|
عضو جديد
|
رقم العضوية : 64604
|
الإنتساب : Mar 2011
|
المشاركات : 65
|
بمعدل : 0.01 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
الشيخ علي محمد حايك
المنتدى :
المنتدى الفقهي
تعديل في (الغرور)
بتاريخ : 07-12-2012 الساعة : 07:57 PM
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
( أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ ( 33لقمان)
يخاطب الله عزوجل في هذه الآية المباركة الناس -على الإطلاق- بتقوى الله التي يترتب عليها الخشية من يوم الآخرة .
وقد أمر الله بشئ وهو التقوى ونهى عن الشئ وهو الغرور وجعل الأمر بالتقوى في قبال النهي عن الغرور، وليس ذلك إلا لأن الابتعاد عن الغرور هو أحد الأركان المهمة في تحصيل التقوى، وما بين المتقين والمغترين من البعد ما لا يمكن حصره فعن رسول الله (ص): ( لمثقال ذرة من صاحب تقوى ويقين أفضل من ملء الأرض من المغترين ).
والغُرور في اللغة كما عن أبي هلال العسكري في فروق اللغة هو: (إيهام يحمل الانسان على فعل ما يضره، مثل أن يرى السراب فيحسبه ماء فيضيع ماءه فيهلك عطشا وتضييع الماء، فعل أداه إليه غرور السراب إياه)، وقال في الميزان: (الغَرور بفتح الغين صيغة مبالغة من الغُرور بالضم وهو الذي يبالغ في الغُرور)، ثم إن الإيهام هو عين الانخداع والغفلة والبعد عن الله
أنواع الغرور :
أشارت الآية الكريمة إلى نوعين من الغرور:
أ-نسبة الغرور إلى الدنيا (فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا) على أساس أن الدنيا هي فاعل الغرور كما هو واضح
ب-الغرور بالله، ولا يصح أن يكون الفاعل هو الله كما هو واضح ولا الدنيا بمقتضى المقابلة مع النوع الأول فلا بد من أن يكون فاعل الغرور هو الشيطان، والمراد حينئذ كما ذكر العلامة في تفسير الميزان: (المراد بغرور الشيطان الانسان بالله اغترار الإنسان بما يعامل به الله الإنسان على غفلته وظلمه)، وتوضيح ذلك: أنه عندما يصل غرور الإنسان بالدنيا إلى أقصى درجاته فإن الشيطان يلقي في فكر الإنسان وقلبه غرورا آخر بأن يوجه نظره إلى معاملة الله له تارة بمظاهر الحلم والعفو وتارة أخرى بمظاهر الابتلاء والاستدراج والكيد.
فمعنى غروره بالله توجيهه أنظار الناس إلى حلم الله وعفوه وابتلائه ...الخ ، وبعبارة أخرى إن الإنسان عندما يغرق في المعاصي والآثام ويرى أن الاشتغال بالدنيا ونسيان الآخرة والإعراض عن الحق والحقيقة لا يستعقب عقوبة ولا يستتبع مؤاخذة وهذا النحو من الغرور هو ما ورد في قوله تعالى(فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا) يتوجه إليه الشيطان ليوقعه في نحو آخر من الغرور يحتاج فيه إلى جهد أكبر وسوسة أعظم ولذلك وصف الشيطان بالغَرور بالفتح مبالغة في التغرير والإيهام وهذا ما سميته الآية بالغرور بالهب بحيث يوجه الشيطان نظر الإنسان إلى صفات الهر وحلمه وعفوه فيتعامل معها بطريقة معكوسة كمن رأى السراب فأهرق ما عنده من الماء.
قال تعالى يا أَيُّهَا الإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ ) 82 / 6 أي أي شئ غرك بخالقك وخدعك وسوَّل لك الباطل حتى عصيته وخالفته ؟
والجواب: كما روي عن النبي صلى الله عليه وآله لما تلا هذه الآية قال : (غرَّه جهله) ، مع أن الكثيرين يقودهم غرورهم بالحصول على شهادة علمية مثلا إلى الاستخفاف بالإيمان بالله وبما جاء به النبيون وليس ذلك إلا لأن ما حصلوه لا يستحق أن يوصف بالعلم بل هو جهل محض.
وقيل للفضيل بن عياض : لو أقامك الله يوم القيامة بين يديه فقال : ما غرك بربك الكريم ماذا كنت تقول ؟ قال : أقول : غرني ستورك المرخاة ، وقال يحيى بن معاذ : لو أقامني الله بين يديه فقال : ما غرك بي ؟ قلت : غرني بك برك بي سالفا وآنفا وعن بعضهم قال : غرني حلمك ، وعن أبي بكر الوراق : غرني كرم الكريم .
أسباب الغرور:
الأصل في الغرور: الغفلة بسبب توسط شيء آخر، ومن لوازمه: الجهل ، والخداع ، والنقص ، والحدّة.والذي يسبب الغرور عند الإنسان عدة أمور:
فتارة يكون بتوسط حب الدنيا : كما في : ( وَغَرَّتْكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا ) (وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا ) ( فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا ) 31 / 33 ( وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ ) 3 / 185 أى غرهم متاع الحياة الدنيا من الشهوات والمال والجاه وحب الرياسة ونحو ذلك، فاستحبوا العمى على الهدى ، وباعوا آخرتهم بدنياهم، وهذا يعني أنهم هم الذين اغتروا وانخدعوا بالحياة الدنيا ، فلم يكن الإيهام من جانب الدنيا فهي واضحة بينة بعظاتها وتقلباتها ، وإنما الإيهام بسبب عماهم وانخداعهم وجهلهم.
وأخرى بالتقلَّب في البلاد: كما في ( فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ ) 40 / 4 قال في الميزان: (وتقلبهم في البلاد انتقالهم من طور من أطوار الحياة إلى طور آخر ومن نعمة إلى نعمة في سلامة وصحة وعافية ، وتوجيه النهي عن الغرور إلى تقلبهم في البلاد كناية عن نهي النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الاغترار بما يشاهده منهم أن يحسب أنهم أعجزوه سبحانه) .
وثالثة بالأماني:كما في: (وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الأَمانِيُّ ) 57 / 14 ( يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً ) 4 / 120 فانّ الأمانىّ توجب التمايل إلى الحياة الدنيا ، والانقطاع عن الآخرة .
ورابعة بالأقاويل المزينة: كما في ( يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً ) 6 / 112والزخرف الزينة المزوقة أو الشئ المزوق فزخرف القول الكلام المزوق المموه الذي يشبه الحق وليس به
تبادل الاتهام بالغرور: والعجيب أن المغرورين المنافقين يتهمون المؤمنين المتقين بالغرور ويتعرضون لهم بالتحقير والاستهزاء، لأنهم يؤمنون بالله العزيز وباليوم الآخر ويتعلَّقون بالغيب والمعنويات والروحانيات في هذه الحياة الدنيا ، غافلين عن المادّيّة : ( إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ ) 8 / 49 ( وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا ا للهُ وَرَسُولُه ُ إِلَّا غُرُوراً ) 33 / 12 فيحسبون أنّ الإيمان بالله ورسوله والدين والالتزام والعمل بأوامر الله وترك معاصيه بشكل عام والإيمان بالغيب والحياة بعد الموت بشكل خاص ،كل ذلك يؤدي إلى وقوع الناس بالغفلة عن سبيل الحياة الرغيدة والمعيشة السعيدة .
الغرور في كلام المعصومين: إن الغرور هو أساس كل شقاوة وأصل كل هلكة ومنبع كل شرٍّ ومصدر كل فساد فالانحطاط الأخلاقي والرذيلة والفاحشة والتفكك الاجتماعي والعدوات والتعديات ونحو ذلك ترجع إلى الغرور، ولذا ورد فيه الذم الشديد في الآيات والأخبار:
في مصباح الشريعة المنسوب لإمامنا الصادق (عليه السلام): " (المغرور في الدنيا مسكين، وفي الآخرة مغبون، لأنه باع الأفضل بالأدنى، ولا تعجب من نفسك، فربما اغتررت بمالك وصحة جسدك أن لعلك تبقى. وربما اغتررت بطول عمرك وأولادك وأصحابك لعلك تنجو بهم. وربما اغتررت بجمالك ومنبتك وإصابتك مأمولك وهواك، فظننت انك صادق ومصيب. وربما اغتررت بما ترى من الندم على تقصيرك في العبادة، ولعل الله يعلم من قلبك بخلاف ذلك. وربما اقمت نفسك على العبادة متكلفا والله يريد الإخلاص. وربما افتخرت بعلمك ونسبك، وأنت غافل عن مضمرات ما في غيب الله تعالى. وربما توهمت انك تدعو الله وانت تدعو سواه. وربما حسبت انك ناصح للخلق وأنت تريدهم لنفسك أن يميلوا إليك. وربما ذممت نفسك وانت تمدحها على الحقيقة )
الغرور حالة مرضية:
الغرور والإعجاب بالنفس حالة مرضية تعتري الإنسان بسبب الشعور بالتفوّق على الآخرين، والاعتداد بما عنده من : قوة، أو مال،أو جمال، أو سلطة، أو موقع اجتماعي، أو مستوى علمي ،أو مهنة يتقنها ، وتلك الظاهرة المرضية هي من أخطر ما يصيب الانسان،ويقوده الى المهالك، ويورطه في مواقف مفجعة، وأكثر ما يصيب الشباب، فالمراهقة من أكثر مراحل حياة الإنسان شعوراً بالغرور، والاعجاب بالنفس، والاستهانة بالآخرين،أو بالمخاطر والاحتمالات، والدخول في المغامرات.
والأخطر عندما يستولي الغرور على البعض فيتوهم أمورا لا تناسب حاله فيخجل من الانتساب إلى والديه وذويه أو قريته أو مدرسته وأساتذته أو يستخف بفكر الآخرين وآرائهم لأجل أنه حصل على تفوق علمي او منصب أو غير ذلك.
تضخم للذات:
يُعرّف الغرور على انه تضخم للذات بحيث يرى الشخص نفسه أنه هو الأفضل في كل شئ فهو الأعلم والأوجه والأجمل وأن مواقفه وأقواله هي الأصوب، وسائر الناس جَهَلة في كل شئ حتى في أمورهم الخاصة لا بد أن يرجع إليه ، وقد يبلغ به الاعتقاد بان الجميع يدورون في حلقة هو محورها .
مرجع الغرور:
يرجع الغرور في أصله إلى المبالغة في أمرين وصفتين حميدتين هما : الكبرياء والثقة في النفس ،أما الكبرياء فهو اعتزاز الشخص بكرامته وعدم ارتضائه بالمهانة، وأما الثقة بالنفس فهي اعتداد الشخص بما يتمتع به من صفات وقابليات فلا يقع في الضعف والاستكانة، فمثلا لو أن شابا أراد أن يتجاوز منحدرا فنظر إلى نفسه ولما يتمتع به من جسم رياضي وقوة بدنية تجعله واثقا بقدراته ومؤهلا لتخطي هذا العائق ثم قفز ونجح في ذلك فهو واثق غير مغتر ولو أن شخصا ليس لديه هذه الميزات فرآه فعل ذلك فأخذته العزة بالنفس وقال انا أفضل منه وأنا أذكى وأقوى وأجمل فقفز فعلا وتمكن من القفز ولكنه لم يتمكن من الوصول للطرف الآخر بل اكتفى بقعر المنحدر محطا أخيرا له .. حينها نقول انه أصيب بالغرور .
|
|
|
|
|