«الاستحمار الذاتي بالطائفية بواقعنا الشرقي»
الدكتور عادل رضا
ان الشرق هو مخزون من الثروات والثقافة والتاريخ والحكايات التي لا تنتهي، أن تاريخ العالم في هذا الشرق فمن هنا بدأ التاريخ وبه سينتهي، هنا حكاية الإنسان، هنا كانت كل الأديان وهنا كانت حكاية حضارات قامت وسقطت، إلي وقتنا الحالي حيث التبعية للغرب المستعمر القديم وصاحب أستحمار الشرق، والسيطرة الخفية علي أدارة الأمور.
أن لدي كل إنسان وفرد مواقع للقوة يستطيع توظيفها لخدمة الأهداف العليا التي يريد تحقيقها علي مستوي طموحاته الفردية أو خدمة لأهدافه السياسية علي مستوي مجتمعي، فمهما يكون الفرد في مواضع للضعف فأن هناك مواقع للقوة باستغلالها لدي الإفراد، هو ما سيفتح مواقع قوة لأفراد آخرين، وسيهيأ الأرضيات لمراحل متقدمة أخري من النضال والحركة إلي الأهداف علي المستوي الفردي أو المستوي الاجتماعي.
نعيش كشرقيين مرحلة انحطاط حضاري سببتها المرحلة العثمانية التي سيطرت علينا لفترة من الزمن وسط عوامل ذاتية عاشها الشرقيين، وسط محاولات للنهضة الشرقية يكررها الشرقيون من فترة لآخري لإعادة الحضارة المفقودة والدور السليب لهذا الشرق.
سقط الشرق بعد الحرب العالمية الثانية في ظل أنظمة رسمية عاشت العشائرية بشعار قومي وسيطر التخلف الاجتماعي علي نظريات النهوض القومي العربي فظل العرب يعيشون عقلية السلب والنهب القديمة بشعار قومي عربي بلباس من ربطات العنق والبذل الغربية.
وظلم الإسلام كأيديولوجية نهضة وغاب ربط الزمن بفهم النص وتمت السيطرة علي الحواضر الإسلامية بأغلب المواقع من النجف الاشرف إلي الأزهر الشريف وغاب المسلمون الاسماعيليون عن الساحة الفكرية والحركية وتوقف التنظير الحضاري وأنتشر التنظير الطقوسي.
و تدخل الغرب باستكباره ليصنع اسلام «أمريكي» يضرب النهضة من الدين ليستخدم الدين ضد الدين وليقتل الإسلام بالإسلام، وليستحمر الشرقيون كل الشرقيون بإسلام أستحماري ليقتل اسلام النباهة.
كيف نفهم اسلام النباهة؟
نحن نعيش القناعة أن تكون دينيا هو أن تكون عالميا إلي كل الإنسانية ضمن الرؤية الكونية العالمية للإسلام كدين أممي جامع وعابر للقوميات من دون أن يلغيها كخصوصية.
الإسلام الحركي هو أن تعمل علي تحريك القران الكريم من حيث ما هو كلام موجود بين دفتين إلي مجمل الحياة، ليتحرك من السكون إلي الحياة بمختلف تقسيمات الحياة المعاشة من سياسة وتربية واقتصاد وعلاقات اجتماعية.
هو أن يتحرك القران في الواقع لكي يُاسلم لنا حياتنا ضمن قراءة للنص المقدس بطريقة عملية واقعية بعيدة عن الخيال والمثاليات التي تتحرك بالتجريد والفانتازيا والأسطورة، هو إن نربط النص المقدس بحياة الإنسان لكي يكون القران هو الدليل لتكامل الإنسان إلي الأفضل، لكي يعيش الإنسان الرسالي حالة القلق المستمر التي تجعله يتكامل كفرد ليعيش التكامل في سبيل النجاة وكمجموعة تعيش التكامل كمجتمع لكي ينتجوا العلم والثقافة التي تصنع حالة حضارية يعيش بها الإنسان ومجتمعه الخلافة علي الأرض.
إن تكون إسلاميا حركيا هي إن تكون مرتبطا بنص مقدس يتحرك بالعقل القطعي والمنطق بوقود الإيمان وهي أن نجعل هذا المقدس يرسم لنا طريق الهدي ليصنع لنا الفلاح وليكون هذا الهدي وهذا الفلاح ضمن حالة القلق الفكري والنفسي التي نعيشها في الفترة الزمنية المحدودة التي نعيشها في هذه الدنيا أن نجعل هذا المقدس يهدينا إلي الصراط المستقيم الذي سيخلق لنا السعادة للفرد والنهضة للمجتمع لتكون لنا الجنتين.
واحدة في الدنيا لتنعكس صورة جنة الدنيا في الآخرة ولتتشكل لنا الجنة الأبدية بذلك عندما نتحرك لصناعة جنتنا علي الأرض فتصنع لنا جنة أخري في الآخرة.
أفهم اسلام النباهة هي العبودية لله وليست عبادة أصنام من البشر والعيش بجاهلية معاصرة حيث يعبد الإنسان أصنام الاقتصاد والإعلام والسياسة.
أفهم اسلام النباهة بأن العبودية لله هي العزة والرفعة إمام عبيده فكلما ذبنا بالعبودية الإلهية من خلال المعرفة والثقافة القرآنية الحركية كلما ارتفعنا إمام الآخرين وان تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم وينصركم.
يقول أستاذنا الدكتور علي شريعتي:
«من المسلم به أن المجتمع الذي يرتبط بهدف عال، بعقيدة وأيمان، يتفوق علي كل قدرة، حتي إذا كانت القدرة التي تسيطر علي المنظومة الشمسية، وأن مجتمع كهذا ستكون له علي مدي عشرة سنين، أو خمسة عشرة سنة حضارة، كما ستكون له صناعة، وسينتج علي مستوي عالمي أيضا».
إن المعرفة توصل إلي الإيمان والإيمان هو التصديق وهذا يؤدي إلي حب الإنسان لخالقه ونحن نثبت حبنا لله سبحانه وتعالي وهو الكمال اللامتناهي بلا حدود من خلال تطبيق أوامره ونواهيه التي وضعها لنا كمشروع صناعة للسعادة لنا علي المستوي الفردي والمجتمعي إن علينا إن نعرف لكي نحب لكي نثبت الحب بالحركة في خط التطبيق إن الدين هو هدية معشوقنا لنا ونحن يجب إن نكتشف الهدية ونفتحها إذا صح التعبير لكي تكون لنا البصيرة والمعرفة بهذا تكون لنا الجنة علي الأرض التي تُشكل موقعنا لما بعد حياتنا في الآخرة، فجنة الأرض هي ما تصنع جنة السماء.
و يبقي المشكل الطائفي الذي يدمنه البعض أحد المشاكل التي تعترض الإسلام الحركي وتمنع تحركه علي الأرض، أن المشكلة بمن يعيش الانفصال عن أخوه المسلم وأن تكلم بالوحدة علي المستوي الإعلامي وهو يعيش الانفصال داخل قلبه وعند قواعده..
أن المشكلة بمن يعيش العقدة الطائفية وتحرك تفكيره وتمثل أساس لكل تحليل يقدمه وهذا خارج نطاق العلمية في الطرح، أن هؤلاء الطائفيون يعيشون في التاريخ ضمن أحداث ولت وانقضت وانتهت.
أن بداية التاريخ ونهايته ليست في حدث تاريخي حصل وأنتهي وتجاوزه أصحابه ومن عاصروه قبل أن يتم اللت والعجن في هذه الحوادث التي تعتبر مثل غيرها من الحوادث من الأشياء الجدلية في التاريخ كقصة البيضة والدجاجة ومن الأول فيهما!
و كقصة كيف زوج أدم الإخوة بالأخوات وهلم جرا؟
من الأفضل أبو بكر أم علي؟
و بعيدا عن استغلال الغرب للعقد الطائفية والقضايا الجدلية لنشر الفرقة وأعادة تقسيم المقسم، فأن هناك في الشرق من هم «مستحمرون ذاتيا» ويتحركون من هذا الغباء وأعادة صناعة الجدل مرة بعد الاخري، بلا فائدة أو قيمة أو مضمون وبلا ناتج حضاري حقيقي.
أن الانطلاق بالتحليل الاجتماعي لواقعنا العربي من حادثة تاريخية جدلية لا تمثل شيئا علميا يصمد أمام التحليل وهو تحليل لا يعيش مع الزمن بل بتصوري هو تفريغ لشحنة نفسية خاصة بصاحبها وقد تلاقي قبولا من الأشخاص الذين يعيشون نفس العقدة الطائفية الموروثة وراثة والتي تمثل ألان في واقعنا العربي حالة عشائرية أنتمائية أكثر مما تمثل قناعة فكرية مبنية علي البحث العلمي وكم من الإفراد في واقعنا العربي ممن يري الشوكة في عين أخيه ولا يري الخشبة في عينه؟.
وبشكل عام نريد أن نقول أن المذهب لا يمثل ذاتا للإنسان، أن المذهب هو وجهة نظر في الدين قد تصح وقد تخطي كأي وجهة نظر أخري، أن المشكلة هي بمن يعيش المذهب كما يعيش الانتماء العشائري أن المذهب ليست جزءا من الذات أن المذهب فكر أنطلق من خلال حركة العقل في النص المقدس أما اعتبار المذهب انتماء كما انتماء الدم والعائلة فهذا من أسباب تخلف المسلمين وبقائهم بعيدين عن ركب الحضارة وصناعتها.
أن الغرب يريد أن يستحمر الشرق، لكن المصيبة عندما يعيش الشرق أستحمار ذاتيا ويعيش الاستحمار برغبته الذاتية وبإرادته وهنا قمة التخلف ومنتهي السخرية أن يستحمر الإنسان نفسه!