العودة   منتديات أنا شيعـي العالمية منتديات أنا شيعي العالمية المنتدى العقائدي

المنتدى العقائدي المنتدى مخصص للحوارات العقائدية

إضافة رد
   
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع

الصورة الرمزية kumait
kumait
عضو برونزي
رقم العضوية : 65773
الإنتساب : May 2011
المشاركات : 452
بمعدل : 0.09 يوميا

kumait غير متصل

 عرض البوم صور kumait

  مشاركة رقم : 1  
المنتدى : المنتدى العقائدي
افتراضي يكيفون الدين بصبغة الزمن
قديم بتاريخ : 21-11-2012 الساعة : 08:42 PM


يكيفون الدين بصبغة الزمن
محمد أمين زين الدين

يقولون: إن إنسان حلقت به قوادم الفكر، وتقدمت به تجارب العلم، وارتقت بيديه أساليب الحضارة، ولا يسوغ لدين الإسلام أن يتخذ من هذا التقدم المطرد موقف الحائر فلا يدري ما يصنع، أو المتفرج فلا يهمه أكثر من أن ينظر. على الإسلام أن يبارك الحضارة وأن يؤازر العقل وأن يواكب العلم، لأنه دين الأبد، ودين الناس أجمعين، فلو وقف حيث تتطور الحياة، أو تتقهقر حيث تطرد الحركة فيها، لعدت رسالته ناقصة ولأصبحت أدواره منتهية، وكان وقوفه هو البرهان الدامغ على قصوره.. هذا ما يقولون. وهذا حق كله ولا مساغ لمسلم أن يجادل فيه.

يبتغون من الإسلام أن يساند العقل، وهل أنزل الإسلام إلا لمساندة العقل ونظم حركاته وتسديد خطواته؟ وسنعلم أي مبلغ بلغه الإسلام من هذا الشأن. ويتطلبون منه أن يبارك الحضارة، وتعاليم الإسلام وتأريخه المشرق الوضاء شاهد صدق بما لهذا الدين من يد في بناء الحضارة، ودعم أسسها وإعلاء مستواها. ويريدون منه أن يساير العلم، والخبيرون بطبيعة هذا الدين المطلعون على أسراره يعلمون مدى اتصاله بالعلم وارتكازه على قواعده. كل هذا حق لا جدل فيه. ولقد قام به الإسلام خير قيام.

ولكن:

أيتوقعون أيضا ً أن ينزلق الناس وراء أهوائهم، ويمنعوا في إرضاء شهواتهم ثم يقولون لدين الله: عليك أن تصحب الزمن وتناصر الحركة وتساير الركب لأنك مرن تتسع لكل جديد وتنسجم مع كل حادث؟!.

أو يأملون كذلك أن تختلف العقول وتتباين نظراتها، وتتناقض نتائجها ثم يهتفون بالإسلام: عليك أن تؤمن بكل رأي وتصفق لأي قائل وتتبنى كل نظرية لأنك الدين الذي وضعه الله للقرون؟!.

أيطمعون بهذا كله وبأمثاله من دين الإسلام، لأنه مرن يتسع لكل جديد، ولأنهم يؤثرون أن يفسروا مرونته بما يشتهون؟!.

أي دين هذا الذي يتلون مع الحوادث تلون الحرباء؟! وأية شريعة هذه التي لا تحتفظ لذاتها بجوهر ولا تتميز بصبغة، عدا هذا الإنسجام البارد، والتكيف المتناقض؟!.

يعرف الإسلام من معنى التوجيه أن يأخذ بيد المتردي حتى ينهض به إلى القمة، لا أن ينزلق معه إلى الهاوية، وأن يتولى قيادة الغريق فينجيه إلى الساحل، لا أن يرتكس معه في اللجة، وأن يسعف المبتلى حتى ينيله الصحة، لا أن يرتطم معه في العلة!!.

ويعرف الإسلام من معنى التوجيه أن يحفز العقول على التسامي ويحضها على الإستكمال ويدلها على مواقع النظر، ويومي لها إلى وجوه البرهنة، لا أن يؤمن بكل ما تستنتجه من نتيجة وبكل ما تلوج لها من لائحة.

الإسلام مرن يقبل كل جديد من الحق ويحترم كل ثابت من العلم. وهذه إحدى بينات الصدق فيه وإحدى المميزات الغفيرة التي يعتز بها. يرحب بكل جديد من الحق، لأن الحق واحد وليس بجديد ولا قديم. ويحترم كل ثابت من العلم، لأن العلم يرقى بالإنسان عن أفن الجهل ويطهره من درن الشك وينقذه من غوائل الإضطراب والقلق. وهذه بذاتها هي الغاية التي أرادها الله سبحانه للإنسان لما شرع له الدين: (( لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا ً من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين)).

أما نظريات العلم فقد علم المطلعون إنها ( حوّل قلب) وليس من النصف أن نكلف دينا ً ما بتصديقها كلها أو بتصديق شيء منها على الخصوص. ومرونة الدين في هذه المواقف أن يكون رحيب الصدر أمام الحوادث، يحفز العقول أن ترتقي ويذكي المواهب أن تتفق، ويحض العلم أن يتقدم ويطرد، ويتخذ هو لنفسه موضع الإشراف على الحركة، فيقبل من النتائج ما محصته التجربة واثبتته الملاحظة حتى استحال عليه التغير، وينتظر بما سواه حكم العلم في أدواره المقبلة. لا يضيق الإسلام بشيء من الأشياء ولا برأي من الآراء إذا كان لذلك الشيء أو لذلك الرأي متسع من الحق لأن الإسلام دين الحق عليه يرتكز ومنه يقتبس: (( هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله))

(( وبالحق أنزلناه وبالحق نزل، وما أرسلناك إلا مبشرا ً ونذيرا ً)).

أما علوم الكون واكتشاف سنن الحياة واجتلاء نواميس الطبيعة فإن الإسلام يتخذ منها أدلة قاهرة على توحيد باري الكون، وأمثلة ملموسة لقدرته الكاملة وتدبيره الحكيم المتقن، والقرآن الكريم يذكر هذا في كثير من آياته. ويصل به وفرة كبيرة من تعاليمه.

فيقول مثلا ً في الآية المائة والثالثة والستين وما بعدها من سورة البقرة: (( وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم. إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار، والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس، وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة، وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون)).

ويقول في الآية الخامسة وما بعدها من سورة الحج: (( يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة...وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج. ذلك بأن الله هو الحق، وأنه يحيي الموتى، وأنه على كل شيء قدير، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور)).

علم الفلك وعلم طبقات الأرض وعلم الحياة وعلم الأحياء وعلم الأجنة وعلم النبات وعلم النفس وعلم الأنواء وعلم الملاحة وعلم أسرار التكوين، كل هذه أدلة قاطعة على وحدة الله خالق الكون وعلى قدرته التامة. وعلى حكمته البالغة وعلى علمه المحيط وعلى أنه سبحانه هم المبدأ والمنتهى لهذا العالم ولكل ما فيه من حي، والقوة والمدد لكل ما فيه من شيء. هذا ما تقوله الآيات الكريمة المتقدمة وتكرره آيات أخرى موفورة العدد. والثمرة الواضحة المحتومة لذلك أن العلوم الكونية كلما أطردت في التقدم وكلما ازدادت نتائجها في الوضوح كانت إفادة الإسلام منها أكبر، وكانت دلالتها على صدقه أظهر.

وللإسلام علوم خاصة ولدت في أحضانه، وعلوم أخرى عامة تبناها في كتابه، حسبي أن أوميْ إليها هنا إيماءة عابرة، فهي مشهورة يعلمها الناظرون في الكتاب المتدبرون لقوانين الشريعة.

وإذا اسثنينا علوما ً شاذة منع الإسلام عنها من حيث إنها لا تقتبس من واقع، ولا تمت إلى عقل ولا تتكئ على حجة، ومن حيث أنها تعاكس المجرى الطبيعي للحياة، وتخالف الإتجاه المستقيم للفكر، وهذه كعلم السحر والشعوذة والكهانة وبقية العلوم المضللة- إذا تجاوزنا بهذه الكلمة عن معناها فاعتبرنا هذه من العلوم- أقول إذا اسثنينا هذا الصنف وحده أمكننا أن نحكم دون تردد ولا استثناء أن الإسلام نصير كل علم وعدو كل جمود، وقد شهد التاريخ بصحة هذا الحكم في جميع أدوار الإسلام، وفي القرآن إشادة بفضل العلماء من كل صنف، وفي وصايا الشريعة تحريض على طلب العلم من أي نوع، وفي مذهب الأئمة الطاهرين من أهل البيت(ع) يجب طلب أي علم يتوقف عليه تنظيم الحياة.

ومظهر آخر للمرونة في دين الإسلام أنه سن للحوادث كلها أحكاماَ ً عامة شاملة لجميع الأزمان, ثم وضع لهذه الأحكام استدراكات قد تسوق إليها الحجة وتحويرات قد يدعو إليها تعارض وجوه المصلحة. فهو الدين الذي يرعى الصوالح العامة, ويتخذ الأهبة للطوارىء الخاصة, ويعالج الأمراض بما يجتث الداء و يضمن الشفاء، وهو الدين الذي لن يضيق على أحد في حال ولن يكون حرجا ً في زمان. هذه طبيعة التشريع في دين الإسلام قوة ليس فيها إسراف وتسامح ليس معه إسعاف، واعتدال ليس به عوج وتطهير ليس فيه حرج.

والإسلام هو الدين الذي فتح باب الاجتهاد في الأحكام فوضع له القواعد وقرر له المناهج، ويسر إليه السبيل، وأثاب المجتهد أجرين حين يصيب، ولم يحرمه من المثوبة حين يخطئ. ولن يشذ المجتهد المسلم عن طبيعة التشريع في الإسلام ما دام يقبس مادة اجتهاده من أصول هذا الدين ويرتبط بنصوصه ويتقيد بمفاهيمه، ولن يحمل عليه أثقال سواه مادام يعلم غنى الإسلام بروحه واستقلاله بمناهجه، وما دام يعلم أن للإسلام وحدة متماسكة لن تتجزأ، وأن لأحكامه صبغة واحدة لن تتغير. ومن أثر الاجتهاد المستمر أن يغذي الأفكار المتطورة ويبحث الحقائق المتجددة ويسد الحاجات المتسلسلة.

ولا يزال الإثنا عشرية من شيعة أهل البيت (ع) يستمسكون بهذا المبدأ الذي وضعه الإسلام، وهم ينيطون بالمجتهد العادل أهم المناصب الإجتماعية كالإفتاء والحكم وأكثر الولايات العامة وبعض الولايات الخاصة، ولا يرون غير المجتهد العادل لها أهلا ً، ولذلك فالاجتهاد عندهم من فروض الكفاية. أما المذاهب المسلمة التي حرمت أنفسها فضل هذه النعمة، وسدت عنها باب هذه الرحمة، أما أهل هذه المذاهب فلا يفتأون يتعلقون بأذيال سياسة زمنية قديمة كان من رأيها أن تحصر الإفتاء في رجال، وأن تحشر الناس إلى آراء، فخصصت موارد الفتوى، وأقفلت باب الاجتهاد، ثم انتهى عمر هذه السياسة ولم ينته أمد هذا الرأي.

وقد لاحت في الآونة الأخيرة بوادر دعوة جديدة إلى حل هذا الوثاق القديم، وهي- بعد- لم تبرح فكرة فتية لها مؤيدون من رجال الدين ولها معارضون، وأمل المسلمين كبير أن يدركهم اليوم الذي يكسر فيه القيد وتجنى فيه ثمار الفكر الحر.

وبعد كل هذا الذي قدمناه فهل يرتاب منصف في مرونة الإسلام وفي انسجامه مع طبائع الأشياء؟ وهل يحتاج في تفسير مرونته إلى أقاويل هؤلاء الذين أملي عليهم ما لا يفهمون، وعرضهم التطفل لما لا يحسنون.


توقيع : kumait


يحتاج الإنسان إلى سنتين ليتعلم الكلام وخمسين ليتعلم الصمت
إرنست همنغواي
من مواضيع : kumait 0 تأملات في فتوى جهاد النكاح
0 وجه واحد!
0 هل الهاتف المحمول كان موجودا عام 1938؟
0 الاعلام العربي و أشكالية الضمير..
0 الأرض تستعد لمواجهة «عاصفة شمسية مدمرة»
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الشبكة: أحد مواقع المجموعة الشيعية للإعلام

الساعة الآن: 08:42 PM.

بحسب توقيت النجف الأشرف

Powered by vBulletin 3.8.14 by DRC © 2000 - 2024
جميع الحقوق محفوظة لـ منتديات أنا شيعـي العالمية


تصميم شبكة التصاميم الشيعية