لا أعتقد أن مؤمناً لا يدعي حبه ومودته للإمام المهدي عليه السلام، فكلنا عندما نسأل عن حبنا له فإننا - وبلا تردد - نجيب بالإيحاب، ولكن المودة والحب ليس شيئاً مادياً يمكن تلمسه بالحواس الظاهرة، ومعه يحق لنا أن نتساءل : كيف يمكن لأحدنا أن يعرف أن حبه للمهدي عليه السلام هو حب حقيقي وواقعي أو أنه مجرد دعوى وهواء في شبك؟ وهل أن الإمام المهدي عليه السلام نفسه يحبنا أو لا ؟
إن الروايات الشريفة والواقع يعطيان لنا عدة طرق نستطيع من خلالها أن نقيس مقدار حبنا الحقيقي أو الوهمي لأي مخلوق أو لأي شيء كان، وكذا نعرف مقدار حب ذلك الموجود لنا، ومن تلك الطرق :
1 – شهادة القلب : يقول أمير المؤمنين عليه السلام: (سلوا القلوب عن المودات فإنها شواهد لا تقبل الرشا) . بمعنى ان من يريد ان يعرف – مثلاً - مقدار حب الإمام المهدي عليه السلام له، فله أن ينظر إلى قلبه ليرى كم يحب هو الإمام عليه السلام، وبنفس ذلك المقدار من الحب يجد الإمام عليه السلام يحبه ... ومن هنا قال الإمام الرضا عليه السلام للحسن ابن جهم لما قال له : جعلت فداك، أشتهي أن أعلم كيف أنا عندك ؟ فقال له الإمام عليه السلام : (انظر كيف أنا عندك).
2 – كثرة ذكره : يقول الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: (من أحب شيئاً أكثر ذكره).
وهذا أمر وجداني، فالعاشق يحاول أن يجد أية مناسبة ولو من بعيد ليبدأ بتلاوة كلمات الثناء وقصائد العشق في محبوبه !
3 – المواساة له عليه السلام في السراء والضراء : يقول أمير المؤمنين عليه السلام: (أصدق الأخوان مودة افضلهم لإخوانه في السراء والضراء مواساة).
وهذا أمر وجداني واقعي أيضاً، فإذا لم ينفعني من يدعي محبتي عند شدتي، فمتى سأرجو نفعه !
4 – أن لا يرى من محبوبه إلا جميلاً : فمن عشق شيئاً أعشى بصره وأمرض قلبه، فلا يرى في الوجود من يستحق الوجود إلا معشوقه ! فهذا مجنون ليلى لما عيره الأمير بسواد ليلى وعدم جمالها أجابه :
ولو نظر الأمير بعين قيس لما رأى غير جمال ليلى !
وهذه بعض الطرق التي يمكن من خلالها معرفة المودة ومقدارها !
وهانحن على المحك، وبين المطرقة والسندان ! والإنسان على نفسه بصيرة !
فكم يا ترى وجدنا في قلوبنا حباً للإمام عليه السلام ! أهو أحب الينا أم أنفسنا وأهلينا وأموالنا؟ أهو أحب إلينا أم المنصب والكرسي والجاه؟ أرؤيته أحب إلى قلوبنا أم رؤية ...؟
وكم يا ترى نذكره في مجالسنا وخلواتنا واجتماعاتنا ! وهل يتناسب ذكرنا له مع حجم المحبة والمودة المطلوبة منا شرعاً ؟ وهل يمكن أن يوازن حبنا بمقدار ما يقدمه لنا الإمام المهدي عليه السلام في غيبته وظهوره لو أدركناه؟
وليت شعري كم منا واسى الإمام عليه السلام في أحزانه التي تمر به، وهو يرى حقه نهباً، ويرى أتباعه على غير ما يحب! ويرى أعداءه يتكالبون على شيعته، ويعدون العدة للحظة ظهوره !
وهل رضيت قلوبنا رضا إيمان واطمئنان بغيبته عليه السلام وطولها ! ولم تعترض على طول الغيبة ولو من طرف خفي!
إن (الهلّات) كثيرة، ولكن يبقى لنا أن نعيش بأمل، _ وما أضيق العيش لولا فسحة الامل - أننا على مستوى المسؤولية، ونطمع أن نكون من المحبين له، عسى أن يحبنا الامام عليه السلام، فنسعد بالحياة الدنيا وننعم في الآخرة ...