مشكلة الثقافة من الوجهة التربوية هي في جوهرها مشكلة توجيه الأفكار، ولذلك كان علينا أن نحدد المعنى العام لفكرة التوجيه، فهو بصفة عامة قوة في الأساس وتوافق في السير ووحدة في الهدف: فكم من طاقات وقوى لم تستخدم لأننا لا نعرف كيف نكتلها، وكم من طاقات وقوى ضاعت فلم تحقق هدفها حين زحمتها قوى أخرى صادرة عن المصدر نفسه، متجهة إلى الهدف نفسه، فالتوجيه هو تجنب الإسراف في الجهد وفي الوقت، فهناك ملايين السواعد العاملة والعقول المفكرة في البلاد الإسلامية، صالحة لن تستخدم في كل الأوقات، والمهم هو أن ندير هذا الجهاز الهائل المكون من ملايين السواعد والعقول، في أحسن ظروفه الزمنية والإنتاجية.
وهذا الجهاز حين يتحرك يحدد مجرى التاريخ نحو الهدف المنشود، وفي هذا تكمن أساسا فكرة توجيه الإنسان الذي تحركه دوافع دينية: وبلغة الاجتماع: الإنسان الذي يكتسب من فكرته الدينية معنى – الجماعة- ومعنى – الكفاح-
وليس يكفي مطلقا أن ننتج أفكارا، بل يجب أن نوجهها طبقا لمهمتها الاجتماعية المتحدة التي نريد تحقيقها، وهنا يطالعنا موقفان متعارضان في الظاهر، ولكنهما مع ذلك نتيجة لوجهة النظر الاجتماعية، ففي البلاد العربية غالبا ما نصادف هذين الموقفين متجسدين في شخصيتين مختلفتين.
فهناك من يدعي أداء العمل السياسي مثلا دون أن يرجع في عمله إلى قاعدة أوفكرة معينة، كأن من الممكن أن يكون النشاط فعالا وفاعله أعمى، هذا –الرجل العملي- غالبا مايكون سليم القصد، وحينئذ لا يفسر موقفه إلا بجهله في المشكلات الإنسانية.
لكن قد يحدث أن يعتلي المسرح مقاول ماهر في الدجل السياسي، يكتشف طيبة البسطاء وسرعة انقيادهم، فهو يريد أن يحتفظ بهذا المنجم الثمين بأي ثمن، بينما يعلم أنه لن يحتفظ به إلا بنشر الظلام، يؤيده في ذلك خفية الاستعمار الذي يقدر بداهة ثمن ذلك الظلام,
وطبيعي أن يفقد النشاط فاعليته إذا ما أدار ظهره عمدا للمقاييس والقواعد، وفي كلمة واحدة: إذا ما أدار ظهره للأفكار، فإذا به يضل في متاهة من الإبهام والغموض والشك، دون أن يدرك أنه قد زاغ عن سواء السبيل.
لكن هناك شخصية أخرى تمثل نموذجا آخر من انعدام الفاعلية:
فهي بصفة عامة رجل وهبته الطبيعة فكرا خصيبا، لكن له ذوقا خالطه الترف العقلي فهو طروب لايتخيل الفكرة منوالا تنسج عليه ضروب النشاط الاجتماعي، بل هي لديه لون من الترف يخلق المسرة، وغرام بالأفكار أشبه بالغرام بجمع التحف والأشياء الثمينة,
فلو أنني وصفت هذا الفكر بصورة أستعيرها قلت: إنه ليس مصنعا تتحول فيه الأفكار إلى أشياء، بل هو مخزن تتكدس فيه الأفكار بعضها فوق بعضها,
وهكذا نتمثل الوجه الآخر من الانحراف الذي يقع فيه بعض الناس، إن النشاط هذه المرة في غيوم من الأفكار، فيجب أن نطبق في هذا الميدان ما يطبق في الحساب الجبري، ففي هذا النوع من الحساب نلحظ علاقة رياضية بين عدد المقادير المعلومة وعدد المجاهيل.
ففي الحالة التي يكون فيها عدد المقادير المعلومة أقل من عدد المجاهيل أو أكثر منه بنسبة معينة، يصبح في المسألة نوع من – الاستحالة – أو – عدم التحديد – وبذلك لا يمكن حلها.
فكذلك الأمر بالنسبة لما نحن بصده، إذا أن هناك قواعد رياضية للأفكار تؤكد وجود علاقات محددة بين الأفكار وبين ضروب النشاط,
فإذا انعدمت هذه العلاقة بزيادة أو نقص, واجهتنا – إستحالة- في أدائنا لأي نشاط.
وبعبارة أخرى يصاب النشاط بالشلل عندما يدير ظهره للفكرة، كما تصاب الفكرة بالشلل إذا ماانحرفت عن النشاط، لكي تمضي في طريق اللهو والعبث، ونحن لا نستطيع بصفة عامة أن نتخذ عدد الكتب التي تخرجها المطبعة في عام دليلا على صحة العقلية في بلد معين، أو نعد الورم أمارة على الصحة البدنية، فهناك أورام عقلية وأجسام إجتماعية مريضة مثقلة بالأفكار.
ومهما يكن من شيء فإن توجيه الأفكار يقوم على إقرار التوازن الضروري في هذا المجال، حتى لا يبقى هناك فراغ أو تورم، فمفتاح المشكلة يكمن في وضع برنامج لتوجيه الثقافة، توجيها يتفق وسمو الغاية التي ننشدها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: كتاب مشكلة الثقافة للمفكر مالك بن نبي( نشرة فيكوس) الثلاثاء, 19 مارس 2013
اللهم صل على محمد وآل محمد
موضوع جدا رائع مثلما هو دائما كما عودتنا
لابد من توجيه الافكار توجيها يتفق مع امكانياتنا وعند توجيه افكارنا لعمل او اعمال معينه لا بد من متابعة العمل فيها والعمل على تطويرها
اذن هي حقائق لابد منها
وفقك ربي الى المزيد من هذا العطاء الرائع
تحياتي
اللهم صل على محمد وآل محمد
موضوع جدا رائع مثلما هو دائما كما عودتنا
لابد من توجيه الافكار توجيها يتفق مع امكانياتنا وعند توجيه افكارنا لعمل او اعمال معينه لا بد من متابعة العمل فيها والعمل على تطويرها
اذن هي حقائق لابد منها
وفقك ربي الى المزيد من هذا العطاء الرائع
تحياتي
السلام عليكم
مرحبا أختي نور بآطلالتك واضافتك الكريمة
وشكرا لحضورك المتواصل الطيب
ربي يحفظك مع احترامي وتحيتي