قال رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) : (( إنَكُم لا تَقْدرون على أنْ تَسعوا الناس بأموالكم فسعوهم بأخلاقكم ))
هناك ثروتان : ثروة المال و ثروة الخلق . و الناس تنظر للثروتين و ترغب في الثروتين لأن كل منهما هو ملك عظيم , و لكن ما هو الفرق بين الأولى و الثانية ؟ فالمال هو ثروة لا يختلف اثنان على حبها و الرغبة في الوصول لها , فهي التي تحقق لنا كل أحلامنا المادية و توصلنا للرفاهية التي يعمل من أجلها الكثير من الناس . و ثروة الخلق هي الأخرى تجعل الإنسان عظيماً في نظر الناس فيحترمونه و يجلونه و يصبح بينهم كضوء المصباح يلتف حوله الجميع ليرى ضياءه و يرتشف من جماله .
المال ملك لصاحبه , فهو الذي يصرفه و يعمل به و يملك العالم عن طريقه , أما الناس فهم لا يملكون منه شيئاً , و ربما سعى صاحب المال لأن يجتذب إليه القلوب فيوزع ما عنده من خير و نعمة على المحيطين به , ليجتذبهم و يكسب محبتهم , و لكن الإنسان مهما سعى و عمل على كسب الناس بماله فإن لن يستطيع , لأن لمعان المال يسحر البعض و يرغب البعض الآخر , لكنه لن يستطيع أن يجذب كل الناس , فمن الناس من هو عبد للدينار و من الناس أيضاً من هو عبدً لله لا تغره الأموال . لذا فإن فعالية هذا المال محدودة , تنتهي عند نقطة معينة , و لا يمكن لصاحب المال أن يجعل الناس كل الناس تحبه لماله .
أما الأخلاق فهي ثروة عظيمة و منحة كريمة , إن حظي بها الإنسان نال من مراتب العظمة ما لا يتصوره عقل البشر و حصد من المحبة ما لم تحصده كل كنوز الدنيا من الذهب و الفضة , فالخلق يمس الروح , و يخترق القلب , لأنه من معدن الطهارة و النقاء الذي جبل عليه الإنسان , فيكون هذا الخلق كالشمس التي تضيء للبشر كل البشر فيرون العالم بألوانه الناصعة , بما فيه من حدائق و زهور و بساتين و ما يحوي من جبال و وديان و صحاري , و هو كذلك كالقمر المضيء في ظلمة الليل , يستنير به السائرون فيهتدون لطريقهم و مقصدهم , فهل كان ضوء الشمس أو نور القمر لفئة دون أخرى , أو لطائفة دون طائفة ؟ هذا النور ملك لجميع البشر و كل من يعيش على أرض الدنيا , فهو واسع يسع كل الناس فيملك قلوبهم و يأسرها له .
فبالخلق يكون الإنسان منسجماً مع روح الجماعة قولاً و فعلاً , يفكر في شقائهم و سعادتهم و يهتم بشئونهم و مصلحتهم و يرى سعادته في سعادتهم و شقاءه في شقائهم , و لذا صاحب الأخلاق الكريمة يملك قلوب الناس دون أن يحتاج لأن ينفق من جيبه فروحه أكثر عطاء من المال و أكثر إشراقاً من الشمس و اكثر نوراً من القمر , فيعيش في المشرق و يملك قلوب كل من في المغرب و أو يعيش في قرن فيملك قلوب من يعيشون في قرون تالية , فلا اعتبار للمسافات و لا للأزمان في هذا الحب و اجتذاب القلوب , بينما المال مقدرته محدودة بالزمان و المكان , لا يمكنه أن يؤثر إلا في حدود و ظروف يحددها الزمن و المكان .