العفو من الصفات التي يجب أن يتحلى بها الإنسان في معاشرته مع الناس، فإن أساء إليكم شخص من الممكن أن تسيئوا إليه كما أساء إليكم. لكن اعفوا عنه واصفحوا، فالعفو من أحسن الصفات وأسماها في الأوقات التي يتعرض فيها المرء لإساءة أو سوء أدب من قبل أخيه المؤمن، وفي لحظات الغضب والانفعال التي تدعو صاحبها إلى رد السوء بالسوء.
في تلك الحالات يكون الإنسان حيواناً حقيقياً، أسير غضبه ونفسه التي تستهدف فقط منافعها الشخصية. وعند العجز عن رد الإساءة بالمثل يقبل البعض بالذلة والضعف، ومتى سنحت الفرصة للرد يكون الرد وحشياً شديداً. إن هذه مســألة طبيعية لدى الإنسان، ولكن علينا ضبطها وتقييدها.هذه الحالة الحيوانية التي تظهر حين غضبنا وحين الرد على من أساء إلينا، يجب أن نسيطر عليها.
عفو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم عفا عن وحشي الذي قتل حمزة بن عبد المطلب، لقد كان لقتل حمزة في "أحد" وقع كبير على قلب النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وقد قيل ان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أقسم إنه اذا وجد الوحشي سيفعل به كذا وكذا... وبعد حادثة "أحد" التي كانت في العام الثالث بعد الهجرة مرت السنين إلى أن تم فتح مكة في العام الثامن، وكان الوحشي حينها في مكة ففر منها إلى الطائف حيث إنها كانت أبعد، ولكن أهل الطائف عندما رأوا جيوش النبي صلى الله عليه وآله وسلم تتحرك نحوهم أرسلوا جماعة لإبلاغ النبي صلى الله عليه وآله وسلم باستسلامهم، فعلم الوحشي بذلك وخاف على نفسه، كما هو حال أمثاله اليوم زمن الحرب مع العراق. نعم فأعداء الثورة الذين فروا إلى العراق كانوا يخافون من الإيرانيين أن يدخلوا العراق ويقضوا عليهم، وهكذا كان الوحشي. ففكر أن يذهب إلى اليمن أو الروم أو الشام، لكن الوقت لم يسعفه ولم يقدر على الذهاب إلى أي مكان، فقال له أحد أصدقائه انه لا داعي لأن يحزن فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم رجل رحيم وسوف يعفو عنه إن آمن به وبدينه، ولأن وحشياً لم يجد مفراً غير هذا، فقد ذهب إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليلاً ودخل عليه فجأة، حتى إذا ما رآه النبي صلى الله عليه وآله وسلم نطق وحشي بالشهادتين. لقد نظر النبي صلى الله عليه وآله وسلم إليه نظرة غاضبة وقال: "هل أنت وحشي". فقال: نعم. وكان من حق النبي صلى الله عليه وآله وسلم وباستطاعته قصاصه (وإن أسلم)، لكنه قال صلى الله عليه وآله وسلم: "ويحك تغيّب عني" حيث تقال هذه الكلمة عند اظهار الرحمة والشفقة والتعامل بالحسنى، وقد يفسر قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم الكريم أنه لم يرد رؤية وحشي حتى لا يثير أحاسيسه ويذكره بالجرم الذي ارتكبه، وهكذا فقد عفا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عنه.
نموذج آخر من عفو النبي صلى الله عليه وآله وسلم
يروى أنه في بداية الدعوة الإسلامية أتى رجل إلى النبي في مكة وبصق في وجهه ــ لاحظوا أن الإنسان اذا بُصق في وجهه كيف سيكون حاله ــ فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم انه سيقتله إن وقع بين يديه يوماً. ولقد عرف المسلمون أن هذا الرجل أهان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأنه صلى الله عليه وآله وسلم ينوي قتله. وبعد مرور عدة حروب وانتشار الدين الإسلامي بشر أحدهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأنه تم القبض على ذلك الرجل وسيؤتى به إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم. كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم ــ ومن حقه ذلك ــ يريد قتله، فلما أُحضر بين يديه نزع النبي صلى الله عليه وآله وسلم رداءه وسحب سيفه ثم تحرك نحوه، فقال ذلك الرجل: "أشهد أن لا اله إلاّ الله"، فقال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: "ألست فلاناً؟" قال: "بلى". قال صلى الله عليه وآله وسلم: "أرأيت كيف أذلّك الله وأعز الإسلام"، قال: "نعم، ولكن لا تقتلني" وأسلم... عندها أعاد الرسول سيفه إلى غمده وارتدى عباءته وقال: "دعوه".
طبعاً يصح العفو في غير إقامة الحدود الشرعية، أما فيما يتعلق بالحد الشرعي فيجب تطبيقه دون تردد. لا يمكن أن يعفو الإنسان عن أعداء الله، لكن الإمام وقائد الأمة الإسلامية باستطاعته، ونيابة عن الأمة الإسلامية، العفو عن بعض الكفار والمؤمنين الخاطئين؛ لكن يده ليست مبسوطة إلى الحد الذي يفعل فيه ما يريد. المسلمون لا يعفون عن حق الله، ولكن باستطاعتهم العفو في ما يتعلق بهم.
أحاديث النور
قال الإمام الصادق عليه السلام: العفو عند القدرة من سنن المرسلين والمتقين.
وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم حاكياً عن ربه يأمره بهذه الخصال، قال صلى الله عليه وآله وسلم: صلْ من قطعك، واعف عمن ظلمك، واعط من حرمك، وأحسن إلى من أساء اليك.
وقد أمرنا بمتابعته، يقول الله عز وجل: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾(الحشر:7).
والعفو سر الله في القلوب، قلوب خواصه ممن يسرُّ له سره.
وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: أيعجز أحدكم أن يكون كأبي ضمضم. قالوا: يا رسول الله، وما أبو ضمضم؟ قال: رجل كان ممن قبلكم، كان إذا أصبح يقول اللهم إني أتصدق بعرضي على الناس عامة.
{ التمس لاخيك سبعين عذرا فأن لم تجد له
عذرا ًفقل له عذرا ً}
يعني أنك لابدفي آخر الأمر أن تقبل العذر.
فأفسح اخي الطريق وأصفح لمن أخطأ عفوا ًبحقك إذا رايته يريد إن
يتقرب إليك ويلاطفك الكلام ويريد أن يخرج من دائرة سخطك
وغضبك فأفتح له المجال وأعطه الفرصة ليشرح لك وضعه
ولا تتكلم فيما سلف ولا تعدد عليه أفعاله وأخطاءه
أسأ ل المولى عزوجل أن يهدينا جميعا إلى
مايحبه ويرضاه وأن يمنحنا سعة الصدر
والــعفو عند المقدرة