بسم الله الرحمن الرحيم
قال ابن ابي الحديد في شرح النهج
سيد أهل الاباء ، الذى علم الناس الحمية والموت تحت ظلال السيوف ، اختيارا له على الدنية ، أبو عبد الله الحسين بن على بن أبى طالب عليهما السلام ، عرض عليه الامان وأصحابه ، فأنف من الذل ، وخاف من ابن زياد أن يناله بنوع من الهوان ، إن لم يقتله ، فاختار الموت على ذلك . وسمعت النقيب أبا زيد يحيى بن زيد العلوى البصري ، يقول : كان أبيات أبى تمام في محمد بن حميد الطائى ما قيلت إلا في الحسين عليه السلام :
وقد كان فوت الموت سهلا فرده إليه الحفاظ المر والخلق الوعر ونفس تعاف الضيم حتى كأنه هو الكفر يوم الروع أو دونه الكفر فأثبت في مستنقع الموت رجله وقال لها من تحت أخمصك الحشر
تردى ثياب الموت حمرا فما أتى لها الليل إلا وهى من سندس خضر
لما فر أصحاب مصعب عنه ، وتخلف في نفر يسير من أصحابه ، كسر جفن سيفه ، وأنشد : فإن الالى بالطف من آل هاشم تأسوا فسنوا للكرام التاسيا فعلم أصحابه أنه قد استقتل . ومن كلام الحسين عليه السلام يوم الطف ، المنقول عنه ، نقله عنه زين العابدين على ابنه عليه السلام : ( ألا وإن الدعى بن الدعى ، قد خيرنا بين اثنتين : السلة أو الذلة ، وهيهات منا الذلة ! يأبى الله ذلك لنا ورسوله والمؤمنون ، وحجور طابت ، وحجز طهرت ، وأنوف حمية ، ونفوس أبيه ) . وهذا نحو قول أبيه عليه السلام ، وقد ذكرناه فيما تقدم : ( إن امرأ أمكن عدوامن نفسه ، يعرق لحمه ، ويفرى جلده ، ويهشم عظمه ، لعظيم عجزه ، ضعيف ما ضمت عليه جوانح صدره ، فكن أنت ذاك إن شئت ، فأما أنا فدون أن أعطى ذلك ضرب بالمشرفية تطير منه فراش الهام ، وتطيح السواعد والاقدام ) .