة وخمسين ألف دولار وذلك لجمع معلومات عن ثلاثة أفراد من تنظيم القاعدة يشتبه في أن لهم صلة بتفجير السفارتين الأمريكيتين في نيروبي ودار السلام، حسب رأي الحكومة الأمريكية. وقد طلب التحالف –مستغلا الدعم الأمريكي- من المحاكم الإسلامية تسليم الإرهابيين. وأعلن التحالف الحرب على المحاكم الإسلامية في 18 فبراير/ شباط 2006 أدت في نهاية المطاف إلى هزيمة تحالف زعماء الحرب، حيث خرج آخر واحد منهم من العاصمة في 11 يوليو/ تموز 2006، وسيطرة الإسلاميين على أغلبية المناطق الجنوبية والوسطى من الصومال، ومحاصرة الحكومة الصومالية الانتقالية في مقرها المؤقت في مدينة بيداوة جنوب غرب العاصمة.

وبعد هزيمة تحالف زعماء الحرب، لم يبق أمام الحكومة الأمريكية خيار آخر غير التدخل المباشر أو الحرب بالوكالة لهزيمة الإسلاميين في الصومال، واتخذت الخيار الثاني حيث استخدمت القوات الإثيوبية وذلك تحت ذريعة حماية الحكومة الشرعية برئاسة عبد الله يوسف، كما ادَّعت إثيوبيا أن أمنها في خطر. وبقرار الامم المتحدة رقم 1725(6 ديسيمبر/ كانون الأول 2006) سمح لدول الاتحاد الإفريقي إرسال قوات إفريقية عرفت باسم "أميصوم" (AMISOM) لحماية الحكومة الصومالية. ولكن إثيوبيا أرسلت عشرات الآلاف من جنودها خارج قرار مجلس الأمن بإيعاز من أمريكا ومدعية كذلك بأن الحكومة الشرعية في الصومال طلبت منها كتابيا هذا التدخل، واستطاعت إثيوبيا الاطاحة بالإسلاميين وإحضار حكومة عبد الله يوسف إلى مقديشو لأول مرة. اندلعت حرب عصابات بين الصوماليين والقوات الإثيوبية أثقلت كاهل القوات الإثيوبية انتهت بانسحاب القوات الإثيوبية بمفاوضات سلام بين الحكومة الانتقالية وتحالف اعادة تحرير الصومال بقيادة الشيخ شريف، حفظا لماء وجه إثيوبيا التي انهزمت قواتها في الصومال. وبعد مفاوضات دامت ثمانية أشهر، تم الاتفاق على توسيع البرلمان وادماج أعضاء تحالف إعادة تحرير الصومال برئاسة الشيخ شريف في البرلمان وانتخابه رئيسا للبلاد. وبهذا نجحت أمريكا بتقسيم الإسلاميين إلى معتدلين يمكن التعامل معهم بقيادة الشيخ شريف، ومتشددين مما فتح جولة جديدة من الحرب بين الإسلاميين فيما بينهم.

وفي الفترة التي ترأس الشيخ شريف البلاد 2009-2012، لم يحدث تغيير يذكر في العلاقات الصومالية الأمريكية، حيث واصلت أمريكا تركيزها على موضوع مكافحة الإرهاب والتعامل مع الحكومة الصومالية على هذا المنظور الأمني فقط. ولذلك انحصر دورها بشكل شبه كلي على دعم قوات البعثة الإفريقية في الصومال (AMISOM) لمحاربة حركة الشباب المجاهدين، ولم يرقى دعمها للجيش الصومالي إلى المستوى المطلوب في فترة شيخ شريف وذلك بعدم ثقتها في كفاءة حكومته في جوانب مختلفة.

أربعة أسباب وراء الاعتراف الأمريكي بالحكومة الصومالية

لم يكن الاعتراف الأمريكي وليد اللحظة، ففي خلال الاثنا عشر سنة الماضية التي تعاقبت فيها على الصومال ثلاثة أنظمة انتقالية، كان الوجود والاهتمام الأمريكي ينمو، ففي بداية الأمر كانت الشئون الصومالية تدار عبر السفارة الأمريكية في نيروبي، ثم عينت الإدارة الأمريكية مبعوثا للشئون الصومالية، كما كانت هناك تطورات إيجابية وإن كانت قليلة وبطيئة، سواء كانت سياسية وعسكرية وبناء مؤسسات الدولة خلال الحكومات الانتقالية المتعاقبة. وقد توجت هذه الانجازات القليلة بإجازة دستور جديد لأول مرة بالصومال منذ الحرب الأهلية، وانتخاب برلمان جديد انتخب بدوره كلا من رئيسي مجلس الشعب ورئيس جمهورية الصومالية الفدرالية. والجديد في الأمر أن هذا تم داخل الصومال لأول مرة لمدة تزيد على 42 سنة، وتحت اشراف الحكومة الصومالية.

والأمر الثاني: هو تحسن الوضع الأمني وتقهقر حركة الشباب المجاهدين أمام ضربات القوات الصومالية والأميصوم وإخلائها كبري المدن الصومالية الاستراتيجية، وتزامن هذا التقهقر مع التطورات السياسية السابقة.

ثالثا: ونتيجة لهذه التطورات الإيجابية، تزايد الاهتمام الإقليمي والدولي بالشأن الصومالي، وكان لتركيا القدح المعلى في الاهتمام حيث قام رئيس وزرائها (السيد رجب طيب أردوغان) زيارة تاريخية إلى الصومال أعلن في خلالها أن تركيا جاءت لمساعدة الصوماليين ولن ترجع. وفتحت تركيا سفارتها في مقديشو كما بدأت بإنشاء مشاريع صحية، وتعليمية، وخدمية. وعلى إثر هذه الزيارة، بدأت الخطوط التركية رحلاتها بين اسطنبول ومقديشو، وبذلك أصبحت أول شركة طيران عالمية تكسر العزلة المفروضة على مقديشو منذ 22 سنة. وهذا الاهتمام التركي لاقى ترحيبا كبيرا من الشعب الصومالي في الداخل والخارج، كما شكلت هذه الخطوات من قبل تركيا تحديا واضحا للدول الغربية التي كانت دائما تتذرع بعدم الأمن في مقديشو لعدم دعمها، وكان الفعل التركي يثبت عكس ذلك حيث إن الأتراك يمارسون أعمالهم الإنسانية والتنموية في مقديشو بصفة عادية ولم يتعرضوا إلى أي أذي، مما جعل الدول الغربية تتسابق الآن في طلب قطع أراضي لتشييد سفارات جديدة أو ترميم سفاراتها القديمة في الصومال: مثل أمريكا، وبريطانيا، وايطاليا، والاتحاد الأوروبي، والنرويج، مما جعل لزاما على أمريكا أن تتخذ مثل هذه الخطوة قبل فوات الأوان.

رابعا: بروز قيادات صومالية جديدة ذات خلفيات مدنية، بمن فيهم الرئيس: حسن شيخ الذي كان الرئيس المؤسس لواحدة من أرقي الجامعات الصومالية (جامعة سيمد)، ووضع هذا المجتمع الدولي أمام التزام أخلاقي بدعم هذه الحكومة الديمقراطية الوليدة ذات الخلفية المدنية.

وأخيرا الأطماع الأمريكية القديمة في الموارد الطبيعية في الصومال، المعدنية منها والبترولية.

أهمية الاعتراف وتأثيراته السياسية

يأتي هذا الاعتراف الأمريكي في توقيت مهم للحكومة الصومالية التي تحاول إعادة الأمن والاستقرار إلى البلد، ولكي تتمكن من هذا فإنها تحتاج إلى عدة عوامل مهمة منها الاعتراف الدبلوماسي من الدول ذات الوزن الثقيل في المسرح الدولي مثل أمريكا، والذي يقضي بدوره على أن هذه الحكومة هي الجهة الشرعية الوحيدة للشعب الصومالي التي يجب التعامل معها.

والواضح أن تأثيرات هذا الاعتراف لا تقتصر فقط على الناحية المعنوية بل تتعداها إلى غير ذلك:

التأثيرات المحلية

سيعطي هذا الاعتراف الحكومة الصومالية فرصة التلقي المباشر للدعم الأمريكي الحكومي وغير الحكومي لإعادة بناء المؤسسات الحكومية الصومالية، كما أنه يعطي الحكومة فرصة الاقتراض من المؤسسات الدولية: مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وهذه القروض مهمة جدا بالنسبة للحكومة الصومالية، حيث كان من أهم أسباب فشل الحكومات الصومالية المتعاقبة، عدم قدرتها على تسيير أبسط يومياتها المالية ناهيك عن العجز عن التنمية لعدم كفاية الدخل القومي.

تراجع خطورة تفكك الوطن (اقليم بونتلاند وجمهورية أرض الصومال)

كانت الإدارة الأمريكية تتعامل مع هذين الإقليمين والحكومات الانتقالية السابقة على حد سواء، إلا أن وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون أعلنت بصفة رسمية في مؤتمرها الصحفي الذي عقدته مع الرئيس الصومالي في واشنطن 17 يناير/ كانون الثاني 2013، أن سياسة التعامل المزدوج مع الصومال قد انتهت. وأن أمريكا تتعامل من اليوم مع حكومة صومالية ذات سيادة كاملة على أراضيها، مما يعني أن محاولات أرض الصومال في الانفصال ونيل الاعتراف من المجتمع الدولي أصبحت أبعد مما كانت عليه من قبل أو على الأقل لا يمكن أن تأتي إلا بتراضي الطرفين في مقديشو وهرجيسا، واحتمال اعترافها أحاديا من قبل بعض الدول أصبح بعيد المنال بعد هذا الإعلان الأمريكي الصريح. كما أن بونتلاند ستفقد كثيرا من قوة استحواذها السياسي التي كات تتمتع بها أمام الحكومات الانتقالية السابقة في ظل غياب إقليم شمال الصومال (جمهورية أرض الصومال) من المسرح السياسي الصومالي في العقدين الأخيرين. كما أن المهتمين بالإقليم اقتصاديا لا يمكن أن يتجاهلوا موقف الحكومة الفيدرالية.

تأثيرات الاعتراف على المجموعات المناهضة

ومما لا شك فيه أن أمريكا كانت في حالة حرب بالوكالة في الصومال منذ 2007، مثلتها قوات البعثة الإفريقية (أميصوم) والقوات الصومالية من جهة والقاعدة التي تمثلها حركة الشباب المجاهدين من الجهة الثانية. وقد كانت أمريكا تدعم الحكومة الصومالية بمؤن الجيش وبعض العتاد عبر الأميصوم، ولكن هذا الاعتراف ربما يغير من كيفية الدعم الأمريكي للصومال. أما من ناحية الشباب المجاهدين، فإن هذا الاعتراف لا يغير من موقفهم شيئا من الناحية المبدئية، ومن الناحية الميدانية فيبدوا أنهم استعدوا لحرب عصابات طويلة الأمد.

تأثيرات الاعتراف الإقليمية والدولية

لا شك في أن دول المنطقة ستحاول على الأقل إرضاء لأمريكا على أن تتعامل مع الحكومة الصومالية كممثل شرعي ووحيد للشعب الصومالي. كما يعطي الاعتراف قوة دبلوماسية للحكومة الصومالية أمام دول الجوار، وسوف تتراجع هيمنة أو تأثيرات دول الجوار على القرار الصومالي الداخلي والخارجي، مما يؤدي إلى عودة الصومال إلى حظيرة المجتمع الدولي. وبالنسبة لأمريكا فأنها ستحصل على موطئ قدم في السواحل الصومالية مقابل هذا الاعتراف، كما أن شركاتها البترولية قد تعود أيضا إلى التنقيب عن النفط والغاز في الصومال.

الخلاصة

إن هذا الاعتراف الأمريكي بحكومة الصومال هو اعتراف دبلوماسي للنظام الجديد فقط لا أكثر، ولكي تستفيد منه الحكومة الصومالية الجديدة، لا بد لها ان تضع في الحسبان النقاط الاتية:

· ستظل الإدارة الأمريكية تتعامل مع الملف الصومالي على أنه ملف أمني من الدرجة الأولى، وليس من السهل إخراجه من هذه الدائرة إلا في حال التخلص من الإرهاب والتطرف في الصومال حسب المفهوم الأمريكي. ولا يلوح في الأفق أن هذا الإنجاز قريب التحقق.
· لا بد من الحكومة أن تترجم هذا الاعتراف في الواقع الأمر إلى انجازات أمنية وسياسية واقتصادية، تعود بالنفع على المواطن الصومالي العادي، وهذا وحده يمكن أن يكون كفيلا على نجاح الحكومة محليا ودوليا.
· استخدام هذا الاعتراف كعنصر جذب للحكومات الإقليمية لإعادة لحمة البلد ووحدته لا كعنصر ابتزاز للأقاليم المستقرة واستخدامه كأسلوب ضغط دبلوماسي.

ومما لا شك فيه أن هذا الاعتراف يتطلب كثيرا من الجهد والوقت من الحكومة الصومالية حتي يعطي أكله على أرض الواقع، صوماليا، وإقليميا، ودوليا. إن استثمار هذه الفرصة على الطريقة المثلى للبلد أمنيا، وسياسيا، واقتصاديا، يشكل أكبر تحد أمام الحكومة الصومالية الحالية فهل ستنجح في هذا التحدي؟ الوقت وحده هو الكفيل للإجابة عن هذا التساؤل، فلنتركه له.
__________________________
عبد الرحمن محمد حسين - باحث، ومحاضر في جامعة سيمد في مقديشو


توقيع : kumait


يحتاج الإنسان إلى سنتين ليتعلم الكلام وخمسين ليتعلم الصمت
إرنست همنغواي
من مواضيع : kumait 0 تأملات في فتوى جهاد النكاح
0 وجه واحد!
0 هل الهاتف المحمول كان موجودا عام 1938؟
0 الاعلام العربي و أشكالية الضمير..
0 الأرض تستعد لمواجهة «عاصفة شمسية مدمرة»

الصورة الرمزية kumait
kumait
عضو برونزي
رقم العضوية : 65773
الإنتساب : May 2011
المشاركات : 452
بمعدل : 0.09 يوميا

kumait غير متصل

 عرض البوم صور kumait

  مشاركة رقم : 74  
كاتب الموضوع : kumait المنتدى : منتدى الجهاد الكفائي
افتراضي أميركا والتوجه الإستراتيجي شرقا.. الفرص والتحديات
قديم بتاريخ : 01-03-2013 الساعة : 05:05 PM


أميركا والتوجه الإستراتيجي شرقا.. الفرص والتحديات

توطئة

أثار إعلان الرئيس أوباما عن نية إدارته التركيز على البعد الآسيوي خلال الولاية الثانية كثيرا من التساؤلات حول دوافع تلك التوجهات المستحدثة، وطبيعتها، ومدى تأثيرها على اهتمام الولايات المتحدة بمناطق العالم الأخرى وبصفة خاصة الشرق الأوسط. وغني عن البيان أن هذا التوجه قد سبب قدرا من التوجس لدى حلفاء الولايات المتحدة التقليديين. وفى هذه الورقة نتناول باختصار شرحا لأسباب ونتائج هذه السياسة على مقدرات التفاعل الدولي عموما وعلى المنطقة العربية على وجه الخصوص.

أولاً: المعنى والمضمون

بصفة عامة، يقصد بالتوجه الآسيوي تركيز الولايات المتحدة على العلاقات الاقتصادية والإستراتيجية بدول القارة الآسيوية وأستراليا. وترجع إرهاصات هذا التوجه إلى عام 2010، فبعد أشهر قليلة من انسحاب القوات الأميركية من العراق صرح الرئيس أوباما في نوفمبر/تشرين الثاني 2011 خلال حفل عشاء رسمي في البرلمان الأسترالي بأن "الولايات المتحدة ستلعب دورا أكبر وذا أمد طويل في تشكيل هذه المنطقة ومستقبلها". وقد صرح مستشار الأمن القومي توماس دونيلون بأن سياسة أوباما الآسيوية لا تعني التركيز على شؤون القارة الآسيوية فحسب، بل أيضا إعادة توزيع أولويات السياسة الأميركية داخل القارة، نحو تركيز أكبر على جنوب وشرق آسيا.

وبمعنى آخر إعادة توزيع أولويات السياسة الخارجية الأميركية في مناحيها الدبلوماسية، والاقتصادية، والعسكرية على دول شرق وجنوب شرق آسيا بعيدا عن الاهتمام البالغ منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر على وسط وغرب آسيا (أفغانستان والعراق).

ولغير المتبحر في تاريخ العلاقات الدولية للولايات المتحدة قد يبدو هذا المنحى ابتداعا في السياسة الخارجية الأميركية، لكن في واقع الأمر، فإن الاهتمام الأميركي بهذه المنطقة يعود إلى السنوات الأولى لخروج الولايات المتحدة من سياسة العزلة والتي استمرت لنهاية القرن التاسع عشر.

وكانت الحرب الأسبانية-الأميركية عام 1898 والتي أكدت بمقتضاها الولايات المتحدة نفوذها المتفرد في الأميركتين بداية لتغلغل الولايات المتحدة في القارة الآسيوية. فبنهاية الحرب، أرغمت الولايات المتحدة التاج الأسباني ليس فقط على تسليم كوبا وبورتوريكو بل أيضا جزر الفلبين التي احتلتها الولايات المتحدة حتى 1946. وزاد الاهتمام الأميركي بالقارة خلال الحرب العالمية الثانية وبعدها. وخاضت الولايات المتحدة حربين ممتدتين في كوريا وفيتنام. وفرض الثمن الباهظ الذي دفعته الولايات المتحدة والنتائج المخيبة للآمال إعادة توزيع أولويات السياسة الخارجية للولايات المتحدة بعيدا عن شرق القارة الآسيوية، وهو التقليد الذي استمر بدرجات متفاوتة حتى سنوات قليلة مضت. وبدأ الاهتمام بشرق وجنوب آسيا يعود إلى واجهة السياسة الأميركية في التسعينات مع الرئيس بيل كلينتون.

وعلى ذلك، فالتوجه الآسيوي يمثل عودا على بدأ للسياسة الخارجية الأميركية. ويشتمل هذا التوجه وفق ما صرح به أركان إدارة الرئيس أوباما على أبعاد ثلاثة: دبلوماسية، واقتصادية، وعسكرية. فالبعد الأول يتمثل في اتصالات دبلوماسية رفيعة المستوي من خلال زيارات لكبار المسؤولين الأميركيين بمن فيهم الرئيس ووزيري الخارجية والدفاع لمختلف دول المنطقة. وبالإضافة إلى ذلك، فإن البعد الدبلوماسي يركز على تدعيم العلاقات مع الحلفاء والأصدقاء التاريخيين للولايات المتحدة، وبصفة خاصة اليابان وكوريا الجنوبية. كما تسعي الولايات المتحدة للعب دور أكبر في المنظمات الإقليمية في المنطقة. وقد ظهر هذا التوجه جليا خلال عام 2011 من خلال عدة مبادرات دبلوماسية رفيعة المستوى. وقد شمل ذلك استضافة الولايات المتحدة قمة منظمة التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ، وإعلان واشنطون عن نشر قوات مشاة البحرية في شمال أستراليا، وحضور الرئيس أوباما لأول مرة قمة دول شرق آسيا.

ومن الواضح أن هذه المبادرات تهدف إلى توصيل رسالة للرأي العام في الولايات المتحدة وآسيا على حد سواء بحجم وعمق الاهتمام الأميركي بالقارة. وكانت وزيرة الخارجية السابقة هيلارى كلينتون أول وزراء الخارجية الأميركية التي تقوم بزيارة كل دول منظمة أمم جنوب شرق آسيا خلال ولايتها. وقد قامت الولايات المتحدة بترميم علاقاتها مع بورما (مينمار)، بل وقام الرئيس أوباما بزيارة العاصمة رانجون بعد أسبوعين فقط من إعادة انتخابه ليكون أول رئيس أميركي يقوم بزيارتها. وأعلن أوباما قبيل أيام من زيارته أن الولايات المتحدة سوف تخصص نحو 170 مليون دولار لمشروعات تنموية في مينمار خلال العامين القادمين. وقام أوباما بزيارة كل من تايلاند وكمبوديا خلال جولاته الآسيوية.

واقتصاديا، ينصرف هذا التوجه إلى تعميق التعاون التجاري مع دول المنطقة، والسعي لإنشاء منطقة للتجارة الحرة تحت مسمى "الشراكة عبر المحيط الهادئ" كإستراتيجية لإدماج الاقتصاد في تحالفات التجارة البينية في المنطقة.

أما عسكريا، فقد عملت أميركا على زيادة تواجدها العسكري في المنطقة، وتسعي الولايات المتحدة إلى إعادة توزيع أسطولها الحربي لتركيز جانب أكبر من المدمرات والغواصات وحاملات الطائرات في المحيط الهادئ، فبينما تنقسم هذه القوات مناصفة حاليا بين المحيطين الهادئ والأطلنطي، فإن إعادة التوزيع ستعني تركيز 60% من الأسطول في منطقة المحيط الهادئ في غضون الأعوام القليلة القادمة. وبالإضافة إلى ذلك، فإن وزارة الدفاع الأميركية زادت من عدد المناورات المشتركة مع دول المنطقة، وأكثرت من زيارات سفن الأسطول الأميركي للموانئ الآسيوية، فعلى سبيل المثال، في الربيع الفائت أجرى الأسطول الأميركي مناورات واسعة مع الفلبين التي تعاني من منازعات حدودية مع الصين في بحر الصين الجنوبي. كما دعمت الولايات المتحدة صلاتها العسكرية بفيتنام والتي تعاني أيضا من نزاعات حدودية مع الصين. وبالإضافة إلى ذلك، فقد قامت الولايات المتحدة بتدعيم تواجدها العسكري في قواعدها في اليابان وكوريا الجنوبية ونشر مشاة البحرية الأميركية في غرب أستراليا. كما زادت الولايات المتحدة من التعاون في مجالات التصنيع العسكري وتبادل التكنولوجيا مع الهند. وكل ذلك جزء لا يتجزأ من مبدأ عسكري جديد للبنتاغون هو "المعركة الجو- بحرية" والذى ينصب على تكامل القوات البحرية والجوية بهدف ردع الصين أو أي عدو محتمل عن إعاقة العمليات العسكرية الأميركية في المحيط الهادئ.

ثانيا: الأسباب والدوافع

يمكن القول بوجود مجموعة من الدوافع الاقتصادية والإستراتيجية لهذا المنحى في السياسة الخارجية الأميركية. فآسيا تعد قارة المستقبل، ويتوقع الخبراء أن تستحوذ على نحو 50% من النمو الاقتصادي الدولي خارج الولايات المتحدة. ولا شك أن للأزمة الاقتصادية أثرها في توجه الولايات المتحدة للتركيز على القارة الآسيوية. فالصين وبقية النمور الآسيوية قد حافظت على معدلات معتبرة للنمو الاقتصادي في مرحلة الكساد العالمي. وتمثل هذه الدول وغيرها في القارة فرصا تصديرية للشركات الأميركية. كما أن النمو الاقتصادي للهند يثير شهية دوائر المال والأعمال في الولايات المتحدة. فالهند اليوم تحتل المرتبة التاسعة في زمرة الاقتصاديات العشر الأضخم في العالم وهى مرشحة لتخطي إيطاليا في غضون عامين فقط. هذا النمو المتسارع في ثاني أكبر دول العالم من حيث تعداد السكان يعنى إضافة عشرات الملايين للطبقة الوسطى التي قد تمثل طوق النجاة للشركات الأميركية التي تعانى من اشتداد حده التنافس داخليا وخارجيا.

وفى 2010 فاق مجموع صادرات الولايات المتحدة لآسيا مجمل صادراتها لأوروبا لأول مرة في التاريخ. وتشير إحصاءات التجارة الخارجية الأميركية إلى وجود 9 دول آسيوية ضمن قائمة الدول الخمس وعشرين الأولى من حيث التبادل التجاري مع الولايات المتحدة. وإذا ما استبعدنا الجارين كندا والمكسيك فإن الدول الآسيوية تحتل المراكز الأول والثاني والخامس في قائمة الشركاء التجاريين للولايات المتحدة.

قائمة الشركاء التجاريين للولايات المتحدة الأميركية عام 2011

الترتيب.........الدولة...............................الحجم الكلي (بليون دولار)

1............... كندا................................... 596
2............... الصين................................503
3.............. المكسيك..............................461
4............... اليابان................................195
5.............. ألمانيا.................................148
6.............. المملكة المتحدة....................107
7.............. كوريا الجنوبية.................... 100
8.............. البرازيل.............................. 75
9.............. فرنسا................................. 68
10........... تايوان................................. 67
11......... هولندا................................... 66
12.......... السعودية.............................. 61
13.......... الهند................................... 58
14.......... فنزويلا................................ 56
15......... سنغافورة.............................. 50
16......... إيطاليا.................................. 50
17......... سويسرا............................... 49
18......... بلجيكا.................................. 47
19......... أيرلندا.................................. 47
20.........روسيا.................................. . 43
21....... هونج كونج............................. 41
22....... ماليزيا................................... 40
23....... نيجيريا.................................. 39
24....... أستراليا................................. 38
25....... كولومبيا................................ 37

إجمالي الدول الخمس وعشرين...................3041.8
إجمالي التجارة الأميركية......................... 3688.3
النسبة المئوية للدول الخمس وعشرين........ 82.5%

أما من الناحية الإستراتيجية، فإن التنافس مع الصين يبدو جليا في خلفية هذا التوجه. وبسبب انغماس الولايات المتحدة في حربي العراق وأفغانستان فإن الصين قد تمكنت من تعزيز نفوذها السياسي والاقتصادي في القارة. وقد أثارت سياسات بكين في بحري الصين الشرقي والجنوبي قلق حلفاء الولايات المتحدة التقليديين وبصفة خاصة اليابان وكوريا الجنوبية. وفى غياب دور أميركي بارز يعادل النفوذ الصيني، فإن الكثير من دول المنطقة ربما لا تجد مناصا من التسليم بواقع هيمنة الصين على إقليم شرق آسيا. وقد أثار هذا التوجه قدرا من الاستياء في الأوساط الصينية التي تعتبر أن الامتداد الأميركي في القارة يهدف إلى حرمان الصين من التوسع في مجالها الحيوي اللصيق وأنه نسخة معدلة لسياسة الاحتواء التي انتهجتها الولايات المتحدة ضد الاتحاد السوفياتي خلال فترة الحرب الباردة. وبالإضافة إلى ذلك، فيبدو أن الولايات المتحدة قلقة من تنامي التعاون بين الدول الآسيوية واحتمال أن يؤدى ذلك إلى قيام كيان اقتصادي آسيوي عملاق تستبعد منه الولايات المتحدة. فالحكومة الأميركية تشعر بالقلق مثلا مما يعرف بآسيان+3.

فمنظمة أمم جنوب شرق آسيا المعروفة اختصارا بآسيان قد لجأت منذ الأزمة النقدية الآسيوية عام 1997 إلى تعميق التعاون مع كل من الصين واليابان وكوريا الجنوبية. ولا تخفي هذه الدول رغبتها في إنشاء منظمة شرق آسيا، على غرار منظمة التعاون الأوروبي التي كانت النواة الأولى للاتحاد الأوروبي. جهود التكامل هذه تظهر رغبة الدول الآسيوية الحثيثة في تحقيق التكامل الاقتصادي بين دول القارة. بل بدأ بعض السياسيين يرفعون شعارات سياسية "آسيا أولاً" التي تستبعد بالضرورة الدول غير الآسيوية وفى مقدمتها الولايات المتحدة. كما يلعب العامل الشخصي دوره في تعزيز التوجه الآسيوي للولايات المتحدة، فالرئيس باراك أوباما هو أول رئيس "آسيوي" للولايات المتحدة. فقد ولد في هاواي وهي أقرب الولايات لقارة آسيا، كما قضى أوباما جانبا من سنين النشأة الأولي في إندونيسيا. وبالطبع فقد كانت لهذه التجارب الذاتية تأثيرها في توجهات السياسة الخارجية. وبالإضافة لذلك، فقد أراد أوباما أن يأخذ الولايات المتحدة بعيدا عن تركيز سلفه الرئيس جورج بوش على منطقتي وسط وغرب آسيا.

ثالثا: الأثر على منطقة الشرق الأوسط

إن التوجه الإستراتيجي للولايات المتحدة شرقا يجيء على حساب اهتمامها بمنطقة الشرق الأوسط وفي القلب منها العالم العربي. وهناك العديد من الأسباب التي يمكن أن تفسر تراجع التركيز الأميركي على المنطقة العربية. فالقضية الفلسطينية، وهى القضية المحورية في المنطقة، تبدو عصية على الحل، على الأقل في الأمد المنظور. فانقسام البيت الفلسطيني بين منظمة التحرير وحماس يثبت الادعاء الإسرائيلي بعدم وجود شريك يمكنه التفاوض باسم الشعب الفلسطيني. كما يبدو أن الرئيس أوباما ليس على استعداد لدفع الثمن السياسي المطلوب للضغط على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتينياهو. ويشير المحللون السياسيون في واشنطون إلى تأزم العلاقة بين واشنطون وتل أبيب نتيجة الخلاف بين أوباما ونتنياهو حول عملية السلام، هذا الخلاف الذي يعود إلى البدايات الأولى لجلوس الرئيس الأميركي في المكتب البيضاوي. وتشير نتائج الانتخابات الإسرائيلية في يناير/كانون الثاني 2013 إلى إمكانية بقاء اليمين الإسرائيلي في الحكم لأعوام عدة. كما يبدو أن هناك قدرا من الإنهاك وفقدان الرغبة الأميركية في الانخراط في المنطقة.

ولم يعد البترول بمثابة الحافز الذي لا يمكن مقاومته لدفع الولايات المتحدة للاهتمام بالمنطقة. فإنتاج النفط الأميركي قد بلغ معدلات قياسية في 2012 ومرشح لمزيد من الارتفاع هذا العام. وقد مكنت تكنولوجيا الاستخراج المستحدثة شركات النفط الأميركية من زيادة الإنتاج بنحو 779000 برميل في اليوم قياسا على معدلات عام 2011. ووصل الإنتاج إلى معدل 6.4 مليون برميل في اليوم. وقد مكنت الزيادات المتوالية في الإنتاج مصحوبة بتراجع الاستهلاك المحلى الولايات المتحدة من تخفيض اعتمادها على استيراد النفط وبخاصة من الشرق الأوسط. ويشير الشكل التالي إلى تراجع أهمية النفط العربي في منظومة الطاقة الأميركية. فالواردات الأميركية من منطقة الخليج العربي لا تشكل أكثر من 16% من إجمالي الواردات. وهى أقل من واردات الولايات المتحدة من الجارتين المكسيك وفنزويلا.




خاتمة

على الرغم من كون معظم الخبراء الاقتصاديين والعسكريين الأميركيين لا يخفون تأييدهم لاهتمام الولايات المتحدة بالقارة الآسيوية في القرن الحادي والعشرين، فان هناك أصوات تحذر من كون هذه السياسة ستؤدى لدفع الصين لتبني سياسات عدائية ضد ما قد يسهل تسويقه باعتباره محاولة لتحجيم أكبر دول العالم من حيث تعداد السكان. ويرى هؤلاء الخبراء أن هذا التوجه بما قد يخلقه من صراع مفتوح مع الصين ليس في مصلحة الولايات المتحدة حاليا أو في المستقبل. وفى الواقع فقد ردت الصين بتحدي مصالح الولايات المتحدة خارج منطقة شرق آسيا. ففي الوقت الذي صوتت الصين في مجلس الأمن الدولي بين عامي 2006-2010 لصالح فرض عقوبات على إيران فإن بكين هددت باستخدام حق النقض (الفيتو) ضد مشروع قرار بفرض عقوبات على صادرات إيران من النفط. وأكثر من ذلك عندما اتفقت الولايات المتحدة واليابان والدول الأوربية على فرض هذه العقوبات خارج إطار مجلس الأمن، قامت بكين بإبرام صفقات جديدة لشراء النفط الإيراني. وانحازت الصين للموقف الروسي المعارض لتوجه الولايات المتحدة بفرض عقوبات على دمشق. ويبدو أن إدارة أوباما على وعي بمخاطر هذا التوجه، ولهذا حرص كبار المسؤولين الأميركيين على التأكيد أن التوجه الآسيوي ليس موجها ضد بكين. وبالرغم من ذلك، فإنه من الواضح أن هناك ثمنا ينبغي على الولايات المتحدة دفعه لتبني مثل هذه السياسة الآسيوية، وليس مستبعدا أن تعيد إدارة أوباما ذاتها أو الإدارة اللاحقة النظر في هذه السياسة كلفةً ومضمونا في ضوء التغيرات في النظام الدولي عموما والتطورات في شرق وجنوب آسيا على وجه الخصوص. ولكن يظل التوجه الآسيوي أحد تغيرات السياسة الدولية الجديرة بالاهتمام والمتابعة في الأمدين القصير والمتوسط.
______________________________________
محمود حمد - أستاذ مساعد العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعتي القاهرة (مصر) ودراك (الولايات المتحدة)


توقيع : kumait


يحتاج الإنسان إلى سنتين ليتعلم الكلام وخمسين ليتعلم الصمت
إرنست همنغواي
من مواضيع : kumait 0 تأملات في فتوى جهاد النكاح
0 وجه واحد!
0 هل الهاتف المحمول كان موجودا عام 1938؟
0 الاعلام العربي و أشكالية الضمير..
0 الأرض تستعد لمواجهة «عاصفة شمسية مدمرة»

الصورة الرمزية kumait
kumait
عضو برونزي
رقم العضوية : 65773
الإنتساب : May 2011
المشاركات : 452
بمعدل : 0.09 يوميا

kumait غير متصل

 عرض البوم صور kumait

  مشاركة رقم : 75  
كاتب الموضوع : kumait المنتدى : منتدى الجهاد الكفائي
افتراضي
قديم بتاريخ : 01-03-2013 الساعة : 05:29 PM



تقدر طوكيو أن الإنفاق العسكري الصيني تضاعف ثلاثين مرة ما جعل نظرية "الخطر الصيني" يتصدر اهتماماتها.
وتتخوف الصين من نجاح الحكومة اليابانية الجديدة في مساعيها لتغيير الدستور السلمي للبلاد فتعيد تسليح نفسها وتصبح قوة عسكرية عظمى

الملفات الساخنة في العلاقات اليابانية الصينية
عبد الرحمن المنصوري

شهدت العلاقات الصينية-اليابانية تغيرات عميقة منذ تطبيع العلاقات بينهما سنة 1972 برعاية أميركية. وقد تعرضت هذه العلاقات لهزات كثيرة مع بداية القرن الحادي والعشرين. وأدى تجدد النزاع على جزر سنكاكو/دياويو الواقعة في بحر الصين الشرقي إلى صعود الخلافات بين البلدين إلى الواجهة. وبالرغم من التوتر الكبير الذي يطبع العلاقات بين البلدين على الصعيدين السياسي والدبلوماسي، فإن العلاقات الاقتصادية بينهما ما زالت متينة، بعد ارتفاع الحجم التجاري والزيادة الكبيرة في الاستثمارات بين البلدين.

أما على الصعيد العسكري فيسود مناخ من عدم الثقة بين الجارين؛ ذلك أن اليابان تعبّر باستمرار عن مخاوفها من عمليات التحديث الواسعة التي تجريها الصين الشعبية على جيشها ومستويات الإنفاق العسكري العالية. في حين تتوجس الصين من احتمال تخلي اليابان عن توجهاتها السلمية التي اتبعتها منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، وتُعيد تسليح نفسها من جديد.

في أسس العلاقات بين البلدين: ترابط اقتصادي وتنافس عسكري

علاقات اقتصادية وتجارية مترابطة

اتبعت الصين منذ أواخر القرن الماضي إستراتيجية آسيوية تعتمد على التعاون الاقتصادي والابتعاد عن التنافس الإستراتيجي والمواجهة مع جيرانها. وكان الهدف من ذلك هو الحفاظ على مناخ إقليمي ودولي سلمي ومستقر يسمح لها بالتركيز على مشاكلها الداخلية ومواصلة نموها الاقتصادي، ويسمح أيضًا بتدفق رؤوس الأموال والسلع بينها وبين شركائها. وهكذا خلقت الصين مجالاً اقتصاديًا تقوم فيه بالدور المحوري، وكنتيجة لذلك تطورت العلاقة الاقتصادية بين الصين واليابان بشكل كبير خلال العقد الماضي. وبحلول سنة 2007، أصبحت الصين أكبر شريك اقتصادي لليابان، وفي سنة 2011 بلغ الحجم التجاري بينهما حوالي 345 مليار دولار، أي ما يعادل 9% من التجارة الخارجية للصين، و21% من الحجم التجاري الكلي لليابان، ويزيد حجم الاستثمارات اليابانية في الصين عن 12 مليار دولار سنة 2011، أي ما يعادل 11% من الاستثمارات اليابانية في الخارج، ليصل حجم الاستثمارات اليابانية المتراكمة في الصين منذ 1996 إلى 83 مليار دولار.

ويدل هذا على أن العلاقة الاقتصادية بين البلدين أصبحت متداخلة ومتينة جدًا. وهكذا أصبح البلدان يعتمدان على بعضهما في الاستيراد والتصدير والاستثمار وخلق الفرص التنموية. وتستورد الصين المنتجات نصف المصنعة والآليات والمعدات عالية التكنولوجيا التي تُعتبر حيوية لقطاعها الصناعي وتمكنها من تصدير منتجاتها إلى الأسواق الخارجية خصوصًا أوروبا والولايات المتحدة. ونقلت الشركات اليابانية الصناعات التي تعتمد على اليد العاملة بكثرة إلى الصين لتجعل منها قاعدة صناعية للشركات اليابانية، وقد ساعدها ذلك كثيرًا في الحفاظ على تنافسيتها على المستوى العالمي. ويعمل ما يزيد عن 23,000 شركة يابانية في الصين وتوفر ما يزيد عن 10 ملايين فرصة عمل. وتعتبر الصادرات إلى الصين مهمة بالنسبة لليابان التي عانت من مشاكل اقتصادية كثيرة في العقدين الأخيرين؛ حيث توفر السوق الصينية، التي ستصبح أكبر سوق استهلاكية في العالم في غضون سنوات، سوقًا كبيرة جدًا للمنتجات اليابانية.

التنافس العسكري والمعضلة الأمنية بين البلدين

إذا كانت العلاقات الاقتصادية بين البلدين قد بلغت مستويات عليا من الترابط والتداخل، فإن السمات الأساسية للعلاقات بينهما على الصعيد العسكري هي التنافس وعدم الثقة وتشكيك كل طرف في نوايا الطرف الآخر، خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار وجود إرث من التوتر بين البلدين ناتج عن الماضي الاستعماري للإمبراطورية اليابانية الذي شمل معظم شرق آسيا.

فمنذ تسعينيات القرن الماضي، تسابق الصينُ الزمنَ لتطوير قدراتها العسكرية وخصوصا البحرية منها. وكان الهدف الأساسي المعلن من طرف الأوساط الرسمية الصينية هو حماية أمنها ووحدتها الترابية ومصالحها الحيوية وخطوطها البحرية وخطوط إمدادات الطاقة. وبعد حوالي عقدين من التحديث والتطوير أصبحت الصين أكبر قوة بحرية في آسيا، وتتوفر على ثلاثة أساطيل، هي: أساطيل البحر الشمالي والبحر الجنوبي والبحر الشرقي. وتملك الصين 27 مدمرة و51 فرقاطة و27 سفينة إنزال كبيرة و54 أخرى صغيرة، وأكثر من 200 قارب سريع. كما تملك الصين أسطولاً من الغواصات هو الأكبر في آسيا ويتكون من 8 إلى 10 غواصات تعمل بالطاقة النووية و48 تعمل بالديزل. وشملت عمليات التطوير أسلحة أخرى، مثل الصورايخ العابرة للقارات، والصورايخ المضادة للسفن وللغواصات، وأنظمة الاستطلاع البحري، وصورايخ أرض-جو، وطائرات من دون طيار. وتعمل الصين أيضًا على تطوير صناعاتها العسكرية الداخلية؛ حيث أدخلت الصين للخدمة طائرات متطورة محلية الصنع من نوع جي10 ابتداء من 2006، لتتبعها بعد ذلك بنوع جي31 الشبح. وحققت الصين تقدمًا كبيرًا في الصناعات الفضائية بتطويرها لأقمار اصطناعية عسكرية تُستعمل للاتصالات والمراقبة والملاحة. كما طورت الصين صواريخ محلية مضادة للأقمار الاصطناعية ASAT. وفي سنة 2011 بدأت الصين في تجريب أول حاملة طائرات لها. وجاءت الورقة البيضاء للدفاع التي نُشرت في 2011 لتؤكد أن "القوة الوطنية الشاملة للصين قد دخلت مرحلة جديدة"، وأن الجيش الصيني حقّق تقدمًا كبيرًا بفعل عمليات التحديث الأخيرة. غير أن الصين تردد باستمرار أنها ملتزمة بنهج سياسة عسكرية دفاعية هدفها الأساسي حماية "صعودها السلمي" إلى مصاف القوى العظمى.

أدت هذه التطورات إلى إثارة الكثير من المخاوف لدى الجار الياباني الذي بدأ يتساءل عن نوايا الصين التي بنت إستراتيجيتها الآسيوية على أساس "التنمية السلمية"، لكنها تعمل على بناء قدراتها العسكرية بالتوازي مع ذلك؛ مما جعل نظرية "الخطر الصيني" تكتسب أهمية عند صنّاع القرار في اليابان، وترَسَّخت لديهم قناعة بأن الإنفاق العسكري الصيني سيتزايد مع نمو قوتها الاقتصادية. وعبّرت اليابان أيضًا عن مخاوفها من الإنفاق العسكري الصيني الذي ارتفع بشكل لافت في السنوات الأخيرة. وتقدّر اليابان أن الإنفاق العسكري الصيني تضاعف ثلاثين مرة خلال الأربع والعشرين سنة الماضية، وتجاوز في سنة 2011 حاجز المائة مليار دولار لأول مرة. وإذا استمر الإنفاق العسكري الصيني على هذه الوتيرة فإنه سيتجاوز نظيره الأميركي بحلول 2035.

ولمواجهة ما تعتبره تهديدًا صينيًا وتهديدات أمنية أخرى بدأت اليابان تعيد التفكير في دور قواتها العسكرية؛ فبعد التجربة الصاروخية التي قامت بها كوريا الشمالية عام 1998، بدأت اليابان في تطوير نظام الدفاع الصاروخي البالستي DMB بالتعاون مع الولايات المتحدة الأميركية. وفي مارس/آذار من 2006، اختبرت اليابان بنجاح صاروخًا بحريًا اعتراضيًا متطورًا من نوع SM-3، وبالرغم من أن اليابان أعلنت أن هدفها هو التصدي للصواريخ الكورية الشمالية فإن هذه الأسلحة يمكن أن تحد من القدرة الصاروخية للصين. وبعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول أرسلت اليابان، في بادرة هي الأولى من نوعها منذ الحرب العالمية الثانية، عددًا من أفراد الجيش الياباني (قوات الدفاع الذاتي) إلى أفغانستان والعراق، وبالرغم من أن دور هذه القوات لم يكن قتاليًا، إلا أن العديد من المراقبين رأوا فيه تغيرًا رمزيًا في العقيدة العسكرية اليابانية. وفي سنة 2009 أرسلت اليابان مدمرتين للمشاركة في محاربة القرصنة في خليج عدن، كما خففت اليابان مؤخرًا من الحظر الذي تفرضه على صادراتها العسكرية. وبالإضافة إلى ذلك فإن البحرية اليابانية ستتزود بمعدات قتالية مهمة أهمها طائرات الدورية البحرية من نوع "كاوازاكي بي-1"، وحاملة هيليكوبتر من نوع22DDH ، ومدمرة مضادة للغواصات، وتحديث أنظمة قيادة وسيطرة واتصالات وحاسبات واستخبارات ومراقبة واستطلاع C4ISR. هذه التطورات أثارت مخاوف الصين، لكن ما يخيفها أكثر -وهي مخاوف يتقاسمها العديد من دول الجوار مع الصين- هو أن تنجح الحكومة اليابانية الجديدة في مساعيها لتغيير الدستور السلمي ثم تستغل بعد ذلك قدراتها الصناعية والتكنولوجيا المتطورة جدًا لتعيد تسليح نفسها وتصبح قوة عسكرية عظمى.

تعتبر اليابان أن توجهاتها نحو تعزيز قدراتها العسكرية أمر طبيعي وأنه تأخر كثيرًا، في حين ترى الصين أن تحديث قواتها العسكرية وتطويرها وزيادة نفقاتها العسكرية، أمر طبيعي أيضًا، لأنها تحتاج قوة عسكرية مناسبة لقوتها الاقتصادية. ومع إصرار كل طرف على المضي قدمًا في تطوير قدراته العسكرية باعتباره أمرًا طبيعيًا، أصبح البلدان يواجهان معضلة أمنية حقيقية تزيد من تعقيد علاقاتهما العسكرية؛ فكل إجراء تتخذه الصين لتعزيز قدراتها الدفاعية يزيد من درجة التهديدات الأمنية المحدقة باليابان والعكس صحيح.

الملفات الساخنة بين البلدين

منذ ثمانينيات القرن الماضي، بدأت العلاقة بين الصين واليابان تشهد بين الفينة والأخرى توترًا حول القضايا العالقة بينهما. ويتلخص أهم هذه القضايا في:

أ- النزاع حول جزر سنكاكو/ دياويو

تقع هذه الجزر المتنازع عليها في بحر الصين الشرقي، وهي عبارة عن ثماني جزر صخرية غير مأهولة تسميها اليابان "سنكاكو" وتُعرف في الصين باسم "دياويو". يتراوح الاحتياطي النفطي في هذا البحر بين 60 و100 مليون برميل من النفط، في حين يوجد احتياطي مهم من الغاز الطبيعي يتراوح بين 1 و2 تريليون قدم مكعب، حسب تقديرات إدارة المعلومات حول الطاقة (EIA) التابعة للحكومة الأميركية، بينما تقول المصادر الصينية بأن الاحتياطي النفطي يتراوح بين 70 و160 مليون برميل، ويحوي هذا البحر أيضًا ثروات معدنية مهمة مثل الأحجار المرجانية الثمينة والزركون والذهب والتيتانيوم والبلاتين. بالإضافة إلى وجود هذه الثروات الطبيعية فإن للجزر قيمة إستراتيجية للبلدين معًا بفعل موقعها الإستراتيجي؛ فالسيادة على هذه الجزر ستسمح لليابان أو الصين بالمطالبة باستغلال 40,000 كيلومتر مربع من المياه المحيطة بها باعتبارها منطقة اقتصادية خالصة، كما يمكن استغلال الجزر عسكريًا؛ فالصين تخشى أن تقيم اليابان نظم استطلاع جوية وبحرية تضع الخطوط البحرية والجوية في المنطقة وفي مناطق صينية مثل "وينزهو" و"نينغ بو" تحت المراقبة المباشرة لليابانيين، ويرى الصينيون في هذا تهديدًا أمنيًا وعسكريًا خطيرًا.


جزر "دياو يو داو" حسب الاسم الصيني وجزر "سنكا كو" كما تسميها اليابان، أحد أهم الملفات الساخنة بين البلدين (رويترز-أرشيف)

الجزر تابعة فعليًا للإدارة اليابانية، لكن الصين تطالب بها باعتبارها جزءًا لا يتجزأ من أراضيها. وتقول الصين إن الجزر تقع تحت سيادتها بناء على الحقائق التاريخية؛ فالجزر كانت تابعة للصين منذ القدم، وظهرت على الخرائط كجزء من الأراضي الصينية ابتداء من عهد أسرة "مينغ" 1368-1644، كما توجد كتب تتحدث عن تبعية هذه الجزر للصين يعود تاريخها إلى 1424، أي ما يزيد عن أربعة قرون من التاريخ الذي اكتشفت فيه اليابان هذه الجزر (1884). وبعد انتصار اليابان في الحرب الصينية اليابانية الأولى سنة 1895، تنازلت الصين حينها عن سيادة هذه الجزر بالإضافة إلى جزيرة تايوان لصالح اليابان بموجب اتفاقية "شيمونوسكي". وبعد هزيمة اليابان تمت إعادة هذه الجزر إلى الصين وفقًا لإعلان القاهرة سنة 1945، وفي 1951 ألحقت الولايات المتحدة سنكاكو/دياويو بالإدارة المدنية التي أقامتها في جزيرة "أوكيناوا" بموجب اتفاقية سان فرانسيسكو، وفي سنة 1972 سلّمت الولايات المتحدة "أوكيناوا "والجزر الملحقة بها إلى اليابان بالرغم من اعتراض كل من تايوان والصين.

من جهة أخرى، تحاجج اليابان بأنها صاحبة السيادة بناء على حقائق تاريخية أيضًا؛ فالجزر –حسب وجهة نظر اليابان- جزء لا يتجزأ من جزر "نانسي" "شوتو" اليابانية، وأصبحت، ابتداء من سنة 1884، جزءًا من أراضيها بعد المسح الذي أجرته مقاطعة "أوكيناوا". وتضيف اليابان: إنه لا توجد أية آثار تدل على تبعيتها لمملكة أسرة "تشينغ" الصينية، وتنفي أن تكون جزر سنكاكو/دياويو تابعة لجزيرة تايوان أو جزر "بيسكادوريس" التي تنازلت عنها الصين لصالح اليابان سنة 1895؛ فالحكومتان الصينية والتايوانية طالبتا بهذه الجزر بعد أن أظهرت دراسة أجرتها الأمم المتحدة في سبعينيات القرن الماضي احتمال توفر المنطقة على إمكانيات مهمة من الطاقة.

تتعدد الأسباب التي أدت إلى إثارة النزاع حول الجزر، وتتلخص أهمها في: التغيرات الهيكلية التي تشهدها المنطقة وتغير ميزان القوى بين البلدين لصالح الصين، وتنامي نزعات التعصب القومي والمشاعر الوطنية في البلدين، وعودة اليمين المحافظ في اليابان، واكتساب الصين لمزيد من الثقة بفعل عقود من النمو الاقتصادي الكبير.

أصبح النزاع حول هذه الجزر الصغيرة، في السنوات الأخيرة، المصدر الرئيسي للتوتر في العلاقة بين الصين واليابان، وساءت العلاقة بشكل كبير بين البلدين بعد قرار الحكومة اليابانية القاضي بشراء ثلاثة من الجزر الخمسة وتأميمها في سبتمبر/أيلول من العام الماضي. ويبدو أن التصعيد سيبقى سيد الموقف بعد وصول "شينزو آبي" للحكم، خصوصًا وأن حزبه -الحزب الليبرالي الديمقراطي- تعهد خلال حملته الانتخابية بتعزيز القدرات العسكرية اليابانية لمواجهة المواقف العدائية للصين في بحر الصين الشرقي، وتطوير عمليات الصيد في جزر سينكاكو/دياويو. هذا بالإضافة إلى أن البلدين أغلقا باب التفاوض وينفيان وجود نزاع حول الجزر ويتمسك كل طرف بحقه السيادي دون تقديم أي تنازل أو محاولة لإيجاد أرضية مشتركة للحوار.

ب- الخلاف حول ترسيم الحدود البحرية

بالإضافة إلى الجزر، يختلف البلدان حول قضيتين بحريتين:

· القضية الأولى تتمحور حول ترسيم وامتداد الحدود البحرية لكل بلد داخل بحر الصين الشرقي، وقد نتج النزاع عن تباين في تأويلات البلدين لاتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار. فقد اقترحت اليابان ترسيم الخط البحري بين البلدين استنادًا على المادة 57 من قانون البحار التي تنص على أن المنطقة الاقتصادية الخالصة لبلد ما لا تتجاوز 200 ميل بحري]، وبما أن عرض البحر بين البلدين لا يتجاوز 400 ميل بحري، فإن اليابان رسمت من جانب واحد خطًا حدوديًا على مسافة متساوية من ساحلي البلدين، وهو ما رفضته الصين. هذه الأخيرة طالبت بترسيم حدودها وفقًا للمادة 76 فقرة 5 أي على أساس مبدأ "الامتداد الطبيعي لجرفها القاري" وهو ما سيسمح للصين باستغلال منطقة ممتدة على مسافة 350 ميل بحري؛ وهي المسافة التي يمتد عليها جرفها القاري. وفي سنة 2008، توصل البلدان، بعد 12 جولة من المحادثات، إلى اتفاق يقضي بتطوير مشترك لمنطقة بحرية تمتد على جانبي الخط الذي رسمته اليابان وتضم حقل الغاز والنفط "لونغ جينغ" أو "أسونارو" وفقًا للتسمية اليابانية، ومشاركة اليابان في تطوير الحقل الغازي "تشون شياو"/"شيراكابا"، لكن هذا التعاون لم يحقق أي تقدم يُذكر. وفي 2009، بدأت الصين في تطوير حقل "تيان ويتين"/"كاشي"، من جانب واحد باعتباره يدخل ضمن الحدود البحرية للصين؛ مما أثار احتجاج اليابان. وفي سنة 2010، توقفت المحادثات حول ترسيم الحدود البحرية بين البلدين بعد الأزمة السياسية التي تسبب بها اصطدام قارب صيد صيني بسفينة لخفر السواحل اليابانية بمحيط جزيرة سنكاكو/دياويو، لتعود الخلافات حول ترسيم الحدود البحرية إلى نقطة الصفر.

· أما القضية الثانية فتتعلق بـ "أوكينو توريشيما"، وهي شعاب مرجانية تقع على مسافة 1100 ميل شرقي طوكيو. ولا تدعي الصين سيادتها على هذه الشعاب، لكنها ترفض استعمالها من طرف اليابان للمطالبة بمنطقة اقتصادية خالصة في غرب المحيط الهادي لأن الصين تعتبرها مجرد صخرة وليست جزيرة.

ج- الاختلافات في الكيفية التي يرى بها كل طرف الماضي الاستعماري لليابان

الخلاف حول الجرائم التي ارتكبتها اليابان إبان حروبها السابقة يشكّل نقطة سوداء بين البلدين ودفع بعلاقاتهما نحو التوتر في غير ما مرة؛ ففي الفترة الممتدة بين 2001 و2006، ساءت العلاقة بين البلدين بسبب صعود الخلافات حول التاريخ الاستعماري لليابان إلى الواجهة. وأثارت الزيارات المتكررة التي قام بها رئيس الوزراء "كيوزومي" لضريح "ياسوكوني" -الذي يضم رفات العديد من مجرمي الحرب العالمية الثانية- ردود فعل صينية غاضبة على المستويين الشعبي والرسمي وساءت العلاقة بين البلدين بشكل كبير. ورأت الصين أن الزيارات تدل على عودة اليمين الياباني إلى الحياة السياسية حينها. وفي نفس الفترة تأزمت العلاقة بين البلدين بسبب نشر كتب مدرسية، ارتأت الصين أنها تحوي الكثير من المغالطات اليابانية المتعمدة لتزوير الحقائق التاريخية. فقد ذكرت الكتب المدرسية في إطار حديثها عن مجزرة "نانكينغ" التي حدثت سنة 1937 أن "العديد من الأشخاص قد قُتِلوا"، في حين تتحدث كتب التاريخ عن مجزرة بشعة ذهب ضحيتها 300,000 صيني.

وفي سبتمبر/أيلول من العام الماضي، شهدت الصين احتجاجات كبيرة شملت مدنًا عدة واستهدف المتظاهرون العديد من الشركات اليابانية، بسبب حلول ذكرى حادث "موكدن" (18سبتمبر/أيلول 1931)، أسبوعًا واحدًا فقط بعد شراء الحكومة اليابانية لثلاثة من الجزر المتنازع عليها. وقد طفت قضية زيارة ضريح "ياسوكوني" إلى السطح مرة أخرى؛ حيث ذكرت تقارير صينية أن "شينزو آبي" عبّر لوسائل إعلام محلية عن أسفه الشديد لعدم زيارته الضريح خلال فترة حكمه السابقة. وفي حالة قيام "آبي" بالزيارة فإن العلاقات الثنائية ستعرف تدهورًا أشد.

وترفض أغلبية كبيرة من الطبقة السياسية اليابانية الانتقادات التي توجهها الصين لليابان، تتهم فيها هذه الأخيرة بأنها لم تعتذر بصورة صحيحة عن جرائمها التي ارتكبتها في الصين؛ فهذه الأخيرة تؤكد أن الاعتذار يتناقض مع الزيارات التي قام بها المسؤولون اليابانيون لضريح "ياسوكوني" والكتب المدرسية التي تنفي جرائم الحرب اليابانية. في حين تؤكد اليابان أنها اعتذرت بطريقة لائقة وأنها تعبت من كثرة الاعتذار، وأن الهدف الرئيسي من إثارة هذا الموضوع من طرف الصين هو الدفع باليابان من دورها الريادي إلى وضعية ثانوية في إطار الصراع حول الزعامة في منطقة شرق آسيا. وهكذا يستمر الماضي الاستعماري في مطاردة اليابان وإثارة التوتر مع الصين ودول الجوار الأخرى ما لم تُصَفّ اليابان كل الملفات العالقة منذ الحرب العالمية الثانية.

تداعيات النزاع على الجزر

كانت الصين -ولا تزال- تؤكد من خلال إستراتيجيتها الإقليمية أنها تسعى إلى تحقيق نمو اقتصادي بشكل سلمي وذلك للتخفيف من مخاوف جيرانها بخصوص نوايا الصين المستقبلية. فإذا اختارت الصين اتخاذ موقف متصلب من النزاع أو محاولة حسم النزاع عسكريًا فإنها ستثير مخاوف الدول التي تتنازع السيادة مع الصين على مجموعة من الجزر في بحر الصين الجنوبي والدول الأخرى مثل الهند التي لها مشاكل حدودية مع الصين. كما أن الحل العسكري قد يجر الولايات المتحدة إلى براثن النزاع؛ فالولايات المتحدة أكدت على لسان وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون خلال مؤتمر صحفي عُقد عقب انتهاء لقائها مع وزير خارجية اليابان "فوميو كاشيدا" في 18 يناير/كانون الثاني2013، أن الجزر المتنازع عليها تقع تحت السلطة الإدارية لليابان وبالتالي فهي تدخل في إطار الاتفاقية الأمنية بين الولايات المتحدة الأميركية واليابان.

من جهتها تحاول اليابان، في السنوات الأخيرة، إعادة التوازن بين علاقاتها مع الولايات المتحدة من جهة وعلاقاتها مع الجوار الآسيوي من جهة أخرى، عبر التركيز على بناء تجمع شرق آسيا East Asian Community؛ ففي سنة 2008، قدّم الحزب الديمقراطي الياباني "رؤية أوكيناوا" التي دعت إلى نقل القاعدة الأميركية خارج "أوكيناوا" أو حتى خارج اليابان. وعندما وصل الحزب إلى الحكم بقيادة "يوكيو هاتوياما" سنة 2009، رفض تجديد فترة عمل السفن الحربية اليابانية في المحيط الهندي ضمن الحرب التي تقوم بها الولايات المتحدة في أفغانستان، وصرّحت الحكومة ضمنيًا بأن نشر جنود يابانيين بالخارج لن يكون بناء على طلب أميركي، بل وفقًا للمصالح الوطنية، غير أن النزاع مع الصين غيّر توجهات اليابان وألقى بها مرة أخرى في أحضان الولايات المتحدة، ومنحها فرصة بناء العلاقات الأمنية مع اليابان-بعد التصدعات التي عرفها التحالف بين اليابان والولايات المتحدة عقب انتهاء الحرب الباردة- وتحويلها إلى حليف إستراتيجي لمواجهة الصعود الصيني.

لقد دفع النزاع حول هذه الجزر اليابان إلى تغيير جذري في إستراتيجية الدفاع الوطني؛ فبعد تراجع دور اليابان عالميًا بفعل سنوات من التباطؤ الاقتصادي وتخوفها من تأثير الأزمة المالية في أميركا على الدور الأمني الذي تلعبه أميركا في منطقة شرق آسيا، بدأت اليابان في بناء قدراتها العسكرية بشكل تدريجي، وتطوير علاقاتها الأمنية والعسكرية مع دول مثل الهند وأستراليا، وبناء علاقات عسكرية مع الدول التي تشارك اليابان مخاوفها تجاه الصين. وتدخل في هذا الإطار إستراتيجية "الماسة الديمقراطية الأمنية" التي تحاول اليابان عبرها احتواء الصين. فقد عبّر "آبي" بصراحة شديدة عن رفضه لتحول بحر الصين الشرقي إلى بحيرة صينية ورغبته في إنشاء "عقد أمني ديمقراطي"، يضم اليابان والهند وأستراليا وولاية هاواي الأميركية، من أجل حماية حرية الإبحار عبر المحيطين الهندي والهادي كما خففت الحكومة اليابانية من الحظر التي تفرضه على تصدير الأسلحة إلى الخارج منذ 1967، مما سيسمح لصناعاتها الدفاعية بتطوير مشاريع مشتركة مع الدول الأجنبية. وتخطت اليابان، في السنة الماضية، عتبة مهمة في إطار تحول إستراتيجيتها الدفاعية عندما قدمت معونات عسكرية بقيمة مليوني دولار لكل من كمبوديا وتيمور الشرقية، وهذه أول مساعدات عسكرية تقدمها اليابان للخارج منذ الحرب العالمية الثانية. وتحاول الحكومة الجديدة مراجعة دستور البلاد السلمي الذي يُعمل به منذ 1947 وإدخال تعديلات عليه تسمح لها بالمشاركة بلعب دور أمني أكبر على المستوى الدولي، وبالتالي مواجهة القوة الصينية المتنامية بشكل سريع.

وفي ظل استمرار التوتر، تأثرت العلاقات الاقتصادية المتميزة بين ثاني وثالث أكبر اقتصادين عالميين؛ فقد انخفضت مبيعات السيارات اليابانية في الصين بشكل حاد في الأسابيع الأولى بعد اندلاع التوتر في 11 سبتمبر/أيلول من العام الماضي وأغلقت العديد من الشركات اليابانية مصانعها في الصين، وفي شهر ديسمبر/كانون الأول تواصل انخفاض الصادرات اليابانية إلى الصين للشهر الخامس على التوالي ليبلغ الانخفاض 11,6%، وتعرضت صادرات السيارات إلى انخفاض هو الأكبر منذ 11 سنة، وفي حالة اندلاع حرب تجارية شاملة بين البلدين لن يكون هناك طرف رابح؛ فالعلاقات التجارية بين البلدين جد مترابطة ومحاولة فسخها قد تتسبب في جر الاقتصاد العالمي الهش إلى الهاوية.

خاتمة

يمثل بحر الصين الشرقي منطقة إستراتيجية حيوية، ليس للصين واليابان فقط بل للولايات المتحدة وكوريا أيضًا، ويبدو أن الأسباب الداخلية (مرحلة انتقال السلطة من الجيل الرابع إلى الجيل الخامس في الصين، وعودة "شينزو آبي" إلى هرم السلطة اليابانية بأجندة متشددة تجاه الصين) إضافة إلى أسباب جيوإستراتيجية (الأهمية الإستراتيجية لبحر الصين الشرقي مع تغير مركز الثقل الاقتصادي العالمي إلى شرق آسيا، وتحويل الولايات المتحدة لتركيزها إلى منطقة آسيا-الباسيفيك، ووجود موارد طبيعية متنوعة وهائلة في هذا البحر)، تدفع كل طرف إلى التشبث بمواقفه والامتناع عن تقديم أية تنازلات؛ مما يؤشّر على أن فرص تسوية الخلاف قليلة وأن الخلاف سيستمر بين البلدين لمدة طويلة، غير أن تشابك المصالح الاقتصادية بين البلدين وأهمية المنطقة للولايات المتحدة قد يحول دون تحول النزاع بين اليابان والصين إلى مواجهة مسلحة، ولو في المنظور القريب على الأقل.
___________________________________________
عبد الرحمن المنصوري - باحث في الشؤون الأسيوية


توقيع : kumait


يحتاج الإنسان إلى سنتين ليتعلم الكلام وخمسين ليتعلم الصمت
إرنست همنغواي
من مواضيع : kumait 0 تأملات في فتوى جهاد النكاح
0 وجه واحد!
0 هل الهاتف المحمول كان موجودا عام 1938؟
0 الاعلام العربي و أشكالية الضمير..
0 الأرض تستعد لمواجهة «عاصفة شمسية مدمرة»

الصورة الرمزية kumait
kumait
عضو برونزي
رقم العضوية : 65773
الإنتساب : May 2011
المشاركات : 452
بمعدل : 0.09 يوميا

kumait غير متصل

 عرض البوم صور kumait

  مشاركة رقم : 76  
كاتب الموضوع : kumait المنتدى : منتدى الجهاد الكفائي
افتراضي القواعد العسكرية الأميركية وتطويق إيران
قديم بتاريخ : 02-03-2013 الساعة : 05:11 PM



القواعد العسكرية الأميركية وتطويق إيران
بقلم : د. هيثم مزاحم 25 أيلول 2012

تتمتع القوات الأميركية من سلاح جو وبحرية ومشاة البحرية بوجود في سلطنة عمان والإمارات العربية المتحدة إلى الجنوب من إيران، وتركيا وإسرائيل إلى الغرب، وتركمانستان وقيرغيزستان في الشمال، وأفغانستان وباكستان في الشرق. وبالإضافة إلى ذلك، فإن للولايات المتحدة شراكات وثيقة عسكرية مع جورجيا وأذربيجان في منطقة القوقاز، حيث تشارك القوات الأميركية في مهمات تدريبية، تستخدم فيها المرافق المحلية في نقل الإمدادات عبر بحر قزوين نحو أفغانستان.

بيروت/البديع ـ تحتفظ القوات الأميركية بنحو 750 قاعدة عسكرية في أكثر من 130 دولة من دول العالم، تتنوّع مهامها المعلنة من القيام بالواجبات العسكرية المباشرة أو أعمال الدعم والإسناد اللوجستي أو القيام بعمليات "حفظ السلام" تحت مظلة الأمم المتحدة. وخلال العقدين الأخيرين، كسبت القوّات لأميركية قواعدَ عسكريّة أكثر من أيّ وقت مضى في التاريخ.

يقول تشالمرز جونسون، أبرز مؤرّخ عسكري أميركي، في هذا الصّدد: "إنّ جيشنا ينشر أكثر من نصف مليون جندي وجاسوس وتقني ومعلم وموظّفين ومتعاقدين مدنيّين في أمم (أو دول) أخرى، من أجل الهيمنة على محيطات العالم وبحارِه، فقد أنشأنا نحو ثلاث عشرة قوّة بحريّة على متن حاملات الطّائرات التي تحمل أسماء تلخّص إرثنا الحربي.. ندير العديد من القواعد السرّية خارج أراضينا لمراقبة ما تقوم به شعوب العالم، بمن فيهم مواطنونا، وما يقولونه وما يرسلونه بالفاكس أو البريد الالكتروني إلى بعضهم البعض. الحرب على الإرهاب ليست أكثر من شعار.. فالولايات المتّحدة ترفعه كي تخفيَ طموحها الإمبريالي. لكن الحرب على الإرهاب هي في أفضل حالاتها جزءٌ صغير من الأسباب التي تقف وراء كل تخطيطنا العسكري. فالسّبب الحقيقي لبناء هذه الحلقة من القواعد الأميركية على مدار خطّ الاستواء هو لتوسيع إمبراطوريّتنا وتعزيز هيمنتنا العسكريّة على العالم".

أما الباحث العراقي الكردي عثمان علي فيقول في كتابه "مستقبل العلاقات الأميركية ــ الكردية: هل تصبح كردستان مستعمرة أميركية؟" الصادر عام 2009: "إنّ وسائل الإعلام تنقل لنا فقط قصصاً عن هذه الإمبراطوريّة الأميركية كتلك التي تتحدّث عن تحرير الجنود الأميركيّين للنّساء الأفغانيّات من الأصوليّة الإسلاميّة، ومساعدتهم لضحايا الكوارث الطبيعيّة في الفلبين، أو حماية البوسنيّين والكوسوفيّين أو الأكراد العراقيّين من التّطهير العرقي، ولكن ليس الأمر نفسه بالنسبة إلى الرّوانديّين والأكراد الأتراك والفلسطينيّين الذين يتعرّضون لنفس التّطهير العرقي من حلفاء أميركا".

ويذهب الباحث عثمان علي إلى أنّه استناداً إلى أداء الحكومات الأميركيّة في الكثير من البلدان التي تمّ غزوها، فإن الولايات المتّحدة لن تتخلّى عن أيّ منها من دون الحصول على موطئ قدم دائم فيها. ويذكر مثالاً على ذلك خليج غوانتانامو في كوبا بعد الانتصار في الحرب الأميركية ــ الإسبانية في العام 1898، وكذلك مثاليْ ألمانيا واليابان بعد الحرب العالميّة الثانية، والفلبين بعد الغزو الأميركي، وكوريا بعد الحرب الكورية، والخليج [الفارسي] بعد حرب عام 1991. ففي كلّ واحدة من هذه المناطق كان ينجم عن الانتصار العسكري الأميركي، إنشاء قواعد أميركية عسكريّة دائمة ذات أهداف بعيدة المدى.

وكتب الخبير الياباني ماساماتشي س. آينوي يقول: "الجيش الأميركي هو مؤسّسة عالميّة مرنة، تتكوّن من طبقة من المنظّمات المحليّة والقوميّة والفوق قوميّة.. فهو يحافظ على قواعد في تسعة وخمسين بلداً على الأقلّ وله قدرةٌ ضخمة على دخول الحياة المحليّة والـتأثير فيها وحتّى تشكيلها في العديد من زوايا العالم..".

من جهته، عبّر المؤرّخ العسكري الأميركي تشالمرز جونسون عن مخاوفَ مماثلة من دوافع القواعد الأميركية في الخارج، مؤكّداً أنه مهْما كان السّبب الأصلي لدخول الولايات المتّحدة إلى بلاد ما وإقامة قاعدة عسكريّة فيها، فإنها تبقى فيها لأسباب إمبرياليّة استعمارية تتعلّق بالهيمنة الإقليميّة أو الدّولية، ومنع وصول المنافسين إلى مناطقَ معيّنة، وفتح الطريق للشّركات الأميركية، والحفاظ على الأمن والاستقرار أو المصداقيّة كقوّة عسكريّة، وقوّة الاستمرار.

وفي عرضه لواقع تجارب القواعد الأميركيّة في اليابان وكوريا الجنوبية والفيليبين، يذكر الباحث عثمان علي أمثلةً عن المفاسد الناتجة عن هذه القواعد، بدءاً من التلوّث البيئي النّاجم عن وجود طائرات ضخمة (بي 52) وأسلحة معيّنة، إلى ظاهرة الفساد والعلاقات الجنسيّة غير الشّرعية والتي تسفر عن حمل فتيات كثيرات وإنجابهنّ لأطفال غير شرعيّين وترك الجنود الآباء لأطفالهم وإنكارهم لهم. وفضلاً عن ظاهرتيْ الاغتصاب ونشر الجنود الأميركيين للمخدّرات، ثمّة ظاهرة سلبيّة أخرى هي كذب الادّعاء الأميركي بأنّ هذه القواعد ستعزّز الديمقراطية في الدّول المضيفة. ففي هذه النّماذج الثلاثة، اليابان وكوريا الجنوبية والفيليبين، كانت الولايات المتحدة وقوّاتها العسكريّة تدعم الحكومات الديكتاتورية في هذه الدول (حكومة جزيرة أوكيناوا الدكتاتورية في اليابان، حكومة ماركوس في الفلبين، وتعميق الانقسام بين الكوريّتين في كوريا الجنوبية).

الوجود الأميركي في الشرق الأوسط

نشرت وكالة الصحافة الفرنسية(فرانس برس) قبل أيام تقريراً عن الوجود العسكري الأميركي في الشرق الأوسط قالت فيه إن القوات العسكرية الأميركية الخاضعة للقيادة المركزية في الشرق الاوسط وآسيا الوسطى، قد أعادت انتشارها منذ الانسحاب من العراق نهاية العام 2011، في ظل توترات متزايدة مع الجمهورية الإسلامية في ايران بسبب الخلاف حول برنامجها النووي.

وذكرت الوكالة أن الأميركيين يملكون 180 ألف جندي في المنطقة الخاضعة للقيادة المركزية في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، بينهم 71 الفاً في أفغانستان و20 الفاً على متن بوارج حربية، وذلك بحسب وزارة الدفاع الأميركية(البنتاغون). وتنقسم هذه القوات الأميركية إلى قوات بحرية وجوية وبرية. وتتجسد القوات البحرية في حاملات الطائرات والأساطيل المتواجدة في مياه الخليج [الفارسي] وبحر العرب والبحر الأبيض المتوسط.

وحالياً تبحر حاملة الطائرات الأميركية "يو اس اس ايزنهاور" في المنطقة، وهي حلت في شمال بحر العرب مكان حاملة الطائرات "يو اس اس ابراهام لينكولن" التي عادت الى الولايات المتحدة مطلع آب/اغسطس الماضي(2012)، على أن تلتحق بها قريباً حاملة طائرات أخرى هي "يو اس اس جون ستينيس". ويرافق حاملة الطائرات "يو اس اس ايزنهاور" طراد ومدمرة بصواريخ مسيّرة عن بعد.

وتنقل "يو.اس.اس بونس"، سفينة النقل البرمائية التي تحوّلت الى حاملة مروحيات، طاقماً معززاً من كاسحات الألغام مهمته الحرص على بقاء مضيق هرمز، مفتوحاً، في مواجهة التهديدات الإيرانية بإغلاقه في حال أي صدام عسكري. وقد تضاعف عدد كاسحات الألغام منذ حزيران/يونيو 2012 لتبلغ ثماني كاسحات.

أما القوات الجوية، فقد نشر الجيش الأميركي عدداً غير محدد من الطائرات المقاتلة من طراز "اف-"22 في قاعدة الظفرة في دولة الإمارات العربية المتحدة المقابلة لإيران. وتعتبر هذه الطائرات "الشبح" التي لم تنشر بعد خارج الولايات المتحدة الأكثر حداثة في الترسانة الجوية الأميركية، وهي قادرة على بلوغ سرعات تفوق سرعة الصوت.

كذلك نشرت الولايات المتحدة طائرات من طراز "اف ـ 15 سي" أقدم منها، في قواعد المنطقة على ما أفادت صحيفة "نيويورك تايمز". وتحمل كل حاملة طائرات ستين طائرة.

أما القواعد الأميركية في الدول الخليجية فهي على الشكل التالي:

الكويت

في الكويت ينتشر نحو 15 ألف جندي في غريفجان في الكويت، كما تعمل الولايات المتحدة مع حلفائها أيضا من قاعدة علي السالم الجوية في الكويت. وقد طلب الجيش الأميركي من الكويت إذناً لنشر ثلاثة آلاف رجل إضافي بعد انسحابه من العراق لكن لم يتبين بعد اذا حصل عليها. وفي الكويت توجد الفرقة الثالثة من المشاة الأميركية "المجوقلة" في "معسكر الدوحة"، بمعدات متنوعة ـ دبابات وعربات مدرعة وطائرات هليكوبتر وأكثر من 80 طائرة مقاتلة ووحدات من القوات الخاصة سريعة الانتشار.

البحرين

أما في البحرين، فإن الأسطول الخامس الأميركي يتخذ من المنامة مقره العام ويسيطر على منطقة تشمل قناة السويس والبحر الأحمر وبحر العرب والخليج [الفارسي]. ويخدم في هذا المقر الأميركي في المنامة 4200 جندي أميركي، ويضم حاملة طائرات أميركية وعدداً من الغواصات الهجومية والمدمرات البحرية وأكثر من 70 مقاتلة، إضافة إلى قاذفات القنابل والمقاتلات التكتيكية وطائرات التزوّد بالوقود المتمركزة في قاعدة الشيخ عيسى الجوية.

الامارات

وفي الإمارات العربية المتحدة، تنشر الولايات المتحدة طائرات من طراز "اف ـ 22" في قاعدة الظفرة الجوية في أبو ظبي التي تستعمل أيضاً لمهمات إمدادات ومراقبة واستطلاع، بحسب الخبراء. وفي القاعدة مستودعات متعددة لأغراض الدعم اللوجيستي، إضافة إلى ميناءين مهمين يطلان على المياه العميقة، الأمر الذي يبرز أهميتهما بالنسبة للسفن العسكرية الكبيرة. كما يشكل ميناء جبل علي في دبي محطة للسفن والبارجات الأميركية للتزوّد بالوقود والغذاء والاستراحة.

قطر

وفي قطر هناك قاعدة "العديد" قرب الدوحة، وبنيت خصيصاً في نهاية التسعينيات من القرن العشرين لإيواء القوات الجوية الأميركية في حال حصول نزاع مع إيران وتستعمل في عمليات جوية وإمدادات ويمكنها إيواء 130 طائرة وعشرة آلاف رجل. وتشتمل قاعدة العديد الجوية على مدرج للطائرات يعد من أطول الممرات في العالم وهو قادر على لاستقبال أكثر من 100 طائرة على الأرض. وتعتبر هذه القاعدة مقراً للمجموعة 319 الاستكشافية الجوية التي تضم قاذفات ومقاتلات وطائرات استطلاعية إضافة لعدد من الدبابات ووحدات الدعم العسكري وكميات كافية من العتاد والآلات العسكرية المتقدمة، ما جعل بعض العسكريين يصنفونها أكبر مخزن إستراتيجي للأسلحة الأميركية في المنطقة.

أما قاعدة السيلية فقد استخدمت في الحرب على أفغانستان حيث بلغ عدد القوات المتواجدة بها حوال 10,000 جندي، وكانت المركز الرئيسي لإدارة الحرب على العراق عام 2003. تتميز بوجود مخازن للأسلحة الأميركية هي الأكبر من نوعها. ويبلغ عدد الجنود الأميركيين المتواجدين بصورة دائمة في القاعدة نحو3000 جندي. تبلغ مساحة القاعدة 1.6 مليون قدم مربع او نحو 37 فداناً من المساحة المخصصة للتخزين، وفيها طرق تصل طولها الى أكثر من عشرة كيلومترات، وتضم منشآت ومراكز القيادة وثكنات الجنود ومستلزمات المعيشة لهم.

عمان

أما سلطنة عُمان فقد سمحت للولايات المتحدة باستعمال قواعدها منذ عام 1980 بعد انتصار الثورة الإسلامية في ايران، وتحركت المقاتلات الأميركية "بي ـ1" من تلك القواعد خلال الحرب الأميركية على حركة طالبان في أفغانستان عام 2001، وفي هذه القواعد يخزن الجيش الأميركي أيضاً عتاداً. وتستمد سلطنة عُمان أهميتها بالنسبة للولايات المتحدة من حيث موقعها كمركز متعدد المهام لخدمات دعم الجسر الجوي، وقامت الولايات المتحدة بإنشاء قاعدة جوية فيها، تتمركز في ها قاذفات طراز (B1) وطائرات التزوّد بالوقود.

السعودية

كانت السعودية تستضيف أحد مراكز قيادة القوات الجوية الأميركية الإقليمية المهمة، داخل قاعدة الأمير سلطان الجوية في الرياض، وبواقع 5000 جندي تابعين للجيش وسلاح الجو الأميركي، وأكثر من 80 مقاتلة أميركية، وقد استخدمت هذه القاعدة في إدارة الطلعات الجوية لمراقبة حظر الطيران الذي كان مفروضا على شمال العراق وجنوبه إبان فترة العقوبات الدولية على العراق خلال حكم صدام حسين. كما كانت القاعدة تعمل مركزاً للتنسيق بين عمليات جمع المعلومات والاستطلاع والاستخبارات الأميركية في المنطقة. لكن، منذ أواسط العام 2003، إنتقل نحو 4500 جندي أميركي إلى دولة قطر المجاورة، وبقي في السعودية نحو 500 جندي أميركي فقط ظلوا متمركزين فيما يعرف بـ"قرية الإسكان"، وأنهت أميركا وجودها العسكري في قاعدة الأمير سلطان الجوية في الرياض.

المغرب

حصلت الولايات المتحدة الأمريكية على موافقة المغرب على استخدام قواتها المسلحة لعدد من قواعد ومنشآت هذا البلدالعسكرية. فالمعاهدة الموقعة مع مراكش في أيار عام 1982 سمحت لواشنطن بنقل قوات الانتشار السريع عبر هذا البلد والقيام بتزويد الطائرات الأميركية بالوقود واستخدام القواعد والمنشآت المحلية لإجراء التدريبات والمناورات. وتملك الولايات المتحدة نقطة اتصال للقوات البحرية في "سيدي يحيا" (80 كيلومتراً إلى الشمال الشرقي من مدينة الرباط) لخدمة الصواريخ المضادة للسفن في منطقة المحيط الأطلسي والبحر الابيض المتوسط. والى جانب ذلك، فإن الامريكيين يملكون مراكز تدريب عسكرية في قينيطرا وبوكاديلي. وأعلنت الحكومة المغربية رسمياً أن القواعد الثلاثة المذكورة تعتبر قواعد “تدريب” للقوات المغربية المسلحة.

جيبوتي

أما في جيبوتي، فمنذ بداية سنة 2002 بدأت القوات الأميركية تتمركز في قاعدة "ليمونيه"، وقد بلغ عددها 900 جندي، وإن كانت بعض التقديرات الأفريقية تقدر عددها بـ1900 جندي.

سائر القواعد في آسيا

أما القواعد الأمريكية الموجودة في وسط آسيا فهي كثيرة أبرزها قواعد: باغرام، قندهار، وخوست، لورا، مزار شريف، وبولي في أفغانستان. والقواعد الأخرى الموجودة في تركيا(أضنة) وقبرص وفلسطين المحتلة وطاجكستان وتركمنستان وأوزبكستان وجورجيا، فضلاً عن قاعدة دييغو غارسيا في المحيط الهادي بالمشاركة مع القوات البريطانية، والقواعد الأميركية في اليابان وكوريا الجنوبية والفيليبين وفي أفريقيا وأوروبا.

السفارة الأميركية في العراق.. قاعدة عسكرية؟

قبل الانسحاب الأميركي في نهاية عام 2011، كان في العراق عدد كبير من القواعد العسكرية الأميركية قدّرها بعض الخبراء العسكريين بنحو 75 قاعدة، كان معظمها يعود للمواقع العسكرية العراقية التابعة للنظام السابق التي احتلتها القوات الأميركية أثناء عملية الغزو. كما كانت القوات الأميركية تستخدم أربعة مطارات في العراق وهي مطار بغداد الدولي، والطليل في جنوب العراق قرب الناصرية، ومهبط للطائرات في غرب العراق قرب الحدود الأردنية ويسمى H1 ومطار باشور في شمال العراق في إقليم كردستان.

ووصل عدد القوات الأميركية في العراق قبل الانسحاب في نهاية 2011 إلى أكثر من 140 الف عسكري، كان يدعمهم عدد كبير من القطع البحرية المرابطة في الخليج [الفارسي] ودول الجوار. أعلنت الولايات المتحدة عن سحب قواتها من العراق بحلول نهاية 2011، لكنها أبقت على 17 ألف بين موظف وعسكري ومتعاقد أميركيين في سفارتها في العاصمة العراقية بغداد، وهي أكبر سفارة في العالم، وكان يفترض أن يصل عدد موظفيها الكلي الى عشرين الفاً في العام 2012 حسب ما جاء في تصريح للمتحدث الرسمي باسم السفارة الأميركية في بغداد ديفيد رانز، حيث ذكر أن الكونغرس الأميركي يدرس مقترح لزيادة عدد العاملين في السفارة الى 20 ألف موظف بحلول العام 2012، وأن السبب الرئيسي لوجود هذا العدد الكبير من الموظفين سيكون لقيامهم بعدد من برامج التطوير والتدريب للكوادر العراقية المدنية منها والعسكرية.

هذا العدد أعادني بالذكرى إلى أيار/مايو من العام 2003 بعد نحو شهرين من غزو العراق، حيث كنت في تغطية صحافية في مقر وزارة الدفاع الأميركية "البنتاغون" في مدينة أرلنغتون(ولاية فرجينيا)، على بعد كيلومترات من العاصمة واشنطن، حيث حضرت مؤتمراً صحافياً لوزير الدفاع أنذاك دونالد رامسفيلد، ثم أجريت مقابلة مع متحدث باسم البنتاغون"، وهو ضابط في الجيش الأميركي. بعد المقابلة، رافقني المتحدث بجولة سريعة في بعض أروقة الوزارة، ومقر البنتاغون كالبيت الأبيض والكثير من الوزارات والمؤسسات الأميركية مفتوحة للزوار والسيّاح ينظمون إليها جولات سياحية، خلال الجولة القصيرة، سألت المتحدث الأميركي عن: عدد الموظفين في هذا المبنى الضخم؟ فأجابني: أنه نحو 24 ألف موظف بين عسكري ومدني. فاجأني الرقم كونه يعادل عديد جيش دولة صغيرة في العالم العربي أو يفوقه، أي ضعف الجيش البحريني ونحو ثلاثة أضعاف الجيش القطري.

بعد التفكير بالأمر، وجدت الرقم منطقياً بالنسبة للدولة التي تعتبر نفسها الأعظم في العالم، والتي يضم جيشها نحو مليون ونصف المليون عسكري في الخدمة ونحو 850 ألف عسكري إحتياطي. فإدارة هذا العدد الضخم من العسكريين، يتطلب عدداً كبيراً من الموظفين والضباط والإداريين، فضلاً عن المهام التي يقوم فيها "البنتاغون" من الإدارة والتخطيط والتنسيق والإعلام والعلاقات العامة والرصد والتجسس والأبحاث والدعم اللوجستي للقوات الأميركية المنتشرة في جميع القارات والمحيطات والبحار.

لكن التفكير بعدد موظفي السفارة الأميركية في العراق الذي يقترب كثيراً من عدد موظفي البنتاغون يظهر أن هذه السفارة هي "بنتاغون مصغّر" أو أكبر قاعدة أميركية في المنطقة.

يقول السفير الهندي السابق في العراق رانجيت سينغ إنه برغم انسحاب القوات الأميركية المعلن من العراق، إلا أن واشنطن قد أعدّت للسيطرة على احتياطيات البلاد من النفط في أي وقت. فبعدما أنفقت الولايات المتحدة ثلاثة تريليونات دولار في العراق، فلا يمكنها على الإطلاق التخلي عن احتياطيات النفط الوفيرة ذات الجودة العالية جداً. ويشير أنه لمواجهة التطورات السلبية سيكون للولايات المتحدة نحو 20 ألف عسكري في سفارتها في بغداد، كما سيكون في كل قنصلية من القنصليات الثلاث في البصرة، وكركوك وإقليم كردستان ألف عسكري.

ورأى السفير الهندي السابق أن القوات الأميركية بعد انسحابها سوف لن تذهب بعيداً عن العراق وسيتم إعادة نشر بعضها في دولة الكويت المجاورة، بحيث يمكن للأميركيين دائماً العودة لأنه سيتم الإبقاء على القواعد العسكرية سليمة، مع بقاء 20 ألف موظف وعسكري في السفارة الموظفين. وأشار إلى أن الولايات المتحدة قد جعلت العراق من دون سلاح جوي ما يعني أن الأجواء العراقية ستبقى تحت السيطرة الأميركية، ما يعني أنها تسيطر على هذه الأجواء وتمنع الآخرين من دخولها.

القواعد الأميركية وتطويق إيران

في تقرير للصحافي "بن بيفن" نشر في موقع الجزيرة بالإنجليزية في الأول من أيار/مايو 2012، إعتبر التقرير أن القواعد العسكرية الأميركية لا تزال تشكل طوّقاً إستراتيجياً على إيران، على الرغم من أن الانسحاب الأميركي من العراق في نهاية عام 2011 قد غيّر نوعاً ما في التوازن الإقليمي لصالح إيران.

وأوضح التقرير أنه بينما تقلّص القوات الأميركية وجودها في أجزاء كثيرة من العالم بسبب التخفيضات في الموازنة، حيث بدأت الخفض التدريجي لقواتها من أفغانستان إلى أن ينتهي الانحساب الكامل بحلول عام 2014، فإن الوجود الدولي لهذه القوات لا يزال واسعاً. فمن أصل 1.4 مليون عسكري هم في الخدمة الفعلية، نشرت الولايات المتحدة 350 ألفاً من قواتها العسكرية في ما لا يقل عن 130 دول أجنبية في جميع أنحاء العالم، إذ يوجد أكثر من 750 قاعدة دولية، بعضها تعود إلى حقبة الحرب الباردة، ولكن الكثير منها تقع في مناطق القتال في الشرق الأوسط أو بالقرب منها، إضافة إلى المتعاقدين من القطاع الخاص والجنود الاحتياط والموظفين المدنيين الذين يعملون في وزارة الدفاع الأميركية.

ويشير التقرير إلى أن المنشآت العسكرية الأميركية في الشرق الأوسط تعمل على إبقاء العين على إيران. يقول مهران كامرافا، مدير مركز الدراسات الدولية والإقليمية في جامعة جورج تاون - كلية الشؤون الدولية في قطر: كانت هناك ثلاثة أسباب لسعي الولايات المتحدة لتأمين وجود عسكري لها في جميع أنحاء الشرق الأوسط قبل حرب الخليج الفارسي الأولى، وهي "تأمين مصادر النفط، وضمان أمن دولة إسرائيل، ومكافحة التهديدات للمصالح الأميركية. وفي وقت لاحق، أصبح الوجود العسكري المباشر لا على شكل إملاءات، ولكن كمظلة أمنية وبقرارات سياسة واعية من جانب دول الخليج الفارسي العربية".

ويضيف كامرافا: "لذا، فإن هذه القواعد ليست بالضرورة بسبب إيران، ولكن لا يحتاج لأن تكون عالم صواريخ كي تدرك أن إيران مطوّقة عسكرياً".

قبل 11 أيلول/ سبتمبر 2001، كانت معظم القوات العسكرية الأميركية في الخارج تتمركز في أوروبا وشرق آسيا. ولكن ارتفع عدد عمليات الانتشار في الشرق الأوسط بشكل كبير خلال الحملات العسكرية الأميركية اللاحقة في أفغانستان والعراق.

وفي عام 2002، قال الاميرال كريغ كويغلي، المتحدث باسم القيادة المركزية الأميركية (CENTCOM) في تامبا، فلوريدا: "هناك قيمة كبيرة في مواصلة بناء المطارات في مجموعة متنوعة من المواقع في محيط أفغانستان، لأنه مع مرور الوقت، يمكن أن تقوم بمجموعة متنوّعة من الوظائف، مثل العمليات القتالية، والإخلاء الطبي وتقديم المساعدات الإنسانية".

ووفقاً للأرقام الجديدة الواردة من القيادة المركزية الأميركية لقناة الجزيرة في 30 نيسان أبريل 2011، فإن هناك نحو 125 ألف جندي أميركي على مقربة من إيران، 90 الفاً في أفغانستان وحولها، ونحو عشرين ألفاً منتشرين في عدد من الدول في منطقة الشرق الأوسط، وبين 15- 20 ألفاً موّزعين على السفن البحرية الأميركية في المنطقة.

وكان وزير الدفاع الأميركي ليون بانيتا قد أعلن حينها أن الولايات المتحدة سوف يكون لها 40 ألف عسكري في الخليج [الفارسي] بعد الانسحاب من العراق. لكن العدد الدقيق لهذه القوات وموقعها ومهمتها يكاد يكون من المستحيل تحديدها. وفي منتصف أيلول سبتمبر 2012، أكد بانيتا أن الجيش الأميركي ليست لديه أية خطط لتعزيز قواته في الشرق الأوسط برغم الاحتجاجات العنيفة التي استهدفت البعثات الدبلوماسية الأميركية في عدد من الدول العربية، بسبب الفيلم المسيء للرسول محمد(ص). وقال بانيتا: "لدينا وجود كبير في المنطقة".

وقال أوسكار سيارا، ضابط الشؤون العامة في القيادة المركزية الأميركية، في رسالة البريد الالكتروني لقناة الجزيرة: "نحن مضطرون لاحترام الرغبات المعلنة من مختلف البلدان المضيفة، الذين طلبوا أن لا نعترف بتفاصيل أي وجود أميركي على أراضيها السيادية"، بسبب حساسية هذه الدول الشريكة.

إذاً، تتمتع القوات الأميركية من سلاح جو وبحرية ومشاة البحرية بوجود في سلطنة عمان والإمارات العربية المتحدة إلى الجنوب من إيران، وتركيا وإسرائيل إلى الغرب، وتركمانستان وقيرغيزستان في الشمال، وأفغانستان وباكستان في الشرق. وبالإضافة إلى ذلك، فإن للولايات المتحدة شراكات وثيقة عسكرية مع جورجيا وأذربيجان في منطقة القوقاز، حيث تشارك القوات الأميركية في مهمات تدريبية، تستخدم فيها المرافق المحلية في نقل الإمدادات عبر بحر قزوين نحو أفغانستان.

أصبحت دول آسيا الوسطى مثل أوزبكستان وطاجيكستان عندما أغلقت باكستان طرق إمداد حلف شمال الأطلسي في أفغانستان، أكثر أهمية لشحن البضائع إلى منطقة الصراع في الجنوب. كما بدأت الولايات المتحدة بشكل مباشر تتنافس مع روسيا والصين على النفوذ الإقليمي.

وفي حين شهد عام 2012 بوضوح الحشود العسكرية الأميركية في الخليج، وخاصة زيادة في حجم القوة القتالية الاحتياطية في الكويت، إلا أن تحركات هذه القوات تحاط بالسرية التامة. يقول مسؤولون أميركيون إن الهدف من زيادة القوات في الخليج [الفارسي] كي تكون بمثابة "رد فعل سريع وقوة طوارئ"، وليس مقدمة لحرب.

كما أعلنت البحرية الأميركية في صيف 2012 عن إطلاق "القاعدة العائمة الأم" يرجّح أن يتم نشرها في منطقة الخليج [الفارسي]. ومن المقرر تحويلها إلى سفينة حربية "يو اس اس بونس" لاستخدامها من قبل القوات البحرية في مهمات مكافحة القرصنة وعملية احتواء إيران. وبينما تتحرك حاملات الطائرات بانتظام في جميع أنحاء الخليج [الفارسي]، فإن هذه السفينة العائمة الجديدة ستكون قادرة على البقاء في المكان نفسه لأسابيع عدة.

وهناك بارجتان حربيتان حاملتا طائرات تعملان في الأسطول الخامس الأمريكي، حاملة الطائرات "إنتربرايز (CVN 65)" التي تعمل في بحر العرب، لدعم عملية "الحرية الدائمة" في أفغانستان، وحاملة الطائرات "ابراهام لينكولن (CVN 72)" التي تجري عمليات الأمن البحري في الخليج [الفارسي]. وهناك نحو 16 الف عسكري في عرض البحر على متن سفن البحرية الأميركية.

فرنسا لديها هي الأخرى حاملة طائرات تعمل بالطاقة النووية، "شارل دي غول"، الذي أفادت التقارير بأنها توجهت إلى الخليج في فبراير شباط الماضي. وكانت فرنسا قد أقامت في عام 2009 محطة بحرية جوية في أبو ظبي.
وعلى الرغم من أن المنشآت الأميركية في تركيا، وإسرائيل، وجيبوتي، ودييغو غارسيا ليست ضمن نطاق مسؤولية القيادة المركزية الأميركية، لكن يمكن أن تستخدم أيضاً في حالة وجود أي صدام مع إيران.

وفي منتصف يوليو/ تموز الماضي، أفادت أنباء عن نية أميركية لتحريك حاملة طائرات إضافية من ميناء نورفولك العسكري في ولاية فيرجينيا باتجاه الخليج [الفارسي] لتصبح الثالثة من نوعها والثانية التي تتوجه الى المنطقة في أقل من ثلاثة أشهر، بعد حاملة الطائرات "ابراهام لينكولن" في ابريل الماضي. وذكرت المصادر أن حاملات الطائرات الثلاث، تحمل كل واحدة منها أكثر من 60 طائرة مقاتلة، إضافة الى عشرات السفن المرافقة من مدمرات وفرقاطات وكاسحات ألغام، مما جعل بعض المراقبين يتوقعون أنه استعداد أميركي لحرب ضد إيران.

قائد "القوات الجو – فضائية" في الحرس الثوري الإيراني العميد أمير حاجي زادة قد حذر قبل يومين أنه اذا اندلعت حرب في المنطقة فربما تتطور الى حرب عالمية ثالثة وأن بلاده ستستهدف القواعد الاميركية في الدول المحيطة بها. وهدد بأن بلاده تعتبر القواعد الأميركية في المنطقة "جزءاً من الأراضي الأميركية وليست أراضي قطرية أو بحرينية او أفغانية وعند وقوع أية حرب سندك جميع تلك القواعد". وأضاف: "إننا نری أمیرکا والكیان الصهیوني في خانة واحدة ولا یمكن أن نتصور بأن کیان العدو سيخوض مثل هذه الحرب دون إسناد أميركي.. في حال بروز مثل هذه الظروف فستقع حوادث لا يمكن السيطرة عليها وادارتها ومن الممكن ان تتحول هذه الحرب الى حرب عالمية ثالثة".


توقيع : kumait


يحتاج الإنسان إلى سنتين ليتعلم الكلام وخمسين ليتعلم الصمت
إرنست همنغواي
من مواضيع : kumait 0 تأملات في فتوى جهاد النكاح
0 وجه واحد!
0 هل الهاتف المحمول كان موجودا عام 1938؟
0 الاعلام العربي و أشكالية الضمير..
0 الأرض تستعد لمواجهة «عاصفة شمسية مدمرة»

الصورة الرمزية nad-ali
nad-ali
شيعي حسيني
رقم العضوية : 72513
الإنتساب : May 2012
المشاركات : 7,601
بمعدل : 1.66 يوميا

nad-ali غير متصل

 عرض البوم صور nad-ali

  مشاركة رقم : 77  
كاتب الموضوع : kumait المنتدى : منتدى الجهاد الكفائي
افتراضي
قديم بتاريخ : 06-03-2013 الساعة : 02:23 PM



أعلن نائب رئيس فنزويلا نيكولاس مادورو وفاة الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز
بعد معاناة مع داء السرطان.

وتشافيز من مواليد العام 1954، صار رئيسا لفنزويلا في 2 شباط عام 1999، كما أعيد انتخابه عام 2006.

وعُرف بحكومته ذات السلطة الديمقراطية الاشتراكية واشتهر لمناداته بتكامل أميركا اللاتينية السياسي والاقتصادي مع معاداته للإمبريالية وانتقاده الحاد لأنصار العولمة من الليبراليين الحديثين وللسياسة الخارجية للولايات المتحدة الأميركية.



http://www.jurnaljazira.com/news_view_8281.html


توقيع : nad-ali



من مواضيع : nad-ali 0 تصاميم لشهر محرم الحرام
0 تصميم شهادة الامام الباقر عليه السلام
0 تصميم لمولد الامام الرضا عليه السلام
0 تصميم لذكرى استشهاد الامام جعفر الصادق عليه السلام
0 تصاميم لشهادة امير المؤمنين علي ع

الصورة الرمزية kumait
kumait
عضو برونزي
رقم العضوية : 65773
الإنتساب : May 2011
المشاركات : 452
بمعدل : 0.09 يوميا

kumait غير متصل

 عرض البوم صور kumait

  مشاركة رقم : 78  
كاتب الموضوع : kumait المنتدى : منتدى الجهاد الكفائي
افتراضي أمريكا واستراتيجية الخطوة الضبابية
قديم بتاريخ : 11-03-2013 الساعة : 02:32 AM


أمريكا واستراتيجية الخطوة الضبابية
عبد المنعم الحيدري

منذ ان وضع بريجنسكي نظريته الجيو ستراتيجية في المجال الحيوي تحت عنوان النظرية الماكندرية الجديدة وسحبها من اوراسيا باتجاه الوطن العربي وتحديدا في المنطقة الحيوية والاستراتيجية المحصورة في منطقة الخليج وذلك لكونها تتمتع بمزايا تؤهلها ان تكون هي الساحة التي لا يمكن للدول العظمى ان تستغني عنها مما جعلها ان تكون محط صراع لبسط النفوذ لتلك الدول حتى هذه الساعة.

منطقتنا العربية وعلى الرغم من اهميتها الاستراتيجية في نظر اللاعب السياسي الاميركي الا انها هي اليوم اكثر المناطق سخونة في العالم وذلك بسبب (الربيع العربي) الذي حدث في كل من تونس ومصر وليبيا وسوريا والعراق والبحرين والسعودية والكويت وقد بات واضحا للمراقبين والباحثين في الشأن السياسي الازدواجية التي تتعامل بها واشنطن مع هذه الدول ، لكن ما يلفت النظر هنا هو الخطوات الضبابية التي تقوم بها اميركا اتجاه (الربيع العربي)، خصوصا في مسألة دعم الحركات الاسلامية من اجل الامساك بالسلطة في كل من مصر وليبيا وتونس وحينما تمكنت هذه الحركات التي كانت بالأمس في نظر واشنطن هي (مشبوهة) الى حد ما والقسم الاخر مصنفا لديها ( ارهابيا)، بدأت اميركا وكأنها تتراجع عن توفير الدعم لهم وكأن مثلها كمثل من يقوم بإنقاذ شخصا من على شاخص ثم يتخلى عنه في نصف الطريق فيتركه فلا هو قادر على العودة الى نقطة الانطلاق التي بدأ منها ولا هو قادر على مواصلة الطريق ومن البديهي ان يكون هذا السلوك السياسي من قبل دولة عظمى مثل اميركا تمتاز بالمؤسساتية لابد ان يكون سلوكا مدروسا وليس اعتباطيا .

ومن هنا يأتي السؤال التالي وهو لماذا هذه الإستراتيجية الضبابية من قبل واشنطن اتجاه المنطقة عموما والحركات الإسلامية خصوصا؟. هنا وقبل الذهاب الى الإجابة على السؤال لابد من معرفة الأساس التي تقوم عليها سياسة واشنطن الخارجية وماهية السلوك الذي تتبعه ضد دول العالم الثالث.

هناك ثلاث أنماط للسلوك السياسي الخارجي تتبعه دول العوالم الثلاث (الرأسمالي والاشتراكي والعالم الثالث).

1. دول العالم الثالث او المتخلف كما يحلو لبعض الغربيين تسميته وهو يقوم على اساس التحرر من الهيمنة والاستعمار.
2. الدول الاشتراكية وهي قائمة على اساس دعم حركات التحرر في العالم.
3. الرأسمالية تقوم على أساس الهيمنة والاحتكار لمقدرات الشعوب في كل دول العالم لأنها لا تهتم الا بتحقيق مصالحها على حاب مصالح الدول الاخرى التي تريدها ان تكون تابعة لها. وأميركا هي اليوم قائدة الرأسمالية في العالم وهي التي سبب المصائب في عالمنا الثالث.

ومن هنا نستطيع ان نحدد السلوك السياسي الخارجي الذي تتبعه واشنطن حيال منطقتنا فهي تسعى لتحقيق هدفين الاول: ان تكون كل ثروات المنطقة بيدها وهي التي تتحكم بها.

والثاني: هي ان تكون اواق تلك دول محتكرة لبضائعها.

ونعود هنا لنضع للاجابة على السؤال الذي طرحناه وهو لماذا تتبع واشنطن هذه السياسة حيال الحركات والاحزاب الاسلامية في بلدان (الربيع العربي) وهو يكون على شكل نقاط كالتالي:

اولا: بعد ان استهلكت الحركات والاحزاب القومية التي انطلقت في اربعينيات وخمسينيات القرن العشرين رصيدها في الشارع العربي شعرت اميركا ان المد الاسلامي الذي عاش مقموعا لعدة عقود من السنين بات هو الذي يسيطر على الشارع وان واشنطن على يقين من انه لا يمكن ترويض الاسلاميين لا بل اكثر من ذلك انها ترى (لا عهد لهم) ومن هنا يأتي الخطر وبالتالي فهي اوصلتهم الى نصف الطريق ثم بدأت تتخلى عنهم من اجل ان يرتد الشارع عليهم على اساس انهم غير قادرين على ادارة الدولة. وهذا ما يحصل في تلك الدول الثلاث التي يسيطر عليها الاسلاميون.

ثانيا : ان اعطاء الضوء الاخضر للحركات الاسلامية في استلام السلطة في تلك الدول الثلاث هو جاء وفق لاتفاقات ابرمت وراء الكواليس مع اقتناع واشنطن قناعة تامة بأن هؤلاء غير قادرين على النجاح وذلك بسبب الفكر السياسي الذي يقوم عليه حكم الدولة في نظر اولئك الاسلاميين مما يفقد الثقة بينهما وبالتالي فأن ما اسست له واشنطن مع الاسلاميين في تلك الدول هو يدخل ضمن التكتيك الذي يهدف الى تحقيق غايات سريعة تخدم الاستراتيجية التي تعتمدها اميركا اتجاه المنطقة من اجل استعادة السيطرة عليها من جديد من خلال استمالت الحركات القومية والليبرالية التي تسعى الى الحكم في تلك البلاد.

ثالثا : ان اميركا تمر بأزمة اقتصادية وان ارباك الوضع في المنطقة وفقدان الاستقرار والأمن يعود عليها بالمردودات الايجابية وبالتالي فأن كل ما تقوم به اميركا هو يصب في صالحها ويحقق لها الأهداف المرسومة.

رابعا : ان الولايات المتحدة الأمريكية تعتقد اعتقادا كليا ان أطروحة هننغتون ( تصادم الحضارات) ، والتي يقول فيها ان الحرب القادمة سوف تكون بين الرأسمالية والتحالف الإسلامي الكونفوشيوسي وهي واقعة لا محالة ومن هنا تسعى واشنطن لخلخلة الإسلاميين بضربة استباقية سياسية وليس عسكرية من اجل ان لا تقع الحرب في المستقبل القادم ، وان وقعت فهي سوف تتصدى الى عدو قد فقد قواه وغير جاهز للمعركة. اما الإسلاميين فهم كما يبدو إمام خيارين لا ثالث لهما الأول : وهو الانخراط بمشروع أميركا والقبول بالتبعية لها وهذا خلاف الفكر السياسي الذي قامت عليه تلك الحركات وبالتالي يتسبب ذلك بمصادرة الإرث التاريخي النضالي لها وفقدان قاعدتها الجماهيرية وبالتالي فأنها سوف تتحسر على خندق المعارضة الذي غادرته الى خندق السلطة وتكون كبائعة اللبن التي لم تحظى بالخادم ولا باللبن.

او تكون قد أدركت وعرفت ووعت الى ما تخطط له واشنطن لها وبالتالي تكون قد استعدت ووضعت خطط وإستراتيجيات لصد وإفشال ما تخطط له واشنطن. ولا يكون ذلك الا بعد ان تعلن تلك الدول التي هيمنة على الحكم بوقوفها إلى جانب الخط المقاوم لان شرفها يكمن في ذلك وتكون قد حافظت على تاريخها النضالي و قواعدها الشعبية وبذات الوقت تحافظ على السلطة التي وصلت أليها.


توقيع : kumait


يحتاج الإنسان إلى سنتين ليتعلم الكلام وخمسين ليتعلم الصمت
إرنست همنغواي
من مواضيع : kumait 0 تأملات في فتوى جهاد النكاح
0 وجه واحد!
0 هل الهاتف المحمول كان موجودا عام 1938؟
0 الاعلام العربي و أشكالية الضمير..
0 الأرض تستعد لمواجهة «عاصفة شمسية مدمرة»

الصورة الرمزية kumait
kumait
عضو برونزي
رقم العضوية : 65773
الإنتساب : May 2011
المشاركات : 452
بمعدل : 0.09 يوميا

kumait غير متصل

 عرض البوم صور kumait

  مشاركة رقم : 79  
كاتب الموضوع : kumait المنتدى : منتدى الجهاد الكفائي
افتراضي شبه جزيرة البلقان: بوابة لعودة روسيا إلى الساحة الدولية
قديم بتاريخ : 11-03-2013 الساعة : 03:03 AM



شبه جزيرة البلقان: بوابة لعودة روسيا إلى الساحة الدولية
كريم الماجري

كان البلقان -ولا يزال- يمثل منطقة مصالح حيوية وإستراتيجية مهمة لصنّاع القرار في الاتحاد السوفيتي قديمًا وروسيا حاليًا؛ فشبه الجزيرة البلقانية يقع جغرافيًا على الحدود الجنوبية الغربية لروسيا ويشكّل امتدادًا طبيعيًا لعمقها الإستراتيجي، وهو يفتح على مياه البحار الدافئة (البحر الأبيض المتوسط، البحر الأدرياتيكي، بحر إيجة) التي طالما كان لروسيا رغبة حقيقية في بلوغها، كما كانت رغبتها واضحة دائمًا في محاولاتها السيطرة على مضيق الدردنيل.

المحاولات الروسية لاستعادة موطئ قدم راسخة لها في جنوب شرق أوروبا تجدّدت مع استعادة بوتين لسدّة الرئاسة، وشعور الكرملين بأن واشنطن وبروكسل قد اقتربتا من فرض حصار خانق على روسيا، في مسعى لتحييد دورها وتحجيمه، ليس فقط في منطقة البلقان بل أيضًا في منطقة القوقاز وآسيا الوسطى بشكل عام. وتعتمد موسكو في استرجاع مكانتها وتعزيز دورها على عدة عوامل قد تكون مساعدة لها في تحقيق مشروعها الإستراتيجي المتجدّد.

الأهداف الإستراتيجية الروسية في البلقان

يرتكز التأثير السياسي الروسي الأبرز في منطقة البلقان، وبالأخص في جزئه الجنوبي، على ثلاثة أسس رئيسة:

1. تأكيد دورها الحاسم بصفتها بلدًا دائم العضوية في مجلس الأمن الدولي، يمتلك حق الفيتو الذي يسمح لموسكو بالاعتراض على أي قرار دولي تتخذه المجموعة الدولية يكون متعارضًا مع إستراتيجية الكرملين ومصالحه، أو مصالح حلفائه في المنطقة. وقد رفعت موسكو الفيتو فعلاً عام 2007 أمام مشروع الاعتراف بسيادة واستقلال كوسوفو وسدّت الطريق أمام سعي الاتحاد الأوروبي وأميركا وعدد من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة لتبني قرار الاستقلال، وهو ما أبقى أمر هذا البلد، على المستوى السياسي وحتى على مستوى الشرعية القانونية الدولية، مسألة غير منتهية حتى اليوم.

2. أما الأساس الثاني الذي يرتكز عليه الكرملين للعب دور مؤثر في البلقان فيتمثل في العاملين العرقي والديني، وما يستتبعهما من روابط تاريخية وثقافية تشكّل بدورها جانبًا مهمًا في سياسة روسيا في منطقة البلقان، فموسكو كانت دومًا حريصة على لعب دور أبوي تجاه البلدان البلقانية السلافية التي تدين بالأرثوذكسية، وهي: رومانيا وبلغاريا وصربيا ومقدونيا واليونان، بالرغم من انضمام بعضها إلى حلف الناتو والاتحاد الأوروبي، كما ترعى موسكو الأقليات الأرثوذكسية المتواجدة في باقي الدول. وتظل صربيا الدولة التي تعوّل عليها موسكو أكثر من غيرها في مساعدتها على تأكيد دورها في المنطقة، خاصة وأن صانعي القرار في بلغراد مستعدون للعب أدوار أساسية في منع صربيا من الولوج إلى نادي الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو وبقائها وفية إلى الشقيقة الكبرى روسيا.

3. موضع القوة الأكثر وضوحًا لروسيا في شبه الجزيرة البلقانية يبقى متمثلاً في التأثير الاقتصادي القوي، فهي المصدر الأول والأبرز للطاقة في المنطقة، كما أن روسيا شريك قوي بامتياز فيما يُعرف بمسار الخصخصة غير الشفاف الذي تنتهجه عدّة دول بلقانية لكبريات شركاتها الوطنية من خلال طرحها في مزادات دولية لخصخصة رؤوس أموال تلك الشركات.

روسيا تشعر بأن دورها آخذ في الانحسار في منطقة البلقان بعد انتهاء الحرب الباردة، وأن نفوذ أميركا المتزايد في المنطقة ضيّق عليها الحصار أكثر وسمح لواشنطن بتأكيد حضورها القوي عبر توسيع رقعة حلف الناتو، ويذهب عدد من الإستراتيجيين الروس إلى القول بأن توسيع رقعة حضور الناتو والتواجد الأميركي القوي في المنطقة يعكسان بوضوح إستراتيجية واشنطن لتحجيم أي دور روسي محتمل, ويرون أن هذا الصراع الأميركي-الروسي غير المعلن في جنوب شرق أوروبا مرتبط بالصراع الأشمل في منطقة القوقاز وآسيا الوسطى. وهو ما دفع موسكو إلى بذل محاولات جديدة لاستعادة دورها المؤثر على الساحة الدولية, ويبدو من وجهة نظر روسيا أن تلك العودة إلى التأثير قد تكون أيسر إذا ما كانت من بوابة غرب جزيرة البلقان, خاصة وأن حزامًا من البلدان التي التحقت بعضوية حلف الناتو إثر انهيار الاتحاد السوفيتي يمتد من بحر البلطيق إلى البحر الأسود، يمنع روسيا من الوصول إلى البحر الأدرياتيكي، حتى وإن لجأت إلى استعمال قوتها العسكرية في سبيل تحقيق ذلك. يظل أمل روسيا في اختراق كل تلك الحواجز مرتبطًا بقدرتها على لعب أوراق الضغط التي تمتلكها وتوظيف عناصر التأثير الثلاثة المُشار إليها في الفقرة أعلاه.

الطاقة: مدخل روسي للتأثير في المنطقة

أبرز مشاريع الطاقة التي تستهدف المنطقة وأضخمها على الإطلاق يظل المشروع الروسي العملاق المتمثل في ما يسمى بـ"يوجني توك" أو الخط الجنوبي لإمدادات الغاز الذي يمرّ عبر عدد من دول البلقان، والذي من المقرر أن يُمدّ كامل أوروبا بالطاقة التي تحتاجها. هذا المشروع لن يكون هدفًا نهائيًا في حد ذاته، فهو من دون شك له تأثير واضح على أمن المنطقة من حيث الطاقة، لكنه في عيون صانع القرار في الكرملين آلية لتحقيق أهداف إستراتيجية بعيدة المدى.

فموسكو تعتقد أن أوروبا تحمل تناقضات بين مكوناتها وترى أن ضعفها بيّن على المستويات السياسية والاقتصادية والعسكرية، وقد بدا ذلك في عجزها المتواصل عن تأكيد فعالية دورها في ملفات عديدة في المنطقة ومنها المسألة البوسنية وقضية كوسوفو، كما أبانت دول الاتحاد الأوروبي عن عجز في حماية اقتصادات بلدانها الأعضاء من الانهيار ولم يكن لها مواقف سياسية واقتصادية موحدة حول أهم قضايا المنطقة. إلا أن ما يهم موسكو أكثر هو عدم تفعيل معارضة الاتحاد الأوروبي لمشروع روسيا "يوجني توك"، رغم أن بروكسل تدعم مشروع "نابوكو" للطاقة البترولية والغازية الذي ينطلق من أذربيجان ليمر عبر تركيا ويصل إلى أوروبا.

كما تعوّل موسكو بقوة على انفراط عقد الاتحاد الأوروبي وتقلص قوة حلف الناتو، وبالتالي تراجع دور أميركا وتأثيرها في منطقة أوروبا بشكل عام. وفي هذا السياق الإستراتيجي العام، فإن منطقة شبه جزيرة البلقان قد لا تكون مركز اهتمام الكرملين الأول، وإنما سيكون هدفها الأساسي بعيد المدى هو العودة القوية إلى التأثير المباشر والفاعل في منطقة أوروبا كمركز وليس فقط البلقان كطرف، فشبه الجزيرة البلقانية يُراد له أن يكون بشكل فعلي ومباشر، منطقة حيوية تمكّن روسيا من لعب أدوار أكبر وأكثر تأثيرًا في ما يُعتبر حديقة خلفية لأوروبا والولايات المتحدة الأميركية.

"مكانك راوح" في بلدان البلقان الأضعف

تحتوي الإستراتيجية الروسية الكبرى في استغلال البلقان لعودتها إلى الساحة الدولية على عدة مكونات تكتيكية، منها بالأساس عزم الرئيس الروسي القوي فلاديمير بوتين، على إبقاء عدد من القضايا الحارقة في دول ما كان يُعرف بيوغسلافيا السابقة على ما هي عليه من حالة المراوحة في المكان نفسه، وربما يسعى كذلك إلى مزيد تعقيدها، وللكرملين فرص عديدة للعب هذه الأدوار سواء فيما يتعلق بوضع كوسوفو وخاصة المنطقة الشمالية منه، أو بالوضع الداخلي المعقد في مقدونيا ومحاولة منعها من تحقيق شروط اللحاق بالاتحاد الأوروبي وحلف الناتو، وكذلك لموسكو مجال واسع للعب أدوار أخرى في كل من صربيا ذاتها وجمهورية الجبل الأسود، أما الدور الروسي الأبرز فيتجلى في دعم الكرملين المشبوه لمشروع "ريبوبليكا صربسكا" بقيادة رئيس وزرائها المثير للجدل، ميلوراد دوديك، وتهديده المتواصل بانفصال الكيان البوسني عن دولة البوسنة والهرسك، وهو ما يهدّد أمن المنطقة بأسرها ولا يزيل مخاوف جدية من إعادتها إلى المربع الأول الذي كانت عليه عام 1991 عند انطلاق أحداث حرب البلقان الأخيرة، وفي ذلك بالتأكيد تهديد أمني وسياسي أكبر سيجرّ أوروبا بأسرها إلى حالة من عدم الاستقرار والخوف من أن تصل شرارة أتون حرب بلقانية جديدة إلى قلب أوروبا، إذا ما قُدّر لها أن تندلع في المنطقة الرخوة من خاصرة القارة العجوز.

يمكن لروسيا أيضًا أن تلعب على العامل الإثني في دول البلقان لخلق فوضى جديدة تسمح لها بلعب أدوار متقدمة كوسيط لحلها، أو قد تتدخل بشكل مباشر أو غير مباشر في تسليح بعض أطرافها ودعمه لوجستيًا واستخباراتيًا وعسكريًا، وقد فعلت ذلك خلال الحرب البلقانية الأخيرة، أو أن تقوم بدعم بعض الحكومات التي ترتضيها اقتصاديًا وسياسيًا وكسبها إلى جانبها في دعم موقعها على الساحة الدولية، أو على الأقل ضمان حيادها عند الحاجة.

إن الحفاظ على حالة الفوضى التي يعيشها أغلب دول البلقان يعني لروسيا إظهار حلف الناتو بمظهر الفاشل في تهدئة الأوضاع واستعادة الأمن في المنطقة، وبالتالي التشكيك في فكرة ضرورة حضور قوات الحلف في المنطقة، ومن ورائها واشنطن، كحلّ أوحد لمعالجة أوجاع البلقان بعد رميها بالفشل الذريع في مهامها من أجل إحلال الأمن والاستقرار في أي من مناطق أوروبا.

إن بقاء دول البلقان غير مكتملة الملامح كدول مستقرة سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا وأمنيًا، وفاقدة لمؤسسات ثابتة وسياسات واضحة، لن يقودها إلى الالتحاق بالاتحاد الأوروبي وحلف الناتو، ولن يساعدها بالتالي على التخلص من فساد الطبقة السياسية المتورطة في زعزعة الاستقرار الداخلي لعدد من دول البلقان مثل صربيا والجبل الأسود ومقدونيا وكوسوفو والبوسنة والهرسك.

فعدم استقرار هذه البلدان البلقانية وضعف باقي دول المنطقة الأخرى الاقتصادي والسياسي يؤثر بالضرورة على اكتمال المشروع الأوروبي وتعثره وربما تفككه لاحقًا، وهو ما تراهن عليه موسكو بل وتعمل على تهيئة الأسباب المؤدية إليه، خاصة وأن هناك عدة مؤشرات تشير إلى ذلك، أهمها انقسام دول الاتحاد الأوروبي حول الاعتراف باستقلال كوسوفو، أو موقف الاتحاد غير الواضح والبطيء بشأن ضم بعض البلدان البلقانية إلى الاتحاد، وفي مقدمتها دولة البوسنة والهرسك.

البوسنة والهرسك: الحلقة الأضعف

لا شك أن وضع دولة البوسنة والهرسك اليوم يجعلها الحلقة الأضعف بين دول البلقان المستقلة عن يوغسلافيا السابقة، إذا ما استثنينا كوسوفو، وهي بالتالي، كما يقدّر ذلك عدد من الإستراتيجيين والمحللين السياسيين، قد تكون البوابة الأيسر لتدخل روسي أكبر في المنطقة خاصة وأن انتخابات البوسنة الأخيرة قد صعدت بمن يُحسبون من أتباع موسكو إلى سدة الحكم أو دعّمت مواقفهم، فبناء على ما أفرزته انتخابات أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي 2012، وبناء أيضًا على التشكيل الحكومي الجديد الذي أفرزته معادلة الساحة السياسية الجديدة في البوسنة، يمكن القول بأن ملامح محور ينطلق عموديًا من موسكو ليمر عبر بلغراد، الحليف الطبيعي لروسيا، ثم "بانيا لوكا" عاصمة ريبوبليكا صربسكا وانخراط رئيس حكومتها الكامل في المشروع الروسي، وصولاً إلى سراييفو التي تغيرت ملامح تركيبتها الحكومية، ملامح هذا المحور إذن قد استكملت تشكلها بعد أن كانت مجرد تخمينات في دوائر استخباراتية غربية(*)، وذلك بوصول رجل الأعمال المثير للجدل ورئيس حزب (من أجل مستقبل أفضل للبوسنة)، فخر الدين رادونتشيتش، إلى سدة وزارة الداخلية واحتفاظ زعيم الحزب الاشتراكي الديمقراطي، زلاتكو لاغومدجيا، بوزارة الخارجية.

في هذا السيناريو، الذي شهد ائتلاف الحزبين المشار إليهما أعلاه واستبعاد أكبر الأحزاب البوسنية القومية وهو جبهة العمل الديمقراطي من التشكيل الحكومي؛ فإن الأجواء صارت مهيأة لتنفيذ مخطط يهدف إلى وضع كل العراقيل الممكنة أمام انضمام البوسنة والهرسك إلى حلف الناتو والاتحاد الأوروبي وإبقاء الأوضاع في البلد على ما هي عليه؛ ومن ثمّ توجيه الاتهام إلى مؤسسات الحلف بالعجز عن توفير الأمن والسلم في البوسنة والهرسك، وبالتالي إظهاره في مظهر المنظمة التي لا يمكنها لعب الأدوار الأساسية في رسم معالم مستقبل أضعف دول المنطقة وأكثرها عرضة للاختراق. ما يجعل هذا السيناريو ممكن التنفيذ هو حالة الترهل التي عليها مؤسسات دولة البوسنة والهرسك، ووضعها الحالي كمرشح للالتحاق بحلف الناتو والاتحاد الأوروبي، وهذا ما يمكن أن يتيح الفرصة لنفاذ عناصر موالية للحزبين المذكورين سابقًا إلى المؤسسات الغربية: حلف الناتو والاتحاد الأوروبي، عبر فرق المفاوضين والفنيين المعنيين بعمليات الإصلاح وغيرهم من الموظفين السامين.

تهديد لأمن أميركا وحلف الناتو في شقه الجنوبي

هذا المحور الذي يمتد من موسكو له طرفان مباشران يربطانه مباشرة بـ "بودغوريتسا" عاصمة دولة الجبل الأسود من جهة، ويرتبط أيضًا بطهران من جهة ثانية، وهي الحليف المدلل لروسيا، ولا ينتهي الأمر عند هذا الحد بل إن هناك عددًا آخر من السيناريوهات لاختراقات مشابهة تنطلق من موسكو لتشمل دولاً ومناطق أو جماعات أخرى في البلقان.

هذا التغلغل الروسي الذي يجد له متعاونين في الداخل البلقاني والبوسني على وجد التحديد، عن طريق رادونتشيتش ولاغومدجيا، سيساعد في عمليات تحويل الأموال الروسية غير المراقبة والمتأتية من مصادر غير نظيفة لتمويل مشاريع مشبوهة داخل البوسنة والهرسك، وستحظى أي هذه المشاريع بالمباركة السياسية لأعوان موسكو من السياسيين والأمنيين الموالين لها ولمشروعها التوسعي في المنطقة تحقيقًا لأهداف استعادة السيطرة على مقدّرات البلدان البلقانية واستبعاد الغربيين عن التأثير من خلال تعطيل انضمام البوسنة والهرسك إلى الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو.

تحاول روسيا بقيادة بوتين وبكل الوسائل المتاحة لها العودة من بوابة البلقان لاستعادة دورها على الساحة السياسية الدولية، وقد اختارت هذا الوقت الذي تمر فيه أوروبا الغربية بأوقات صعبة مع تنامي المشكلة الاقتصادية وما أفرزته من أسئلة حول مدى متانة الاتحاد الأوروبي وقدرته على الصمود والحفاظ على الدول الأعضاء فيه، وحمايتها من الهزات الاقتصادية والاجتماعية المتصاعدة على غرار ما تشهده اليونان والبرتغال وإسبانيا وإيطاليا، أو أيضًا على توحيد مواقفه من القضايا المهمة مثل قضية دعم التدخل العسكري الفرنسي في دولة مالي من عدمه، كما أن الولايات المتحدة الأميركية قد صرفت جانبًا مهمًا من تركيزها إلى قارة آسيا باعتبارها وجهتها الإستراتيجية الأهم في المرحلة القادمة كما ورد في عدة تقارير وتصريحات صادرة عن البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأميركية.

تخلٍ غربي عن البلقان، وروسيا تملأ الفراغ

في هذا الوقت الذي تنشغل فيه القوى العظمى بملفات أخرى، يبقى الملف البلقاني غير ذي أهمية أو أولوية في سياسات بروكسل وواشنطن، وهو ما جعل روسيا بوتين ترى في الأمر فرصة سانحة تمامًا لتجديد محاولاتها في استعادة دورها وتوسعة تأثيرها في المنطقة الأضعف في القارة الأوروبية، وهي منطقة البلقان.

المكون الرئيسي لهذه الإستراتيجية الروسية، يتمثل في مشروع أنبوب الغاز المسمى "يوجني توك" أو الخط الجنوبي لإمدادات الغاز، والذي تسعى موسكو من خلاله إلى تأكيد ارتباط أجزاء من القارة الأوروبية وجعلها أكثر قربًا واعتمادًا على روسيا. هذا ما يجعل البلقان يمثل المنطقة الرئيسية التي تحظى باهتمام الكرملين كنقطة عبور ومدخل لاختراق آمن للمنطقة الأوروبية عن طريق مدّ أنبوب الغاز "يوجني توك". وقد شهدت الأشهر الثلاث الأخيرة من العام الماضي 2012 إبرام جملة من الاتفاقيات الثنائية بين موسكو وعدد من العواصم البلقانية التي أبدت موافقتها على أن تكون أراضيها ممرًا لهذا الأنبوب الضخم. كما عُقد اجتماع موسع في موسكو وجّه فيه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الدعوة إلى رؤساء الوزراء ووزراء الطاقة في البلدان الشريكة في هذا المشروع وهي إلى حدّ الآن: صربيا والمجر وسلوفينيا، ومؤخرًا التحقت بلغاريا بمجموعة الدول البلقانية الشريكة في مشروع الطاقة هذا والذي سيمرّ جزء مهم من إمداداته عبر أعماق البحر الأسود.

فالحديث اليوم عن أن خيار اللحاق بالمشروع الأوروبي الغربي للبلقان هو البديل الأوحد قد بات مشكوكًا فيه، على الأقل من وجهة نظر روسيا، وقد ظهر ذلك بقوّة خلال الدعوات التي وجّهها عدد من رجال السياسة الروس، كان أبرزهم سفير روسيا لدى صربيا، ألكسندر كونوزين، في ندوة عُقدت في بلغراد أوائل العام الماضي تحت عنوان: روسيا والبلقان: تاريخ واحد وآفاق مشتركة.

تتلخص الرؤية الروسية، كما جاءت على لسان السفير كونوزين، في أن "لحاق دول منطقة البلقان بالاتحاد الأوروبي وحلف الناتو يُخفي مخاطر كبيرة على شعوب المنطقة، ومقولة الوحدة الأوروبية تحمل في طياتها أكذوبة كبرى كشفها تخلّي مؤسسات الاتحاد الأوروبي عن الدول الأعضاء التي عاشت أزمة مالية واجتماعية خانقة. إن البلقان يتعرّض إلى عملية قسرية لتسريع مسار التاريخ فيه، وفي ذلك خطر داهم على أمنه واستقراره، وروسيا لن تتخلّى عن أصدقائها وحلفائها في المنطقة ولن تتركهم لقدر يُراد أن يُفرض عليهم من الدوائر الغربية المتنفذة. سنوثق علاقاتنا مع بلغراد أكثر ونقدّم للشعب الصربي مساعدات حقيقية كما فعلنا ذلك دائمًا، وسنبقى أشقاء أوفياء لهم ولن نخونهم مثلما فعل معهم الغرب وقصف مدنهم ودمّر بنية البلاد التحتية... إن روسيا هي الدولة الوحيد التي ساندت صربيا في مجلس الأمن، وهي مستعدّة لبذل المزيد من الجهد للوقوف إلى جانب صربيا...".

فالبلقان في المنظور الروسي لا يزال يمرّ بتغييرات عميقة لم تنته بعد، وما مسألة كوسوفو ومشكلات البوسنة والهرسك وأحداث مقدونيا والهزات الكبرى التي تعيشها بلغاريا، إلى جانب عدم وضوح الرؤية بشكل حاسم في خيارات القيادات الصربية وتوجهاتها المستقبلية، إلا دليلاً على أن البلقان يقع على الحدود ما بين أحداث مضت ولا تزال آثارها تتفاعل على الساحة، وبين سياسات حالية وأخرى تُصاغ للمستقبل. وهذا ما يجعل البلقان يمثل المنطقة الرئيسية التي تحظى باهتمام الكرملين كنقطة عبور ومدخل لاختراق آمن للمنطقة الأوروبية.

__________________________
كريم الماجري - باحث متخصص في الشأن البلقاني
هامش
(*) يذهب إلى هذا التحليل عدد من المختصين الأمنيين والعسكريين من أبرزهم يانوز بوغايسكي، أستاذ الدراسات الإستراتيجية بمعهد الدراسات الإستراتيجية والسياسية في واشنطن.
كما ساندت هذا التحليل، ماغاريتا أسانوفا، المختصة في العلاقات الدولية في مؤسسة جيمس تاون للدراسات الأورو-آسيوية.


توقيع : kumait


يحتاج الإنسان إلى سنتين ليتعلم الكلام وخمسين ليتعلم الصمت
إرنست همنغواي
من مواضيع : kumait 0 تأملات في فتوى جهاد النكاح
0 وجه واحد!
0 هل الهاتف المحمول كان موجودا عام 1938؟
0 الاعلام العربي و أشكالية الضمير..
0 الأرض تستعد لمواجهة «عاصفة شمسية مدمرة»

الصورة الرمزية kumait
kumait
عضو برونزي
رقم العضوية : 65773
الإنتساب : May 2011
المشاركات : 452
بمعدل : 0.09 يوميا

kumait غير متصل

 عرض البوم صور kumait

  مشاركة رقم : 80  
كاتب الموضوع : kumait المنتدى : منتدى الجهاد الكفائي
افتراضي حرب المعادن النفيسة في التلفزيون الفرنسي
قديم بتاريخ : 16-03-2013 الساعة : 04:03 AM


حرب المعادن النفيسة في التلفزيون الفرنسي
قيس قاسم

ثمة حرب سرية كانت تجري بين الصين وبقية الدول الصناعية للهيمنة على مصادر استخراج المعادن النفيسة لم يعلن عنها إلا قبل سنوات قليلة حين اقتحمت وحدة من شرطة خفر السواحل اليابانية سفينة صيد صينية، جنحت عن طريق الخطأ إلى داخل مياهها الإقليمية، واعتقلت طاقمها ما اعتبرته بكين إهانة قومية لها، فقررت معاقبة طوكيو من خلال الامتناع عن بيعها بعض المعادن النفيسة التي تدخل في صناعة معظم المنتجات الإلكترونية، مثل الهواتف والكومبيوتر وشاشات التلفزيون، ما يشكل كارثة حقيقية وتهديداً بانهيار جزء كبير من مدخولها القومي.

صحا الغرب الصناعي على وقع أصوات المدافع التي أطلقتها الصين ضد اليابان وأدرك متأخراً أن كفة الحرب على المعادن باتت تميل لمصلحة العملاق الآسيوي بعد امتلاكه أكثر من 90 في المئة من حاجة السوق العالمية للمعادن النادرة مثل اليروبيوم والسماريوم وغيرهما، وأن عليه عمل المستحيل من أجل استعادة مكانته ومواقعه السابقة التي خسرها.

اتبعت الصين للانتصار في حربها استراتيجية دقيقة تربط بين السيطرة على سوق المعادن النادرة والاستثمار السياسي لها، ومن أجل ذلك بدأت الاعتماد أولاً على مخزونات مناجمها الوطنية وبيعها إلى الخارج بأسعار رخيصة ثم السعي إلى نقل تكنولوجيا صنيعها من الولايات المتحدة الأميركية الرائدة في هذا المجال ومن بعد البحث عن مصادر خارجية تؤمن سيطرتها الكاملة. اليوم، وربما بعد فوات الأوان، يدرك السياسيون والاقتصاديون الأميركيون ما خطط له الصينيون قبل أكثر من عشرين عاماً، وأعلنه المصلح الاقتصادي الصيني دنغ شياو بينغ: «الشرق عنده النفط ونحن عندنا المعادن».

ومن مراجعتهم التقويمية الجديدة فهموا مغزى شراء الصين مصنع «مغناكوينتش» لإنتاج المغناطيس المستخدم في صناعة أكثر المحركات والأسلحة الإلكترونية. كانوا يريدون معرفة أسرار تشغيل المصنع وحصلوا عليها بالفعل، وحين نقلوا كل ما يحتاجون إليه صاروا يبيعون المعادن في الأسواق الأميركية وغيرها بأسعار أرخص من المحلية فاضطرت المصانع للتوقف وسرحت عمالها. اعتبر الأميركيون أن «حرب المعامل» بدأت عام 1995. السنة التي دخل فيها الصينيون أسواقهم واشتروا مصانعهم ونقلوا عنهم الخبرات التي يحتاجونها، من دون تنبههم لخطورتها، ولم يكن قرار مقاطعة الصين الاقتصادية لليابان عام 2008 سوى إعلان حالة حرب، تجسدت بعد مدة بوضوح حين طالبت الصين العالم الغربي بإقرار معاهدة توزيع حصص إنتاج وبيع المعادن النادرة والتي مثلت تحدياً وتهديداً مباشراً لمصالحها. فالمحاصصة تعني زيادة أسعار ما تنتجه الدول الصناعية من المعادن النفيسة في حين ستبقى الأرخص داخل الصين وبهذا سيكون أي تنافس في مصلحتها.

يُبيّن البرنامج التلفزيوني الفرنسي «حرب المعادن النفيسة» استحالة التنافس الحر في ظل اتباع الصين سياسة تتجاوز بها ضوابط الرقابة الصناعية وتتجاهل بتعمد متطلبات حماية البيئة. فكل ما يهمها هو كسب حرب اقتصادية اعتبرتها الأهم في تاريخها الحديث، وقد تعلمت اللعب على قوانين السوق لا وفقها، وراهنت كثيراً على الدعاية وإغراء أصحاب المصالح الاقتصادية الغربية لإضعاف الضغوط التي تمارسها دولهم ضدها. وفي تسجيل البرنامج لوقائع مؤتمر «باوتو» يتضح مقدار الخداع المتبادل بين الشركات الغربية والصينية وكيف قبلت شركات فرنسية كبيرة بحصص من عمليات تطوير بعض المشاريع المشتركة في منطقة دالاهاي الأكثر تضرراً بعمليات التنقيب عن المعادن النفيسة.

أرض السرطان

غدت المناطق المحيطة بالمناجم مرتعاً للتلوث ومصدراً لأمراض خطرة تصيب الناس المقيمين بقربها إلى درجة أطلقوا عليها «أرض السرطان». والتلوث شمل دولاً أخرى مثل سنغافورة التي تحولت إلى «مقبرة» لنفايات المعادن تصدرها لها الصين وتقوم شركات محلية بدفنها داخل الأرض بكل ما حملت من مواد مشعة خطرة.

وحمى البحث عن المعادن النادرة تجاوزت أرض الصين إلى دول مثل كندا وأستراليا وبعض دول أميركا الجنوبية، بل وتجاوز كوكب الأرض كله وفق ما نشرته صحيفة «لوس أنجليس تايمز» عن مشروع شركة «مون اكسبريس» للبحث عن المعادن النادرة على سطح القمر، ومثله لدى الروس، أيضاً. وإذا كانت هذه المشاريع أقرب إلى الخيال فاليابانيون لن يستسلموا في حربهم مع الصين، ولكسبها أعلنوا نهاية العام الفائت توصل أبحاثهم إلى وجود معادن نفيسة في أعماق المحيط الهادئ وكمياتها المتوقعة تزيد 800 مرة عما موجود منها في باطن الأرض، ما يغري شركاتهم بالإسراع في التنقيب واستثمارها قبل غيرهم، فالحرب أُعلنت ولا بد من كسبها أو على الأقل استرجاع ما فُقد من مواقع مهمة خلالها.


توقيع : kumait


يحتاج الإنسان إلى سنتين ليتعلم الكلام وخمسين ليتعلم الصمت
إرنست همنغواي
من مواضيع : kumait 0 تأملات في فتوى جهاد النكاح
0 وجه واحد!
0 هل الهاتف المحمول كان موجودا عام 1938؟
0 الاعلام العربي و أشكالية الضمير..
0 الأرض تستعد لمواجهة «عاصفة شمسية مدمرة»
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الشبكة: أحد مواقع المجموعة الشيعية للإعلام

الساعة الآن: 08:49 PM.

بحسب توقيت النجف الأشرف

Powered by vBulletin 3.8.14 by DRC © 2000 - 2024
جميع الحقوق محفوظة لـ منتديات أنا شيعـي العالمية


تصميم شبكة التصاميم الشيعية