كان الإمام الجواد ( عليه السلام ) أعبد أهل زمانه ، وأشدّهم خوفاً من الله تعالى ، وأخلصهم في طاعته وعبادته ، شأنه شأن الأئمّة الطاهرين من آبائه ، الذين وهبوا أرواحهم لله ، وعملوا كلّ ما يقرّبهم إلى الله زلفى .
أمّا مظاهر عبادة الإمام الجواد ( عليه السلام ) ، فهي :
نوافله :
كان الإمام الجواد ( عليه السلام ) كثير النوافل ، ويقول الرواة : كان يصلّي ركعتين يقرأ في كلّ ركعة سورة الفاتحة ، وسورة الإخلاص سبعين مرّة .
وكان كثير العبادة في شهر رجب ، وقد روى الريّان بن الصلت ، قال : صام أبو جعفر الثاني ( عليه السلام ) لمّا كان ببغداد يوم النصف من رجب ، ويوم سبع وعشرين منه ، وصام معه جميع حشمه ، وأمرنا أن نصلّي بالصلاة التي هي اثنتا عشرة ركعة ، تقرأ في كلّ ركعة الحمد وسورة ، فإذا فرغت قرأت الحمد أربعاً ، وقل هو الله أحد أربعاً ، والمعوّذتين أربعاً ، وقلت : لا إله إلاّ الله والله أكبر ، وسبحان الله والحمد لله ، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العلي العظيم أربعاً ، الله الله ربّي ، ولا أشرك به شيئاً أربعاً ، لا أشرك بربّي أحداً أربعاً .
وكان يقول ( عليه السلام ) : ( إنّ في رجب لليلة خير ممّا طلعت عليه الشمس ، وهي ليلة سبع وعشرين من رجب ) .
حجّه :
وكان الإمام الجواد ( عليه السلام ) كثير الحجّ ، وقد روى الحسن بن علي الكوفي بعض أعمال حجّه ، قال : رأيت أبا جعفر الثاني ( عليه السلام ) ودّع البيت بعد ارتفاع الشمس ، وطاف بالبيت يستلم الركن اليماني في كل شوط ، فلمّا كان الشوط السابع استلمه واستلم الحجر ومسحه بيده ثمّ مسح وجهه بيده ، ثمّ أتى المقام ، فصلّى خلفه ركعتين ، ثمّ خرج إلى دبر الكعبة إلى الملتزم ، فالتزم البيت ، وكشف الثوب عن بطنه ، ثمّ وقف عليه طويلاً يدعو ، ثمّ خرج من باب الحنّاطين وتوجّه .
وقال : فرأيته في سنة ( 219 هـ ) ودّع البيت ليلاً ، يستلم الركن اليماني والحجر الأسود في كلّ شوط ، فلمّا كان في الشوط السابع التزم البيت في دبر الكعبة قريباً من الركن اليماني ، وقوف الحجر المستطيل ، وكشف الثوب عن بطنه ، ثمّ أتى الحجر فقبّله ومسحه ، وخرج إلى المقام فصلّى خلفه ، ثمّ مضى ولم يعد إلى البيت ، وكان وقوفه على الملتزم بقدر ما طاف بعض أصحابنا سبعة أشواط وبعضهم ثمانية .
وروى علي بن مهزيار بعض الخصوصيات في حجّ الإمام ( عليه السلام ) ، قال : رأيت أبا جعفر الثاني ( عليه السلام ) ليلة الزيارة طاف طواف النساء ، وصلّى خلف المقام ، ثمّ دخل زمزم فاستقى منها بيده بالدلو الذي يلي الحجر ، وشرب منه وصبّ على بعض جسده ، ثمّ اطلع في زمزم مرّتين ، وأخبرني بعض أصحابنا أنّه رآه بعد ذلك في سنة فعل مثل ذلك .
وكان هذا التدقيق من الرواة في نقل هذه الخصوصيّات ، باعتبار أنّ فعل الإمام ( عليه السلام ) من السنّة التي يتعبّد بها عند الشيعة .
أدعيته :
للإمام الجواد ( عليه السلام ) أدعية كثيرة ، تمثّل مدى انقطاعه إلى الله تعالى ، فمن أدعيته هذا الدعاء : ( يا من لا شبيه له ، ولا مثال ، أنت الله لا إله إلاّ أنت ، ولا خالق إلاّ أنت ، تفني المخلوقين ، وتبقى أنت ، حلمت عمّن عصاك ، وفي المغفرة رضاك ... ) .
وكتب إليه محمّد بن الفضيل يسأله أن يعلّمه دعاءً ، فكتب إليه هذا الدعاء الشريف ، تقول إذا أصبحت وأمسيت : ( الله الله ربّي ، الرحمن الرحيم ، لا أشرك به شيئاً ) ، وإن زدت على ذلك فهو خير ، ثمّ تدعو بذلك في حاجتك ، فهو لكلّ شيء بإذن الله تعالى يفعل الله ما يشاء .
وتمثّل أدعية الأئمّة الطاهرين جوهر الإخلاص والطاعة لله ، فقد اتّصلوا بالله تعالى ، وانطبع حبّه في مشاعرهم وعواطفهم ، فهاموا بمناجاته والدعاء له
اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة ولياً وحافظاً وقائداً وناصراً ودليلاً وعينا حتى تسكنه ارضك طوعا وتمتعه فيها طويلا برحمتك يا ارحم الراحمين