تقدم الشيعة في علم السير
فأول من وضعه عبيد اللّه بن أبي رافع مولى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم، صنف في ذلك على عهد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، وكان كاتبه المنقطع إليه.
قال الشيخ أبو جعفر الطوسي في كتاب «فهرست كتب الشيعة» عبيد اللّه بن أبي رافع كاتب أمير المؤمنين عليه السلام له كتاب «قضايا أمير المؤمنين» وكتاب «تسمية من شهد مع أمير المؤمنين الجمل وصفين والنهروان من الصحابة» وتصنيفه مقدم على ما ينسب إلى عروة بن الزبير على كل حال.
وأول من كتب سيرة النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم على الصحيح هو محمد بن إسحق المطلبي مولاهم المدني، قال في «كشف الظنون»: أول من صنف في علم السير الإمام المعروف بمحمد بن إسحاق رئيس أهل المغازي المتوفى سنة 151 هـ، فإنه جمعها وقال في باب حرف الميم علم المغازي والسير، مغازي رسول الله عليه السلام، جمعها محمد بن إسحاق أولا، ويقال أول من صنف فيها عروة ابن الزبير.
قلت: لا يعرف ذلك أهل العلم بالتاريخ، وإنما عدل السيوطي في كتاب الأوليات عن ابن إسحاق إلى ابن الزبير مع شذوذه، لأن ابن إسحق من الشيعة كما في تقريب ابن حجر، وقد نص أصحابنا على تشيعه في كتب الرجال
تقدم الشيعة في الإسلام في مكارم الأخلاق
فاعلم أن أول من صنف فيه هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، كتب كتاباً فيه عند منصرفه من صفين، وأرسله ألى ولده الحسن أو محمد بن الحنفية، وهو كتاب طويل جمع في جميع أبواب هذا العلم وطرق سلوكه، ومكارم الملكات، وكل المنجيات والمهلكات، وطرق التخلص من تلك الهلكات، رواه علماء الفريقين وأثنوا عليه بما هو له أهل، رواه الكليني منا في كتاب «الرسائل» من عدة طرق، ورواه الإمام أبو محمد الحسن أبن عبد اللّه بن سعيد العسكري، وأخرجه بتمامه في كتاب «الزواجر والمواعظ» قال: ولو كان من الحكمة ما يجب أن يكتب بالذهب لكانت هذه، قال: وحدثني بها جماعة ثم ذكر طرقه في رواية الكتاب.
وأول من صنف فيه من الشيعة إسماعيل بن مهران بن أبي نصر أبو يعقوب السكوني، وسماه كتاب «صفة المؤمن والفاجر» وله جمع خطب أمير المؤمنين عليه السلام وأمثاله، ذكرهما أبو عمرو الكشي، وأبو العباس النجاشي في فهرست أسماء المصنفين من الشيعة، وذكروا أنه روى عن عدة من أصحاب أبي عبد اللّه الصادق، وعمر حتى لقى الإمام الرضا عليه السلام وروى عنه وهو من علماء المائة الثانية.
وقد صنف فيه من القدماء الشيعة كأبي محمد الحسن بن علي بن الحسن بن شعبة
الحراني من علماء المائة الثالثة، صنف كتاب «تحف العقول فيما جاء في الحكم والمواعظ ومكارم الأخلاق عن آل الرسول» وهو كتاب جليل لم يصنف مثله، وقد اعتمده شيوخ علماء الشيعة، كالشيخ المفيد ابن المعلم، ينقل عنه وغيره حتى قال بعض علمائنا: هو كتاب لم يسمح الدهر بمثله، وكعلي بن أحمد الكوفي المتوفى سنة 352 هـ صنف كتاب «الآداب» وكتاب «مكارم الأخلاق» وكأبي علي بن مسكويه المتقدم ذكره، صنف كتاب «تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق»، يشتمل على ست مقالات، لم يصنف مثله على التحقيق، وقد تقدم ذكر ابن مسكويه، وقد ذكرت في الأصل طبقات من أئمة هذا العلم وما صنفوا فيه.
تقدم الشيعة في الإسلام في علم الفرق
فأول من دوّنه وصنف فيه كتاب «أديان العرب» هو هشام بن محمد الكلبي المتوفى سنة 206، كما نص عليه ابن النديم في «الفهرس» ثم صنف في كتاب «الآراء والديانات» وكتاب «الفرق» الفيلسوف المبرز على نظرائه في زمانه قبل الثلاثمائة الحسن بن موسى النوبختي، وهو مقدم على كل من صنف في ذلك كأبي منصور عبد القادر بن طاهر البغدادي، المتوفى سنة 429 تسع وعشرين وأربعمائة هـ. وأبي بكر الباقلاني المتوفى سنة 403 ثلاث وأربعمائة هـ وابن حزم المتوفى سنة 456 ست وخمسين وأربعمائة هـ وابن فورك الأصفهاني المتوفى سنة إحدى وخمسين وأربعمائة وحواليها أبي المظفر طاهر بن محمد الأسفراني المتأخر عن هؤلاء، والشهرستاني المتوفى سنة 548 ثمان وأربعين وخمسمائة هـ ولا أعرف من تقدم على هؤلاء في ذلك غير الكلبي والحسن بن موسى النوبختي.
وقد نص ابن النديم والنجاشي وغيرهما على تصنيفهما في ذلك في ترجمتهما عند سرد فهرست مصنفاتهما، وكتاب الفرق موجود عندنا منه نسخة، هو في فرق الشيعة.
وقد تقدم على هؤلاء في التصنيف في ذلك من الشيعة نصر بن الصباح شيخ أبي عمرو الكشي الرجالي، صنف كتاب «فرق الشيعة» ولأبي المظفر محمد بن أحمد النعيمي كتاب «فرق الشيعة»، وأبو الحسن علي بن الحسين المسعودي المتوفى 346 ست وأربعين وثلثمائة هـ صنف كتاب «المقالات
تقدم الشيعة في علم أصول الفقه
فاعلم أن أول من فتح بابه وفتق مسائله هو باقر العلوم الإمام أبو جعفر محمد بن علي الباقر، وبعده ابنه أبو عبد اللّه الصادق، وقد أمليا فيه على جماعة من تلامذتهما قواعده ومسائله، جمعوا من ذلك مسائل رتبها المتأخرون على ترتيب مباحثه ككتاب «أصول آل الرسول» وكتاب «الفصول المهمة في أصول الأئمة» وكتاب «الأصول الأصلية» كلها بروايات الثقات مسندة متصلة الإسناد إلى أهل البيت عليهم السلام.
وأول من أفرد بعض مباحثه بالتصنيف هشام بن الحكم شيخ المتكلمين، تلميذ أبي عبد اللّه الصادق عليه السلام، صنف كتاب الألفاظ ومباحثها، هو أهم مباحث هذا العلم، ثم يونس بن عبد الرحمن مولى آل يقطين، تلميذ الأمام الكاظم موسى بن جعفر عليه السلام، صنف كتاب «اختلاف الحديث» وهو مبحث تعارض الدليلين والتعادل والترجيح بينهما.
وقال السيوطي في كتاب «الأوائل»: أول من صنف في أصول الفقه الشافعي بالإجماع - يعني من الأئمة الأربعة من أهل السنة - ونظير كتاب الشافعي رضي اللّه عنه في صغر الحجم وتحرير المباحث كتاب «اصول الفقه» للشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان المعروف بابن المعلم شيخ الشيعة، وقد طبع التصنيفان.
نعم أبسط كتاب في أصول الفقه في الصدر الأول كتاب «الذريعة في علم
أصول الشريعة» للسيد الشريف المرتضى، تام المباحث في جزئين، وله في علم أصول الفقه كتب عديدة: أحسنها وأبسطها «الذريعة» وأحسن من الذريعة كتاب «العدة» للشيخ أبي جعفر محمد بن الحسن بن علي الطوسي، فإنه كتاب جليل، لم يصنف مثله قبله في غاية البسط والتحقيق.
واعلم أن الشيعة الأصولية قد بلغوا النهاية في تحقيق هذا العلم وتدقيق مسائله خلفاً عن سلف، حتى صنفوا في بعض مسائله المبسوطات، فضلا عن كل مباحثه
وأئمة هذا الفن لا يمكن ذكرهم في هذا الموضوع بل ولا طبقة من طبقاتهم لكثرتهم
تقدم الشيعة في علم المعاني والبيان والفصاحة والبلاغة ...
في أول من وضعه وأسسه وصنف فيه
وهو الإمام المرزباني أبو عبد اللّه محمد بن عمران بن موسى بن سعيد ابن عبد اللّه المرزباني الخراساني البغدادي صنف فيه كتابه المسمى بالمفصل في علم البيان والفصاحة.
قال ابن النديم في الفهرست: وهو نحو ثلثمائة ورقة.
وقال الحافظ السيوطي: أول من صنف فيه عبد القاهر الجرجاني، وأنت خبير أن أبا عبد اللّه المرزباني توفي سنة 378 ثمان وسبعين وثلثمائة، ووفاة الشيخ عبد القاهر الجرجاني سنة 444 أربع وأربعين وأربعمائة، وقد ذكر اليافعي في تاريخه عند ترجمته للمرزباني المذكور انه أخذ عن ابن دريد وابن الأنباري العلوم الأدبية، قال وهو صاحب التصانيف المشهورة والمجاميع الغريبة ورواية الأدب، وصاحب التأليفات الكثيرة، ثقة في الحديث قائل بمذهب التشيع، وشعره قليل لكنه من الجيد، ثم نقل قطعة
من شعره، وذكره ابن خلكان بعين ما ذكره اليافعي حتى النص على تشيعه، ووصفه في كشف الظنون بالعلامة عند ذكره لكتابة أخبار المتكلمين، وترجمته في الأصل مفصلة، وأخرجت تمام فهرس مصنفاته، وذكرت ان تولده كان في جمادى الآخر سنة 297 سبع وتسعين ومائتين ووفاته كانت يوم الجمعة ثاني شوال سنة 78 ثماني وسبعين، وقيل أربع وثمانين وثلثمائة ببغداد في الجانب الشرقي، وصلى عليه الشيخ أبو بكر الخوارزمي رضي اللّه عنهما.
وأيضاً تقدم على الشيخ عبد القاهر في ذلك من الشيعة محمد بن أحمد الوزير ابن محمد الوزير أبو سعيد العميدي المتوفى سنة 423 ثلاث وعشرين وأربعمائة، صنف كتابه «تنقيح البلاغة» كما في كشف الظنون أيضاً، وذكره منتجب الدين ابن بابويه في فهرست أسماء المصنفين من الشيعة الإمامية.
وذكره ياقوت وقال: نحوي لغوي أديب مصنف سكن مصر وتولى ديوان الإنشاء وعزل عنه ثم ولي ديوان الإنشاء وصنف تنقيح البلاغة وكتاب العروض والقوافي وغير ذلك، مات يوم الجمعة خامس جمادى الآخرة سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة، انتهى والأصح في وفاته ما ذكرنا وقد تقدم ذكره في الكتاب.
في بعض الكتب التي صنفتها الشيعة في علم المعاني والبيان بعد المؤسس
مثل كتاب «تجريد البلاغة» للمحقق البحراني ميثم بن علي بن ميثم
المعاصر للسكاكي صاحب «المفتاح» وقد تقدم ذكره في متكلمي الإمامية.
وشرح تجريد البلاغة للفاضل السيوري المقداد بن عبد اللّه من أعلام علماء الشيعة سماه «تجويد البراعة في شرح تجريد البلاغة».
ومثل «شرح المفتاح» للشيخ حسام الدين المؤذني فرغ من الشرح المذكور سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة بجرجانية خوارزم، وقد ذكره في «كشف الظنون» لكن لم يعرف عصر مصنفه لأنه لم يترجم إلا في كتب أصحابنا.
ومثل «شرح المفتاح» للشيخ عماد الدين يحيى بن أحمد الكاشي، قال في «رياض العلماء» كان من مشايخ أصحابنا، جامعاً لفنون العلم.
قال: وذكره بعض تلامذة الشيخ علي الكركي في رسالته المعمولة في ذكر أسامي مشايخ الشيعة، ولم أعرف تواريخه انتهى بحروفه.
قلت: وذكره صاحب «تذكرة المجتهدين من الإمامية» وذكر له الشرح المذكور ولم يذكر تاريخه، وكذلك صاحب «كشف الظنون» ذكره ولم يعرف تاريخه.
وشرح المفتاح للشيخ الإمام العلامة ملك العلماء المحققين، قطب الملة والدين، محمد بن محمد الرازي أبي جعفر البويهي، من أولاد ابن بابويه القمي، كما في «رياض العلماء» ونص على شرحه للمفتاح في «أمل الآمل» وله في الأصل ترجمة مفصلة، مات سنة 766 هـ.
في علم البديع
اعلم أن أول من فتق البديع ابن هرم ابراهيم بن علي بن سلمة بن هرمة شاعر اهل البيت، له ترجمة في الأصل، وأول من صنف فيه اثنان متعاصران لا يعلم السابق منهما، وهما قدامة بن جعفر الكاتب وعبد اللّه بن المعتز.
قال صفي الدين الحلي في صدر شرحه بديعيته ما لفظه وكان جملة ما جمع ابن المعتز منها سبعة عشر نوعاً، ومعاصره قدامه بن جعفر الكاتب فجمع منها عشرين نوعاً، توارد معه على سبعة منها وسلم له ثلاثة عشر فتكامل لهما ثلاثون نوعاً ثم أقتدى بهما الناس في التأليف، أنتهى بحروفه.
لقدامة بن جعفر الشيعي نقد الشعر المعروف بنقد قدامة فلم تتحقق لابن المعتز إلا السبق بالتسمية بالبديع وقد تبينا في خبره في صدر كتابه بأنه ما جمع قبلي فنون الأدب أحد، ولا سبقني إلى تأليفه مؤلف حسبما أمر اللّه سبحانه بالتبيين في خبر مثله فلم نجد له صحة.