لقد اختلف الفقهاء والمحدّثون في مدى صحة انتساب التفسير المنسوب الى الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) منذ القرن الرابع الهجري حتى يومنا هذا.
غير أن المعلوم هو أن الإمام العسكري (عليه السلام) قد أثرت عنه مجموعة لا بأس بها من النصوص في مجال تفسير القرآن الكريم. وقد تناثرت جملة من هذه النصوص في المصادر الموجودة بأيدينا اليوم([1]).
فالخلاف اذاً هو حول الكتاب الذي يُنسب إليه، وليس في ظاهرة التفسير التي اختص بها عصره وعرفت عنه.
وإذا لاحظنا الظرف الذي عاشه الإمام (عليه السلام) من جهة ونسبة هذا التفسير إليه من جهة، ولاحظنا محتوى هذا التفسير من جهة ثالثة، وطابقنا محتواه مع ما روي عنه في سائر المصادر نكون قد وقفنا على نقاط واضحة وأخرى محتملة مشكوكة تحتاج إلى أدلة قوية للإثبات.
أما ظرف الإمام وعصره من حيث الاهتمام بالقرآن الكريم فقد عرفنا أن الكندي ـ كفيلسوف محترف ـ كان قد تصدّى لنسف اعتبار القرآن الكريم وإبطال جانب من جوانب إعجازه.
وهذا التصدي منه وتصدّي الإمام (عليه السلام) لردعه عما كان ينويه بشكل منطقي يدلّ على شدة اهتمامه بالقرآن في ذلك الظرف وفاعليته في الحياة الفكرية والاجتماعية ومدى أهمية حركة التفسير التي كان يقوم بها العلماء في إظهار عظمة الاُمة الإسلامية من خلال حملها للقرآن الكريم، فكان من الطبيعي أن يؤكد الإمام (عليه السلام) هذا الجانب بإغناء الاُمة الإسلامية بعلمه الذي كان يتفرّد به هو وآباؤه الكرام، فإنهم معدن العلم في هذه الأمة بل في العالم أجمع بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهم أهل بيت الوحي حيث نزل القرآن في بيتهم فهم أدرى بما في البيت من غيرهم، وكل العلماء تبع لهم وعيال عليهم في معرفة القرآن وعلومه، كما اعترف بذلك المؤالف والمخالف وكما تفصح عنه سيرتهم جميعاً بدءً بأمير المؤمنين علي بن أبي طالب وانتهاءً بالإمام الحسن العسكري (عليهم السلام).([2])
نماذج من تراثه التفسيري
1- روى الثقة الأمين أبو هاشم الجعفري ـ وهو من خيرة أصحاب الإمام (عليه السلام) قال: كنت عند أبي محمد (عليه السلام) فسألته عن قول الله عز وجل: ?ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ...?([3]). قال أبو هاشم: فدمعت عيناي وجعلت أفكر في نفسي ما أعطى الله آل محمد (صلى الله عليه وآله) فنظر إلي الإمام وقال: عظم ما حدثتك به نفسك من عظم شأن آل محمد، فاحمد الله، فقد جعلك الله متمسكاً بحبهم تدعى يوم القيامة بهم إذا دُعي كل إنسان بإمامه، فأبشر يا أبا هاشم فإنك على خير([4]).
2- سأل محمد بن صالح الأرمني الإمام أبا محمد عن قول الله عز وجل: ?يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ?([5]) فقال الإمام (عليه السلام): هل يمحو الله إلاّ ما كان، وهل يثبت إلاّ ما لم يكن... تعالى الجبار، العالم بالأشياء قبل كونها، الخالق، إذ لا مخلوق، الديان.
وانبرى محمد بن صالح، فقال: أشهد أنك حجة الله ووليه وأنك على منهاج الحق الإمام أمير المؤمنين([6]).
3- وسأله أيضاً عن قول الله عز وجل: ?لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ?([7]) فقال الإمام: من بعد أن يأمر بما يشاء، فقلت في نفسي: هذا قول الله: ?أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ?([8]) فنظر إلي الإمام وتبسم، ثم قال: له الخلق والأمر تبارك الله ربّ العالمين([9]).
4- قال أبو هاشم: كنت عند أبي محمد (عليه السلام) فسأله ابن صالح الأرمني عن قول الله تعالى: ?وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا?([10]).
قال الإمام أبو محمد (عليه السلام): ثبتت المعرفة، ونسوا ذلك الموقف، وسيذكرونه، ولولا ذلك لم يدر أحد من خالقه، ولا من رازقه.
قال أبو هاشم: فجعلت أتعجب في نفسي من عظيم ما أعطى الله وليه، وجزيل ما حمله فأقبل أبو محمد عليّ، فقال: الأمر أعجب مما عجبت منه يا أبا هاشم وأعظم، ما ظنك بقوم من عرفهم عرف الله، ومن أنكرهم أنكر الله، فلا مؤمن إلاّ وهو بهم مصدق، وبمعرفتهم موقن([11]).
5- روى سفيان بن محمد الصيفي، قال: كتبت إلى الإمام أبي محمد(عليه السلام) أسأله عن الوليجة في قول الله عز وجل: (ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة) وقلت في نفسي: من يرى المؤمن هاهنا ؟، فرجع الجواب: الوليجة التي تقام دون ولي الأمر، وحدثتك نفسك عن المؤمنين من هم في هذا الموضع؟ فهم الأئمة الذين يؤمنون بالله فنحن هم([12]).
المصدر: أعلام الهداية (الإمام الحسن العسكري (ع)) /المجمع العالمي لأهل البيت (ع).
[1]- حياة الإمام الحسن العسكري، القرشي: 95 ـ 100، ومسند الإمام الحسن العسكري (عليه السلام).
[2]- راجع مقدمة ابن أبي الحديد لشرحه لنهج البلاغة، فيما يخص الإمام علي وعلوم القرآن الكريم.