|
المراقب العام
|
رقم العضوية : 51892
|
الإنتساب : Jun 2010
|
المشاركات : 1,731
|
بمعدل : 0.33 يوميا
|
|
|
|
المنتدى :
المنتدى العقائدي
سلسلة المفاهيم الشرعيّة : (1) معنى الاستغاثة !!!.
بتاريخ : 04-08-2010 الساعة : 11:38 PM
أخواني الموالين الطاهرين ، سأشرع بإذن الله العلي القدير ، منذ اليوم ، وبما يستنّى لي ، تسلسط الضوء على بعض المفاهيم الشرعيّة المهمّة ، وهي التي ينبغي على كلّ مكلّف العلم بها ، والذي حدا بي إلى هذا أنّي رأيت البعض لا يعرف أنّ في الفقه شيء اسمه استغاثة ، بل قد رأيت البعض لا يفرق بين التوسل والاستغاثة ، مع أنّهما مقولتان لا تمتّ أحداهما للأخرى بصلة ..
ولخطورة المسألة فإنّ الاستغاثة هي التي كفّر ابن تيمية أمّة محمد بسببها ، إلا أتباعه النواصب ، فهو قد كفّر عامّة أهل السنّة القائلين بها من أهل المنذاهب الأربعة ، أشاعزة وما تريديّة وصوفيّة ، ولنبدأ بحول الله بمقولة الاستغاثة ..
قال الشيخ باسم الحلي في كتابه : أدلّة الشعائر الحسينيّة
أمّا الاستغاثة ؛ فقد اختلفت كلمات أهل اللغة في معناها اللغوي ، لكنّهم جميعاً متفقون على أنّها : الاستعانة بالغير حال الشدّة .
وكذلك اختلفت كلمات علماء العقيدة الإسلاميّة في تعريفها الشرعي ، لكن حاصل جماع كلامهم أنّها : الاستعانة في دفع ما يمكن دفعه من شدائد الدنيا والآخرة بمن أذن الله له في ذلك وأقدره عليه .
أمّا الاستغاثة أو الاستعانة بغير الله فيما لايقدر عليه غير الله أو لم يأذن به الله ، فشرك باتّفاق أهل القبلة ، شيعة وسنّة وغيرهم..
وعلى هذا فالاستغاثة على نحوين شرعيّة وبدعيّة ؛ والمائز الفصلُ بينهما ، القدرةُ المأذون بها من قبل الله وجوداً وعدماً ؛ فإذا استغثنا بأحد في أمر لا يقدر عليه –قطعاً- غير الله ؛ فهذا هو الشرك بعينه ، وأمّا إذا استغثنا به فيما يقدر عليه فجائز . وعلى هذا القانون (الكبرى) بشقّيه اتّفق قاطبة علماء الإسلام ، سنّة وشيعة علاوة على ابن تيمية وعموم أتباعه..
وإنّما وقع النزاع في أمرين ، الأوّل : المصاديق والأفراد . والثاني : الاستغاثة بالميّت ؛ فلقد منع ابن تيمية من بعض المصاديق والأفراد ؛ لزعمه أنّها في بعض الفروض من شؤونات التوحيد الصرفة ، كما لم يتردد في الجزم ببطلانها من بعد موت المستغاث به ؛ لأنّ الميّت مطلقاً لا يضرّ ولاينفع ، ولو كان نبيّاً ..
ويردّه وجود أصل مقطوع الصدور عن الشرع واضح في أصل ذلك ؛ وهو قوله تعالى في شأن موسى (فاستغاثه الذي من شيعته) ([1]). وهو ظاهر بل نصّ في جواز أصل الاستغاثة..
وقد قبل ابن تيمية -في الجملة- وعموم أتباعه هذا الاستدلال ، وأفتوا بشرعيّة الاستغاثة في ضوء الآية ، لكنّهم منعوا الاطلاق ؛ فالاستغاثة هنا في أمر يقدر عليه موسى ، وهو الاستنصار به حال حياته على العدّو ، ولا محذور فيه ؛ فالمحذور كلّ المحذور الاستغاثة به من بعد موته فيما لا يقدر عليه غير الله ..
وببساطة ؛ فقد رُدَّ هذا الكلام بأنّ النصوص المعتبرة دلّت على وقوع الاستغاثة بالنبيّ في حياته ومن بعد موته ، من دون نكير من الصحابة ؛ ومن ذلك ما أخرجه ابن أبي شيبة بسند صحيح قال : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن مالك الدار ، وكان خازن عمر على الطعام ، قال : أصاب الناس قحط في زمن عمر ، فجاء رجل إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، استسق لأمّتك فإنّهم قد هلكوا . فأتى النبيُّ الرجلَ في المنام فقال له : «ائت عمر وأخبره أنّكم مستسقون»([2]). وقد جزم الحافظ ابن حجر في الفتح قال : وروى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح من رواية أبي صالح عن مالك ...([3]).
فهذا إذن نصّ صحيح ، ولفظ صريح ، صدر في عهد عمر بن الخطّاب والصحابة ، يعلن عن أنّ الصحابة وفيهم علماء الأمّة الكبار لم ينكروا استغاثة الرجل الآنف بالنبيّ الميّت كما يشتهي وصفه أتباع ابن تيمية ؛ إذ لم ينكروا على الرجل أنّه لم يطلب من الله ولا سأل الله لماّ استغاث بنبيه الكريم . على أنّ الحديث نصّ قاطع في أنّ النبيّ محمّداً قد أغاثهم وهو في حال الموت .
أقول : الذي يمزّق الأحشاء ويقطّع الفؤاد أنّ الألباني لماّ جوبه بهذا الحديث الصحيح الصريح الذي اعترف ابن حجر وغيره بصحّة سنده ، لم يكن في جعبته إلاّ تضعيفه بمالك الدار وأنّه مجهول الحال ؛ وفي هذا وحده –لعمر الله- دليل حاسم على حرمة الأخذ عن أتباع ابن تيمية من دون فحص وتدبّر ؛ فيبدو أنّ الخلط لهم عادة وخبط الحقائق طريقة ؛ إذ كيف يكون مجهول الحال وقد جزم ابن حجر في الإصابة بأنّ له إدراكاً للنبيّ وأنّه معدود من الصحابة([4])؟!.
فهل نسي أتباع شيخ الإسلام ابن تيمية دينهم القائل : إنّ قاطبة الصحابة فوق التعديل والتوثيق أم ماذا؟!. ناهيك عن كون مالك الدّار فيما تشهد الأخبار الكثيرة مؤتمن الخليفتين عمر بن الخطّاب وعثمان وموضع ثقتهما وعنايتهما حتّى ماتا .
أضف إلى ذلك يقول ابن سعد في كتاب الطبقات : مالك الدّار مولى عمر بن الخطاب ، روى عن أبي بكر وعمر وكان معروفاً ([5]). فأين الجهالة؟!.
منــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــقول
عن كتاب : أدلّة الشعائر الحسينيّة : ص 697 . للشيخ باسم الحلّي . دار الأثر ، بيروت - لبنان ، الطبعة الثانية .
تنبيه مهم : لم أقصد في نقلي هذا الاستدلال أو غيره ، فأنا قد بترت كلام الشيخ الحلي أعلاه فاقتطعت منه المقطع الآنف لا غير ، تاركاً الاستدلال والأدلّة التي سردها فضيلته إلى وقت آخر ؛ لأنّ القصد الآن ، ليس هو الاستدلال ، بل التعريف بالمفهوم لا غير ، على أننا لن ننسى أن نستعرض الأدلّة والاستدلال إذا تحقق الغرض ..
لكني هنا أشير سريعاً إلى أمرين :
الاول : أجمعت امة محمد على جواز الاستغاثة بالنبي وأهل بيته صلى الله عليه وآله وسلّم ، وأول من منع هو ابن تيمية وقد كفر الأمة ، سنة وشيعة ، بسببها ..
قال الإمام السني الكبير السبكي الشافعي ، ألد أعداء ابن تيمية ، صاحب كتاب طبقات الشافعية الكبرى : اعلم إنّه يجوز ويحسن التوسل والاستغاثة (=الاستعانة) والتشفع بالنبي إلى ربه ، وجواز ذلك وحسنه من الأمور المعلومة لكلّ ذي دين ، المعروفة من فعل الأنبياء والمرسلين ، وسير السلف الصالحين ، ولم ينكر ذلك أحد من أهل الأديان ، ولا سمع به في زمن من الأزمان ، حتّى جاء ابن تيمية فأنكر ذلك ، وحسبك أنّ إنكار ابن تيمية للإستعانة والتوسّلقول لم يقله عالم قبله ، وصار به بين أهل الإسلام مثلة([1]).
الثاني : الادلة على جواز الاستغاثة بالنبي وهو ميت ، كثيرة ، حسبك رواية مالك الدار الانفة ؛ ففيها : جاء رجل الى قبر النبي فقال : يا رسول الله ، استسق لأمّتك فإنّهم قد هلكوا .
ولو لا حظنا ، فهذا في معناه نفس حديث ابن عمر لما خدرت رجله فقال : يا محمّد فانبسطت ، وقد شاركنا اليوم مشاركتين في خصوص حديث ابن عمر هذا فراجعوه .
فقارن بين لفظي يا محمد ، ويا رسول الله في الموضعين .
([1]) سورة القصص : 15 .
([2]) مصنف ابن أبي شيبة 7 : 482 .
([3]) فتح الباري (ابن حجر) 2 : 397 .
([4]) الإصابة (ابن حجر) 6 : 216 .
([5]) طبقات ابن سعد 5 : 12 .
|
|
|
|
|