هكذا أراد الله ...
فتحت عيناها لتبصر اصطباغ الحيطان بحمرة الصباح ولتسمع وصلات صوتية متناغمة لزقزقة وتغريد الطيورعلى
مقربة من النافذة ؛ بعدها رفعت رأسها وهي تحاول التدقيق بمقلتيها كي تفسر القراءة الصحيحة لعقارب الساعة الآن.
درات برقبتها نحو زوجها وبدأت ترسمه بنظراتها حتى استقرت أذنها على سماع أنفاسه ونشيجه وهوفي ملكــــوت
الأحلام وسلطان المنام .
تحركت نحو المرآة لتشاهد هذا المشهد كله مجسدا ًأمامها وقد انطبعت هي بين طياته وقد إضيف له صوت قطرات
خفيضة الصوت قادمة من المطبخ يبدو أن ابنها كعادته لم يحكم اغلاق صمام الحنفية هكذا فكرت ؛ وهوحدث كان
يوحي لها بشيً تحبذه ؛ استيقظ زوجها من ثم حياها بتحية الصباح فانفرجت اساريرها وردت عليه بالمثل ؛ كانت
هذه التحية محببة لديها ؛ بل أنها كانت تفرح وتنتشي عندما بيادر بالتحية وتكون هي في لحقه .
مر الوقت وذهب ابنهما إلى المدرسة جلسا معا ًفي حديقة المنزل ؛ المحادثة بينهما كانت متقطعة لأنها كانت تعشق
التحديق به وهو ساكت لتسجل أنفاسه على شريط سمعها وتحاول أن تلتقط موجات نبضات قلبه .
بقيا معا ًبعد زواج بناتهما منذ سنين قليلة مع طفلهما الصغير لكنها هذه الأيام حزينة لايغادرها الشجن هناك خطب
مامشوش مجهول يقترب من نسق حياتها ؛ لقد قام زوجها الآن وتوجه إلى عمل ما بعيدا ًعنها.
غرق أخوها قبل اشهر بعد أن حاول أن يعيد الحياة لغريق لايعرفه فرحلا معا ًإعادة ذلك المشهد جعلها تفلت دمعة
من إحدى عينيها وهنا نظر زوجها لها فغالبت نفسها وابتسمت له بعينها الأخرى ثم انصرفت داخلة إلى المنزل.
بدأ عمله الذي كان شغله الشاغل منذ أيام لترميم وإصلاح بيتهم الكبير فبعد زواج بناته إحتاج البيت لعمل نشيط كي
يستعيد جماله ورونقه ؛ دون إن يلبس قفازات في يديه أعملهما في الاسمنت موغلا ًأصابعه الغضة وأظافره الرقيقة
فيه وقد اخذ العرق يتصبب من انحاء جسمه وهو يتحرك مثقلا ًبأحمال اسمنت البناء ؛ ترك الماء ينبثق بقوة وغزارة
من الخرطوم حوله وهوغير مبال ٍبه وكذا غير مبال من تراكم الـُعدد من حوله وغيرمبال ٍأيضا بتراكم مرهقات العمل.
مر الوقت وهو نائم في فراشه وهو يقوي نفسه على أوجاعه ويحاول أن يستعيد جَلده فبعد أن أجريت له عملية جراحية
لإزالة كيس دهني في رقبته وبعد أن استعادت يداه نظافتهما من جراء مرض مباغت ارتسم على عروقهما بسبب لامبال
في استخدام الإسمنت ؛ قال الطبيب إنه مصاب ُبالسرطان ولابد أن يأخذ جلسات علاج كيميائية سريعة ومنتظمة من أجل
أن نطيل عمره .
في الساعة الواحدة والنصف بعد منتصف الليل رن جرس الجوال :- " لقد مات ... مات ... مات ..." لم يدر بمسارأوجاعه
لم يدر أن كليتيه في مراحل حياتهما الأخيرة ؛ مات في المستشفى بعد ساعتين من نقله إليها توقفت كليتاه عن العمل ويبس
جسمه وتشقق وجهه وخارت قواه فجأة ...
عرف بعضهم الخبر ووزعه بالبريد الشفوي عبر الاتصال ؛ تحضر جمع من المقربين لمراسيم جنازته ولكن مرسوما آخر
صعب عليهم كان لابد منه قبل مراسيم الجنازة والدفن وهو إخبار زوجته وإعلامها بفقد الحياة .
وصلها خبر موت زوجها المفاجيء فارتعش جسمها وتشنجت جوارحها وتوقفت حواسها إلامن حركة حائرة من عينيها و
اشتغال لدماغها وهو يدير شريط الحياة كي يعرض بعض المشاهد .
هكذا أراد الله كانت هذه الفكرة تدور من حواليها وهي تستعرض مشهد موت أخوها.
هكذا أراد الله ... ومشهد أخر عندما نظرت في مرآتها بعد استيقاظ ذلك الصــــــباح .
هكذا أراد الله ... مشهدها الأخير عندما نظرت إلى زوجها في الحديقة هذه المرة دمعت كلتا عيناها وبرز خيطان محرقان من
دموع صامتة محرقة...
هكذا أراد الله .