الأنف هذا العضو الشامخ في الوجه ليس مسؤولاً فقط عن حاسة الشم (لوجود الخلايا الشمية في سقفه) التي تعيننا على التمييز بين الروائح المختلفة، وليس مجرد معبر للهواء الذاهب الى الرئتين، بل هو يقوم بوظائف أخرى مهمة، إذ يعمل على ترطيب الهواء المار من خلاله بواسطة الغدد المخاطية في الغشاء المبطن له، وعلى تدفئتة، وتخليصه من الشوائب العالقه به، خصوصاً الميكروبات وذرات الغبار . والى جانب هذا وذاك فهو بمثابة ممر لتصريف افرازات الغدد الدمعية والجيوب الأنفية الى البلعوم او الى الخارج.
ولكن لسبب أو لآخر قد يتعرض الأنف للإنسداد، وهنا تبدأ المعاناة، اذ يشكو المصاب من عوارض شتى قد تضطره أحياناً الى التنقل من طبيب الى آخر من دون نتيجة، ومن هذه المضاعفات:
* الشخير، ان انسداد الأنف يدفع الى الشخير الذي يهدد بالإصابة بالأزمات القلبية والدماغية، وقد بينت الدراسات الحديثة ان كلما زادت وتيرة الشخير زادت النوبات القلبية والدماغية.
* التعب المزمن، ان انسداد الأنف يؤدي الى قلة الوارد الأوكسجيني الى الأنسجة المختلفة من الجسم، ما يضطر القلب الى العمل في شكل أكبر لإمداد الجسم بما يلزمه من الأوكسيجين الأمر الذي يسبب التعب والإرهاق .
* الإلتهابات الصدرية والبلعومية المتكررة، ان انسداد الأنف يجبر المصاب على التنفس من الفم، فينساب الهواء الى الرئتين من دون تنقية ولا ترطيب الأمر الذي يجعل الطريق سهلاً للميكروبات والملوثات والغبار فتثير هذه ما لا يحمد عقباه، إذ تتوالى الإلتهابات الصدرية والبلعومية والحنجرية. وأكثر من هذا، فقد تصدر عن المريض رائحة فم كريهة يجهل صاحبها وجودها، والتي كثيراً ما يلفت النظر اليها أحد المقربين.
* الصداع المزمن الذي يلزم صاحبه سنوات طويلة قبل اكتشاف السبب الفعلي الذي يقف خلفه، اي انسداد الأنف . ومن مميزات هذا الصداع انه يتموضع في الجبهة وحول العينين.
* التهابات الأذن الوسطى المتكررة، ان التواء الحاجز الأنفي وضخامة اللحميات وبعض الأورام الأنفية يمكن ان تسبب انسداد الأنف وانسداد قناة اوستاكيوس الواصلة بين الأذن الوسطى والأنف، فتؤدي الى حصول التهابات متكررة في الأذن الوسطى خصوصاً لدى الأطفال.
أما عن الأسباب التي تؤدي الى انسداد الأنف فهي:
- الإلتهابات الفيروسية، ان انسداد الأنف يعتبر إحدى الشكاوى البارزة في الإلتهابات الفيروسية للطرق التنفسية العلوية، وطبعاً هناك عوارض أخرى مصاحبة، مثل ارتفاع الحرارة، وسيلان الأنف، والسعال ووجع الحلق.
- التهابات الجيوب الأنفية، في جوار الأنف من الأعلى وعلى الجانبين فراغات مملوءة بالهواء تعرف بالجيوب الأنفية، وهي عبارة عن تجاويف يبطنها من الداخل غشاء يملك خلايا شعرية ويفرز مخاطاً، وتقوم الخلايا بعملية تكنيس المخاط الذي يجرف معه ما علق به من ميكروبات وأتربة وغبار من خلال فتحات تصل الجيوب بمجرى الأنف، ولكن لسبب ما قد يتعرض نظام الصرف هذا الى العرقلة فتبقى المكروبات من جراثيم وفيروسات عالقة، فتجد هذه الفرصة سانحة للتكاثر وتكون المحصلة حدوث التهاب الجيوب الذي قد لا ينتهي بالعلاجات التقليدية المعروفة، بل يحتاج الى بعض العلاجات الخاصة للتخلص منه.
- اللحميات الأنفية الواقعة في منطقة التقاء الأنف مع الحلق وتتألف من كتلة من الخلايا اللمفاوية، ويمكنها أن تتضخم مسببة انسداداً في مجاري الأنف فتعيق التنفس عن طريق الأنف، وهي لا تسبب عرقلة للتنفس عن طريق الفم، بل قد تشكل بؤرة لالتهابات متكررة فيها وفي المناطق المحاذيه له خصوصاً الأذن، لذلك فإن علاجها ضروري جداً للحيلولة دون وقوع أزمات صحية.
- تضخم الزوائد الأنفية، على جدار الأنف نتوءات لحمية مهمتها ترطيب الهواء صيفاً وتدفئته شتاء بحيث يكون ملائماً للجو الداخلي للجهاز التنفسي، ولكن لسبب ما، يزداد حجم الزوائد فتؤدي الى انسداد الأنف، ويعتبر مرض الحساسية السبب لتضخم الزوائد الأنفية. وبالطبع فإن أمراض الرشح والأنفلونزا تدخل ضمن القائمة المسؤولة عن تضخم الزوائد الأنفية، ولكن هذا التضخم موقت لا يلبث ان يزول بمجرد زوال العامل المسبب.
- انحراف الحاجز الأنفي، كما هو معروف يتألف الأنف من حجرتين يفصل بينهما فاصل غضروفي يعرف بالحاجز الأنفي، ولكن في بعض الأحيان يميل هذا الحاجز باتجاه الحفرة اليمنى أو اليسرى للأنف الأمر الذي يسبب الانسداد في احد الطرفين الذي مال اليه الحاجز، وفي الوقت نفسه غالباً ما يحصل تضخم في الغشاء المخاطي للطرف الآخر فتحصل الإعاقة التنفسية في المنخرين .
- الحمل، ان انسداد الأنف من المشاكل الشائعة أثناء فترة الحمل وهو لا يعود في الضرورة الى الإصابة بالرشوحات، بل الى كثرة تدفق الدم في الأغشية المخاطية للجسم عموماً وفي الأنف خصوصاً، والحامل هنا غالباً ما تتعايش معه، الا في بعض الحالات التي تتطلب مساعدة طبية.
- كثرة استعمال نقط الأنف، ان هذه النقط المقبضة للأوعية الدموية تفيد في التخفيف من وطأة عوارض الرشح الحاد شرط ان تستعمل لفترة قصيرة جداً لا تتجاوز خمسة أيام، ولكن في حال استعمالها بكثرة فإنها تسبب مفعولاً عكسياً إذ تؤدي الى تأزيم مشكلة انسداد الأنف والى اختلاطات أخرى لعل أهمها ارتفاع ضغط الدم. والمضحك المبكي ان البعض تراه يحمل معه تلك النقط في حله وترحاله فيضع منها في الأنف كلما شعر بانسداد فيه، وهنا الطامة الكبرى.
كيف يعالج انسداد الأنف؟
أولاً وقبل كل شيء لا بد من الاستدلال على العامل المسبب لالتهاب الجيوب وعلاجه. والمعالجة تكون طبية محافظة او جراحية، حسب السبب. وفي شكل عام يمكن القول ان انزال الوزن في حال الإصابة بالسمنة، والابتعاد عن استعمال الأدوية المنومة، وعدم المبالغة في التهام الطعام خصوصاً المدهن، من النصائح التي يجب اخذها في الاعتبار للتخفيف من وطاة انسداد الأنف.
ختاماً تبقى نقطتان، الأولى هي ان انسداد الأنف عند الرضع مزعج جداً للطفل والأهل معاً، والسرعة في العلاج هنا مهمة قبل حدوث تغيرات تجعل الشفاء المطلوب صعباً، وعلى الأهل اعطاء الطبيب المعلومات الصحيحة التي تمكن من الوصول الى التشخيص وبالتالي للتقليل من الدخول في متاهات الفحوصات المخبرية المعقدة التي لا يحبذها الكبار فكيف بالصغار.
أما النقطة الثانية فهي عمليات تجميل الأنف، التي أصبحت شائعة، خصوصاً في منطقة الشرق الأوسط، وبعد ان كانت هذه العمليات حكراً على الجنس اللطيف أخذت تلقى صدى في أوساط الرجال، وهي عملية كغيرها من العمليات لها حسناتها وسيئاتها ولكن لا بد من التنويه بأن الكثيرين بين النساء والرجال، يلجأون الى تجميل الأنف بسبب او من دون سبب، وما هو مؤسف انه في بعض الأحيان قد تكون نتيجة هذه العملية التجميلية على حساب وظيفة الأنف الطبيعية، وهنا لم تعد اسمها عملية تجميلية ... بل عملية تخريبية.