|
شاعر
|
رقم العضوية : 39574
|
الإنتساب : Aug 2009
|
المشاركات : 1,995
|
بمعدل : 0.36 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
زكي الياسري
المنتدى :
المنتدى الثقافي
الجزء الثاني من قصة المنعطف
بتاريخ : 16-07-2012 الساعة : 09:26 AM
الجزء الثاني
محراب الصلاة
الجمعة .. 30 فبراير
.. قضيت جُل نهاري و انا افكر بالاحتفال .. كما اني لم اتحرر ليلتها من براثن الارق حينما غزا افكاري شكل عيد ميلادي الاول !! فقد تجاوزت العشرين من عمري .. ما جدوى هذه الخطوة الطفولية ؟؟ هذا كان اكثر التسائلات دوراناً في عقلي ..
امسكت بسماعة الهاتف :
هلووووو ... توبي .. كيف حالك يا عزيزي ؟
توبي : انا بخير .. لقد انتهينا للتو من شراء آخر مستلزمات الاحتفال .. وكيف حالك انت ؟
أثناء حديثه ايقنت باني لن استطيع التراجع عن قراري .. لانه مهتم به جداً و قد اشترى مستزماته ..
قلت له : كم شخص سيأتي ؟ انا لا اعرف ماذا افعل يا صديقي !! ماذا علي ان اشتري من السوق ؟ ما هي رغـ ...
قبل ان اكمل الجملة قاطعني توبي قائلاً : يا صغيري .. انه عيد ميلادك و انت طفلنا المدلل لمدة يومين .. ما عليك سوى ان تضع رجلاً على رجل و تطالع التلفاز .. و لا تشغل بالك بالاحتفال و تحضيراته .. نحن نتكفل بكل هذه الامور ...
قلت له : لكنني اريـ ..
توبي : لااااااا توجع رأسي بــ لكن و اخواتها .. و اغلِـق سماعة الهاتف قبل ان افعل انا ذلك ...
قلت ضاحكاً : حسناً حسناً .. افعل ما يحلو لك و انا بانتظاركم .
بعد ان ازاح كلامه اللطيف عن كاهلي بعض الرَهبة .. قمت بترتيب شقتي الصغيرة .. التي استاجرتها قبل ما يقارب الاربعة اشهر .. و انا افكر بكيفية ان تستوعب كل الضيوف !! فأنا لا املك سوى ثلاثة كراسي لا يشبه احدهما الآخر و اريكة طويلة مغطاة بقماش مخملي ناعم كنت انام عليها احياناً كثيرة مع ان سريري اكبر و انعم .. و طاولة مستديرة .. و بعض قطع الاثات .. و سجادة الصلاة و القرآن الكريم و تربة ..
وقع نظري على السجادة .. التي خصصت لها زاوية من زوايا حجرتي الوحيدة جعلتها محراباً لصلاتي .. طويت السجادة و القران الكريم و التربة بداخلها و وضعتهم في الجاروره .. خوفاً من ان يثير وجودها على الارض فضول ضيوف الغد .. خصوصاً و ان البعض منهم كان يتعجب مني لما كنت اقيم الصلاة في استراحة العمل .. كانوا يربطون السجادة باذهانهم بقصص البساط الطائر .. و كما ان بعضهم لم يكن يؤمن بوجود خالق اصلاً .. و بعضهم يعتقد ان الدين يخص كبار السن فقط ... لقد كان الحديث عن الإسلام آنذاك يُربط بالارهاب في كل القنوات .. بسبب هجمات المتطرفين في ايلول على مركز التجارة العالمي .. و لم تكن لغتي آنذاك تكفي لتبيان الفروق بيننا و بين أولئك المتطرفون ..
على كل حال .. انتهيت من ترتيب الشقة .. و عكس الامس .. فقد استسلمَت عيناي للنوم فور ما لامس خدي نعومة سريري الحبيب و المخدة التي احبها كثيراً .. رغم اني اجدها كل صباحٍ قد سقطت من على حافة السرير ..
فجر الأحد .. 1 مارس
.. إستيقظت فجراً حينما رن المنبه لصلاة الصبح .. لأجد في نقالي العديد من رسائل التبريك القصيرة من زملائي و زميلاتي في العمل .. عرفت فيما بعد ان من اعرافهم التبريك حال دخول يوم الميلاد .. اي بعد منتصف الليل بقليل ..
في حدود الثالثة عصراً وصل توبي مع صديقتهِ فيرونيكا و صديقتها الجميلة ناتاليا .. عانقوني واحداً تلو الآخر و انشدوا لي فور ان فتحت الباب .. انشودة الميلاد الشهيره .. و اغرقوني بوابلٍ من الازهار و الهدايا الجميله .. كما انهم احظروا معهم الكثير من مستلزمات الاحتفال .. و لم تتعدى ساعة من الزمن حتى دق جرس الباب من جديد .. كان القادم هو هايو و زوجته مارتينا .. عانقني هايو و اغرقني بعبارات التبريك و التهنئة بعد ان اعطاني باقة رائعة من الزهور وهدية .. و اردفته مارتينا بعناق احر من عناقهِ لي مع قبلة على خدي الايمن و اخرى على الايسر !! كما جاء تِباعاً بعض الزملاء و الاصدقاء الذين دعاهم توبي ..
لم اعهد هذا الامر من قبل .. انا لم اصافح أمرأةً في حياتي قط لحرمة هذا الامر فكيف سمحت لنفسي اليوم بذلك .. يا الهي .. لقد بدأ ضميري يقصفني بقذائف التأنيب التي دكت اعماق اعماقي ... و قد بدأ لهيب الندم يستعر في اوصالي
ماذا فعلت ؟؟؟
و سرعان ما خمد لهيب ضميري بانشغالي بوصول باقي الضيوف الذين دعاهم توبي للاحتفال .. و اكتمل عددهم بحضور فرانك و زوجته انزا .. بعض الحاضرين جلب معه مُسجلاً و بعض اسطوانات الموسيقى .. و قام بتشغيلهِ .. موسيقى في بيتي و انا ابتسم لكل من ينظر اليَّ من ضيوفي .. يا الهي .. الضمير كان في تلك اللحظات كالاسد الذي اطلقوا عليه رصاصة تخدير .. لكي يذهبوا به الى حديقة الحيوانات ... شباب و بنات و موسيقى و صخب .. كل هذا في بيتي .. بسبب لحظة قرارٍ ضعيف تم بلا مشورة العقل .. كانت عيني تقع بين الفينة و الفينة على الجارورة التي اخفيت فيها سجادتي و قرآني و التربة.. مر وقت صلاة المغرب .. العشاء .. تجاوز الوقت منتصف الليل .. و لم اصلِ .. و الضمير ينادي في آخر انفاسه قائلاً : الا تستحي من سجادتك ... قـُرآنك ... تربتك ... ؟؟ ماذا فعلت يابن علي ؟؟؟
كنت اتبسم في وجوههم .. و في اعماقي .. بركانٌ من ندمٍ .. على اتخاذي ذلك القرار الطفولي البائس ..
الكل يُحدّث الكل .. و انا بينهم .. تارةً اصارع الضمير الذي مازال فيهِ بعض رمق .. و اعتذر لسجادتي و تربتي و قرآني تارة اخرى ...
مرّت الساعات صاخبة لكنها كانت بطيئة الدقائق و طويلة الثواني .. بدأ بعض الضيوف بالرحيل .. توبي كان مُتعباً جداً .. وقد احتلّ جانباً من سريري الحبيب بعد ان استسلم للنوم .. و في حدود ساعة الفجر الثالثة .. غادر آخر الضيوف ما عدا فيرونيكا و ناتاليا .. و توبي النائم على سريري الحبيب ..
فيرونيكا : ما رأيك بالليلة ؟؟
قلت : انها ليلة فريدة .. لم ارى مثلها في حياتي ..
قالت : إذن ستقيم احتفال ميلادك في السنة القادمة ؟؟
قلت : بالتأكيد .... رغم ان في اعماقي عكس ذلك الجواب ...
ناتاليا تنظر الينا و تستمع وهي تداعب خصلة من خصل شعرها تتدلى على جبينها .. و رغم انها لم تنبت ببنت شفةٍ طوال تلك الليلة الليلاء .. لكني كنت اقرأ كثيراً من الكلمات في نظراتها التي ما فارقتني على مدار الوقت!!
فيرونيكا من جديد : هل اعجبتك الهدايا
قلت : بكل تأكيد .. لقد اعجبتي الهدايا و خصوصاً الازهار التي احبها .. ولكن قبل كل الهدايا اعجبني عظيم اهتمامكم بي و حجم الحنان الذي احطتموني به رغم ان صداقتنا ليست بالطويلة !!
قالت : لااااا تقل هذا .. هذا واجبنا .. و سرعان ما بدأت ناتاليا بالحديث - بعد ان اكتفت طوال الاحتفال بالصمت - بقولها لي : لقد عملنا كل هذا لانك عزيز علينا و ما زلنا مُقصرين .. أنت تستحق اكثر من ذلك ...
اثارني كلامها الذي قالته بصوتها العذب الذي حرك في داخلي مشاعر كانت قد بدت بوادرها الاولى عندما سقطت اولى نظراتي عليها قبل ايام .. حينما التقيتها بالصدفة في زيارتي الاخيرة الى بيت توبي .. و استمرينا بالحديث انا و هي .. و فيرونكا كانت تتثائب بين الفينة و الفينة ...
وبعد ان كنت قبل دقائق اتمنى ان تنتهي الليلة بسرعةٍ لكي اخلد للنوم .. اصبحت اتمنى ان لا تنتهي أبداُ ... خصوصاً بعد ان اسلمت فيرونيكا المتعَبة هي الاخرى زمامها الى سُلطان الكـَـرى كما فعل قبلها توبي ...
بقينا انا و هي نتبادل اطراف و سطوح و اعماق الحديث ...
بعد برهة ... نظـَرَتْ إلى ساعتها .. قلت لها متعجباً و كاني استفقت للتو من غيبوبة : متى ستذهبين الى البيت ؟
أجابتني انها قد اخبرت امها بانها ستبيت الليلة عند فيرونيكا ..
قلت : هي تغط الان في نوم عميق .. واظن انها الان في حلم جميل و لا اعتقد رغم قرب بيتهم انها ستذهب الى هناك
ضحكت بصوت منخفض قائلةُ : اجل انا اظن ذلك ايظاً .. ثم سألتني : هل انت مُتعب ؟
قلت : الآن لااااا .. رغم اني كنت قبل حديثي معكِ في اشد الشوق لأحضان سريري الدافئ ..
قالت : لماذا ؟؟؟
قلت لها و انا انظر الى عينيها الناعِسَتَين ....... لا ادري !!
سادَ المكان صمتُ رهيب .... و اطفأت نسمة من نسمات الفجر .. أخر شموع الفجر الموقدة على الطاوله .. و كأن ملاكاً من ظلامٍ قد نفخ عليها إيذانا منهُ لبدء عهدٍ جديد ....
قالت .. بالتأكيد انك ستنام غداً طوال النهار
قلت : لا اظن .. فتوبي لن يسمح بذلك كما تعرفين شقاواتهِ وافعاله الصبيانية .. فهو لا يستخدم غير اسلوب قدح الماء في إيقاظي .. كلما بات ليلته عندي ...
ضحكت مرة اخرى بصوت خافِت ...
كنت اتعمد ان اضحكها لروعة ابتسامتها الجذابة التي سحرتي اول مرة .. و كل مرة ..
نظرت الى الجارورة مرة اخرى .. و اطلقت لاشعورياً آهة عميقة
قالت : هل انتَ على ما يرام ؟
قلت : في الحقيقة انا سعيد جدا .. و لكني في نفس الوقت حزين لاني اغضبت احداً آخر .
ناتاليا : من هو ؟؟ هل انت مرتبط ؟؟ قالتها بلهجة الغيورة وقد قطبّت حاجبيها .. و كأنني كنت خليلها منذ الازل
قلت : لا لا .. لا تذهب بكِ الافكار الى الضفة الاخرى .. انا سأخبركِ به في لقاءٍ آخر .. و أتمنى ان يكون قريب ..
ابتسمت ابتسامة رضا و بدت على وجهها الجميل علامات الفرحة و السرور لما قلت ..
كانت الساعة قد تجاوزت الخامسة فجراً .. و لا اتذكر كيف ومتى استسلمت الى النوم الا بعد ان ايقظتني لسعات خيوط اشعة شمس منتصف النهار التي تسللت من خلال النافذة الصغيره .. لأجد نفسي وحيداً من جديد مُحاطاً بالهدايا و باقات الورد من كل جانب .. و فرحت من اعماقي حينما وجدتهم قد أعادوا الشقة الى ترتيبها الاول و كأن ما كان كان حُلماً جميلا ..
هنالك وقعت عيني على الطاولة .. كانت هناك ورقة الى جنب شمعة الفجر الاخيرة .. بداخلها رسم قلبٍ مكتوبٌ في داخلهِ :
أنتَ أنقى مما تصورت .. وقد احتلت كلماتك الجميلة مساحة في اعماقي .. لم يدخلها احدٌ قبلك .. و اشعلــَت نظراتك ناراً من مشاعرٍ في داخلي لا يطفئها سواك ...
يا الهي .. اذهلتني تلك الكلمات التي لم اكن اتصور في يوم من الايام ان تخاطبني بها انثى .. بجمال و رقة ناتاليا
مرت الدقائق و الساعات بل كل اليوم .. و انا بين مد الضمير و جزر العواطف ....
كانت تجربتي الاولى مع الخوض في لجة ذلك البحر العميق المسمى الحُب ....
انا ابن علي
هذه العبارة كانت دوماً في مقدمة كل فكرة تأخذني اليها .. ولكن رغم كل انتفاضات الضمير و مقاومة العقل .. كنت اشتاق الى ابتسامتها البديعة .. و حديثها العذب .. وعيونها الناعسة
الجمعة 6 مارس
توت توت .. توت توت .. رن جرس النقال معلناً من جديد وصول رسالة قصيرة منها .. كانت الرسائل القصيرة تتوالي علي طوال الاسبوع الفائت .. ونبضات الفؤاد كانت تتسارع في كل مرة ..
المرسِل : ناتاليا
الرسالة : كيف ستقضي الليلة ؟؟ بودي ان نقوم سوية بعمل ما .. انا اشعر بالملل و اتمنى ان توافق على دعوتي اياك الى المطعم الصيني ..
كتبت لها : انا احب اكلات المطبخ الصيني .. لكن هذا ليس السبب الوحيد لقبولي الدعوة !!
و التقينا
كانت ليلة مليئة بالحكايا الجميلة و الضحكات الرائعة و و المشاعر الصادقة .. التي لم آلفها من قبل .. و كان الوقت يمضي بسرعة البرق .. كعادة الزمن الجميل
كان اول سؤال سالتنيه هو عن آهة ليلة الميلاد التي اثارت فضولها ..
قلت لها : انتِ تعلمين بانني مسلمٌ و قد هاجرت الى هذا البلد خوفاً من الموت في بلدي
و تعلمين اني شرقي التربية و الطباع .. و آهتي في تلك الليلة كانت بسبب تقصيري في أداء الصلاة ..
قالت : لماذا لم تصلي اذن ؟
ضحكت و قلت لها : نحن لا نصلي كما تصلون انتم النصارى .. فانتم تغمضون اعينكم و تتوجهون بافكاركم الى الله بعد شبككم اياديكم بعضها ببعض ثم تطلبون منه تحقيق بعض الاماني .. و القليل منكم يفعل ذلك .. اما نحن فصلاتنا تختلف .. ولها مقدمات و مواعيد محددة و حركات معينة لم اكن استطيع ادائها في تلك الاجواء حيث كانت شقتي ملئى بالضيوف .. بالاضافة الى الموسيقى و الاجواء الصاخبة التي لا تتناسب مع الصلاة حسب معتقدي .. ولو صليت في تلك الليلة امام الجميع لسخروا مني .. نعم لقد كنت اشعر بالذنب لإقامتي ذلك الاحتفال .. رغم ان الاحتفال كان جميلاً بوجودكم ..
قالت : هل انت مُتدين الى هذا الحد ؟؟
قلت : انا احب ديني لاني احس باني في احسن الاحوال حينما اكون قريباً من الله و هذا لا يتم الا بالمحافظة على الصلاة و الاخلاق الحميدة .. و نفسي تكون اكثر اطمئنانا حينما اكون بعيداً عن الامور المحرمة من قبل السماء .
قالت : ولكنك في مقتبل العمر و الدين هو للكبار فقط
قلت : سيكون كلامك صحيحاً لو علم الانسان متى يموت .. فيعبد الله تعالى في اخر سني عمره .. و هذا غير معقول و هو مفهوم خاطئ .. فربما سأموت بعد لحظات !! نحن نعتقد ان وجود الانسان على الارض هو في مصلحة الانسان و لكي يبلغ اعلى درجات الكمال كي يدخل بعد ذلك الى الجنة .. وذلك لا يتم الا اذا كانت العلاقة مع الله و الناس في احسن صورة .. و احسن علاقة مع الله هي العلاقة التي هو من وضع قواعدها و منها الصلاة .. و سردت لها بعض تعاليم الاسلام التي كانت خافية عنها الى ان وصلنا الى المرأه في الاسلام و الحجاب و تنظيم الاسلام للعلاقة بين الرجل و المراة .. الامر الذي اثار فضولها و طلبت مني ان افصله لها .. ففعلت ..
مرت الايام و علاقتنا تزداد عمقاً .. و قلوبنا تقترب الى دائرة الانسجام .. و ارتبطنا اخيراً برباط المودة ..
لم تكن علاقتنا مُحرمة .. فقد كانت في حدود ما أذن ديني .. و لم تبدِ هيَ ايَّ اعتراض على صيغة العقد .. بل بالعكس فقد كانت تتباهى بين صديقاتها بان علاقتنا تمت بعقدٍ منطوقٍ ويحمل ختم السماء ... لكن الذي كان ما يزال يشعل نار ضميري هو الاختلاف العميق فيما دون ساحة الفؤاد .. فهي من مجتمع منفتح لا يعرف الحجاب ولا الستر ولا الصلاة و لا التربة و لا القران .. بل انها تجهل الكثير من امور دينها هيَ .. و لم تكن تذهب الى الكنيسة إلا في اعياد راس السنة .. مع والديها .. فقط لانهم تعودوا على ذلك منذ الطفولة ... كانوا نصارى لكنهم لا يعرفون عن عيسى ع الا مسامير الصليب ...
ماذا افعل يا الهي .. أنا من قلب الاسلام .. علاقتي معها حلال بذاتها .. لكن الكثير من تبــِعاتها محرمة و لا تتناسب مع تربيتي و نشأتي ... ذات يوم طلبت مني ان اذهب معها الى بيتهم لكي تعرفني على اهلها .. و كانوا في غاية اللطافة .. لكنهم ليسو بمسلمين .. الخمر كان من البديهيات على موائدهم .. بل و يشربونه حتى في الكنيسة .. و الكلب ( زوي ) هو احد ابناء البيت البررة الذين لهم نفس حقوق باقي ساكنيه .. و القطة المرقطة سالي التي كنت اغيضها احيانا كذلك .. والموسيقى عندهم سر الحياة .. والرقص عندهم مفتاح السعادة و و و و
رغم كل ذلك كان حُبنا ينمو تحت اعيننا كطفل صغير يملأ أجوائنا بالبهجة و السرور .. تماما كما كان تفكيري بمستقبل علاقتنا ينمو و يزداد ... في عقلي انها علاقة مؤقتة ... لكن منى قلبي كان بأن لا تنتهي علاقتنا الى حين الاجل .. و في قلبها كنت انا فتى الاحلام الذي انتظرته طويلاً كما اخبرتني ..
هي لا تدري بما يدور في خاطري من مخاوف ... و لم استطع يوماً ان اخبرها بذلك .. لاني كنت اخشى سلاح المرأة .. سلاح الدمع .. دموعها كانت مخيفة و غالية عندي .. و لن اسمح يوماً بان تجري بسببي ...
في داخلي كان هناك يقين ان هذه العلاقة من المستحيل ان تدوم و الحب كان من اقوى الدوافع التي تدفعني لمصارحتها بما يدور في خلدي .. لان توالي الايام الجميلة سيزيد شعلة الحب توهجاً .. لذا حتماً سيكون الم الأفتراق كبير .. بحجم الحب .. و جرح الانفصال عميق .. بعمق المَوَدة .. و نار الهجر لاذعة .. بحرارة دقائق الوصل اللاهبة ... لم اصرح لها بما يدور في خلدي ... و استسلمت للواقع الجميل الذي اعيش فيهِ و ضميري بين كر و فر ... خصوصاً ان حبها لي كان ضِعف حبي لها و يزيد ..
كؤوس الابتهاج
ذهبت اليها .. حيث كانت تنتظرني على باب المَعهد .. كانت فرحة جداً بالنتيجة الممتازة التي حققتها .. بعد ليالٍ طويله من السهر و القرائة و الدراسة .. وكان محور دراستها علم الاجتماع .. و حلمها ان تصبح مُربية لكي تفتح روضة اطفال خاصة .. لإنها تحبهم كثيراً .. اخبرتني بذلك مراراً و تكراراً .. و انا كنت اخشى ان ابين لها مدى عشقي للاطفال .. لكي لا أضيف املاً جديداً الى صرح آمالها المشروعه .. الذي بنت اساساته الاولى في بُستان مَوَدَتي ...
قالت : اليوم تاتي الى بيتنا لنحتفل بالمناسبة السعيدة .... لم استطيع ان ارفض طلبها لكي لا اعكر عليها صفو تلك الدقائق السعيدة .. اوصلتها بسيارتي الى البيت و وعدتها ان آتي بعد صلاة العشاء .. يا الهي .. مرة اخرى سأضطر الى مسايرتهم ومجالستهم على طاولةِ الاحتفال التي لا تخلوا من كؤوس الابتهاج .. لقد مرّ على علاقتنا مدة من الزمن .. و لم يمر يوماً دون ان نلتقي ببعضنا البعض .. كانت علاقة صافية وعلى احسن ما يرام لولا ضبابية صورة المستقبل ... كيف هو شكل مستقبلكَ مع امرأة لا تلبس الحجاب ؟؟ كيف ستربي اطفالك ؟؟ كيف ستعلمهم الصلاة و القرآن في هذا البلد الفاسد ؟؟ كيف وهي نصرانية و لا تعرف من الاسلام شئ ؟؟ ثم كيف ستقنع اهلك و اقاربك بهذا الاختيار ؟؟؟ .. كيف كيف كيف .. كل تلك الاسئلة كانت تمر يومياً في بالي .. لكن عاطفتي و تعلق قلبي بها لم يسمحا لعقلي بأكثر من طرح تلك الاسئة .. دون السماح له ولو بمشروع جواب .. الى ان جائت الليلة المشهودة التي تستحق بجدارةٍ لقب : ليلة المنعطف !!
|
|
|
|
|