العودة   منتديات أنا شيعـي العالمية منتديات أنا شيعي العالمية المنتدى الفقهي

المنتدى الفقهي المنتدى مخصص للحوزة العلمية والمسائل الفقهية

إضافة رد
   
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع

الصورة الرمزية alyatem
alyatem
عضو برونزي
رقم العضوية : 77639
الإنتساب : Mar 2013
المشاركات : 741
بمعدل : 0.17 يوميا

alyatem غير متصل

 عرض البوم صور alyatem

  مشاركة رقم : 1  
المنتدى : المنتدى الفقهي
افتراضي الإمام محمّد باقر الصدر في حوار تاريخي ! التجربة ــ السياسة ــ المرجعية..
قديم بتاريخ : 15-03-2013 الساعة : 03:17 AM


الإمام محمّد باقر الصدر في حوار تاريخي
التجربة ــ السياسة ــ المرجعية





حوار مع آية الله السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي





لماذا التزم السيد الهاشمي الصمت حول السيد الصدر؟!

السؤال:
عندما شرعنا في تحضير هذا العدد الخاص والمميّز، رجعنا إلى كافّة المنشورات والمجلاّت التي تمحورت حول الشهيد الصدر، وعلى الرغم من كونكم أكثر من عايش الشهيد الراحل واطلاعِكم الواسع على عطائه الفكري، إلاّ أنّكم غبتم بشكل واضح وملحوظ عن مسارح هذه المنشورات، حتى شكّلتم الحلقة المفقودة التي يلاحقها الباحثون في هذا المجال، فليكن سؤالنا الأوّل عن دواعي هذا الصمت المطبق ومبرّراته؟

السيد الشاهرودي:
السؤال الذي تفضّلتم به سؤالٌ ظريف، والحقيقة أنّ دواعي هذا الصمت عديدة:

أوّلاً: إنّ الحديث عن شخصيّات عظيمة ومرموقة من هذا القبيل ليس بالأمر الهيّن على الإطلاق.

ثانياً: إنّ ما تحلّى به الشهيد الصدر من خصال سياسيّة واجتماعيّة جعلت أكثر الذين يكتبون عنه يسعون إلى وصله والانتساب إليه بنحوٍ من الأنحاء، ثمّ إلى توظيف ذلك لصالح التيّار السياسي الذي ينتمون إليه، تماماً كما حصل مع الإمام الخميني. وكنتُ أنأى بنفسي عن دخول هذه الميادين؛ لأنّني كنتُ سأضطرُّ إلى نفي أمورٍ والمصادقة على أخرى، الأمر الذي كنتُ أحذر منه وأتجنّبه، خاصّةً في السنين الأولى التي أعقبت استشهاد الشهيد الصدر، مع ما حفلت به من ظروف خاصّة جدّاً واستثنائيّة مرتبطة بالحرب العراقيّة الإيرانيّة والنضال ضدّ نظام صدّام حسين. ولهذا رأيت أنّ الابتعاد عن هذه السجالات هو الأفضل والأصلح للساحة السياسيّة، وأنّ من الأفضل كذلك عدمَ تفعيل الخلافات ومنعَها من الظهور إلى السطح.

وكما أشرتم، لربّما لم يصدر حول الشهيد الصدر إلى اليوم أثرٌ جامعٌ مانع، كما أنّه لم يتمّ إلى اليوم البحث حول أبعاد شخصيّته. وكما سبق وذكرتُ، فإنّ الصعوبة التي تكتنف هذه المهمّة قد أقامت دون تحقيقها سدّاً؛ لأنّ المعرفة اللازمة والاطلاع الكافي ليسا بالأمر الهيّن، إضافةً إلى التجاذبات التي ظهرت بين عددٍ من الوجوه والأطياف السياسيّة.

هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى، فإنّ انشغالي بأمور أخرى جعلني أفضّل عدم اقتحام هذه الساحة الوعرة، خاصّةً أنّه ـ وكما ذكرتُ ـ سيتوجّبُ عليّ ذكر بعض الأمور ونقد البعض الآخر فيما لو تقرّر الدخول إلى هذه الميادين، وهذا ما دعاني إلى عدم الإدلاء بأيِّ حديث يرتبط بحياة الشهيد الصدر الثقافيّة والفكريّة، وعلى الخصوص السياسيّة.

تجدر الاشارة الى ان آية الله السيد محمود الهاشمي الشاهرودي فقيه بارز في إيران، ومن أبرز تلامذة السيد الصدر رحمه الله، رئيس السلطة القضائية في إيران سابقا.
يمكنكم مراجعة موقعه الخاص (اضغط هنا) والتعرف على نبذة عن حياته ومؤلفاته ودروسه.
ونشرت بعض المواقع نبذة من حياته (هنا) و(هنا)


من مواضيع : alyatem 0 هل أن كنوز الطالقان في أفغانستان أم في إيران؟!!
0 زيارة قرية المنتظرين للحجة(عجل الله فرجه الشريف) في مدينة طالقان
0 حق اليقين.. في تنزيه أعراض النبيين
0 الرد التحريري على السيد حسن الكشميري
0 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء

الصورة الرمزية alyatem
alyatem
عضو برونزي
رقم العضوية : 77639
الإنتساب : Mar 2013
المشاركات : 741
بمعدل : 0.17 يوميا

alyatem غير متصل

 عرض البوم صور alyatem

  مشاركة رقم : 2  
كاتب الموضوع : alyatem المنتدى : المنتدى الفقهي
افتراضي
قديم بتاريخ : 15-03-2013 الساعة : 03:17 AM


بداية التعرّف على الشهيد الصدر

السؤال
حبّذا لو تحدّثتم لنا عن الظروف التي انتهت بكم إلى التقرّب من الشهيد الصدر إلى هذه الدرجة، وبالتالي الاطلاع العميق والوافر على شخصيّته وأفكاره؟

السيد الشاهرودي:
عندما كنتُ في الثانوية(1)، كان الشهيد الصدر قد بدأ يُعرف إلى الملأ ـ خاصّةً على صعيد طلاّب الجامعات والجيل الصاعد ـ بوصفه فقيهاً شاباً في مقتبل عطائه العلمي، مع ما يحمله من فكر حديث، وقد ساهم في ترسيخ صورته ومكانته لدى هذه الطبقة ما صدر عنه في تلك المرحلة، من قبيل كتاب (فلسفتنا) والمقالات التي ترصّعت بها مجلّة (الأضواء). أمّا بالنسبة لي، فقد انتظمتُ بعد الثانويّة في سلك الحوزة العلميّة، وإلى ذلك الحين كنتُ أعرفه مفكّراً إسلاميّاً، إلى أن وصلتُ إلى مرحلة السطوح ـ وعلى وجه التحديد السطوح العليا ـ حيث حضرت على بعض طلاّبه المرتبطين به، وقد قادني ذلك إلى ارتباطي به شخصيّاً، فعلاقة الأستذة والتلمذة تحوز على أهميّة بالغة في بنية النظام الحوزوي، وقد نجم عن ذلك أن وفّقت للاطلاع على الشهيد الصدر في بُعدَيْه: الفقهي والحوزوي.

ومن هنا، وبمجرّد أن أنهيت مرحلة السطوح التحقت بمحضر درسه، وكان ذلك في العام [1387هـ = 1966م]، طبعاً كنتُ أتردّد على مجلسه حتّى قبل التحاقي بالدرس، وذلك من خلال المجالس التي كان يُتَعارف عقدُها في النجف الأشرف بين العلماء والفضلاء، وكان يعرفني من خلال معرفته بوالدي [السيّد علي الهاشمي الشاهرودي]، وكان والدي من العلماء الذين سارعت إليهم المنيّة، حيث رحل عن أربعين عاماً، وقد آلم رحيله الجميع، فقد كان من مقرّري بحث السيّد الخوئي في الفقه والأصول، وكان أوّل من حرّر له تقريراً(2)، وحيث كان الشهيد الصدر من تلامذة السيّد الخوئي، فقد توطّدت علاقته بوالدي عن هذا الطريق، وإن كان والدي أقدم منه انتساباً إلى درس السيّد الخوئي، حيث كان قد تتلمذ عليه وصار من تلامذته المقرّبين ابتداءً من الدورة التي سبقت الدورة التي حضرها الشهيد الصدر.

وعندما تعرّف الشهيد الصدر عليّ أشعرني بمحبّته واهتمامه بشكل ملحوظ، وكان ـ وإلى جانبه آخرون ممّن يعلمون أنّ المرحوم والدي قد رحل في سنٍّ مبكرة ـ على قناعة بأنّ عليّ أن أستنَّ بسنّته وأجري على منهاجه، وأظهروا اهتمامهم الخاص بي. ولهذا نبتت براعم علاقتي بالشهيد الصدر قبل حضوري في مجلس درسه، ثمّ اشتدّ عودها ورسخت بيننا قواعد المودّة وتوثّقت عرى المصافاة بعد التحاقي بالدرس. وكما سبق وأشرت، فإنّ العلاقة التي تربط الطالب بالأستاذ تحظى في الحوزات العلميّة بأهميّة خاصّة ولها رونقها المميّز؛ فإنّ الأستاذ يلعب في الحوزة دور المربّي والأب والمهذّب في آنٍ واحد. طبعاً هذه الأدوار يلعبها الأساتذة المؤثرون في الحوزات العلميّة تجاه طلاّبهم.

لقد كانت قوى الشهيد الصدر الجاذبة متعدّدة وراسخة، وكان لشخصيّته جاذبيّة استثنائيّة، وكانت أخلاقه في غاية الرفعة، ناهيك عن محبّته الجيّاشة، خاصّةً تجاه طلاّبه الذين لا أعتبر نفسي مبالغاً إن قلت: إنّ الواحد منهم كان يعتبره أقرب إليه من أبيه، وأشدَّ تأثيراً في حياته منه، وأكثر شفقةً عليه منه. هذه هي الحقيقة، وهكذا كانت علاقته بطلاّبه، علاقةً متينةً جداً ووثيقة الأركان، يسعى فيها إلى تربيتهم وترشيدهم من مختلف الزوايا.


هوامش
--------------------
1 ـ يُشار إلى أنّ السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي من مواليد 6/9/1948م، وما سيأتي في المتن بين عضادتين [ ] إضافةً إلى كافّة هوامش المقال من المترجم (المترجم)، أمّا العناوين الفرعية فهي من التحرير.
2 ـ وهو التقرير المعروف بـ (دراسات في علم الأصول).

ملاحظات:
1 ـ هذا الحوار نشر في مجلة (شاهد ياران) باللغة الفارسية العدد 18 بتاريخ ارديبهشت 2 / 1386 هـ.ش / 2007م. وقام بترجمته أحمد ابو زيد.
2 ـ لكاتب المقال هنا بعض التوضيحات والاضافات على اصل المقال المنقول عن مجلة الاجتهاد والتجديد العدد السادس.
3 ـ لا علاقة لنقل المقال بالوضع الحالي للسيد محمود الشاهرودي بل هو نقل شهادة (تاريخية) ـ كما جاء في عنوان الموضوع ـ من أبرز تلامذة الامام الشهيد والذي قلّما تطرّق لهذا الموضوع! فتنبّه.


من مواضيع : alyatem 0 هل أن كنوز الطالقان في أفغانستان أم في إيران؟!!
0 زيارة قرية المنتظرين للحجة(عجل الله فرجه الشريف) في مدينة طالقان
0 حق اليقين.. في تنزيه أعراض النبيين
0 الرد التحريري على السيد حسن الكشميري
0 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء

الصورة الرمزية alyatem
alyatem
عضو برونزي
رقم العضوية : 77639
الإنتساب : Mar 2013
المشاركات : 741
بمعدل : 0.17 يوميا

alyatem غير متصل

 عرض البوم صور alyatem

  مشاركة رقم : 3  
كاتب الموضوع : alyatem المنتدى : المنتدى الفقهي
افتراضي
قديم بتاريخ : 15-03-2013 الساعة : 03:18 AM


علاقة السيّد الصدر بطلابه: المشاريع التربوية والعلاقات الأبوية والبرامج التثقيفية المعاصرة

ويستمر السيد الهاشمي في الكلام:

وحيث إنّ أستاذنا الشهيد صاحب فكرٍ منظّم ويعمل وفق طرق مبرمجة، فقد اعتمد في علاقته مع طلاّبه برنامجاً محدّداً، وهذه المسألة وإن خفيت علينا في بداية الأمر، إلاّ أنّنا سرعان ما اكتشفنا لاحقاً أنّه قد وضع لكلّ شيء خطّة مناسبة وبرنامجاً محدّداً، فقد وضع إلى جانب درسه التقليدي في الفقه والأصول صباحاً وعصراً برامجَ خاصّةً وفي غاية الأهميّة وفق الأسلوب التقليدي نفسه، ولم ندرك أهميّة هذه البرامج إلاّ لاحقاً، حيث أدركنا عظمة الدور الذي لعبته في توعيتنا وتربيتنا.

من باب المثال: أنتم تعلمون كثرة العطل في الحوزة عادةً، حيث كانت تعطّل في كلّ مناسبات ولادات [الأئمّة] ووفيّاتهم، وكان الشهيد الصدر يستثمر هذه العطل ـ باستثناء بعضها كمناسبة عاشوراء ومناسبة الأربعين ـ للحديث عن تاريخ الأئمّة وتاريخ الإسلام، وما يرتبط بذلك من رؤى يجب على العالِم المعاصر أن يتعرّف عليها ويضطلع بها ويعيَها، فكان يجعل من صاحب المناسبة محوراً يدير حوله رحى حديثه، وقد أسفر ذلك عن مجموعة من المحاضرات ربّما نافت على المائة
.

سؤال:
هل تمّ تسجيل هذه المحاضرات؟

السيد الشاهرودي:
نعم، لقد تمّ تسجيلها، وتمّ طبع بعضها، وكان بعض الطلاّب اللبنانيّين قد أخذ هذه المهمّة على عاتقه وتجشّم عناءها. وكان الشهيد الصدر نفسه قد طلب تسجيلها ثمّ تدوينها وعرضها عليه لمراجعتها ثمّ طبعها، إلاّ أنّ ذلك لم يتمّ وللأسف الشديد(1)، وكان قد بحث حول سيرة وحياة كل الأئمّة تقريباً بحثاً مفصّلاً.

وانطلاقاً ممّا ذكرته لتوّي من أنّه كان يتمتّع بذهنيّة منظّمة، فقد عمد إلى تقسيم سيرة وحياة الأئمّة (ع) إلى عدّة مراحل، وهدف بشكل رئيس إلى تسليط الضوء على الدور السياسي الذي لعبوه في قيادة العالم الإسلامي وحفظ ميراث رسول الله (ص) والتصدّي للانحراف الذي غزا هذا العالم من الداخل والخارج وفي تثبيت خط رسول الله (ص) وبقيّة الأئمّة الأطهار (ع) ، وكانت هذه التعبيرات قد جرت على لسانه في مناسبات سابقة. لقد دارت معظم أبحاثه في هذا الفلك، وكان ـ بفضل ثقافته التاريخيّة الجيّدة ـ يعتمد في الغالب على الروايات والمستندات والنقولات التاريخيّة المثبتة في المصادر المعتبرة.

لقد كانت هذه الأبحاث بالفعل أبحاثاً لطيفة يفوحُ منها عطرُ الحياة، وقد خصَّ أمير المؤمنين (ع) بثلاث أو أربع محاضرات متكاملة، إلى جانب موضوعات أخرى تناول فيها صلح الإمام الحسن (ع) وفلسفته، نهضة الإمام الحسين (ع) وفلسفتها.




وبعد أن قسّم في هذه المحاضرات الأدوار التي لعبها الأئمّة إلى أربعة، قام بمعالجة الأسباب التي يُمكن أن تفسّر وتبرّر تنوّع الأدوار هذا، وقام بتنظيمها وترتيبها بشكل لطيف.


كان هذا برنامجاً نظّمه الشهيد الصدر إلى جانب البرنامج الرسمي المعمول به في الحوزة، وأدار عجلته بشكلٍ هادئ.


ومن البرامج الأخرى التي أدار رحاها في العطل الدراسيّة الأطول مدى ـ من قبيل عطلة شهر رمضان المبارك والعطلة الصيفيّة ـ سلسلةٌ من الدروس الفقهيّة المقارنة التي ألقاها على طلاّبه، من قبيل الدروس التي ألقاها في شهر رمضان المبارك [عام 1387هـ = 1966] حول فقه المعاملات مقارناً بالمباحث الحقوقيّة المعاصرة(2) التي عالجها الأستاذ السنهوري وأمثاله، وكان يستشهد بهذه الكتب وينقل منها ويشجّع طلاّبه ويحضّهم على مطالعتها.

لم يكن أستاذنا الشهيد يؤول جهداً في توسيع الأفق الذهنيّة والفكريّة لطلاّبه، وكان يسعى إلى كسر الطوق الذي قد يأطرّ اهتماماتهم ضمن أبحاث الحوزة المعهودة، محاولاً إخراجهم إلى أفق أكثر رحابةً، حيث الاهتمام بالأبحاث المعاصرة. ومن الأبحاث التي تعرّض لها أيضاً فقه الحكومة الإسلاميّة، إضافةً إلى الأحكام الفقهيّة الكبرى المرتبطة بالمجتمع.


وإلى جانب هذه الأبحاث، كان لأستاذنا مجلسٌ أسبوعي ـ وأحتمل أنّه كان يوم الأربعاء ـ يبحث فيه الفلسفةَ الإسلاميّة وفقاً لمذهبه المعرفي الجديد ورؤيته الخاصّة، وبعد أن فرغ من بحث الاستقراء، تناول بالبحث الفلسفةَ الإسلاميّة على ضوء ما انتهى إليه من نتائج مرتبطة بالاستقراء، وقام بهذا الصدد بتحضير مجموعة من الأبحاث، ثمّ دوّنها وراح يتداولها مع سبعة أو ثمانية من طلاّبه الذين يثق بهم ويعتمد عليهم من أهل الدقّة والرأي الملمّين بمبانيه ومنظومته الفكريّة، إلاّ أنّ ذلك كان على أعتاب الثورة الإسلاميّة فلم يقدّر لهذه الأبحاث الاستمرار. وكان هذا البحث من الأعمال الرئيسيّة والمهمّة التي شرع بها.


طبعاً، كانت انطلاقة الشهيد الصدر في البحث حول الاستقراء من بحث الأصول، ثمّ سرعان ما خرج عن إطار الدرس المتعارف، فعالجه على هامش درس الأصول وبشكل مستقلٍّ عنه، إلى أن انتهى إلى ما انتهى إليه(3)، وكان حريصاً على أخذ عطاءات الفلسفة المعاصرة بعين الاعتبار، فكان يتابع على سبيل المثال فلسفة هيجل ضمن آخر ما نشر حوله في الشرق والغرب.

وقد استطاع في الفترة الأخيرة من حياته الحصول على كتاب مفصّل يشتمل بين دفّتيه على ترجمة لأدقّ أفكار فيلسوف الدياليكتيك المعروف هيجل، إلى جانب أفكار كارل ماركس، الذي كان وأنجلز من طلاّبه، وقد استفاد الأخيران من فكرة الدياليكتيك وأدخلاها إلى الأبحاث التاريخيّة ووظّفاها هناك. فبحثُ الدياليكتيك والجدل ينحدر من هيجل الذي تناوله من بعده الفلسفي، بينما وظّفه طالباه: ماركس وأنجلز في تفسير التاريخ والمجتمع. لقد امتازت أفكار هيجل بصعوبتها، ولم يكن فهمها متيسّراً للجميع، وكان أستاذنا الشهيد مهتمّاً بمتابعتها، وقد أُمّن له مؤخّراً هذا الكتاب الضخم، الذي كان أحد طلاّب هيجل في مجال الفلسفة قد تجشّم عناء جمعه وتنظيمه في حياة أستاذه، وكان من الكتب المعتبرة في هذا المجال، وكان السيّد الصدر منكبّاً على مطالعته، وكثيراً ما يزيّنه بحواشيه، ويأتي لنا منه بمطالب يطرحها في درسه المذكور، حيث كان يسعى إلى فتح الأفق أمام أذهان طلاّبه.

وإلى جانب الأبحاث العصريّة والاجتماعات وجلسات الاستفتاء التي كان يفوح منها جميعاً عبق العلم والفكر والتنظير، والتي كانت مفعمةً بالسؤال والجواب، كان لديه مجالس أخرى، وهي عبارة عن مجالس الدرس المعهودة. وقد شكّلت هذه المجالس وسوحُ اللقاء أرضيّةً مناسبةً وخصبةً لتنمية الطلاّب وإنباتهم نباتاً حسناً وترشيدهم من مختلف الجهات والحيثيّات.

أمّا تعامله الأخلاقي، فهو مبعثٌ للعجب في الحقيقة، ينحدرُ منه ليتجلّى لك في شدّة تواضعه وتجافيه عن مقاعد الكِبر، وسعيه الحثيث نحو تربية الطلاّب وامتحانهم وابتلائهم وتذكيرهم، محاولاً في ذلك تقديم النموذج الذي يُحتذى به ويُضرب على قالبه. وكان شديد الأدب في تعامله، في تواضعه ولين جناحه، في ذهابه وإيابه، مع أساتذته وأقرانه، وكان يسعى إلى إبراز هذا الأدب وتسليط الضوء عليه. وخلاصة الكلام أنّه كان يحاول دائماً تربية الآخرين.


أمّا مضمار البحث السياسي، فقد كان يلجه واثق الخطى ويعالج مسائله بشكل مفصّل، وكان يتعامل مع موقف النظام العراقي إزاء الحوزة العلميّة والمرحوم السيّد الحكيم بكل دقّة وحساسية؛ وقبل استلام البعثيّين للحكم [عام 1968م]، كان للسيّد الحكيم مكتبات إسلاميّة عامّة منثورة في أغلب المحافظات، وكانت تعرف بمكتبات السيّد الحكيم [اضغط هنا] . لقد كانت هذه المكتبات تحمل عنوان المكتبة ولكنّها كانت في الواقع بالنسبة إلى طلاّب الجامعات والعلماء المتواجدين في تلك المناطق بمثابة المراكز التي تنتظم فيها الصفوف لإعلام ناشئة المسلمين بما يجول حولهم في العالم، ولممارسة أعمال الدعوة والتبليغ.

إلى جانب ذلك، فقد عرفت النجف وكربلاء احتفالاً ومهرجاناً سنويّاً ضخماً يقام في الأولى في الثالث من شعبان حول الإمام الحسين (ع) ، وفي الثانية في الثالث عشر من رجب حول الإمام علي (ع) ، وكان يتمّ ـ قبل الموعد المقرّر لإقامة المهرجان ـ استكتاب علماء المسلمين لتقديم مقالاتهم في المؤتمر، وكانت تؤلّف بهذه المناسبات الكتب وتُمنح الجوائز في مهرجانات حافلة تحتشد فيها وفود العلماء؛ إذ كانت العادة أن يتواجد أساتذة الجامعات وعلماء النجف الأشرف من ذوي المكانات والمراكز الخاصّة. وكان احتفال النجف يُعقد في مركزٍ من مراكزها العلميّة، بينما يقام احتفال كربلاء في حسينيّة أهالي طهران، فكان الاثنان يعقدان بالقرب من حرم النجف وكربلاء اللتين كانتا تعيشان في هاتين المناسبتين أجواء خاصّةً وتشهدان ظروفاً استثنائيّة.

هوامش
----------
1 ـ يكتب السيّد الصدر إلى السيّد محمّد الغروي: «وأمّا محاضراتنا حول الأئمّة فلا ينبغي أن تطبع الآن؛ لأنّ في نيّتي أن أكتبها على شكل بحوث صغيرة تدريجاً من قبيل بحث حول الولاية وحول المهدي إن شاء الله تعالى» انظر: أحمد عبد الله أبو زيد، محمّد باقر الصدر.. السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق 3: 382، دار العارف، بيروت، 2007م.


2 ـ نشرت هذه المحاضرات مؤخّراً في العدد 1 [ص35 - 71 المنشور في محرم 1426] و[العدد] 2 [ص11 - 32 المنشور في ربيع الثاني 1426] من مجلّة (الاجتهاد والتجديد) تحت عنوان (شبكة الملكيّات.. تحليل البنيات العقلائيّة لأنظمة المال والملك والحق) [اضغط هنا] ، تدوين السيّد عبد الغني الأردبيلي، صياغة وتحقيق الشيخ حيدر حب الله، وتنشر قريباً بإذن الله في المجلّد الحادي والعشرين من موسوعة (تراث الشهيد الصدر) عن المؤتمر العالمي للإمام الشهيد الصدر.
3 ـ نشرت هذه الأبحاث مؤخّراً في مجلّة (المنهاج)، الأعداد: 41، 42، 43 [اضغط هنا] ، بصياغة وتحقيق مترجم هذا المقال [أحمد ابو زيد] .



من مواضيع : alyatem 0 هل أن كنوز الطالقان في أفغانستان أم في إيران؟!!
0 زيارة قرية المنتظرين للحجة(عجل الله فرجه الشريف) في مدينة طالقان
0 حق اليقين.. في تنزيه أعراض النبيين
0 الرد التحريري على السيد حسن الكشميري
0 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء

الصورة الرمزية alyatem
alyatem
عضو برونزي
رقم العضوية : 77639
الإنتساب : Mar 2013
المشاركات : 741
بمعدل : 0.17 يوميا

alyatem غير متصل

 عرض البوم صور alyatem

  مشاركة رقم : 4  
كاتب الموضوع : alyatem المنتدى : المنتدى الفقهي
افتراضي
قديم بتاريخ : 15-03-2013 الساعة : 03:18 AM


السؤال:
ما تصفونه شبيهٌ باحتفالات الخامس عشر من شعبان التي تشهدها إيران؟

السيد الشاهرودي:
تماماً كما تفضّلتم، ولكن بشكل أعظم وأبهى، فقد كانت المدينة تزدان بثياب بهائها كما تزدان العروس ليلة عرسها، وكانت الشوارع تُكسى بأجمل الحلل والأقمشة وأجملها، لقد كانت ظاهرةً عظيمة وفريدة من نوعها. كان السيّد الصدر واحداً من مؤسّسي هاتين الظاهرين ـ ظاهرة المكتبات وظاهرة المهرجانات ـ وكان له عادةً في هذه المهرجانات كلمةٌ وبحثٌ يُلقى، وكان هذا جزءاً من الأعمال السياسيّة والاجتماعيّة التي كان مهتمّاً بإنجازها والتصدّي لها.


والذي أريد أن أخلص إليه من النقاط التي قمت باستعراضها هو أنّ أستاذنا الشهيد كان يسعى بجدٍّ إلى تربية طلاّبه وتنشئتهم نشأةً صالحة وفي بيئة فكريّة متينة، متماسكة وغير ضحلة، مُعملاً في ذلك الرويّة ومعتمداً سياسةَ التأنّي والتريّث وعدم إثارة الضجيج. وعندما تلتقي خصالٌ من هذا القبيل وتلتئمُ في أستاذٍ يفوح منه أريج العاطفة الجيّاشة، فمن الطبيعي أن يتحوّل إلى قبلة عشقٍ تؤمّها أفئدة الطلاّب والمريدين. لقد كان بحقٍّ يتمتّع بجاذبية خاصّة.

لماذا طرح السيد الصدر مرجعيّته؟!

السؤال:
ليس من شكٍّ في أهميّة الأحاديث المختزنة لديكم حول جهود الشهيد الصدر وعطاءاته العلميّة، إلاّ أنّ ضيق الوقت من ناحية، ومحاولتنا التركيز على الجوانب التاريخيّة لهذه الشخصيّة من ناحية أخرى يدفعانا إلى استئذانكم في تخطّي هذا المحور والانتقال إلى محور جديد. وقد وجدنا أنّ خير سبيلٍ لمعالجة الفصول الأخيرة من حياة الشهيد الصدر السياسيّة هو أن نعود أدراجنا إلى زمن وفاة المرحوم آية الله العظمى السيّد محسن الحكيم، لنسلّط الضوء على الدوافع التي وقفت خلف دخوله ساحة النشاط المرجعي:




هل كانت المرجعيّة الرشيدة التي دعا إليها الشهيد الصدر غير مترجمة على أرض الواقع، فأراد من خلال تصدّيه لها شخصيّاً تحقيقها بنفسه؟ أم أنّ وراء ذلك دوافع أخرى؟

السيد الشاهرودي:
الحقيقة أنّ هناك عاملين وقفا معاً وراء بلورة هذا القرار لدى أستاذنا الشهيد؛ فقد مال في بداية الأمر إلى المرجعيّة الرسميّة للحوزة، وعلى وجه الخصوص إلى السيّد الخوئي، فأقدم على دعمه والاصطفاف إلى جانبه؛ لاعتقاده وطلاّبه بأعلميّته. ولكن وقف خلف قراره بالتصدّي سببان رئيسيّان:

أـ العلاقة بمرجعية السيد الخوئي



أحدهما: زوال أثر الانطباع الذي كان يخامره إزاء السيّد الخوئي؛ إذ سرعان ما انقشعت الغبرة وأبدت الرغوة عن الصريح، وما حصل معه في هذا الصدد شبيهٌ بما حصل سابقاً مع الإمام الخميني في علاقته بالسيّد البروجردي. فأنتم تعلمون أنّ الإمام هو الذي استقدم السيّد البروجردي من بروجرد ليستقرَّ به المقام في حوزة قم. إلاّ أنّ تقادم الزمن كشف له عن أنّ مرجعيّة السيّد البروجردي ـ وعلى الرغم من الخصال الإيجابيّة التي توافرت لديها ـ لم تجارِ بشكلٍ كافٍ الأهدافَ التي رسمها الإمام، بل إنّها نقضت غزلها وانقلبت على هذه الأهداف؛ ففي ساحات ومناسبات عدّة ـ من قبيل قضيّة (فدائيّي الإسلام) والشهيد نوّاب صفوي ومقارعة النظام الحاكم و... ـ كان الإمام يلاحظ بوضوح أنّ تدخّل السيّد البروجردي لا يرقى إلى المستوى المطلوب، وإنْ بقي جدار الاحترام المتبادل قائماً بينهما.


إذا نقلنا هذه الصورة إلى العراق، نجدها تتطابق مع علاقة السيد الصدر بالسيّد الخوئي؛ ففي البدايات كان أستاذنا يعلّق على مرجعيّة السيّد الخوئي آمالاً عظيمة. ولستُ أدري ما مدى اطلاعكم على تاريخ السيّد الخوئي وماضيه، والحقُّ يقال: إنّنا لو قطعنا النظر عن حواشيه وتأثره بهم، فسنجد أنّه كان شخصاً منفتحاً وصاحبَ ذهنيّة غضّة ونضرة؛ ففي أحداث الخامس عشر من خرداد على سبيل المثال، نجده المرجع الأكثر فعاليةً وتفاعلاً مع ما عصف بالساحة يومذاك، حيث أصدر العديد من التصريحات الخطيرة إلى جانب تكفيره الشاهَ في حكمٍ أصدره بهذا الصدد. لقد أقضَّ اعتقال الإمام الخميني مضجعه وسلبَ النومَ من عينيه، الأمر الذي جعله يخرق صمت الليل في جولانه على المراجع محذّراً من احتمال إعدام الإمام. في ذلك الحين، لم يكن السيّد الخوئي مطروحاً في عداد المراجع، شأنه في ذلك شأن الإمام نفسه، وإن كان قد تربّع داخل الحوزة على كرسيّ الأستذة والتدريس وحاز المقام العلمي الرفيع، مستقطباً عدداً كبيراً من أهل العلم والفضل الذين التأموا حول مائدة درسه.



لقد كان السيّد الخوئي في ذلك الحين ينتقد مراجع عصره، حيث كان يعتبر أنّ المرجعيّة خيرُ وسيلة يمكن التوسّل بها لخدمة الإسلام وأهدافه، وكانت تجري على لسانه أحاديث تفوح منها بنحوٍ من الأنحاء رائحةُ الدعوة إلى تجسيد معنويات الإسلام الكبرى وإقامة أحكامه على الأرض، وقد صبّت فتاواه المتناثرة في شتّى المجالات في هذا المصبّ وعزّزت هذا الاتجاه، وكان له فتاوى جيّدة ترتبط بالمسائل الحكوميّة. وليس ذلك إلاّ بسبب ما كان يتحلّى به من فكر رحب ومنطلق، ولهذا نجد أنّ أفكاره كانت ـ قبل تسنّمه سدّة المرجعيّة ـ عبارة عن فتاوى منفتحة وحرّة. لقد كان جليّاً لكلّ من يتداول معه أطراف الحديث أنّه يتمتّع بثقافة حقوقيّة واسعة، وأنّ مفاهيم الإسلام مشبعة لديه بحيث كان يطرح الإسلام بوصفه نظاماً.

ولنمثّل لهذا الأمر بفتاواه المتعلّقة بأموال الأنظمة غير الإسلاميّة، التي خلع عنها رداء الشرعيّة ولم يقل بملكيّتها طالما أنّها لم تتجلبب بجلباب الإسلام ولم تحظَ بإمضاء الشارع، الأمر الذي انعكس سلباً على مقلّديه الذين يتقاضون رواتب حكوميّة وأوقعهم في الحرج، بينما نجد أنّ الإمام الخميني ـ الذي نادى بالحكومة الإسلاميّة وقعّد مبانيها ـ قد ذهب إلى ملكيّة هذه الأنظمة. إنّ فتاوى السيّد الخوئي في هذا المجال تبعث على العجب، وهي في الواقع تعتلي سلّم الرقي. لقد كانت ثقافته العامّة رحبة الجوانب، وكان يتمتّع بذاكرة حديديّة.



على كلّ حال، يراودني اعتقادٌ بأنّ السيّد الصدر ـ الذي تتلمذ عليه لسنوات ـ قد تجاذب معه أطراف الحديث حول هذه المسائل، ولهذا كان يعقد عليه الآمال الجسام، خاصّة بعد استفحال الصدام بين النظام الحاكم ومرجعيّة السيّد الحكيم؛ ولهذا كان أستاذنا ينضحُ أملاً في أن يقتفي السيّد الخوئي أثر السيّد الحكيم ويكمل طريقه، الأمر الذي دفعه إلى التأكيد على الرجوع إليه، بعد أن أبرما اتفاقاً بهذا الصدد(1).

لقد كان السيّد [مرتضى] الحكمي ـ الذي أتى لاحقاً إلى إيران وشغل فيها منصب القضاء في ديوان العدالة الإداريّة ـ صهراً للسيّد الخوئي، وكان قد انخرط في ذلك الحين في مجموعة من الأعمال الثقافيّة وتصدّى لها، وكان في بداية الأمر مدرّساً في كليّة الفقه التي زرع دعائمها وشيّد بنيانها المرحوم [الشيخ محمّد رضا] المظفّر، ولكنّه ما لبث أن ترك التدريس بعد أن طرحت مرجعيّة السيّد الخوئي، والتحق بالبرّاني(2). كان السيّد الحكمي شخصاً مثقّفاً مطّلعاً يعيش هموم عصره، وكان صاحب قلمٍ جيّد، وقد أبرم مع السيّد الصدر ومعنا اتفاقات تقضي بالسعي نحو إمضاء وكلاء السيّد الحكيم المناهضين للنظام وإقرارهم على وكالاتهم، وفي المقابل حرمان الأشخاص المرتهنين للنظام أو المشبوهين منها، وقد أبرم هذا الاتفاق إبراماً قويّاً، الأمر الذي دفع بالسيّد الصدر إلى تعليق آماله على مرجعيّة السيّد الخوئي.

ولكن سرعان ما خاب رجاء السيّد الصدر وخذلته آماله بعد أن تبيّن له أنّ الاتفاق لم يترجم على أرض الواقع، وأنّ ما يحصل يناقضه تماماً، فقد منحت وكالة المرجعيّة لأشخاص كانوا من روّاد الماركسيّة ذات يوم، أو ممّن رفعوا لواء مناهضة الدين، كما منحت في البصرة وغيرها لأشخاص مشهورين بعناوين خاصّة. ومع مرور الأيّام تكشّف لأستاذنا الشهيد أنّ جهاز السيّد الخوئي قد خرج عن نطاق السيطرة والتحكّم، واتّضح له أنّ سعة الأفق الفكري شيء وإدارة الأمور شيءٌ آخر تماماً، ولهذا لم يتمكّن السيّد الخوئي من إدارة جهازه والتحكّم به.

وإذا بالسيّد الصدر بعد هذه الحالة قد تقلّص ظلُّ أمانيه وانفضّت علاقته ببيت السيّد الخوئي وجهازه، لكن بقيت بينهما علاقة السلام وردّ السلام إذا التقيا من حينٍ لآخر.

إذن، ضعفت علاقة أستاذنا بجهاز السيّد الخوئي، فانتثر عِقدُهم وصدع البينُ شملهم، ولم يستغرق هذا التحوّل سوى سنتين من حين إبرام الاتفاق المذكور بينهما، ولم تقتصر آثار هذا التحوّل على السيّد الصدر، بل طالت حتّى السيّد الحكمي ـ [صهر السيّد الخوئي] ـ صاحب الفكر المنفتح، حيث أخرجه السيّد عباس نجل السيّد الخوئي بأسلوبٍ يجافي قواعد اللباقة، الأمر الذي دفعه إلى الانتقال إلى إيران، وهو شوشتريُّ الأصل. وفي نهاية المطاف تسلّم زمامَ مرجعيّة السيّد الخوئي أشخاصٌ لا يولون أهميّة للمسائل الجهاديّة والاجتماعيّة بل يعيشون في جوٍّ مباينٍ تماماً. هذا هو السبب الأوّل الذي وقف خلف تصدّي أستاذنا الشهيد للمرجعيّة.


الهوامش
-----------
1 ـ الاتفاق كان يقتضي:
أوّلاً: أن يكمل السيّد الخوئي نشاط مرجعيّة السيّد الحكيم من حيث انتهت إليه.
وثانياً: بأن يكون تسيير وكلاء السيّد الخوئي إلى المناطق بيد السيّد الصدر، وذلك من خلال لجنة شكّلها في سبيل هذا الغرض. انظر: محمّد باقر الصدر.. السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق 2: 363 وما بعد.
2 ـ تعني هذه الكلمة في أمثال المقام حاشية المرجع وجهازه الخاص.


ملاحظة: سوف ننقل لاحقا نص ما جاء في كتاب محمّد باقر الصدر.. السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق 2: 363 وما بعد لمناسبة الموضوع.



من مواضيع : alyatem 0 هل أن كنوز الطالقان في أفغانستان أم في إيران؟!!
0 زيارة قرية المنتظرين للحجة(عجل الله فرجه الشريف) في مدينة طالقان
0 حق اليقين.. في تنزيه أعراض النبيين
0 الرد التحريري على السيد حسن الكشميري
0 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء

الصورة الرمزية alyatem
alyatem
عضو برونزي
رقم العضوية : 77639
الإنتساب : Mar 2013
المشاركات : 741
بمعدل : 0.17 يوميا

alyatem غير متصل

 عرض البوم صور alyatem

  مشاركة رقم : 5  
كاتب الموضوع : alyatem المنتدى : المنتدى الفقهي
افتراضي
قديم بتاريخ : 15-03-2013 الساعة : 03:20 AM


ولننقل ما جاء في كتاب محمد باقر الصدر السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق



السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق ج‏2، ص: 363

السيّد الصدر (رحمه الله) يقنع السيّد الخوئي (رحمه الله) بضرورة تقوية المرجعيّة

إنّ دعوة السيّد الصدر (رحمه الله) إلى مرجعيّة السيّد الخوئي (رحمه الله) كانت مبنيّةً على لزوم الارتفاع بجهازها إلى مستوى تصبح فيه قادرة على تحمّل مسؤوليّاتها الحقيقيّة.
ومن هذا المنطلق فاتح السيّد الصدر (رحمه الله) السيّد الخوئي (رحمه الله) حول موضوع ضرورة احتفاظ المرجعيّة بقوّتها في مقابل النظام كما كان الوضع أيّام السيّد محسن الحكيم (رحمه الله)، وعرض عليه مشروع المرجعيّة الرشيدة وعرض عليه إمكانيّاته والتزم بدعمه. وقد شاركه في هذا اللقاء وفي هذه الأفكار خاله الشيخ مرتضى آل ياسين والسيّد محمّد باقر الحكيم (ره) «1».
وقد تحدّث السيّد الصدر (رحمه الله) عن ضرورة الاستمرار من النقطة التي وصل إليها السيّد الحكيم (رحمه الله) في مشروعه الاجتماعي ووكلاء المناطق، وعرض إمكانيّاته واستعداداته ليكون بنفسه ضمن جهازه المرجعي لكن بهذا الشرط. وفي الوقت نفسه تحدّث آخرون مع السيّد الخوئي (رحمه الله) في الاتّجاه المعاكس، وأنّ على مرجعيّة السيّد الخوئي (رحمه الله) أن تنتهج منهجاً آخر مختلفاً عن منهج مرجعيّة السيّد الحكيم (رحمه الله) «2».
__________________________________________________
(1) صحيفة (لواء الصدر)، 13/ صفر/ 1405 هـ؛ وانظر: صحيفة (المبلّغ الرسالي)، العدد (27)، (108)، في حديثٍ مع السيّد صدر الدين القبانجي‏
(2) حدّثني بذلك الشيخ عبد الحليم الزهيري بتاريخ 14/ 2/ 2005 م، نقلًا عن الشهيد الشيخ عبد الزهراء الطائي (رحمه الله) نقلًا عن السيّد الصدر (رحمه الله)؛ وقد ذكر ذلك في الجملة الشيخ محمّد رضا النعماني بتاريخ 21/ 3/ 2005 م.

السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق ج‏2، ص: 364

ومن جملة ما اقترحه السيّد الصدر (رحمه الله) على السيّد الخوئي (رحمه الله) أن يشكّل جهازاً للتبليغ يضمُّ الباقرين (الصدر والحكيم) وجهازاً لشؤون الحوزة تحت إشراف الشيخ آل ياسين (رحمه الله). وقد وافق السيّد الخوئي (رحمه الله) على ذلك واهتم السيّد الصدر (رحمه الله) بتطبيقه. ولكن بعد فترة تحرّك بعد الأشخاص ليغيّروا سياسة المرجعيّة «1»، وقيل: إنّ الذي ترأّس هذه اللجنة هو السيّد عبد الكريم القزويني «2».
وروي أنّ السيّد الصدر (رحمه الله) عندما سعى إلى الاتّصال المباشر بالسيّد الخوئي (رحمه الله)، قصده في بيته واقترح عليه تشكيل مجلس للإرشاد والتبليغ، وقد اقترح السيّد الخوئي (رحمه الله) مشروعاً يقضي انعقاد مجلس من العلماء الأفاضل بإشراف السيّد الصدر (رحمه الله)، ويتحمّل هذا المجلس مسؤوليّة التبليغ والإرشاد في الأمّة، ويتكفّل اختيار الوكلاء والمبلّغين الأكفّاء وتلبية نداءات جماهير الشعب المسلم في مختلف مناطق العراق، على أن تناط المسؤوليّة الحقيقيّة بالسيّد الصدر (رحمه الله)، بينما يلتزم السيّد الخوئي (رحمه الله) برعاية هذا المجلس ويتبنّاه «3»، فصار ترشيح الوكيل يتمّ عبر السيّد الصدر (رحمه الله) أو أهل المنطقة وأحياناً من قبل شخصيّات حزب الدعوة الإسلاميّة- من قبيل الشيخ مهدي العطّار (رحمه الله) مثلًا- ثمّ طرحه على السيّد الخوئي (رحمه الله) الذي كان غالباً ما يمضي هذا الترشيح ويوافق عليه «4». إلّا أنّ أموراً مريرة حالت دون المضيّ في هذا المشروع «5».

انعكاس الموقف الجديد على العلاقة مع بعض أصحاب السيّد الخميني (رحمه الله)

إثر إعلان السيّد الصدر (رحمه الله) عن أعلميّة السيّد الخوئي (رحمه الله)، اتّخذ بعض عناصر جهاز السيّد الخميني (رحمه الله) موقفاً سلبيّاً منه، بينما بقي آخرون على وضعهم، خاصّةً السيّد أحمد الخميني (رحمه الله) الذي كان يوافق السيّد الصدر (رحمه الله) على موقفه نظراً إلى الظروف «6»، بينما يبدو الانطباع سلبيّاً عند السيّد علي أكبر محتشمي حين تناول موضوع دعم علماء النجف مرجعيّة السيّد الخوئي (رحمه الله) وتعرّض إلى موقف السيّد الصدر (رحمه الله) «7»، والسيّد عبّاس خاتم يزدي (رحمه الله) الذي اعتبر السيّد الصدر (رحمه الله) (استبصر) في الفترة الأخيرة «8»، والسيّد حميد روحاني «9». وكذلك اتّسمت العلاقة تجاه السيّد موسى الصدر:
فبعد أن كانت العلاقة بين السيّدين مصطفى الخميني وموسى الصدر علاقة طيّبة وحسنة، مالت‏

__________________________________________________
(1) صحيفة (لواء الصدر)، 13/ صفر/ 1405 هـ؛ وانظر: صحيفة (المبلّغ الرسالي)، العدد (27)، (108)، في حديثٍ مع السيّد صدر الدين القبانجي؛ وانظر عموماً: مقابلة مع الشيخ محمّد باقر الناصري (ارشيف المؤتمر العالمي للشهيد الصدر)
(2) مقابلة مع السيّد عبد الكريم القزويني (قناة المنار)
(3) الإمام الصدر في أعماله السياسيّة [حركة المجاهدين العراقيين - المكتب الاعلامي] : 8- 9
(4) محمّد باقر الصدر .. حياة حافلة .. فكرٌ خلّاق [محمد طاهرالحسيني] : 177، نقلًا عن الشيخ مهدي العطّار (رحمه الله)
(5) الإمام الصدر في أعماله السياسيّة: 9
(6) مستفادٌ ممّا ذكره لي الشيخ محمّد رضا النعماني بتاريخ 21/ 3/ 2005 م؛ وانظر أوّله في: مقابلة مع السيّد محمّد الغروي (قناة المنار)
(7) ياد .. فصلنامه بنياد تاريخ انقلاب اسلامى ايران، شماره هاى 35، 36، سال نهم: 38- 44
(8) خاطرات آيت الله خاتم يزدى (فارسي): 188- 189
(9) يأتيك موقفه بإذن الله تعالى، فانتظر. وانظر بعض ما يعكس موقفه في: نهضت امام خمينى (فارسي) 2: 810.

السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق ج‏2، ص: 365

نحو الفتور إثر إعلان السيّد موسى الصدر عن أعلميّة السيّد الخوئي (رحمه الله) «1». وقد كلّف السيّد موسى الصدر في إحدى المرّات الدكتور إبراهيم اليزدي بالسفر إلى النجف من أجل محاولة التقريب بين طرفي السيّد الصدر (رحمه الله) والسيّد الخميني (رحمه الله) «2»، وكان السيّد الصدر (رحمه الله) قد شدّد على طلّابه بعدم الردّ بالمثل «3»، كما أنّ السيّد الخميني (رحمه الله) كان كثير التشدّد إزاء الموضوع كما سيأتي.
ومن أمثلة هذا الانعكاس على العلاقة مع السيّد الصدر (رحمه الله) أنّ الدكتور صادق طباطبائي- ابن أخت السيّد موسى الصدر- كان في زيارةٍ إلى النجف الأشرف قادماً من أوروبا، وقد جمعه بالسيّد حميد زيارتي (روحاني) مجلسٌ في منزل الشيخ الكرّوبي- أخي رئيس البرلمان السابق- ضمّ السيّد علي أكبر محتشمي وآخرين، وقد جرى في المجلس حديثٌ عن السيّد الصدر (رحمه الله)، فحمل عليه السيّد حميد روحاني وعلى ابن عمّه السيّد موسى الصدر، واتّهمهما بالعمالة للإمبرياليّة والصهيونيّة، وقد استدلّ على ذلك بأمور:
1- أنّهما لم يطرحا مرجعيّة السيّد الخميني ولم يدعموها، والسيّد الصدر يريد طرح مرجعيّته.
2- أنّهما ضغطا سابقاً على السيّد محسن الحكيم (رحمه الله) للإفتاء بطهارة أهل الكتاب، وهذا ما يفعلانه حاليّاً مع السيّد الخوئي، وهذه الفتوى عبارة عن مطلب إمبريالي.
3- أنّ السيّد الخميني عندما شرع في بحث الحكومة الإسلاميّة لم يبادر السيّد الصدر إلى بحث الموضوع، وإنّما استمرّ في درسه الاعتيادي.
وبعد أن انفضّ المجلس، ذهب الدكتور الطباطبائي إلى منزل السيّد الصدر (رحمه الله)، ولمّا اجتمع به قال له: «لقد علمتُ للتوّ أنّك إمبريالي‏»، فقال (رحمه الله): «وماذا هناك؟!»، فسرد له ماذا جرى معه، فتبسّم السيّد الصدر (رحمه الله) وقال له: «أمّا أنّنا ضغطنا على السيّد الحكيم والسيّد الخوئي ليفتيا بطهارة أهل الكتاب، فلا أدري هل هذا ذمٌّ لنا أم للمراجع الذين يُمكن أن يفتوا تحت ضغوطات تمارس عليهم؟! وأمّا درس الحكومة الإسلاميّة فإنّهم عندما طبعوا الكرّاسات ووزّعوها على الدروس التي تقام في النجف الأشرف كلّ الدروس رفضتها وطردتهم إلّا درسي، فقد استقبلتهم وشجّعتهم ووزّعتُ الكرّاسات، وقلتُ لطلّابي إنّه عندما ينتهي بحثنا فإنّنا سنبحث الحكومة الإسلاميّة. وأمّا أنّني لم أطرح مرجعيّة السيّد الخميني، فذلك لا يعني أنّني لا أؤيّد مرجعيّته، بل لأنّ السيّد الخوئي أكثر شهرة في العالم الإسلامي والعربي، وأنا أرى الآن أنّ من واجبي الدعوة إلى مرجعيّته، وإلّا فلا شكّ بأنّ السيّد الخميني مرجع‏». وبعد أن خرج الدكتور الطباطبائي من منزل السيّد الصدر (رحمه الله) ذهب إلى منزل السيّد الخميني (رحمه الله)- حيث كان مقرّراً أن يسجّل له السيّد الخميني (رحمه الله) بياناً أو شيئاً مشابهاً- والتقى به ثمّ قال له: «إذا كنتَ لا تسمح بأن يتحدّث أحدٌ في مجلسك عن العلماء، فكيف تسمح للمحسوبين عليك بالنيل من العلماء
__________________________________________________
(1) حدّثني بذلك السيّد محمّد الغروي بتاريخ 24/ 7/ 2004 م‏
(2) حدّثني بذلك الأخ أيمن زغيب بتاريخ 6/ 10/ 2004 م نقلًا عن الدكتور إبراهيم يزدي؛ ثمّ أكّده لي الدكتور يزدي نفسه بتاريخ 5/ 7/ 2005 م. وقد صرّح لي أحد المقرّبين من السيّد الصدر (رحمه الله) بأنّ قول السيّد الصدر (رحمه الله) بأعلميّة السيّد الخوئي (رحمه الله) أزعج جهاز السيّد الخميني (رحمه الله) (لم نذكر اسمه لعدم رضاه) (انظر حول العلاقة بينهما أحداث سنة 1385 هـ)
(3) حدّثني بذلك السيّد علي أكبر الحائري بتاريخ 17/ 2/ 2005 م.

السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق ج‏2، ص: 366

واتّهامهم بالعمالة للإمبرياليّة والصهيونيّة؟»، فسأله السيّد الخميني (رحمه الله) عمّا حدث، فقصّ عليه ما كان من أمر السيّد حميد روحاني وموقفه من السيّدين محمّد باقر وموسى الصدر، فظهرت علامات الغضب الشديد على وجه السيّد الخميني (رحمه الله) واعتذر عمّا كان مقرّراً بينهما لأنّ مزاجه لم يعد يسمح له، فخرج الدكتور.
وبعد صلاة المغرب والعشاء كان الدكتور في منزل أحد أصدقائه، ولمّا دخل الشيخ كرّوبي ورآه قال له: «هل حدّثت الإمام بشي‏ء؟»، فقال له: «ولماذا تسأل؟!»، فأجابه: «لقد كان مضطرباً إلى درجة أنّه ولأوّل مرّة صلّى صلاة المغرب أربع ركعات‏»، فقال له: «لقد ذكرتُ له ما كان من أمر السيّد حميد روحاني‏». وبعد أيّام قليلة تعرّض السيّد الخميني (رحمه الله) إلى هذه الحادثة في درسه «1»، وممّا جاء في كلامه ما ترجم إلى ما يلي:
«أحد الشبّان الذي كان قد قدم من أوروبا «2» جاء وبقي هنا حوالي الأسبوع، بقي هنا مدّة قصيرة جدّاً، جاء للقائي مرّة أو مرّتين، قال لأحدهم- لم يقل لي أنا، بل قال لأحد الروحانيّين-: حسناً كان أنّ الذي جاء للنجف هو أنا، فأنا ابن أحد العلماء وأستطيع أن أقدّر الموقف، ولو أنّ شخصاً غيري جاء وأبصر هذا الوضع فماذا سيكون ردّ فعله؟
يا للأسف؟! إنّي لا أعلم ما الذي عاينه هذا الطالب الجامعي- الدارس في الخارج- في هذه الحوزة المباركة، وهو ليس روحانيّاً مثلنا، وإن كان أبوه عالماً .. ما الذي رآه خلال هذه الأيّام القلائل؟ وبأي أشخاص اتّصل؟ وما الذي نقله إليه هؤلاء، حتّى جعله- وهو الطالب الغريب عن أجوائنا- أن يبدي أسفه على وضع النجف، ويتساءل عن علّة هذا الوضع؟
... إذا قمتم بتسقيط بعضكم البعض هكذا، وإذا اشتبكت الجامعات العلميّة فيما بينها، وحاولت إحداها تسقيط الأخرى، وقام البعض بقذف البعض الآخر بشائن الألفاظ وفسّقه وكفّره، وثار الهرج، وعمّت الفوضى، إذا حطّمنا أنفسنا بأنفسنا، وقضينا على أنفسنا، فلا يبقى لكلامنا الفاعليّة في ترسيخ الإسلام في المجتمع، ولن نتمكّن من نشر الإسلام.
... أنتم أهل دين ولله الحمد، غير أنّ الدين لا نزاع فيه. إنّ السبب الأساس في كلّ هذا النزاع يعود إلى الدنيا، ويخدع نفسه من يقول: (إنّي صرت في الجبهة الفلانيّة لما اقتضاه منّي التكليف الشرعي)، وإلّا كيف يقتضي التكليف الشرعي من الإنسان أن يوجّه الإهانة للمسلمين؟! أن يوجّه الإهانة للعلماء ولزملائه؟ أهذا تكليف شرعي؟ إنّها الدنيا يا إخوة، وأهواء النفس. لو أنّ الطالب المشغول بتحصيل العلم تقدّم خطوة باتّجاه تهذيب النفس تقارناً مع العلم، لبقيت الحوزات في منأى عن أمثال هذه الأحداث.
... إنّ هذه التحزّبات خطأ وفسق، هذه الممارسات تدمّر الحوزات، كفّوا عن أمثال هذه الأمور الشائنة ...
... كان تكليفي اليوم أن أستعرض هذه الأمور أمامكم، وأن أقوم بإبلاغ السادة المحترمين بما عندي لكي ينتبه الإخوة إلى أنّ تلك الممارسات التي وقعت، أو التي ستقع، لينتبهوا أنّها ستؤدّي إلى ضياع حيثيّة

__________________________________________________
(1) حدّثني بذلك الدكتور صادق طباطبائي بتاريخ 8/ 7/ 2005 م.
(2) يقصد الدكتور صادق الطباطبائي الذي كان يدرس حينها في ألمانيا كما جاء في: [كوثر (فارسي) 204: 1؛ الكوثر 304: 1]، وهو ما أكّده لي الدكتور الطباطبائي.

السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق ج‏2، ص: 367

واعتبار مجتمع بأسره، وشعب بأسره، بل إنّها ستؤدّي إلى ضياع حيثيّة
وهيبة الإسلام كلّه، وسوف تتعرّضون إلى مسألة شديدة إذا لم تهبّوا لمنع وقوع هذه المفاسد .. كفّوا عن هذه الاختلافات الجانبيّة والجزئيّة وأمثالها ممّا هو تافه جدّاً، تافه إلى أقصى حدّ، نحن لا ندرك كم نحن تافهون، نحن تافهون ..» «1».

السيّد الصدر (رحمه الله) يرفض التصدّي للمرجعيّة في هذه المرحلة

بعيد وفاة السيّد الحكيم (رحمه الله) كان الشيخ علي أصغر المسلمي راجعاً من الكاظميّة، وقد اجتمع في السيّارة بموظّف في الدولة سأله عن إمكانيّة الرجوع في فتوى طهارة أهل الكتاب إلى السيّد الصدر لأنّه مبتلى في عمله بالتعامل معهم والاحتكاك بهم، وسأله: «هل السيّد الصدر مجتهد مطلق؟!»، فأكّد له الشيخ المسلمي على براعته في الفقه والأصول وأضاف: «أمّا بالنسبة إلى استنباطه الفعلي في جميع أبواب الفقه، فهذا ما عليّ سؤال السيّد الصدر عنه».
وفي مجلس السيّد الصدر (رحمه الله) ليالي الخميس قصّ الشيخ المسلمي على السيّد الصدر (رحمه الله) ما جرى وسأله عن كونه مجتهداً مطلقاً، فأجابه السيّد الصدر (رحمه الله): «لقد مارست الاستنباط الفعلي في كافّة أبواب الفقه من الطهارة إلى الديّات»، فقال الشيخ المسلمي: «إنّ هذا الأمر يستغرق نحواً من عشرين عاماً»، فقال السيّد الصدر (رحمه الله): «لقد كتبتُ حاشيتي على بلغة الراغبين قبل ما يقرب من عشرين عاماً»، فقال الشيخ: «ولكنّك في ذلك الوقت كنت تحضر درس السيّد الخوئي‏»، فأجابه: «عندما حضرت بحث السيّد الخوئي حضرت حضور استشكال لا حضور تفهّم» «2».
وبعد وفاة السيّد الحكيم (رحمه الله) بدأ الرجوع بالتقليد إلى السيّد الصدر (رحمه الله)، وكان‏ قسمٌ من المثقّفين قد رجع إليه في حياة السيّد الحكيم (رحمه الله) «3»، وكان الشيخ علي كوراني أحد المتحمّسين لمرجعيّة السيّد الصدر (رحمه الله) الذي خشي أن يطرح الشيخ كوراني اسمه في منطقة عمله [وكان يومها في الكويت‏]،
__________________________________________________
(1) انظر: كوثر (فارسي) 1: 203 - 216؛ الكوثر1 : 303 - 316؛ مختارات من أحاديث وخطابات الإمام الخميني1 : 31 - 35 (بترجمة أخرى).
أقول: هنا أمران:
الأوّل: جاء في (الكوثر) التي ضمّت مجموعة من خطابات السيّد الخميني (رحمه الله) أنّ الداعي إلى خطبة السيّد الخميني (رحمه الله) هذه هو أنّ أحدهم استنكر «بحدّة سكوت اثنين من المراجع المقيمين في النجف وعدم تقديم العون للجهد الثوري»، ولمّا علم السيّد الخميني (رحمه الله) بذلك حذّر طلّابه وأنصاره [كوثر (فارسي) 1: 201 ؛ الكوثر 1: 301 ]، وفي الوقت نفسه أوردت الكوثر في هامش الخطاب أنّ المقصود من «أحد الشبّان الذي كان قد قدم من أوروبا» هو السيّد صادق الطباطبائي [كوثر (فارسي) 1: 204 ؛ الكوثر 1: 304 ]. إلّا أنّ الدكتور الطباطبائي أكّد لي أنّ ما ذكرته (الكوثر) حول مناسبة الخطاب ليس صحيحاً، وأنّ المنتَقَدين هما السيّد محمّد باقر والسيّد موسى الصدر وليس اثنين من مراجع النجف.
الثاني: أمّا حول تاريخ هذا الخطاب: فقد جاء في (الكوثر) دون تاريخ، إلّا أنّه وضع بين ت 2/ 1965 م وبين أيلول/ 1967 م، بينما وضع من قبل المؤسّسة نفسها بين 1966 م و 1971 م (مختارات من أحاديث وخطابات الإمام الخميني1 : 31). وقد استقرب الدكتور الطباطبائي أوّل الأمر كونه في أيلول/ 1967 م، ولكن بعد أن ذكرت له أنّ درس السيّد الخميني (رحمه الله) حول ولاية الفقيه- الوارد في كلام السيّد حميد روحاني وفي كلام السيّد الصدر (رحمه الله)- كان سنة 1389 هـ، إضافةً إلى أنّ المفهوم كونه بعد رحيل السيّد الحكيم (رحمه الله)، توقّف في التاريخ، ولكنّه أكّد صحّة المضمون على أيّة حال‏
(2) مقابلة مع الشيخ علي أصغر المسلمي (ارشيف المؤتمر العالمي للشهيد الصدر)
(3) مقابلة مع السيّد نور الدين الإشكوري (قناة المنار).

السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق ج‏2، ص: 368

فأرسل إليه رسالة يشدّد فيها على أنّ الظروف الموضوعيّة لا تسمح بذلك، وأنّه لا مصلحة فيه، فاقتصر الشيخ كوراني على طرحها ضمن قيادة التنظيم في المنطقة وبعض الناس «1».
كما أنّ قيادة حزب الدعوة ارتأت ترشيحه للمرجعيّة لما يملك من شخصيّة قياديّة، وكان هناك اعتراضٌ من قبل البعض خوفاً من حاشية السيّد الخوئي (رحمه الله) التي كانت علاقتها- وفق المصدر- وثيقةً بالسلطة، ولكنّه أصبح مرجعاً بتصويت الأكثريّة «2».
كما وفد الكثير من الناس من المناطق يطالبونه بالمرجعيّة، فكان يرفض ويقول: «إنّ المرجعيّة هي للسيّد الخوئي‏». ودار حديثٌ بينه وبين الشيخ سلمان السوداني حول المرجعيّة وطرحها على الناس، وقد تحدّث الشيخ السوداني معه طويلًا. وذات مرّة جاءه السيّد كاظم الحائري وقال: «إنّ السيّد .. يريد أن يأتيك إلى المنزل‏»، فدار الحديث في بيته مجدّداً حول المرجعيّة وكان يرفض. ففاجأه الشيخ بسؤال: «هل يجوز تقليد غير الأعلم؟»، فقال: «لا»، فقال الشيخ: «إذن هذا الأمر لنا» «3».
وكان بعض العلماء قد طلب من السيّد الصدر (رحمه الله) أن يتصدّى للمرجعيّة، ومنهم السيّد مير محمّد القزويني (رحمه الله) عالم البصرة [الذي كان يرجع إلى السيّد الصدر (رحمه الله) حتّى في أيّام السيّد محسن الحكيم (رحمه الله)] «4»، إلّا أنّ السيّد الصدر (رحمه الله) رفض ذلك، وأجابه بالرسالة التالية:

_________________________________________________
(1) طريقة حزب الله في العمل الإسلامي [الشيخ علي الكوراني] : 90؛ وهذا النصّ من الشيخ علي كوراني يرجع إلى سنة 1406 هـ. والغريب أنّه ذكر مؤخّراً أنّ السيّد الصدر (رحمه الله) كان قد طلب- بعد أشهر من وفاة السيّد الحكيم (رحمه الله)- من قيادة حزب الدعوة تبنّي مرجعيّته ولكنّهم لم يفعلوا، وأصدروا بياناً فصلوا فيه بين منصب الإفتاء وبين منصب القيادة، فاستاء السيّد الصدر (رحمه الله) من ذلك وكتب رسالةً إلى الشيخ كوراني بخط السيّد كاظم الحائري يقول له فيها: إنّه ليس من المصلحة الإعلام عن مرجعيّته (مسائل في البناء الفكري: 9- 11؛ مقابلة مع الشيخ علي كوراني، (قناة المنار)، وهذا لا يكاد ينسجم مع ما ذكره في (طريقة حزب الله) ومع رسالته إلى السيّد مير القزويني، وما اعتمدنا عليه في المتن هو الأكثر وثوقاً لتقدّمه الزمني على القضايا التي تزامنت مع صدور (مسائل في البناء الفكري) ثمّ (مقدّمة الحقّ المبين)
(2) محمّد باقر الصدر .. حياة حافلة .. فكرٌ خلّاق: 112، نقلًا عن الشيخ عبد الهادي الفضلي‏
(3) الشيح سلمان السوداني، ندوة مؤسّسة الأبرار في الذكرى الخامسة والعشرين على استشهاد الشهيد الصدر (على شبكة الإنترنت)
(4) محمّد باقر الصدر .. حياة حافلة .. فكرٌ خلّاق: 175، نقلًا عن الشيخ عبد الحليم الزهيري، نقلًا عن السيّد محمود الهاشمي.


من مواضيع : alyatem 0 هل أن كنوز الطالقان في أفغانستان أم في إيران؟!!
0 زيارة قرية المنتظرين للحجة(عجل الله فرجه الشريف) في مدينة طالقان
0 حق اليقين.. في تنزيه أعراض النبيين
0 الرد التحريري على السيد حسن الكشميري
0 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء

الصورة الرمزية alyatem
alyatem
عضو برونزي
رقم العضوية : 77639
الإنتساب : Mar 2013
المشاركات : 741
بمعدل : 0.17 يوميا

alyatem غير متصل

 عرض البوم صور alyatem

  مشاركة رقم : 6  
كاتب الموضوع : alyatem المنتدى : المنتدى الفقهي
افتراضي
قديم بتاريخ : 15-03-2013 الساعة : 03:23 AM


السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق ج‏2، ص: 369

«بسم الله الرحمن الرحيم‏


حضرة العلّامة الكبير المجاهد حجّة الإسلام والمسلمين السيّد القزويني متّع الله المسلمين بدوام نفعه وطول عمره الشريف.
السلام عليكم زنة إخلاصي وتقديري ورحمة الله وبركاته.
وبعد، فما كان أشدّ شعوري بالحرمان حين اطّلعت متأخّراً على وجودكم في النجف الأشرف، وقيل لي إنّكم مزمعون على السفر بسرعة بحيث لم تتح لي فرصة الاجتماع بكم، غير أنّي على ثقة بأنّه إن فاتني الاجتماع المكاني بسماحتكم فلا يفوتني الاجتماع الحقيقي الذي يعبّر عنه الالتقاء في الأفكار والتوحّد في الآمال والآلام والعيش المشترك لهموم الإسلام وقضايا المسلمين.
قبل بضعة أيّام جاء ابن أختكم العزيز ومعه بعض الإخوان الأعزّاء إليّ وذكروا أنّ سماحتكم تودّون التفضّل بالاطّلاع على بعض بحوثي الفقهيّة، فأرسلتُ تلبيةً للرغبة الأخويّة المقدّسة التي بلغتني عنكم‏ بعضَ ما كتبه الطلّاب من بحوثي في كتاب الطهارة من العروة الوثقى «1». وأنا أودّ يا مولاي العزيز بهذه المناسبة أن أشكر لكم عنايتكم الأخويّة بي التي اعتبرها بحقّ من كنوزي في الحياة ومن آمالي الكبيرة في خدمة الإسلام العظيم، وفي نفس الوقت أؤكّد لسماحتكم أنّي أرسلت تلك البحوث لمجرّد أن يطّلع أخٌ على بحوث أخيه غير راضٍ بأيّ وجه من الوجوه بأن يرتّب عليها بعض الآثار التي أشار إليها أولئك الإخوان الأعزّاء الذين بلّغوني رغبتكم الشريفة، فإنّهم ذكروا أنّ سماحتكم ترغبون في الاطّلاع على بحوثي الفقهيّة وتقييمها من الناحية العلميّة لكي تتّخذوا موقفاً معيّناً تجاه المؤمنين الراغبين في الرجوع إليّ في مسائلهم الدينيّة، وهذه هي النقطة التي أريد أن أتحدّث عنها إلى سماحتكم فعلًا لأشرح بين يديكم واقع تقديري للموقف، لأنّي لا أفكّر فعلًا بأيّ شكل من الأشكال في القيام اجتماعيّاً بمهام الإفتاء ونحوها من الشؤون التي يمارسها اليوم المراجع الكبار أطال الله في أعمارهم، لأنّنا ننظر إلى القيام بهذه الشؤون بوصفه معنىً حرفيّاً وأداة لخدمة الإسلام لا بوصفه معنى اسميّاً وفقاً لنفعٍ نفسي. وما دامت نظرتي إلى القيام بتلك الشؤون نظرة حرفيّة باعتباره سبيلًا لخدمة الإسلام فأنا أحسّ في الوقت الحاضر الذي يملأ فيه الفراغ بالمراجع الكبار أنّ الدخول إلى تلك المجالات ليس فيه مكسبٌ للإسلام، وأنّ وجودهم أدام الله ظلّهم يجعل المسؤوليّة منوطة بهم ولا مسؤوليّة إفتائيّة ومرجعيّة على غيرهم، وقد يؤدّي في مثل هذه الحالة التنافس والتسابق على تحمّل هذه المسؤوليّة إلى خلق جوٍّ من القلق والتشتّت الذي قد يحول عن نجاح أولئك المراجع الكبار في القيام بمسؤوليّاتهم وتحقيق ما هم مطالبون به أمام الله تعالى وأمام المسلمين.
وعلى هذا الأساس أريد أن تكون فكرتي هذه واضحة لدى مولاي العزيز لكي نعيشها معاً كما نعيش معاً سائر همومنا وآلامنا وآمالنا وأفكارنا.
وختاماً أبتهل إلى المولى سبحانه أن يمتّعنا والمسلمين عموماً ببركات وجودكم الشريف وجهادكم وينفع المؤمنين بتوجيهاتكم وعلومكم.
والسلام عليكم اولًا وآخراً ورحمة الله وبركاته‏
النجف الأشرف‏

محمّد باقر الصدر» «2».


وقد طُلب من السيّد الصدر (رحمه الله) في هذه الفترة أن يطبع رسالةً عمليّة، فأجاب: «الرسالة إنّما تطبع لجمع شمل الأمّة، أمّا إذا كانت تفرّق فلا خير فيها» «3».
وقد استمرّ السيّد الصدر (رحمه الله) على هذا الموقف إلى أن اقتنع فيما بعد بأنّ تصدّيه‏ للمرجعيّة سيؤمّن غطاءً يحمي الحالة الإسلاميّة، وتصبح علاقة الأمّة به علاقة المقلِّد بمرجعه «4».

السيّد الصدر (رحمه الله) يشكّل لجنة استشاريّة ومجلساً أسبوعيّاً

بعد وفاة السيّد محسن الحكيم (رحمه الله) مباشرةً «5»، أي في أوائل السبعينات قام السيّد الصدر (رحمه الله) بتشكيل مجلس أسبوعي يضمّ خيرة طلّابه، وكان يتداول معهم البحث في مختلف الأمور الاجتماعيّة

__________________________________________________
(1) يبدو أنّ ذلك كان قبل طباعة هذه التقريرات‏
(2) انظر الوثيقة رقم (123)




(3) جريدة العهد/ العهد الثقافي، بتاريخ 18/ رمضان/ 1410 هـ، ص (هـ) في حديث مع الشيخ حسين كوراني‏
(4) من تعليقة أسرة السيّد الصدر (رحمه الله) على مسودّة الكتاب الثانية
(5) مقابلة مع السيّد نور الدين الإشكوري (قناة المنار).

السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق ج‏2، ص: 370

والقضايا الأساسيّة، وكان تطرح في هذه الجلسات الكثير من مشاكل المسلمين في شتّى أرجاء العالم، وكان يبرز لمن يحضر هذه الجلسات مدى تبنّي السيّد الصدر (رحمه الله) تلبيةَ حاجات المسلمين في كلّ مكانٍ من البلاد الإسلاميّة وغيرها، وتفكيره الدائب في كلّ ما ينفع الإسلام والمسلمين، وتخطيطه الحكيم للحوزات العلميّة، ولملأ الشواغر العلمائيّة في كلّ بلد يوجد فيه تجمّعٌ إسلامي، ولإرشاد العاملين ضدّ الكفر والطّاغوت في جميع البلدان، وتنشيط الحيويّة في المسلمين جميعاً، وما إلى ذلك «1»، إضافةً إلى البحث في أمور المرجعيّة وما يتعلّق بالمرجع في داخل العراق وخارجه «2».
وكان السيّد الصدر (رحمه الله) إذا تطرّق إلى أوضاع بلدٍ ما، يأخذ بعين الاعتبار وجهة نظر من ينتمي إلى ذلك البلد من المشاركين في الجلسة الاستشاريّة.
وعلى سبيل المثال فإنّ أحد زوّار السيّد الصدر (رحمه الله) حضر هذه الجلسة ذات مرّة، ودار حديثٌ عن لبنان، وكان (رحمه الله) يستمع إلى وجهة نظر الشيخ محمّد جعفر شمس الدين، وراح هذا الزائر يُكثر من مناقشة الشيخ في أوضاع لبنان، وعندما زاد ذلك بمّده عن حدّه قاطعه السيّد الصدر (رحمه الله) قائلًا: «حجّي، الشيخ لبناني وأنت تناقشه في أوضاع بلده!». كما كان يُجاب في هذه الجلسة عن الاستفتاءات.
وكانت الجلسة تعقد بعد ظهر يوم الثلاثاء وتمتدُّ إلى العصر ويتخلّلُها غداء «3»، وقيل الأربعاء وتستمرُّ لثلاث أو أربع ساعات ويتخلّلها غداء في السرداب «4».
وقد اتّفق أنّ طعام الغداء لم يتغيّر خلال أسابيع متتالية- وكان عبارة عن (مسمّى) أو (قيمة)، والترديد من الراوي-، وذات مرّة مازح الشيخ شمس الدين أحد زملائه الجالسين إلى جانبه- وهو السيّد محمود الهاشمي أو السيّد عبد الهادي الشاهرودي- قائلًا: «يبدو أنّ السيّد الصدر يتبنّى نظريّة الثبات حتّى في الطعام‏»، فسمعه السيّد الصدر (رحمه الله) فضحك وقال له: «لا عليك .. الأسبوع القادم إن شاء الله تعالى نغيّر صنف الطعام‏»، وقام بذلك فعلًا «5».
وكان من أعضاء اللجنة الاستشاريّة خلال عدّة فترات: السيّد نور الدين الإشكوري «6»، السيّد محمّد الصدر (رحمه الله) «7»، السيّد محمّد باقر الحكيم (رحمه الله)، السيّد كاظم الحائري، السيّد محمود الهاشمي، السيّد عبد الغني الأردبيلي (رحمه الله)، السيّد عبد الهادي الشاهرودي، السيّد محمّد الغروي، الشيخ محيي الدين المازندراني الشيخ عبّاس الأخلاقي، السيّد محمّد علي الباقري «8»، الشيخ محمّد جعفر شمس‏


__________________________________________________
(1) مقدّمة مباحث الأصول: 89؛ وقد ذكر لي ذلك السيّد عبد الهادي الشاهرودي بتاريخ 27/ 11/ 2004 م؛ مقابلة مع السيّد نور الدين الإشكوري (قناة المنار()
(2) مقابلة مع السيّد عبد العزيز الحكيم (ارشيف المؤتمر العالمي للشهيد الصدر)
(3) حدّثني بذلك الشيخ محمّد جعفر شمس الدين بتاريخ 22/ 8/ 2004 م.
(4) مقابلة مع السيّد محمّد الغروي (ارشيف المؤتمر العالمي للشهيد الصدر)؛ كما ذكر تخلّل الغداء السيّد كاظم الحائري [مقابلة (1) مع السيّد كاظم الحائري (ارشيف المؤتمر العالمي للشهيد الصدر)]
(5) حدّثني بذلك الشيخ محمّد جعفر شمس الدين بتاريخ 22/ 8/ 2004 م.
(6) مقابلة مع السيّد نور الدين الإشكوري (قناة المنار)
(7) مقابلة مع السيّد محمّد الغروي (ارشيف المؤتمر العالمي للشهيد الصدر)
(8) حدّثني بذلك السيّد محمّد الغروي بتاريخ 25/ 5/ 2004 م.

السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق ج‏2، ص: 371

الدين، السيّد علي رضا الحائري «1»، وحضر مؤخّراً السيّد محمّد علي الحائري (رحمه الله)، السيّد عبد العزيز الحكيم «2»، وكان يحضرها السيّد حسين هادي الصدر عندما يكون في النجف «3»، وكان يحضر أحياناً السيّد محمود الخطيب والسيّد طالب الرفاعي عندما يكون متواجداً في النجف «4»:
1- وذات مرّة طرح موضوع باكستان إثر تعرّض البلاد إلى موجة من النعرات الطائفيّة قتل على إثرها مجموعة من الشيعة، فطرح السيّد الصدر (رحمه الله) الموضوع للتداول من أجل الوصول إلى طريقة مقلى للتعاطي في أزمات من هذا القبيل «5».
2- كما كان يتعرّض إلى أوضاع الطلبة ويسأل عن الطلبة المجدّين الذين يبشّرون بمستقبلهم ويوعز إلى طلّابه بمساعدتهم بعد أن يقدّم لهم المساعدات اللازمة «6».
3- وقد سأله السيّد صدر الدين القبانجي عن كتابة بعض الأبحاث الفلسفيّة، فأجاب (رحمه الله): «إنّ الإسلام اليوم لا يحتاج إلى أفكار إنّما يحتاج إلى قائد»، وكان ذلك قبل انتصار الثورة الإسلاميّة في إيران «7».

__________________________________________________
(1) حدّثني بذلك الشيخ محمّد جعفر شمس الدين بتاريخ 22/ 8/ 2004 م.
(2) الإمام محمّد باقر الصدر. معايشة من قريب [السيد محمد الحيدري دار الهادي - بيروت 2003] : 59
(3) مقابلة مع السيّد محمّد الغروي (ارشيف المؤتمر العالمي للشهيد الصدر)
(4) حدّثني بذلك السيّد محمود الخطيب بتاريخ 15/ 5/ 2004 م‏
(5) مقابلة مع السيّد محمّد الغروي (قناة المنار()؛ مقابلة مع السيّد محمّد الغروي (ارشيف المؤتمر العالمي للشهيد الصدر)
(6) مقابلة مع السيّد محمّد الغروي (قناة المنار)
(7) المذهب السياسي في الإسلام [السيد صدر الدين القبانجي] ، ط 9: 6- 10. وليس هناك ما يشير إلى أنّ هذا السؤال كان في هذه الجلسات، خاصّةً أنّنا لم نذكر السيّد القبانجي من الحاضرين، وإن كان لا يبعد حضوره مؤخّرا .


من مواضيع : alyatem 0 هل أن كنوز الطالقان في أفغانستان أم في إيران؟!!
0 زيارة قرية المنتظرين للحجة(عجل الله فرجه الشريف) في مدينة طالقان
0 حق اليقين.. في تنزيه أعراض النبيين
0 الرد التحريري على السيد حسن الكشميري
0 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء

الصورة الرمزية alyatem
alyatem
عضو برونزي
رقم العضوية : 77639
الإنتساب : Mar 2013
المشاركات : 741
بمعدل : 0.17 يوميا

alyatem غير متصل

 عرض البوم صور alyatem

  مشاركة رقم : 7  
كاتب الموضوع : alyatem المنتدى : المنتدى الفقهي
افتراضي
قديم بتاريخ : 15-03-2013 الساعة : 03:26 AM


ونستمر بعرض كلام السيد محمود الهاشمي، حيث عرض العامل الاول لبلورة قرار السيد الشهيد الصدر في التصدي المرجعي، وهنا يذكر سماحته العامل الثاني:

ب ـ الضغط المستمر من جانب الجماهير

والسبب الآخر: عبارة عن الطلب المتزايد الذي كان يتلقّاه من الناس للتصدّي للمرجعيّة؛ ففي العراق ـ وعلى الصعيد الفكري والسياسي والاجتماعي ـ لم يكن ليُدرَكَ شأوُ الشهيد الصدر ولا ليشَقَّ غبارُه، بل قلَّ له نظيرٌ في العالم الإسلامي عموماً، فقد امتازت كتبه ومقالاته ومحاضراته بعمق عجيبٍ ولافت، الأمر الذي مدّ بينه وبين الكثيرين في داخل العراق وخارجه جسور العلاقة وأواصر التلاقي. خذوا على سبيل المثال الإيرانيّين الموجودين في الخارج الذين كانوا يتردّدون على العراق، أو مناهضي النظام الذين كان بعضهم من أرحام السيّد الصدر وأقاربه كالسيّد صادق الطباطبائي، أو من قبيل أعضاء الجمعيّات الإسلاميّة الذين كانوا يتردّدون عليه كـ[الدكتور إبراهيم] اليزدي وأمثاله، هؤلاء كانوا يذهبون إلى لبنان ويلتقون بالسيّد موسى الصدر، ويأتون إلى العراق ويلتقون به ويتأثّرون بأفكاره العلميّة والسياسيّة.



لم تكن العين تُفتح على مثله، وكان له في المجالات كافّة القدحُ المعلّى، وعليكم أن تشاهدوه في جلساته، فبمجرّد أن تتحرّك شفتاه لينهدر منهما الجواب حتى يقع السامع أسيرَ سحره وجاذبيّته ومنطقه، لقد كان شخصاً استثنائيّاً.

على كلّ حال، كان لأستاذنا درسٌ في الأصول وآخر في الفقه، وتربّى على يديه ثلّة من الطلاّب الذين كانوا يسوحون في العالم العربي ويجوبون أرجاءه، وخاصّة في العراق ولبنان، وقد أصرّ هؤلاء مع تقادم الأيّام على تقليد السيّد الصدر والرجوع إليه، وكانوا بادئ الأمر يستنسخون حاشيته على (العروة الوثقى) (1) و(منهاج الصالحين) بمئات النسخ. لقد كانت أعلميّته ثابتةً لدى الكثيرين ممّن رغبوا في تقليده، وقد جذّر لديهم هذا الشعور تلك الروحيّة العالية التي تمتّع بها إلى جانب توجّهه الثوري والحب والعاطفة الجيّاشة التي كانت تتدفّق من جنبيه.

لقد أخذت النزعة إلى تقليده بالتنامي والانتشار خاصّة في أوساط الشباب، إضافةً إلى بعض كبار العلماء المتواجدين في محافظات العراق المختلفة، من قبيل السيّد [مير] محمّد القزويني، وهو أحد الفضلاء والمجتهدين في البصرة، فقد طلب إلينا في ذلك الحين أن نوفّر له دفاتر الفقه وغيره من أبحاث السيّد الصدر، فكان يقارنها بأبحاث السيّد الخوئي التي كان كثيرٌ منها قد أبصر النور ـ من قبيل (التنقيح) ـ إلى جانب (مستمسك العروة الوثقى) للسيّد الحكيم، ولكن حيث إنّ السيّد الحكيم كان وقتئذٍ على قيد الحياة، وكان السيّد القزويني قد أرجع الناس إليه بعد ثبوت أعلميّته لديه، فقد كان يقول بأنّنا مكلّفون من الناحية الشرعيّة بالإرجاع إلى السيّد الحكيم ولا يمكننا الدعوة إلى غيره، ولكنّه أوفد إلى أستاذنا الشهيد أنجاله وعشائر البصرة عدّة مرّات. وبعد رحيل السيّد الحكيم أصبح السيّد القزويني في مرمى مضايقات البعثيّين، فغادر إلى الكويت التي كان يحمل جنسيّتها، وهناك انتقل إلى رحمة الله تعالى، ولا يزال أحد أبنائه هناك يمارس القضاء وإمامة المسجد.

وعلى كلّ حال، وكما سبق أن ذكرتُ، فقد أرسل السيّد القزويني أنجاله إلى السيّد الصدر عدّة مرّات، ولم تكن تأكيدات السيّد الصدر المبرمة على عدم تصدّيه للمرجعيّة وعلى الإرجاع إلى السيّد الخوئي لتمنعهم من الترويج له، وذلك من خلال نشرهم ما يلتقطونه من منثور مجلسه، أو من خلال استفتائه وإلجائه إلى الجواب.

هذان هما العاملان الرئيسيان اللذان دفعا السيّد الصدر إلى اتخاذ قراره المصيري بالتصدّي للمرجعيّة، حيث واجهَ من ناحيةٍ الرغبة العامّة في ذلك لدى الشعب العراقي بأطيافه المختلفة، خاصّةً الشباب وطلبة العلوم الدينيّة والمطّلعين على تفوّقه العلمي الراسخ، وهم ليسوا بقلّة. ومن ناحية أخرى واجه موقف جهاز السيّد الخوئي تجاهه. هذا علماً أنّه أقدم على خطوته هذه بكثيرٍ من التأنّي والاحتياط؛ وممّا يشهد لذلك أنّه امتنع مثلاً عن طبع حاشيته على (منهاج الصالحين) في العراق، كما أوفدني إلى لبنان من أجل طباعة أوّل تقريراته الأصوليّة بعنوان (تعارض الأدلّة الشرعيّة)، والذي يحتلّ بحسب ترتيب الدورة المجلّدَ الأخيرَ منها، وكان ذلك عام [1394هـ]، حيث ساعدنا السيّد موسى الصدر على طباعته لدى دار الكتاب اللبناني، وهي دار نشر معروفة جدّاً في لبنان وكان نشاطها يقتصر على طباعة كتب المدارس والجامعات، ولكنّ صاحب الدار ـ وهو الأستاذ حسن الزين ـ كان من مريدي السيّد موسى خصوصاً وآل الصدر عموماً، فوافق على طباعة كتابنا بعد توصية من السيّد موسى، وأخرج لنا الكتاب بحلّة قشيبة.

ثمّ إنّكم تعلمون أنّ للسيّد الصدر طلاّباً عديدين في لبنان، ومن هناك كتبتُ له لأُعلمَه بأنّ طلاّبه في لبنان يقومون باستنساخ تعليقته على (منهاج الصالحين)، وطلبتُ منه الإذن بطباعتها، إلاّ أنّه لم يمنحنا الضوء الأخضر، فتعاونت مع طلاّبه اللبنانيّين ـ ومنهم الشيخ [محمّد جعفر] شمس الدين ـ وقمنا بطباعتها في طبعتها الأولى في دار التعارف لصاحبها الحاج [حامد] عزيزي، ولكنّنا أودعنا كافّة النسخ في المستودع. وبعد عودتي إلى النجف قلت له: إنّ الكتاب قد طبع في نهاية المطاف، فأنتم لم تقولوا لنا بوضوح وصراحة بأن لا نطبعه، وقد طبعناه فضوليّاً(2)، فإن كان ذلك خلاف رغبتكم فليبقَ في المستودع إلى حين الحاجة، حيث يتمّ توزيعه للمكتبات بالتدريج. واقترحتُ عليه أن نعمد إلى توزيعه مجّاناً وأن لا نعمدَ إلى بيعه.

ما أريد قوله هو أنّ الشهيد الصدر قد وافق على موضوع الكتاب وطبعه على مضض، واشترط أن لا تُحشد له الألقاب على الغلاف، وأن يكتب عليه «السيّد محمّد باقر الصدر» مجرّداً من لقب «حجّة الإسلام» أو «آية الله»، تماماً كما حدث سابقاً مع الإمام الخميني عندما طبع الشيخ [علي] المشكيني رسالته العمليّة دون موافقته، فما كان من الإمام إلاّ أن أمرهم بشطب الألقاب التي وضعوها على الغلاف بالحبر الأسود، ولا زالت بعضُ هذه النسخ شاهدة على ذلك حتّى اليوم.

خلاصة الكلام: إنّ الحاجة إلى مرجعيّته تفاقمت مع الأيّام، خاصّة إذا أخذنا بعين الاعتبار التمايز المتزايد الذي سجّله على الصعيد السياسي والاجتماعي والنضالي مقارنةً بمرجعيّة السيّد الخوئي، الأمر الذي صيّره قبلةً يؤمّها الناس، فحمل نفسه على مكروهها وقبل بالمرجعيّة بكثيرٍ من الاحتياط.

الهوامش
-----------
1 ـ لم ينشر للسيّد الصدر حاشية فتوائيّة على (العروة الوثقى)، لكن ورد في إحدى رسائل السيّد عبد الغني الأردبيلي إلى السيّد الصدر طلبٌ بطباعتها.
2 ـ يقصد المعنى الفقهي لا الأخلاقي، والفضول هنا صفة تلحق بالعمل الذي لا يكتسب إذن صاحب الإجازة إلاّ بعد وقوعه.



من مواضيع : alyatem 0 هل أن كنوز الطالقان في أفغانستان أم في إيران؟!!
0 زيارة قرية المنتظرين للحجة(عجل الله فرجه الشريف) في مدينة طالقان
0 حق اليقين.. في تنزيه أعراض النبيين
0 الرد التحريري على السيد حسن الكشميري
0 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء

الصورة الرمزية alyatem
alyatem
عضو برونزي
رقم العضوية : 77639
الإنتساب : Mar 2013
المشاركات : 741
بمعدل : 0.17 يوميا

alyatem غير متصل

 عرض البوم صور alyatem

  مشاركة رقم : 8  
كاتب الموضوع : alyatem المنتدى : المنتدى الفقهي
افتراضي
قديم بتاريخ : 15-03-2013 الساعة : 03:27 AM


مرجعية السيد الصدر بين الشباب والجامعات وبين الحوزات العلمية

السؤال:
يعتقد بعض طلاّب الشهيد الصدر ومقرّبيه أنّ مرجعيّته لاقت إقبالاً في أوساط شباب الجامعات وناشئة الحوزة العلميّة، وبالخصوص من قبل الطلبة اللبنانيّين وعشائر العراق، بينما لم يكن الأمر كذلك بالنسبة إلى الحوزة العلميّة التي لم تعبأ بهذه المرجعيّة كثيراً ولم تتفاعل معها؛ وذلك ـ وبحسب تحليل بعض المطّلعين ـ بسبب تخييم عامل الحسد. كيف تنظرون أنتم إلى هذه المسألة؟

السيد الشاهرودي:
إنّ أكثر الذين تفاعلوا مع مرجعيّته وأقبلوا عليها كانوا من الطلاّب العرب واللبنانيّين، أضيفوا إليهم مجموعة من الطلاّب الإيرانيّين الذين تمّ تسفيرهم إلى إيران في أحداث التسفير المعروفة. لم يكن مقامه العلمي الرفيع إلى حين تصدّيه للمرجعيّة محلَّ خلافٍ ونزاع، وكان الإيرانيّون يشكّلون أعلى نسبة من طلاّبه، وكان الأشخاص الذين حرموا من حضور درسه مراعاةً للنظام البعثي الحسّاسِ تجاهه ـ حيث كان وضعه في علاقته مع النظام البعثي شبيهاً بوضع المرحوم السيّد الحكيم ـ يتجرّعون غصص الندم ويعضّون أناملهم أسفاً. أضيفوا إلى ذلك المسائل المتعلّقة بحزب الدعوة والتنظيم، فقد كانت هذه المسائل برمّتها تثير الحساسيّة والترقّب في نفوس الطلاّب. ولكن مع ذلك، وكما سبق وأن أشرت، فإنّ غالبيّة طلاّبه كانت من الإيرانيّين، وكانوا كذلك الأوفر حظّاً في الفضيلة العلميّة، ولم يكن بين اللبنانيّين من يضاهيهم فضلاً، وكان بنفسه يولي الإيرانيّين مزيداً من الأهميّة.


بعد ذلك، برزت مسألة التصدّي للمرجعيّة وطرح الرسالة العمليّة، وذلك تزامناً مع بلوغ درجة الحساسيّة بين جهاز السيّد الخوئي وجهاز الإمام الخميني درجاتها العُلى، خاصّةً أنّ عدداً كبيراً من الطلاّب الإيرانيّين لم يصادقوا على تقدّم السيّد الخوئي على الإمام في ميزان الأعلميّة، وقد شكّلت هذه المسألة في الحقيقة أولى بوادر الافتراق التي سعى السيّد الصدر إلى حلّها وتمييعها من خلال تردّده على الإمام، وترحيبه بدرس ولاية الفقيه، وتوصيته بكتاب [الحكومة الإسلاميّة] الذي كان يمدحه كثيراً ويعتبره نقطة تحوّل في مسار المرجعيّة. وعلى كلّ حال، فقد حاول الشهيد الصدر أن يجبر الكسر ويرتق الفتق من خلال لقاءاته وأحاديثه مع الذين كانوا يتردّدون عليه.

وعلى صعيدٍ آخر، وبعد أن تبلور الجهاز التقليدي للسيّد الخوئي ـ الذي لم يكن متماهياً مع مشروع مقارعة النظام بهذا النحو ـ تجذّرت أسباب الشقاق ووصل الأمر إلى منعطف طرق، وقد جعل ذلك الحوزةَ تنأى عن الشهيد الصدر يوماً بعد يوم. إلاّ أنّ خلاف الطرفين معه لم يكن لينسحب على الاعتراف بمستواه العلمي والفقهي والفكري، ولكنّ السؤال الذي أثير مثلاً لدى جهاز السيّد الخوئي كان يتمحور حول السرّ في تبدّل موقفه، وأنّه لماذا لا يُرجع اليوم إلى السيّد الخوئي بعد أن كان بالأمس قد دعا الجميع إلى تقليده؟ ولهذا اتّسم تعاطي جهاز السيّد الخوئي معه بالشدّة، وقد اجتمع السيّد [جلال] فقيه إيماني ـ صهر السيّد الخوئي الذي كانت إدارة الجهاز بيده، والذي يصارع اليوم المرض ـ بالسيّد الصدر وعقد معه اجتماعاً مطوّلاً حول هذا الموضوع وطرح عليه هذا التساؤل.


ولكن قبل ذلك دعوني أذكر لكم أنّ السيّد [جلال] فقيه إيماني إصفهانيُّ الأصل، وهو شقيق السيّد كمال الذي كان وكيلاً للإمام الخميني، بينما كان السيّد جلال وكيلاً وصهراً للسيّد الخوئي، وكان في أيّام الدراسة رفيقاً للسيّد الصدر، ولذلك تلقّى السيّد الصدر منه عتاباً شديداً على ما آل إليه موقفه، خاصّةً مع متانة علاقته بالسيّد الخوئي، ومع أخذ موقفه السابق بعين الاعتبار.

وهنا لا يفوتني ذكر حادثة ظريفة كان يذكرها لنا السيّد الصدر، حيث قال: عند مجيء السيّد جلال من إيران واستقراره في النجف لم يكن متزوّجاً، وقد التحق بدرس المرحوم الشيخ حسين الحلّي، وكان الشيخ حسن والشيخ سعيد وبعض الطلاّب الإيرانيّين الذين يحضرون درس السيّد الخوئي يحضرون في درسه أيضاً، وكان الشيخ الحلّي من طلاّب الميرزا النائيني، وكان عالماً فاضلاً زاهداً عابداً، ينأى بنفسه عن الادعاءات، وكان على علاقة خاصّة بالإيرانيّين ويلقي دروسه بالفارسيّة على غرار أستاذه النائيني، وكان درسه قبل مجيء الإمام إلى النجف يلي درس السيّد الخوئي من حيث الأهميّة، إلى أن افتتح الإمام درسه واستقطب إليه الطلاّب. إذاً إلى ذلك الحين كان درس الشيخ الحلّي من الدروس المهمّة التي يحضرها فضلاء الطلاّب. في البدايات التحق السيّد جلال بدرس السيّد الخوئي، ولم تمضِ بضعة دروس حتّى تركه، وعندما سأله السيّد الصدر عن السبب أجابه بأنّ الشيخ الحلّي أدقّ وأفضل، فاقترح عليه السيّد الصدر أن يحضر الدرسين معاً، ولكنّه أجاب بأنّه يكتفي بحضور درس الشيخ الحلّي. وبعد مدّة لاح في الأفق موضوع مصاهرته للسيّد الخوئي، وبعد أن تمّت المصاهرة رجع إلى الدرس، وترك درس الشيخ الحلّي. هنا يقول السيّد الصدر إنّه قال ذات مرّة للسيّد جلال ممازحاً: «لقد اتّضح لنا الآن أنّ أحد أدلّة الأعلميّة هو المصاهرة، ما برحنا ندعوك إلى درس الخوئي فلم تستجب، ولمّا صاهرته أتيت».

نرجع إلى صلب الموضوع: ما أردت قوله هو أنّ السيّد جلال كان شديد الحساسيّة تجاه تبدّل موقف السيّد الصدر، وكان يسأله عن سبب ذلك، وقد قدّم له السيّد الصدر مجموعة من الأجوبة.

لقد كان موقف الحوزة من السيّد الصدر موقفاً سياسيّاً ولم يكن مبدئيّاً، وكان الطلاّب الإيرانيّون يتخوّفون على أنفسهم من التسفير، وقد حصل ذلك بالفعل لمرّتين أو ثلاث مرّات. أذكر بهذا الصدد السيّد [محمّد باقر] السلطاني [الطباطبائي] عديل السيّد الصدر، والذي كان قد عزم على الاستقرار في النجف، وقد تكبّد السيّد الصدر عناءً بالغاً في سبيل تأمين مسكن له. في إحدى الليالي شنّ البعثيّون حملة من الاعتقالات بين النجف وكربلاء وتمّ إرسال المعتقلين إلى الحدود، ولم يمضِ أسبوع واحد على سكنى السيّد سلطاني وعائلته في منزله الجديد الذي أحسن تجهيزه حتى عدل عن قراره بالاستقرار حذراً من اعتقاله أو اعتقال أحد من أفراد أسرته من قبل البعثيّين الذين وصفهم بالمجرمين، فعاد أدراجه إلى إيران باعتبار أنّ العراق ليس مكاناً مناسباً للاستقرار.

هكذا كان الوضع في النجف، وقد أفاد هؤلاء بشدّة من قضيّة التسفير، فقد كانوا يضغطون من خلالها على الطلاّب، محذّرين إيّاهم من أنّ من حضور درس فلان(1)عاقبته الاعتقال، وذلك بسبب حالة الصدام القائمة بينه وبين النظام الحاكم، فقد كانوا يعترفون له بالدقّة العالية والفضيلة الواسعة، إلاّ أنّه على أيّ حال رجل سياسة، وكان التدخّل في الشأن السياسي في بيئة الحوزة التقليديّة أمراً غريباً وغير مألوف، وعلى وجه الخصوص بين الطلاّب الإيرانيّين من غير المحسوبين على خطّ الإمام، حيث كانوا يتحسّسون للغاية من هذه الظاهرة، ويعتبرونها لا تنسجم مع شأن الحوزة، وكان الاعتقاد في ذلك الحين بانفصال الدين عن السياسة أمراً عاديّاً، وخاصّة كيان الحوزة الذي ينبغي ـ بنظرهم ـ أن ينأى بنفسه وبشدّة عن ميادين العمل السياسي.

لقد كان هؤلاء يستفيدون من الجو السائد لِلَيِّ ذراع السيّد الصدر، ولكنّ سياستهم هذه لم تؤتِ أكلها مع الطلاّب اللبنانيّين لكونهم متورّطين أساساً، ناهيك عن طبقة الشباب الذين كانوا مؤمنين بمشروع النهضة والنضال. لقد كان السيّد الصدر يملك أهليّة عظيمة لتولّي زمام المرجعيّة، فقد كان صاحب مَلَكَة فقهيّة راسخة وضاربة في الأرض، إلى جانب ثقافة فكريّة مترامية الأطراف، وقد اجتمعت فيه العديد من الإمكانيّات والطاقات. وإذا نظرت إلى المرحوم الشهيد مرتضى المطهّري مثلاً، لوجدت أنّه صاحب رأي في مجال الفلسفة وعلم الاجتماع، وكان الشهيد الصدر يكنّ له احتراماً خاصّاً، إلاّ أنّه لم يخلّف في الفقه كتاباً ولم يربِّ فيه تلميذاً، بينما نجد أنّ آثار الشهيد الصدر الفقهيّة مرجعٌ لأهل الرأي والفن، حتّى أنّ فضلاء الطلبة في قم يعتبرون الآن أنّ الدرس الذي لا يأخذ نظريّات الشهيد الصدر بعين الاعتبار ليس درساً كاملاً، وقد بدأت تقريراته وأبحاثه تحتلُّ اليوم مكانتها في الحوزة، وقد بدأت آراؤه الأصوليّة تشقُّ طريقها في دروس أساتذة الحوزة وفضلائها في قم، والذين بدأوا في الفترة الأخيرة يحتلّون كراسي التدريس بدل الطبقة الأولى المتقدّمة في السن.


فلو كان أفاضل طلاّب الميرزا جواد التبريزي مثلاً يهملون آراء السيّد الصدر ولا يتعرّضون لها لما احتشد حولهم الطلاّب، ولطولبوا بالتعرّض للآراء الجديدة وعدم إهمال نظريّاته، تماماً كما هي الحال مع السيّد الخوئي مثلاً في الفقه والرجال؛ فلو أنّ أحدهم أراد التحقيق في علم الرجال ـ الذي كان للسيّد الخوئي فيه يدُ تحقيق ونظر ـ ولم يأخذ بعين الاعتبار (معجم رجال الحديث) لسئل عن سبب هذا الإهمال. وكذلك الأمر في الفقه، فلو أنّ أحدهم أراد تدريس الفقه ولم يتعرّض لشرح السيّد الخوئي على (العروة الوثقى) لأثار ذلك التساؤل نفسه. وهذا ما حصل مع السيّد الصدر بالنسبة إلى أبحاثه الأصوليّة التي صدر منها دورة كاملة، حيث كان قد درّس دورتين. وقلنا: «الأصوليّة» لأنّه لم يخلّف من الآثار الفقهيّة سوى ثلاثة أو أربعة مجلّدات في باب الطهارة.

على كلّ حال، لقد كان السيّد الصدر ملتقىً للعديد من الخصال والمزايا، وكان ذلك ليشكّل أرضيّة ملائمة جدّاً ليكون مرشّحَ الحوزات العلميّة في التصدّي لأمور المرجعيّة، إلاّ أنّ الأوضاع السياسيّة التي عصفت به غيّرت مجرى سفنه، ونحن في الوقت الذي تختلجنا فيه أعظم مشاعر الأسى لفقدانه من ساحات العلم والمعرفة، نحتسبه عند الله تعالى الذي قدّر له أن يسلك سبيل الجهاد والإيثار، وقد انتهى به المطاف بنيل مقام الشهادة الرفيع.

الهامش
---------
1 ـ يقصد الإمام الشهيد الصدر.




من مواضيع : alyatem 0 هل أن كنوز الطالقان في أفغانستان أم في إيران؟!!
0 زيارة قرية المنتظرين للحجة(عجل الله فرجه الشريف) في مدينة طالقان
0 حق اليقين.. في تنزيه أعراض النبيين
0 الرد التحريري على السيد حسن الكشميري
0 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء

الصورة الرمزية alyatem
alyatem
عضو برونزي
رقم العضوية : 77639
الإنتساب : Mar 2013
المشاركات : 741
بمعدل : 0.17 يوميا

alyatem غير متصل

 عرض البوم صور alyatem

  مشاركة رقم : 9  
كاتب الموضوع : alyatem المنتدى : المنتدى الفقهي
افتراضي
قديم بتاريخ : 15-03-2013 الساعة : 03:27 AM


السيد الصدر والإمام الخميني، العلاقات والمشتركات

السؤال:
من الواضح أنّنا إذا قيّمنا الشهيد الصدر وفق قناعاته الاجتماعيّة والسياسيّة، فسنجده أقرب فكريّاً إلى خطّ الإمام الخميني منه إلى أساتذته ورفاقه السابقين، وهذا ما يدعو إلى التريّث لدى تقييم الأشخاص وعدم سحب قناعات ومواقف أساتذتهم عليهم، هل لديكم من خواطر تدلون بها حول بداية تقارب السيّد مع الإمام؟

السيد الشاهرودي:
لقد كنت على الصعيد الشخصي شديد التوق إلى تعميق التقارب وتجذيره بين أستاذنا الشهيد وبين الإمام، فقد بدا لي واضحاً من أوّل الأمر أنّ مدّ جسور هذا التقارب سيكون في صالح الاثنين معاً. ولمّا أرجع السيّد الصدر في التقليد إلى السيّد الخوئي كنتُ من أشدّ المعترضين على هذه الخطوة التي لم يستشرني فيها، ولو فعل لحاولتُ صرفه عنها.

السؤال:
إذن، لم تكونوا على علمٍ بها؟

السيد الشاهرودي:
بالضبط، فقد أتى أحد الأشخاص من لبنان ليأخذ بيان السيّد الصدر حول الموضوع ويعود، وهو أخو الشيخ شمس الدين.

السؤال:
كلامكم هذا من الأهميّة بمكان..

السيد الشاهرودي:
نعم، اطلعتُ على البيان بعد انتشاره، فسألت أستاذنا عمّا دعاه إلى الإقدام على هذه الخطوة، فأجاب بأنّ السيّد الخوئي أستاذه وأنّه رأى أنّ الحفاظ على وحدة الكلمة في الدول العربيّة يقتضي الإرجاع إليه، ولكنّني أجبته بأنّه لم يكن هناك مصلحة في هذه الخطوة، إضافةً إلى أنّ الاتجاه الذي سينحوه جهاز السيّد الخوئي لم يكن متبلوراً بعد، وأقصد من كلامي حاشيته، وإلاّ فإنّ السيّد الخوئي نفسه شخص عظيم، ونحن لسنا بصدد التعريض كثيراً بالمراجع.

وكما ذكرتم في كلامكم، فإنّ السيّد الصدر كان شديد القرب من الإمام، وكان الإمام بدوره ـ في البدايات وفي حياة السيّد الحكيم ـ يحيل مناهضي نظام الشاه الذين كانوا يتوافدون عليه من أوروبا وغيرها من المناطق على السيّد الصدر، وأذكر أنّنا كنّا كثيراً ما نشارك في جلسات السيّد الصدر التي يعقدها عند وفود السيّد صادق الطباطبائي من ألمانيا، فقد كان السيّد صادق ينزل في بيته باعتباره من محارم زوجته، فالسيّد الصدر زوج خالته، وذات مرّة نقل لي السيّد صادق أنّهم استعرضوا أمام الإمام وضع المسائل والقضايا الإسلاميّة التي يقومون بطرحها وأنّها استنفذت مداها، وطلبوا منه إحالتهم إلى شخصٍ يمكنهم الرجوع إليه في هذا المجال من أجل الاستمرار في هذا الاتجاه، فما كان من الإمام إلاّ أن أحالهم ـ ولمرّتين ـ على السيّد الصدر وطلب منهم الإفادة منه.

لقد كان الإمام يعقد عليه الآمال، إلاّ أنّ الحوادث التي أعقبت وفاة السيّد الحكيم وإرجاع السيّد الصدر إلى السيّد الخوئي قلبت الأمور رأساً على عقب، وقد فاقم الأمور ما جرى في لبنان من تصنيف السيّد موسى الصدر للإمام الخميني بعد السيّد الخوئي. وقد أثارت هاتان الخطوتان من السيّدين الصدرين حفيظة الكثيرين، والحقُّ معهم في عدم تقبّل ذلك؛ لأنّ السيّدين انطلقا من منطلق علاقة التلميذ بأستاذه ورفاقه. وممّا ساعد على إبهام الأمور الانطباعُ الذي كان يحمله السيّد الصدر حول السيّد الخوئي وكونه منفتحاً من الناحية الفكريّة، فقد سبق أن ذكرت أنّ من يجالسه يستهويه كلامه حول لزوم تشكيل الحكومة الإسلاميّة وإقامة الحدود، حتّى أنّه أفتى بعدم اختصاص إقامة الحدود بزمان المعصوم وحضوره، وأنّ المسألة من بديهيّات الإسلام التي ينبغي إقامتها في كلّ زمان.

إنّ هذا الفكر المنفتح كان يجعل السامع يعتقد بأنّه وبمجرّد أن تذعن المرجعيّة له رقبتها فسيعمل على إقامة الحكومة الإسلاميّة. وممّا عزّز هذه القناعة أنّه كان قد أفتى بكفر الشاه وعدم شرعيّة الحكومات الفعليّة التي اعتبر أموالها مجهولة المالك وأنّ ملكيّتها لها فاقدة للشرعيّة. والذي يعلن على الملأ وبكل شفافية فتاوى من هذا القبيل من الطبيعي أن تعقد عليه الآمال بأنّه وبمجرّد أن يستلم زمام المرجعيّة فسيعمل على إقامة الحكومة الإسلاميّة، والحال أنّ الذي حصل هو خلاف ذلك تماماً، فتلقّى السيّد الصدر ضربة قاصمة حيث أُسقط بيده وخابت آماله، خاصّةً وأنّ السيّد الخوئي لم يملأ حتى الفراغ الذي خلّفه رحيل السيّد الحكيم على صعيد التصدّي الاجتماعي.

وممّا زاد في الطين بلّة ما تعرّض له الإيرانيّون من حملات تسفير شنّها النظام البعثي، حيث كان أكثر طلاّب السيّد الصدر منهم فتلقّى ضربةً موجعة، ولم يعد ترميم الوضع بالأمر الهيّن على الإطلاق. ثمّ توالت الأحداث وتراكمت القضايا التي فاقمت الأمور وراحت تزيدها تعقيداً يوماً بعد آخر. أذكر على سبيل المثال حملات التسفير التي شنّها النظام البعثي ضدّ الإيرانيّين، والتي تزامنت مع سفر السيّد الخوئي إلى بريطانيا [لندن]، الأمر الذي أزعج السيّد الصدر كثيراً، وعندما زاره في بغداد [قبل سفره إلى لندن] طالبه بمبرّر سفره في هذا الظرف، وذكر له أنّ مكتبه في النجف قد أعلن أنّ من أراد السفر فليسافر، وأنّ نتيجة هذا التدبير ستكون زوال الحوزة. فطلب منه السيّد الخوئي أن يرجع أدراجه إلى النجف وينقل عنه عدم رضاه بسفر أيٍّ من الطلاّب، فرجع السيّد الصدر إلى النجف معلناً عن موقف السيّد الخوئي، ولم يطلع صباح اليوم التالي حتّى كذّب مكتب السيّد الخوئي ذلك، حيث قال السيّد جمال [الخوئي]: إنّ هذا الكلام لم يصدر من والده.


الامام الخوئي رحمه الله أثناء توجّهه إلى لندن مارّاً بمطار بيروت عام 1971

والنتيجة أنّ السيّد الخوئي سافر إلى بريطانيا [لندن]، ولولا وقوف الإمام الخميني والمرحوم السيّد محمود الشاهرودي وثبات موقفهما لزالت الحوزة، ولكن مع ذلك فقد هاجر الكثيرون إلى قم، وكان فضلاء الحوزة العلميّة في النجف من الإيرانيّين، وقلّما تجد فيها فاضلاً عربيّاً، أمّا اللبنانيّون فقد كان عددهم محدوداً؛ إذن لقد برزت قضيّة التسفير من ناحية، وملابسات الحوزة من ناحية أخرى.

السؤال:
هل تحتفظون بذكريات ترتبط بعلاقة المرحوم السيّد الصدر بالإمام الخميني؟

السيد الشاهرودي:
لقد كان تواصل السيّد الصدر مع الإمام يتمّ عبر طريقين اثنين: أحدهما عبر المرحوم السيّد أحمد الخميني الذي كان يحضر درس السيّد الصدر. والآخر من خلال الوافدين عليه من الخارج ومن خلال الطلاّب الذين كانوا على علاقة به، خذوا على سبيل المثال السيّد [محمود] دعائي الذي لعب دوراً لا يُستهانُ به في هذا المجال، وكان على تواصل مع الجمعيّات الإسلاميّة ومع أطراف عديدة خارج البلد.

هكذا كان حالهما في الجانب السياسي والاجتماعي. وكان السيّد الصدر يستغلُّ أدنى مناسبة لزيارة الإمام، وقد رافقته لمرّات عديدة في زياراته تلك، وكان الإمام في المقابل يكنّ له احتراماً بالغاً، خاصّة في الفترة الأخيرة من إقامته في النجف عندما ضرب عليه الحصار ووضع تحت المراقبة، فقد كان السيّد الصدر الشخص الوحيد الذي كسر طوق الحصار وأقدم على زيارته وتفقّده، وفي ذلك الظرف لم يجرؤ أحدٌ على فعل ذلك؛ فالجميع قد تخاذلت أرجلهم من الفَرَق ونَزَت قلوبهم من الخوف. وفي اليوم التالي قصد الإمامُ الحدودَ العراقيّة الكويتيّة، وفي اليوم الذي يليه سافر إلى باريس.

في الأيّام الثلاثة أو الأربعة الأخيرة من إقامة الإمام في النجف وضع النظام البعثي منزل الإمام ومحيطه تحت السيطرة والمراقبة، وقبل ذهابه إلى الحدود الكويتيّة بقي لما يقرب من أسبوعٍ محاصراً في منزله، وكان السيّد الصدر ـ كما قلت ـ هو الشخص الوحيد الذي أقدم على زيارته وأحجم عن ذلك الجميع، من عربٍ وغيرهم. علماً بأنّ تعاطي السيّد الصدر مع الإمام كان على هذا النحو منذ السابق، ففي حادثة وفاة المرحوم الحاج السيّد مصطفى الخميني ذهب السيّد الصدر للقاء الإمام ما يقرب من أربع مرّات، وكان الإمام يُقابله بكثيرٍ من اللطف.


الخلاصة أنّ الأمور كانت تسير في الفترة الأخيرة نحو التحسّن والتعافي، ولكنّ الوقت كان قد تأخّر بمعنى أنّ الفرصة كانت ضيّقة جدّاً لذلك، فقد واجه الإمام في تلك الفترة قضايا إيران والغليان الذي عاشه الشارع الإيراني، إضافةً إلى ما يرتبط بالبعثيّين الذين أعدموا من أعدموا، فقد كانوا خشني الجانب ولا عهد لهم بالرقّة. يُذكر هنا أنّه في بداية الأمر كان السيّد مصطفى الخميني يكنّ للسيّد الصدر معزّة خاصّة، ولكنّ إرجاع الأخير إلى السيّد الخوئي بعد وفاة السيّد الحكيم قد عكّر صفو هذه العلاقة إلى حدٍّ ما، وكذلك الأمر بالنسبة إلى علاقة السيّد مصطفى بالسيّد موسى الصدر. ولكنّنا حاولنا تليين الموقف من خلال التردّد عليهم وشرح الموقف بوصفه جزءاً قد ولّى من التاريخ. والذي يبعث على الأسى أنّ المصائب كانت تتوالى الواحدة تلو الأخرى، بحيث لا تدع للإنسان مجالاً للتفكير والتخطيط، فتارةً يسفّر طلاّب السيّد الصدر، وأخرى طلاّب الإمام، وهكذا.


أذكر الآن الميرزا جواد التبريزي الذي اعتقلوه وهو في طريق كربلاء واحتجزوه لليلةٍ في خان النصف بين النجف وكربلاء، وهو الخان الذي أنشأ في عهد [الوالي العثماني سليمان عام 1774م]، حيث لا يوجد أيّةُ غرفة أو شيء آخر، سوى أسقف مظلِّلة، ثمّ وضعوا أمامه حفنةً من التمر المجفّف. لقد كان هذا الوضع صعباً على الميرزا جواد والميرزا كاظم التبريزي والسيّد [أبو القاسم] الكوكبي وغيرهم ممّن رحل إلى إيران، والتي استقبلت شريحة واسعة من زعماء الحوزة. وبهذا استطاع صدّام أن يقضي على حوزة النجف ويُخليها من الفضلاء والعلماء؛ فلم يبقَ من الإيرانيّين سوى عدد قليل، أمّا أكابر العرب واللبنانيّين فبين راحلٍ وسجين. نعم، بقي فيها مجموعة من البعثيّين.

لقد تلقّت الحوزة من صدّام ضربة قاصمة لم تتعافَ منها حتّى يومنا هذا. واليوم وبعد مرور أربع أو خمس سنوات على زوال حكم صدّام قد يتحدّث القادم من هناك عن وجود حوزة في ذلك البلد، ولكنّ الحقيقة أنّه لا وجود لحوزةٍ هناك، فقد استأصلها صدّام من جذورها وأتى على أساسها.



الصور المرفقة
تحذير : يتوجب عليك فحص الملفات للتأكد من خلوها من الفيروسات والمنتدى غير مسؤول عن أي ضرر ينتج عن إستخدام هذا المرفق .

تحميل الملف
إسم الملف : 300-dpi.jpg‏
نوع الملف: jpg
حجم الملف : 19.0 كيلوبايت
المشاهدات : 2014

من مواضيع : alyatem 0 هل أن كنوز الطالقان في أفغانستان أم في إيران؟!!
0 زيارة قرية المنتظرين للحجة(عجل الله فرجه الشريف) في مدينة طالقان
0 حق اليقين.. في تنزيه أعراض النبيين
0 الرد التحريري على السيد حسن الكشميري
0 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء

الصورة الرمزية alyatem
alyatem
عضو برونزي
رقم العضوية : 77639
الإنتساب : Mar 2013
المشاركات : 741
بمعدل : 0.17 يوميا

alyatem غير متصل

 عرض البوم صور alyatem

  مشاركة رقم : 10  
كاتب الموضوع : alyatem المنتدى : المنتدى الفقهي
افتراضي
قديم بتاريخ : 15-03-2013 الساعة : 03:29 AM


هل كان السيد الصدر يريد الخروج من العراق حقاً؟!

السؤال:
يعتبر إيفادكم إلى إيران مظهراً من مظاهر عزم السيّد الصدر على ترميم علاقته بالإمام، أليس كذلك؟

السيد الشاهرودي:
دعونا هنا لا ننسى الرسالة التي وجّهها السيّد الصدر إلى الإمام عندما كان في (نوفل لو شاتو)، فقد كانت رسالةً عظيمةً وهي في الواقع تحكي عن عظمة هذه الثورة(1).

السؤال:
هل لديكم ذكريات تتعلّق بكم حول مجيئكم إلى إيران وأحاديثكم مع السيّد الصدر بهذا الصدد وفي المرحلة التي انتُدبتم فيها لتمثيله هنا في إيران؟

السيد الشاهرودي:
أذكر أنّه في مساء اليوم الذي ولّى فيه الشاه هارباً لم يلقِ درسه المعتاد، فقد كان يطفر من الفرح ويميد بعطفيه السرور، وبدأ حديثه بكلامٍ رائع وأسلوبٍ ساحر.

السؤال:
لقد كان يتمتّع بأدبيّات راقية، صحيح؟

السيد الشاهرودي:
بالفعل، لقد كان عجيباً جدّاً؛ فقد كان بيانُه طوعَ لسانه وقلمُه أسيرَ بنانه، وقد قال في تلك اللحظة بعد البسملة: «اليوم تحقّقت آمال الأنبياء»، فقد استنشى في هذا الحدث نسيم الأمل. وبعد أن قامت التظاهرات عقيب تلك الأحداث قلت له: إنّ المنطقة ستشهد تحوّلاً ومنعطفاً مصيريّاً بسبب الأوضاع الأخيرة، ومن المؤكّد أنّ صدّام حسين لن يدعكم تتفيّؤون ظلال الراحة وتتقلّبون بين أعطاف الدعة، بعد أن شاهد بأم عينه سقوط نظام الشاه وعدم نجاحه في الحفاظ على ملكه، ولذا فلابدّ أن تخرجوا من العراق بأيّ شكلٍ من الأشكال، فكان رأيه أن أذهب أنا في الوقت الراهن.

السؤال:
إلى أين؟

السيد الشاهرودي:
إلى بغداد، فقد أخذت من النجف إلى بغداد حيث تواريت عن الأنظار، وبسبب معرفتي بحقيقة البعثيّين ومدى وحشيّتهم وكونهم جرثومة الفساد قلت للسيّد الصدر بأنّهم سينغّصون عليه عيشه؛ لأنّهم كانوا يستهدفون القضاء على من كان خلف الأحداث الأخيرة التي جرت في العراق، الذي هو السيّد الصدر. ولهذا السبب سارعتُ بالرحيل بمجرّد أن اشتعل فتيل الأمور، كما أنّ السيّد الصدر نفسه أوعز لي بذلك، وقال لي بأنّنا سنبحث لاحقاً من خلال تواصلنا كيف يمكن أن يخرج هو من العراق. فالسيّد الصدر لم يكن في الواقع يرفض فكرة الخروج؛ لأنّ الأوضاع كانت في غاية الخطورة.

السؤال:
هذا يعني أنّه كان يرغب في الخروج؟

السيد الشاهرودي:
نعم، كانت لديه رغبة في الخروج في أوائل الأمر، وقد طلب منّي الخروج والتواصل معه لنر إلى أين ستقودنا الأمور. بالمناسبة، لو كنتُ قد أخّرت سفري لأسبوع واحد لاحتضنتني جدران المعتقل، ولكنّي سافرت إلى الكويت، ومنها إلى إيران، وربّما كان ذلك في أوائل (فروردين) من العام 1358هـ.ش [آذار/1979م]؛ لأنّني شاركت في انتخابات الجمهوريّة الإسلاميّة، وكان الإمام في ذلك الحين في قم فزرته هناك وقد استغرب من وجودي.

استعرضتُ أمام الإمام الخميني أوضاع العراق وما آلت إليه الأمور، وذكرتُ له أنّ الخطر محدق بالسيّد الصدر، وأنّ البعثيّين سيقتلونه، ولكنّه كان يرى أنّهم لا يتورّطون في إعدام مرجع، والحرب العراقيّة الإيرانيّة لم تكن قد بدأت بعد، فلم يكن واضحاً لدى الإمام مدى إجرام صدّام حسين، ولذلك قال: إنّ من البعيد أن يقدموا على هذه الخطوة.

السؤال:
الحلقة المهمّة هي أنّه من قال للإمام بأنّ السيّد الصدر عازمٌ على الهجرة إلى إيران؟

السيد الشاهرودي:
يبدو أنّ وكالة الأنباء الإيرانيّة (فارس) كانت أوّل من أعلن الخبر وطيّرت ذكرَه في الآفاق، ثمّ تناقلته بعضُ الصحف، وقد أدّى ذلك إلى شيوع الخبر وانتشاره.

السؤال:
نطرح هذا السؤال لأنّه قيل: إنّ السيّد الصدر لم يكن عازماً على الهجرة في بادئ الأمر.

السيد الشاهرودي:
هذا صحيح؛ فإنّ مجيء السيّد الصدر لم يكن متداولاً في البداية، وقد تمّ إفشاؤه هنا، ولستُ أدري ما الذي سبّب ذلك؟! في ذلك الحين كان السيّد محمود دعائي سفيرَ إيران في بغداد، وكان على ارتباطٍ غير مباشر بالسيّد الصدر، فأتاني وطلب منّي صورةً للسيّد الصدر، فسألته عن الأمر فقال: إنّه يريد أن يُصدر له جواز سفر إيراني، وأنّ إدخاله إلى إيران أمرٌ ممكن، فأعطيته الصورة وتمّ إصدار الجواز [2] .

في العراق كان النظام يحمّل السيّد الصدر مسؤوليّة كلّ ما يجري، ولم يكن السيّد الصدر في المقابل مكتوفَ اليدين، فمن دعمه الثورةَ الإسلاميّة في إيران مروراً بتطيير الرسائل الرسميّة ـ من قبيل رسالته إلى الشيخ الخاقاني[3] ـ وصولاً إلى إقامة الفاتحة للشهيد مرتضى المطهّري، إلى غير ذلك من الأعمال... لقد كان الوحيد الذي أقام للشيخ المطهّري مجلساً في النجف، كما أنّه وقف بنفسه ليتقبّل التعازي. وقد اعتبرت السلطة هذه الأعمال بمثابة التحدّي لها، وقد حاول بعض أصدقائه ومريديه أن يزيلوه عن خوض المعركة ويثنوه عنها، وكنتُ منهم، وكان هذا رأي الخواص. ولستُ أدري كيف شاع أمر خروجه عبر وكالة الأنباء والصحف، وقد اطّلع الإمام على ذلك وكتب في ذلك [رسالته المعروفة]، معتقداً أنّ البعثيّين لن يقدموا على قتله.

بعد انتشار الخبر وشيوعه ازداد حنق البعثيّين على السيّد الصدر، وكان مأمولاً أن يُساهم هذا الحنق في الحفاظ على حياته، ولكنَّ الأمور اتخذت مساراً مغايراً تماماً. وبعد نشوب الحرب العراقيّة الإيرانيّة اتّضح بشكل كامل أنّ صدام حسين لن يتلكّأ في إبادة شعبه من أجل الحفاظ على كرسيّه ومنصبه، ولم يكن ليراعي ما يقف وراء هذه الآمال والتعويلات ويأخذه بعين الاعتبار.

الهوامش
-----------
1 ـ راجع الرسالة في: محمّد باقر الصدر، مرجع سابق 4: 10 وما بعد. وسنتطرق لها لاحقا مع بعض الفقرات الاخرى بالتوضيح.

[2 ـ أوعز السيّد الخميني (رحمه الله) إلى وزير الداخليّة آنذاك الدكتور صادق الطباطبائي- ابن أخت أم جعفر الصدر- بإصدار جواز سفر باسم السيّد الصدر (رحمة الله) يمكنّه من الدخول إلى إيران، وقد تمّ التحفّظ الشديد على هذه العمليّة التي لم يكن على علمٍ بها سوى: السيّد الخميني (رحمه الله)، السيّد أحمد الخميني (رحمه الله)، السيّد محمود دعائي والدكتور صادق الطباطبائي، وحتّى ربّان الطائرة المروحيّة التي كان من المفترض الاستعانة بها لم يكن على علمٍ بأنّ من عليه أن يقلّه هو السيّد الصدر (رحمه الله).
وبعد العدول عن فكرة إصدار جواز سفر إيراني لاحتمال أنّ ذلك كان سيثير الشكوك لدى السلطات العراقيّة وبعد إجراء العديد من الاتّصالات، تمكّن السيّد محمود دعائي- سفير إيران لدى العراق- من إصدار جواز سفر (سوري أو جزائري) يحمل‏ صورة السيّد الصدر (رحمه الله) في لباس كردي- بعد أن ركّبت الصورة تركيباً- وأُرسل الجواز إلى إيران، حيث قام الدكتور الطباطبائي بإصدار إِذن الدخول، وتقرّر استقبال السيّد الصدر (رحمه الله) على الحدود الإيرانيّة مع الأكراد في الوقت الذي تكون فيه عائلته قد سافرت عبر الأردن.
ولمّا وصل السيّد محمود دعائي إلى بغداد حاملًا جواز السفر، علم أنّ السلطة قد ضربت الحجز على السيّد الصدر (رحمه الله) منذ يومين (أوائل تمّوز/ 1979 م). ويبدو أنّ السيّد دعائي قد حاول الاستفادة من هذا الجواز عندما رفعت السلطة الحجز مؤقّتاً عن السيّد الصدر (رحمه الله)، إلّا أنّه (رحمه الله) لم يتفاعل مع فكرة الخروج‏.

راجع الشهيد محمد باقر الصدر السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق ج 4 ص184]

[3 ـ ليس المقصود به عيسى عبدالحميد الخاقاني عميل السلطة والذي قدم للتفاوض مع الشهيد الصدر وكن مبعوثا من النظام البعثي.
وقد أشار لهذه الرسالة المجرم مدير الشعبة الخامسة زهير (أبو أسماء)- واسمه الحقيقي سعدون التكريتي‏ - في التحقيق الذي اجراه مع الشهيد الصدر بعد اعتقاله هو والسيد محمود الخطيب والشيخ طالب السنجري.
وقد وجّه كلامه للشهيد الصدر أثناء التحقيق قائلا:
(ترسل رسالة إلى الخميني؟! وترسل برقيّة إلى الشيخ الخاقاني‏ تقول له هذه دولة علي بن أبي‏ طالب، فهل نحن دولة كفرة؟ وتقول له ادعم الخميني؟ فأجاب الشهيد الصدر : نعم، أرسلت له رسالة، وهذه الأمور نحن العلماء نتفاهم عليها فيما بيننا.
وقد يكون المقصود بالخاقاني إمّا المرجع الشيخ محمد طاهر آل شبير الخاقاني، وإمّا الشيخ سلمان الخاقاني. ويبدو من خلال المضمون الذي تلاه (زهير) أنّ السيّد الصدر كان قد أرسل إلى الشيخ الخاقاني برقيّة مستقلّة عن البرقيّة التي أرسلها إلى الشعب العربي المسلم في إيران، ونصّها غير متوفّر لدي‏نا]

يشار الى أنه ازدادت الحملات العراقيّة على الحدود الإيرانيّة، وانتشر الخبر حول تشكيل دولة مستقلّة (عربستان)، وتمّ توزيع أسلحة روسيّة على سكّان الحدود وتحريك النعرات الطائفيّة وإثارة فتنة عربيّة- عجميّة وأخرى سنيّة- شيعيّة. وقد خرجت على إثر ذلك مظاهرات في طهران مندّدة بالهجوم على الحدود، وأحرقت صور البكر وصدّام‏ [گام به گام با انقلاب (فارسي) 2: 158 - 159)]

وقد أدرك السيّد الصدر (رحمة الله) خطورة هذه الدسائس والتحرّكات، فما كان منه إلّا أن وجّه في 16/ رجب/ 1399 هـ (11/ 6/ 1979 م) رسالةً إلى الشعب العربي المسلم في إيران دعاه فيها إلى الانضواء تحت راية الإسلام التي رفعها السيّد الخميني (رحمه الله)، وهذا نصُّ الرسالة:

شعبنا العربيّ المسلم العزيز في إيران، المجاهد:
السلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته.
وبعد، فإنّي أخاطبكم باسم الإسلام، وأدعوكم- وسائر شعوب إيران العظيمة- لتجسيد روح الأخوّة الإسلاميّة، التي ضربت في التّاريخ مثلًا أعلى في التّعاضد والتّلاحم في مجتمع المتّقين، الذي لا فضل فيه لمسلم على مسلم إلّا بالتّقوى، مجتمع عمّار بن ياسر وسلمان الفارسيّ وصهيب الرومي وبلال الحبشيّ، مجتمع القلوب العامرة بالفكر والإيمان، المتجاوزة كلّ حدود الأرض، المفتوحة باسم السماء ورسالة السماء، فلتتوحّد القلوب ولتنصهر كلّ الطّاقات في إطار القيادة الحكيمة للإمام الخميني وفي طريق بناء المجتمع الإسلامي العظيم الذي يحمل مشعل القرآن الكريم الى العالم كلّه. والسّلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته.
محمّد باقر الصدر
النجف الأشرف 16- رجب


الجدير بالذكرأنّ السيّد الخميني (رحمه الله) كان قد أرسل بتاريخ 2/ 1/ 1358 هـ. ش (23/ ربيع الثاني/ 1399 هـ) رسالةً إلى الشيخ محمّد طاهر الخاقاني (رحمه الله) يؤكّد له فيها على عدم التفرقة بين مختلف القوميّات وشكره على المساعي التي يبذلها في هذا المجال في منطقة الأهواز (صحيفه امام (فارسي) 6: 403)

انظر: صحيفة (لواء الصدر)، 15/ جمادى الأولى/ 1405 هـ؛ وانظر الرسالة في: مقدّمة مباحث الأصول: 147؛ شهيد الأمّة وشاهدها 135: 2- 136؛ . وفي: گام به گام با انقلاب (فارسي) 2: 159 أنّ الرسالة في 12/ رجب والصحيح ما أثبتناه؛ وانظر الإشارة إلى الموضوع في: نقش گروه هاى معارض در روابط ايران وعراق (فارسي): 74.

يشار إلى أنّ هذه الرسالة بخطّ السيّد محمود الهاشمي على ما جاء في (شهيد الأمّة وشاهدها للنعماني)، وتؤكّده شباهة الخط أيضاً:

(1) هذا وقد اتّضح سابقاً أنّ السيّد الصدر قد أعلم السلطة بخروج السيّد الهاشمي من العراق بعد أن اطمأنّ إلى خروجه وابتعاده عن الخطر.

(2) طلّاب السيّد الصدر اتّصلوا أوائل رجب بالسيّد الهاشمي للاستفسار عن برقيّة السيّد الخميني.

(3) سُئل السيّد الصدر أثناء التحقيق معه في اليوم التالي 17/ رجب عن السيّد الهاشمي وإرساله إلى إيران.

(4) ذكر الشيخ محيي الدين المازندراني أنّ السيّد الهاشمي كان في 17/ رجب في فرنسا أو لندن.

وهذا يجعلنا نجزم بأنّ السيّد محمود الهاشمي هو الذي كتب هذه الرسالة من خارج العراق وأرسلها إلى إيران باسم السيّد الصدر، أو أن يكون قد كتبها من إيران إن كان فيها. وقد يكون ذلك بإملاء السيّد الصدر، ولو لم يكن كذلك، فقد ورد في إجازة الاجتهاد التي منحه إيّاها السيّد الصدر أنّ «كلّ ما يصدر منه فهو صادرٌ منّي»

ينبغي الاشارة الى انه في 27/ ربيع الثاني/ 1399 (26/ 3/ 1979) حاز السيّد الهاشمي على إجازة الاجتهاد من السيّد الصدر (رحمه الله) ، وهي إجازة الاجتهاد الكتبيّة الوحيدة المعطاة من قبل السيّد الصدر (رحمه الله) إلى أحد طلّابه، وقد جاء فيها ما يلي:

بسم الله الرحمن الرحيم‏

والحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على أشرف خلقه محمّد وآله الطاهرين.
وبعد، فإنّ ولدنا المبجّل العلّامة حجّة الإسلام والمسلمين السيّد محمود الهاشمي دامت بركاته قد صرف شطراً من عمره في تحصيل الفقه والأصول وعلوم الشريعة، وحباه الله سبحانه وتعالى بالتأييد والتسديد حتّى بلغ مرتبة الاجتهاد والحمد لله ربّ العالمين.
فهو اليوم من المجتهدين الذين تناط بهم آمال الإسلام والمسلمين، وقد وكّلته في كلّ ما يعود إليّ من الأمور الحسبيّة، وكلّ ما يصدر منه فهو صادرٌ منّي، ولعموم المؤمنين والمقلّدين أن يوصلوا إليه ما يعود إلينا من الحقوق الشرعيّة، وكذلك وكلائنا من العلماء الأعلام فإنّهم مأذونون دامت بركاتهم في الدفع إليه، ونسأل المولى سبحانه أن يحفظه ذخراً للشريعة والإسلام‏
والسلام عليه ورحمة الله وبركاته‏
27 ربيع الثاني 1399
محمّد باقر الصدر
[الختم‏]


راجع في ما ذكر أعلاه الشهيد الصدر السيرة والمسيرة ج 4 ص146.


من مواضيع : alyatem 0 هل أن كنوز الطالقان في أفغانستان أم في إيران؟!!
0 زيارة قرية المنتظرين للحجة(عجل الله فرجه الشريف) في مدينة طالقان
0 حق اليقين.. في تنزيه أعراض النبيين
0 الرد التحريري على السيد حسن الكشميري
0 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)



تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الشبكة: أحد مواقع المجموعة الشيعية للإعلام

الساعة الآن: 05:26 PM.

بحسب توقيت النجف الأشرف

Powered by vBulletin 3.8.14 by DRC © 2000 - 2024
جميع الحقوق محفوظة لـ منتديات أنا شيعـي العالمية


تصميم شبكة التصاميم الشيعية