|
عضو جديد
|
رقم العضوية : 76794
|
الإنتساب : Dec 2012
|
المشاركات : 23
|
بمعدل : 0.01 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
ابو مصطفى البهادلي
المنتدى :
منتـدى سيرة أهـل البيت عليهم السلام
بتاريخ : 19-07-2013 الساعة : 04:24 PM
[حديث الثقلين والوحدة الإسلامية]
والكلام عن عِلم أمير المؤمنين عليه السلام وتعلمه وحديثه عن العِلم وفضل العلماء والمتعلمين يحتاج إلى بحث مستقل منفرد، لا تكفيه هذه الكلمات التي ما طرحناها إلا مِنْ باب –الشيء بالشيء يُذكر- ومِنْ باب النصيحة والموعظة في ذكرى تلميذ رسول الله ومعجزته العلمية علي بن ابي طالب صلوات الله عليهما وآلهما.
عودة- إلى كراس السيد الميلاني: (حديث الثقلين)- فكما قلنا هو بحث مختصر لا تتجاوز صفحاته الأربعين، ناقش فيه سماحته أربعة جهات: تحقيق ألفاظ الثقلين، رواة حديث الثقلين، دلالات حديث الثقلين، المناقشات والمعارضات في حديث الثقلين.. وأتمَّ سماحته البحث بمطالب مهمة جداً تناول فيها: إقتران حديث الثقلين بأحاديث أخرى كإقترانه من ضمن إعلان الغدير، وتكرار الوصية بالكتاب والعترة في عدة مواطن، وناقش مسألة الدعوة إلى الوحدة الإسلامية على ضوء حديث الثقلين.
وفي إطار الكلام عن الوحدة الإسلامية نقل سماحته حكاية عن جده؛ قال: كان جدنا السيد الميلاني رحمة الله عليه يحدثنا عن مبادرة بعض أعلام النجف الأشرف([1]) إلى التفاهم والتقارب مع بعض علماء السنة في ذلك الزمان، كان يقول رحمة الله عليه: كنا نقترح عليه وعلى غيره: إن السبيل الصحيح السليم للتقارب بين المذاهب الإسلامية، هو الأخذ بحديث الثقلين، لأن المفروض أنه حديث صحيح عند الطرفين إن لم يكن متواتراً وهو متواتر قطعاً، حديث مقبول عند الطرفين ودلالته واضحة، فحينئذ إذا كان هناك شئ عن رسول الله نفسه وهو صحيح سنداً ودلالته تامة ويصلح لأن يكون جامعاً بيننا؛ لماذا نتركه ونتوجه إلى نظريات واقتراحات ومشاريع أخرى قد لا تفيدنا ولا نصل عن طريقها إلى الهدف.
كان رحمة الله عليه يقول: كنا نصر على هذا المعنى وكان بعض أعلام النجف الأشرف الذي كان يقود فكرة التقريب له اقتراح آخر، حتى أنه عاد واعترف بأن الطريقة الصحيحة ليست إلا هذه الطريقة، ولا علاج لهذه المشكلة إلا الرجوع إلى هذا الحديث وأمثاله.([2])
[التعايش السلمي والأيمان بالثقلين]
نعم.. لا علاج إلا بدواء وصفه النبي صلى الله عليه وآله لأمته مُرشداً أياهم طريق الهداية وطريق الإتحاد على الحق والوحدة ضد مشاريع تقسيم الأمة وتفتيتها، والمتابع للبيانات الختامية التي تصدر عن ندوات التقريب ومشاريع الوحدة يجد أنها تهدف إلى أحد هدفين:
الأول: تلك المشاريع والندوات التي تهدف إلى خصوص حفظ الدماء والأموال والأعراض، بأن يتعايش المسلمون فيما بينهم حياة كريمة على أسس الإحترام المتبادل، ويتعايش المسلمون مع أقرانهم من ابناء باقي الشرائع السماوية وغيرها على ذات الأسسس.
الثاني: المشاريع والندوات التي تضع من ضمن أهدافها هداية الناس إلى طريق الحق والنجاة بهم من ضلال الإنحراف والعمى.
وكلا هذين الصنفين من المشاريع والندوات لا تكون منتجة إلا بالأخذ بهدي الثقلين كتاب الله وعترة نبيه، فلا هداية إلا بالتمسك بمنهج الكتاب والعترة، ولا حقن للدماء وأحتراماً للإنسان بما هو إلا بالتمسك بمنهج الكتاب والعترة.
فالقرآن يقول عن حرية المعتقد: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ}([3]) وعن أسلوب التعايش: {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}.([4])
وأما الثقل الآخر – أُدباء القرآن- فقد ذكر التأريخ في مدوناته حكايات جمة عن أدبهم القرآني في وضعهم لأهم مرتكزات الدولة الحديثة وبما تبتني عليه من أهم قواعدها وأصولها ألا وهو أصل العيش المشترك وأحياء منظومة حقوق الإنسان بكل مفاصلها، الإقتصادية والإجتماعية والعقائدية والفكرية ونحوها.
أديب القرآن علي بن ابي طالب كيف تعامل مع الإنسان؟ الإنسان وفقط بغض النظر عن صفاته وموصوفاته، بغض النظر عن كونه عربياً او أعجمياً، اسود اللون او ابيضه، سيداً في قومه او مولى لهم، في صف الموالاة للحاكم او المعارضة، الإشتراك بالدين أو لا..الخ.. هذا التعامل الفريد الذي لا يذكر التأريخ له نظيراً مطلقاً، مما دفع جورج جرداق –النصراني- إلى البحث في حياة أمير المؤمنين عليه السلام وإستلهام الدروس في مفهوم الإنسان ليقف على حقوقه في شريعة الإسلام ومن خلال وصي رسول رب العالمين، فكتب –جورج جرداق- رائعته (علي صوت العدالة الإنسانية) في أجزاء خمسة.
فأمير المؤمنين عليه السلام يُعلَّم واضعي دستور كل دولة ويُرشدهم إلى أهم مادة حقوقية من مواد دستورهم من خلال عهده لمالك الأشتر رضوان الله عليه حين ولاه مصر؛ وفيها المسلم وغيره والمحب وغيره والصديق وغيره، قال عليه السلام: وأَشْعِرْ قَلْبَكَ الرَّحْمَةَ لِلرَّعِيَّةِ، والْمَحَبَّةَ لَهُمْ، واللُّطْفَ بِهِمْ، ولَا تَكُونَنَّ عَلَيْهِمْ سَبُعاً ضَارِياً تَغْتَنِمُ أَكْلَهُمْ، فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ، وإِمَّا نَظِيرٌ لَكَ فِي الْخَلْقِ.([5])
هذه المادة القانونية التي استوقفت عقول اهل القانون حتى قال عنها الأمين العام السابق للأممالمتحدة كوفي عنان: هذه العبارة يجب أن تُعلَّق على كلّ المنظمات، وهيعبارة يجب أن تنشدها البشرية، وبعد أشهر اقترح (عنان) أن تكون هناك مداولةقانونية في اللجنة القانونية في الأممالمتحدة، وبعد مدارسات طويلة وبحوث وجلسات رُشِّحت العبارة للتصويت؛ وصوّت عليها الدول بأنها أحد مصادر التشريع الدولي.
وفي نموذج آخر من نماذج إدارة الدولة وحقوق مواطينها بغض النظر عن أنتمائاتهم الفكرية والسياسية والدينية.. في أيام حكومته عليه السلام مر شيخ مكفوف كبير يسأل – يستجدي- في الكوفة، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: ما هذا؟ قالوا: يا أمير المؤمنين: نصراني، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: استعملتموه حتى إذا كبر وعجز منعتموه؟! أنفقوا عليه من بيت المال.([6])
والجدير بالذكر أن الإمام عليه السلام لم يقل: (مَنْ هذا؟) وإنما قال: (ما هذا؟) وفي اللغة الفرق شاسع كبير، (مَنْ) للعاقل، و(ما) لغير العاقل، فكأن الإمام عليه السلام يقول: أنني لا اسأل عن الشخص وإنما عن الحالة والوضع، كيف يستجدي رجل في ظل حكومتي؟ بغض النظر عن إعتقاده وإنتماءه! ولذلك لما قيل له أنه نصراني لم يتغير الموقف إلى التعامل معه على أساس أنه مواطن من الدرجة الثانية وبالتالي فلا بأس أن يستجدي ويسأل الناس، ولا بأس أن تُنتزَع منه كرامة الإنسان لأنه ليس بمسلم! أو لأنه لا يعتقد بالقائد العام والرئيس!
لا.. فهذه القياسات والمحاباة وأضرابها ليست لها في قاموس علي عليه السلام مِنْ وجود يُذكر..
ويذكر التأريخ عن أدب القرآن في شخص علي عليه السلام في معاركه مع خصومه وأعداءه، مثلا: كان صلوات الله عليه يوصي أصحابه قبل الحرب في معركة الجمل: «لا تُقَاتِلُوهُمْ حَتَّى يَبْدَءوكُمْ فَإِنَّكُمْ بِحَمْدِ اللَّهِ عَلَى حُجَّةٍ وتَرْكُكُمْ إِيَّاهُمْ حَتَّى يَبْدَءوكُمْ حُجَّةٌ أُخْرَى لَكُمْ عَلَيْهِمْ، فَإِذَا كَانَتِ الْهَزِيمَةُ -بِإِذْنِ اللَّهِ-ـ فَلا تَقْتُلُوا مُدْبِراً، ولا تُصِيبُوا مُعْوِراً، ولا تُجْهِزُوا عَلَى جَرِيحٍ، ولا تَهِيجُوا النِّسَاءَ بِأَذًى وإِنْ شَتَمْنَ أَعْرَاضَكُمْ وسَبَبْنَ أُمَرَاءَكُمْ».([7])
هذا خُلق علي قبل معركة الجمل، وبعد المعركة وما حصدته من أرواح؛ كيف تَصرَّف؟ هل يتصرف بنحو من العصبية والإنتقام؟ حاشاه فهو القرآن بهيئة الإنسان – القرآن الناطق بتعبير الروايات- فما أن أُلقي السلاح حتى نادى الإمام عليه السلام بالعفو العام عن كل شخص يُلقي السلاح ولا يهدد الأمن العام للمواطنين، حتى عن اشد الأعداء خصومة كمروان بن الحكم وعبد الله بن الزبير ونحوهما.
وأما قائد الجيش أم المؤمنين عائشة.. هل مارس امير المؤمنين معها أسلوب أمراء الحرب وسجية السلاطين؟ أم مارس أخلاق الصالحين وسجية دعاة السلام وقادة الإنسان؟ يقول المؤرخون: شملها العفو العام، وما أكتفى!! بل وجهّزها عليه السلام أحسن الجهاز، ودفع لها مالا كثيراً، وبعث معها أخاها عبد الرحمن بثلاثين رجلاً وعشرين امرأة من أشراف البصرة وذوات الدين من همدان وعبد القيس، وألبسهنّ العمائم وقلّدهنّ السيوف بزيّ الرجال؛ وقال لهنّ: لاَ تعلمنها أنكنّ نسوة، وتلثّمن وكنّ حولها ولا يقربنَّها رجل وسُرن معها على هذا الوصف، فلمّا وصلت إلى المدينة قيل لها: كيف كان مسيرك؟ فقالت: بخير، والله لقد أعطى فأكثر ولكنه بعث رجالاً معي أنكرتهم، فبلغ ذلك النسوة فجئن إليها وعرفنها أنّهنّ نسوة فسجدت؛ وقالت: والله يا ابن أبي طالب ما إزددت إلاّ كرماً، وودت انّي لم أخرج هذا المخرج، وأن أصابني كيت وكيت.([8])
ومثلاً: في معركة صفين والحرب مع معاوية، وما ادراك ما معاوية! لما وصل اللعين إلى مكان المعركة (وأحتلَّه وملك الشريعة وحصَّنها بالخيل والرجال ليمنع علياً ومن معه من الماء، ولمّا وصل الإمام إلى صفين ورأى ما فعل معاوية؛ أرسل إليه أن يُخلي بين الناس والماء، فأبى، فقال له أبن العاص: خَل الماء فلن يعطش علي وأنت ريَّان، فلم يأخذ برأيه.
فطرد جيش الإمام أهل الشام وغلبوهم على الماء، وعندها قال معاوية لابن العاص: ما ظنك أيمنعنا علي من الماء كما منعناه؟ فقال: أنَّ علياً لا يستحل منك ما استحللت منه، وبعث الإمام إلى معاوية من يقول له: نحن لا نُكافيك بصُنعك، هلم إلى الماء فنحن وأنت فيه سواء).([9]) وألح جماعة من الأصحاب أن يمنع الماء عن معاوية وجنده، فأبى وقال: لا، خلوا بينهم وبينه، لا أفعل ما فعله الجاهلون، سنعرض عليهم كتاب الله، وندعوهم إلى الهدى، فإن أجابوا، وإلا ففي حد السيف ما يغنى إن شاء الله، يقول الرواي: فوالله ما أمسى الناس حتى رأوا سقاتهم وسقاة أهل الشام ورواياهم وروايا أهل الشام يزدحمون على الماء، ما يؤذى إنسان إنساناً. ([10])
------------------
هوامش
([1]) هو الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء قدس سره؛ كما في هامش الكراس.
([2] ) السيد الميلاني. حديث الثقلين: ص33.
([3]) سورة البقرة: الآية 256.
([4]) سورة الممتحنة: الآية 8.
([5] ) نهج البلاغة: الرسالة 52.
([6] ) محمد الريشهري. ميزان الحكمة: ج2 ص1228.
([7] ) نهج البلاغة. الرسالة 14.
([8] ) عن هامش الفصول المهمة في معرفة الأئمة. نحقيق : سامي الغريري: ج1 ص443.
([9] ) العلامة الشيخ محمد جواد مغنية. فضائل الإمام علي ع: ص262.
([10]) حبيب الله الهاشمي الخوئي. منهاج البراعة: ج4 ص310.
يتبع..
|
|
|
|
|