|
شيعي فاطمي
|
رقم العضوية : 23528
|
الإنتساب : Oct 2008
|
المشاركات : 4,921
|
بمعدل : 0.84 يوميا
|
|
|
|
المنتدى :
المنتدى الفقهي
وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ
بتاريخ : 11-07-2010 الساعة : 03:23 AM
وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ
آية الله الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً}(الإسراء: 85).
* لفظة الروح في القرآن الكريم
استُخدمت كلمة (الروح) في القرآن الكريم في معانٍ مختلفة، فهي:
1 - القرآن: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا} (الشورى:52).
2 - الملك العظيم الذي ينزل ليلة القدر {تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا
2 - الملك العظيم الذي ينزل ليلة القدر {تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّبِإِذْنِ بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ} (القدر:4).
3 - التأييدات والإمدادات الإلهية {وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ} (البقرة: 87).
4 - الروح التي تقابل الجسم، مثلما نقول إنّ الإنسان مركب من جسم وروح، يقول تعالى في الآية (29) من سورة الحجر حول خلق آدم: {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ} (الحجر:29).
وهذا المعنى هو نفسه الذي ورد في سورة الإسراء (الآية:85) في قوله تعالى {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً} وهي «روح الإنسان»، وهي مورد بحثنا في هذا المختصر.
* نظرة الإلهيين والماديين إلى الروح
إنّ البحث حول الروح الإنسانية يُعتبر الخط الفاصل بين الإلهيين والماديين، إذ يعتقد الإلهيون أنّ الإنسان مركّب ثنائي له جسم وروح، وبعد موته تنفصل روحه عن جسمه وتبقى حية وتعود إلى الجسم يوم القيامة حيث ترتبط به ويتحقق المعاد الجسماني والروحاني.
أمَّا الماديون فينكرون مثل هذه الفكرة ولا يعتقدون بأنَّ الإنسان مركّب من جسم وروح بل مركّب من جسم فحسب، وأنَّ الفكر والتدبير والعقل والذكاء وأمثال ذلك من الخواص الكيميائيَّة والفيزيائية لمادَّته الدماغية، التي لا يرون مانعاً من إطلاق الروح عليها ولكن بعد موت الإنسان، تتلاشى هذه الروح ولا تحيا من جديد.
* رأي الإلهيين بشكل أوضح
إن الإنسان مركّب من حقيقتين، إحداهما قليلة القيمة، والأخرى ذات قيمة عالية، إذ إنَّ البعد الجسمي للإنسان قليل القيمة حيث وصفه الله عزّ وجلّ بقوله: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ} (الحجر: 26).
وبناءً على هذه الآية الشريفة، فإن الإنسان لم يُخلق من طين عادي بل خُلق من ثفالة الطين ذي الرائحة غير المقبولة، وفي هذا دليل على عظمة الله عزّ وجلّ وقدرته حيث خلق مخلوقاً شريفاً من هذا الطين المتعفِّن. أمَّا العنصر الآخر للإنسان فهو الروح التي وصفها الله عزّ وجلّ بروحه، لعظمة شرفه وعظمته في حين نعلم أنَّ الله ليس له روح وجسم. وفي النتيجة، بما أنَّ الإنسان مركّب من جسم وروح وبما أنَّ الشيطان كان خبيثاً وملوثاً بالتكّبر والحسد والغرور فإنَّه لم ينظر إلى الجانب الروحي للإنسان بل إلى الجانب المادي له (من حمأ مسنون) وقال: {لَمْ أَكُن لِّأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ}.
* أدلَّة وجود الروح
توجد أدلة كثيرة لإثبات وجود الروح، وفيما يلي سوف نقوم بالإشارة إلى ثلاثة نماذج منها بشكل مختصر:
1 - الدليل العقلي:
لكلٍّ منا ذكريات عن مرحلة طفولته ونشأته ومرحلة دراسته وخدمته العسكرية، وغير ذلك ممَّا نحفظه في ذاكرتنا. وتبقى هذه الذكريات لسنوات في ذهننا ولا يطرأ عليها أي تغيّر، في حين أنَّ مادَّة الدماغ في تحوّل دائم وتتبدل كلَّ سنة بشكل كلي، فكيف تبقى هذه الذكريات معنا على الرغم من تبدّل هذه المادة؟ وأين تقع ملفَّات ذكرياتنا من الدماغ؟ ولو جعلنا المادة الدماغية تحت مجهر دقيق ومتطوِّر جداً نستطيع أن نكتشف به أدق وأكثر الجراثيم تطوّراً فإننا لن نستطيع إيجاد تلك الصور والذكريات التي نتذكرها. إذاً فإنَّ تلك الذكريات والصور في مكان أبعد من الدماغ وجسم الإنسان وتسمّى الروح. ولكن أين تقع الروح؟ نعم إنَّ جميع تلك الملَّفات والذكريات تُحفَظ مؤرشفة في ذلك المكان، وإلا لو أنكرنا الروح فإننا لن نستطيع أن نجد إجابة عن الأسئلة المذكورة أعلاه، بتعبير آخر: فلنفترض أننا جالسون بجانب بحر تتلاطم أمواجه وكلَّما أردنا أن نسعى لدرك نهاية تلك المياه فإننا لا نستطيع أن نرى إلا الماء، وأن نشاهد بجانب ذلك البحر جبالاً عظيمة تطاول السماء، ونستطيع أن نشاهد تلك الجبال وحولها غابات واسعة مليئة بالأشجار، ونتمتَّع بالنظر إلى تلك المناظر الطبيعية الجميلة والجذابة، فإذا قمنا بعد ذلك بإغلاق أعيننا لحظة واحدة فماذا سيحدث؟ نلاحظ أنَّ صورة جميع تلك المشاهد من البحار والجبال والغابات والأشجار انطبعت في ذهننا، ونستطيع أن نراها بنفس ذلك المقياس لا أصغر منه، وتوجد في أذهاننا. عندها يجب أن نتساءل أين توجد تلك الصور والخرائط في الخلايا الرمادية من دماغنا؟ يعتقد الماديون أنَّها آثار فيزيائية وكيميائية لدماغنا، ولكن هل يمكن قبول أنَّ تلك الصور التي تتمتَّع بتلك الكبر تستطيع أن تُحفظ في خلايا دماغنا التي تكون بذلك الصغر والدقة وتحتفظ فيها دون أن تصغر ذرة واحدة؟ لذا يجب علينا أن نقبل أنَّ هناك روحاً عظيمة ما وراء أجسادنا، حيث تتموضع تلك الصور بنفس مقياسها الحقيقي هناك. ولذا فإنَّه لا شك أنَّ الإنسان يمتلك بالإضافة إلى الجسد روحاً كذلك.
2 - الآيات القرآنية:
يتخيل بعض الناس أنَّ القرآن العظيم قد تحدَّث عن الروح قليلاً، في حين أنَّه توجد آيات كثيرة من القرآن الكريم تحدَّثت حول الروح وبحثت فيها حيث نشير إلى أربع مجموعات منها:
أ- الآيات المتعلِّقة بالشهداء:
هناك آيات في القرآن الكريم تتحدَّث عن حياة الشهداء في عالم البرزخ، منها الآية الشريفة (169) من سورة آل عمران حيث يقول تعالى: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}. فهل للشهداء حياة جسميَّة؟ إنَّ الجواب عن هذا السؤال واضح بأنَّ هؤلاء الأعزَّاء الذين تقطعت أجسادهم وأحياناً لم يبق من أجسادهم إلا قطعة عظمية صغيرة، هؤلاء ليست لهم حياة جسدية فقط، ولذا فإنّ المقصود من حياة الشهداء هو حياة الروح، وما يرزقونه عند الله عزّ وجلّ متعلق بأرواحهم ولذلك فإنه طبقاً للآية الكريمة توجد روح للإنسان أيضاً.
ب- آيات العذاب حول فرعون وأتباعه:
تتحدث الآية الشريفة حول عذاب فرعون وأتباعه حيث يقول تعالى:
{النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} (غافر:46).
إنَّ العذاب المذكور في الآية أعلاه متعلِّق بعالم البرزخ حيث تتحدَّث الآية في نهايتها عن عذابهم يوم القيامة كذلك، ولكن هل تتعذَّب أجسادهم أو أرواحهم؟ لا شك أنَّ أرواحهم تتعذَّب هناك، لأنَّ أجسادهم تتلاشى بعد مدّة قصيرة من موتهم، لذا فإنَّ هذا دليل على وجود الروح، وإن أرواح الشهداء تتنعم في عالم البرزخ، في حين أن أرواح الكفار الظالمين تكون في عذاب هناك.
ج- آيات قبض الروح:
هناك آيات متعدِّدة في القرآن الكريم تتحدَّث عن قبض أرواح الناس ومنها الآية (11) من سورة السجدة حيث يقول تعالى: {قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ}.
عندها نتساءل ما الذي تقبضه ملائكة الموت؟ فهؤلاء الملائكة لا يقبضون أجساد الميتين بل إنَّهم يقبضون أرواحهم.
د- الآيات المتعلِّقة بالنوم:
في الآية (42) من سورة الزمر التي تُعتبر من الآيات التي تتحدث عن النوم يقول تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}. عند الموت تنفصل روح الإنسان عن جسده بشكل كامل، أما أثناء النوم فإنَّ روحه تنفصل عن جسده بشكل ناقص، لذا فإنَّ النوم دليل آخر على وجود الروح. وبالتالي فإنَّه توجد آيات كثيرة في القرآن الكريم تدل على وجود هذه الروح.
3 - الارتباط بالأرواح في كلمات الإمام علي(عليه السلام):
بناءً على الرؤية المذكورة في نهج البلاغة، فإنّه(عليه السلام) أثناء رجوعه(عليه السلام) من حرب صفين توقف خلف بوابة الكوفة(3)، عند مقبرة المدينة، وأراد(عليه السلام) أن يعطي درساً لأصحابه وأتباعه الذين رجعوا من معركة صفين المليئة بالأحداث، لذا خاطب المدفونين تحت تراب تلك المقبرة والذين رحلوا نحو ذلك العالم وقال لهم: «يا أهل الديار الموحشة! والمحال المقفرة، والقبور المظلمة، يا أهل التربة! يا أهل الغربة! يا أهل الوحدة، أنتم لنا فرط سابق، ونحن لكم تبع لاحق». وبعد أن بيَّن(عليه السلام) أحوال هؤلاء الموتى في القبر، وذكر حتمية الموت وخاطب الأموات، حدثهم بما جرى بعد موتهم في ثلاث عبارات: «أما الدور فقد سُكنت وأما الأزواج فقد نُكحت وأما الأموال فقد قُسمت هذا خبر ما عندنا».
ثمَّ سألهم قائلاً: «فما خبر ما عندكم؟ ثمَّ التفت إلى أصحابه فقال: أما لو أُذِنَ لهم في الكلام لأخبروكم أن خير الزاد التقوى»(4).
وحين يقول علي(عليه السلام): أما لو أُذن لهم في الكلام، فإنّ ذلك دليل على وجود الأرواح وأنّهم يستطيعون أن يكونوا معنا، ويتكلموا معنا ولكن ذلك يحتاج إلى إذن إلهي.
أيها القراء الأعزاء! عليكم أن تفكروا من الآن في زادكم للآخرة، وتعوّضوا ما فاتكم، إذ في غمرة قيام الساعة لن يفكِّر أحد بأحد آخر، بل إنَّه يتخلَّى عن أحبِّ الناس إليه ولا يفكر إلاّ في إنقاذ نفسه، نسأل الله تعالى أن يوفقنا لإعداد ذلك الزاد لتلك اللحظات الموحشة.
*****
الهوامش:
(1) راجع تفسير الأمثل، ج12، ص352.
(2) وقد تكررت هذه الآية الكريمة في سورة ص، الآية 72.
(3) في العصور الغابرة كان يُنصَب حول المدن حائط وسور كبير، ويفتحون بوابات لدخول الأفراد وخروجهم من وإلى المدينة، حتى يأمن أهل تلك المدن من شر السراق والأعداء، وكانت المقابر عادة (خارج تلك الأسوار).
(4) نهج البلاغة، الكلمات القصار، ص130.
|
|
|
|
|