أهم ما يميز الشخصية الإسلامية هو التوازن سواءا كان أخلاقيا معاملاتيا أو فكريا والعمل علي إسقاط هذا التوازن علي الواقع وبالتالي نقله من الجانب النظري إلي الجانب العملي، فالفكرة الإسلامية نفسها تنبع من الواقعية والإلمام بالمحيطات والمُدركات ومحاولة فهمها بعيدا عن التنظير الذهني الذي يقف عند طائفة من الأحكام يجادل فيها ويحمل الناس عليها والمخاصمة والمسالمة فيها..
إذا نحن أمام فكرة إسلامية تُنتج شخصية إنسانية متميزة بعدة صفات، تعمل هذا الصفات علي إنشاء قدوة مثالية أمام مرآة النفس وهو ما يُحول هذا الرضاء النفسي إلي ثقة وسكون إلي الظن بمعرفة الحقيقة، هذه الشخصية في العُرف الديني -بشكل عام- هي المُحفز علي التحرك لتنتج خيالا واقعيا يعرف صفات المجتمع ومحاسنه قبيل التعرف علي مثالبه وهناته، فرضاءه عن نفسه أنتج لديه شعورا بالراحة يبحث فيه عن ما كان سببا في سعادته وسكونه...لذا كان خُلق السقوط علي الذلات والعمل علي إبرازها والحُكم بناءا عليها منافي للشخصية الإسلامية الحقيقية..
من سمات الشخصية الإسلامية هي عدم الحياد عند رؤية الأخطاء، فالخطأ كمفهوم هو فعل لا يُرضي النفس بحال وقد لا يكون كذلك ولكن النفس تراه كذلك فوجب حينها التحرك لإبراز الرأي، وهذا الفعل له منتوج إيجابي مجتمعي يُحد من الأخطاء ويحاصر المخطئين، وهناك من المجتمعات التي عانت وتعاني من انتشار الأخطاء حتي صَعُب علي الناس تمييزها وبالتالي استفحالها والتسبب في انحطاط المجتمع وانحرافه إلي غيابات الجهل وذوبات القيم، وقد يكون الرأي في حينه غير صائب فهو تعبير عفوي يجيش في الصدر به من الخواطر والخلجات ،ولكن في ذات الوقت سيكون العمل علي إبرازه بفهم وعمق ليس به ملام وسيُؤدي إلي صدامات فكرية التي بدورها ستُأصل لثقافة التنوير لكي تنغرس في المجتمع شيئا فشيئا..
عدم الحياد عند رؤية الأخطاء هذا ليس غريبا علي الشخصية الإسلامية بل هو خُلق إسلامي نبيل اختصره الفكر الإسلامي في مصطلح "نصرة المظلوم" وهو مصطلح عام لا يخص أفرادا أو هيئات أو مؤسسات أوجماعات وتيارات بقدر اختصاصه بإعلاء القيم ورفعة المبادئ، يحدث ذلك عبر إخضاع فكرة الظلم والمظلومية للأفكار قبل الأفراد..فهناك من يري أن هناك فكرة مظلومة ويجب توضيحها وبالتالي كان عليه أن لا يبقي حياديا يتلمس رضاء كل الناس في حين يتغافل هذا الإنسان عن استحالة إرضائهم جميعا....وفي ذات لا يتناقض هذا الخُلق مع إعلان الأخوة بين الناس إذ الشر وجوده بديهي ،أما إعلان الأخوة مع الحياد المُطلق هو تمييع للقيم وحط من الأخلاق والعلم والقول بالجبرية والخنوع للظلم وهو ما يتنافي مع الشخصية الإسلامية الحقيقية..لا نريد أن نسترتسل في طرح نصوص دينية أو آثار نبوية توضح هذا المعني فحسبي أري أن هذا شئ بديهي ومُتعارف عليه.
أيضا من صفات الشخصية الإسلامية هي الواقعية وربطها بالعاطفة ولن يتكامل هذا الربط إلا بترقي الفكر وسلوك طُرق العلم، لذلك أشرت في مقالي السابق بعنوان "عن علاقة الفكر بالإيمان" إلي أهمية تحصيل المسلم أي علوم تُعينه علي فهم الدين والحياه، فالحُكم علي الشئ فرع تصوره، وفهم ماهية الأشياء أحيانا ما يكون نسبيا ، والعمل علي سلوك طُرق العلم سيميز المسلم بالحكمة والورع والرؤية الثاقبة..
الآن ونحن في خضم أحداثا سياسية توالت علي العقل المسلم نتج عنها اهتمامه بالسياسة علي حساب أشياء أخري أكثر أهمية، فالإصلاح في الفكر الإسلامي هو إصلاحا اجتماعيا وتربويا وفكريا قبل أن يكون إصلاحا سياسيا، ليس هذا معناه التقليل من الإصلاح السياسي بل هو أصل مهم من أصول الإصلاح، ولكن الإهتمام به علي حساب بقية الأصول سيؤدي بنا إلي انحراف البوصلة وربما وقتها نري عدم قُبحية التخلي عن المبادئ التي أسست هذا العقل الإصلاحي واستخدامه معلوماته وأفكاره لنصرة رأيه وحمل الناس عليه ....
أشير هنا إلي أن فهم الإسلام شاملا وكاملا يتطلب ابتداءا معرفة ولو هامشية بمصطلحات العصر كمصطلح الديمقراطية مثلا، ولن يتم التعرف علي ماهية تلك المصطلحات بالتعرف علي رأي دون رأي بل يجب التعرف علي جميع الآراء حتي لو كانت دون العقل المسلم، وأري أيضا أهمية احتكاك تلك الآراء في محاولة لإخضاع المفاهيم للتجربة الذهنية المدموجة بالواقعية وبالتالي أصبح التعريف سهلا..
من القدوة المثالية المليئة بالقيم والأخلاق إلي عدم الحيادية في الأخطاء إلي الواقعية وسلوك العلم إلي أهمية إخضاع المعلومات للتجارب والإحتكاكات أكاد أتلمس في ذهني شخصية إسلامية إصلاحية وحقيقية، لا تقف عند المسميات والأفكار التقليدية علي طريقة هذا ما وجدنا عليه آبائنا ، بل تعمل علي بلورة الأفكار الناتجة عن تلك المسميات في خطوات تنفيذية تستطيع بها الشخصية أن تتصور إصلاحا في الأرض دون التخلي عن القيم ومحاسن العقل.