|
المراقب العام
|
رقم العضوية : 51892
|
الإنتساب : Jun 2010
|
المشاركات : 1,731
|
بمعدل : 0.33 يوميا
|
|
|
|
المنتدى :
المنتدى العقائدي
سلسلة المفاهيم الشرعيّة : (2) معنى التوسّل !!!.
بتاريخ : 05-08-2010 الساعة : 10:24 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
وضّحنا سابقاً في الحلقة رقم (1) من هذه السلسلة معنى الاستغاثة بعجالة وأنّها : الاستعانة في دفع ما يمكن دفعه من شدائد الدنيا والآخرة بمن أذن الله له في ذلك وأقدره عليه .
وهي أن يقول : المسلم : يامحمّد ، أو ياحسين : أغثني ، أو أعنّي على ما أنا فيه من شدّة ، من مرض وانتصار على عدّو وغير ذلك من أنواع الاستعانات المأذونة شرعاً ..
وقد ذكرنا أهمّ أدلتها ، وهما حديث ابن عمر حيث قال : يامحمّد . والثاني : حديث مالك الدار الذي فيه : فجاء رجل إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، استسق لأمّتك فإنّهم قد هلكوا . ولم يعترض عليه أي صحابي ، بل أقرّه عمر . وهناك أدلّة أخرى يحتاج البسط فيها الى رسالة خاصّة .
وعلى هذا فعامّة أهل السنّة -باسثناء الوهابيّة - وكذلك الشيعة يجوزون شرعاً الاستعانة بالنبي أو بأحد أهل البيت عليهم السلام ، ولو بعد موتهم ..
أمـــــــــــــــــــــــــــا التوسّل
ففي اللغة الوسيلة هي : ما يتوصّل به إلى الغير .
في الاصطلاح : ما يتقرّب به إلى الله بما أمر الله ورسوله .
فتارة نقول : اللهم اقض حاجتي . وليس في هذا توسّل ، بل دعاء مطلق ..
وتارة نقول : اللهمّ اقض حاجتي بحق محمد وآل محمد . وهذا هو التوسّل ، وهو التقرّب ودعاء الله ، بحق ، أو جاه ، أو حرمة ، من له حق عند الله ، وجاه ، وحرمة ، وهكذا ..
وقد اختلف العلماء ، فأهل السنّة أشاعرة وصوفيّة وماترديّة ، وكذلك الشيعة ، عرّفوها بذلك وأنّ الوسيلة قربة أمر بها الله ورسوله ، لكن جاء الوهابيّة فقالوا الوسيلة هي : اتخاذ واسطة ، وهو شرك ؛ لأنّه دعاء غير الله .
قال الشيخ باسم الحلّي في كتابه : أدلّة الشعائر الحسينيّة
أمّا استحباب التوسّل بما جعله الله أهلاً لذلك ، فممّا لا خلاف فيه بين الأمّة ، سنّة وشيعة ، عدا من شذّ ؛ لقوله تعالى في سورة المائدة : (يا ايها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا اليه الوسيلة) [1]) ، فهذا أصل مقطوع الصدور ، ظاهر في استحباب التوسّل إلى الله ، بما جعله الله سبحانه صالحاً لذلك ؛ فيبدو من الآية أنّ العلاقة النّاجحة مع الله تحتاج إلى سبب مقدّس قد نصّ الشرع عليه ولو مناطاً .
وصيغ التوسّل الشرعيّة المعروفة بين أهل العلم ؛ كأن يقول المتوسّل مثلاً : إلهي أسألك بحقّ نبيّك عندك ، أو بجاهه أو بكرامته...، وما كان على منوالها ؛ على أنّه غير خاص بالنبيّ 9 ، بل بكلّ ما كانت له حرمة عند الله ..
فلقد ثبت في الخبر المتواتر أنّ عمر بن الخطّاب توسّل إلى الله بالعبّاس عمّ النبيّ 9 لماّ استسقى في القحط وانقطاع الغيث عام الرمادة ؛ وبكلّ تأكيد لا يقاس العبّاس ولا غيره بسيّد شباب أهل الجنّة الحسين السبط 7 ، وكذلك عموم أهل بيت النبي المطهّرين من الرجس تطهيراً صلوات الله عليهم .
أمّا أوّل من شذّ فخالف في مشروعيّة التوسّل فهو ابن تيمية . قال الإمام السبكي : ويحسن التوسل والاستعانة (=الاستغاثة) والتشفع بالنبي إلى ربه ، ولم ينكر ذلك أحد من السلف ولا من الخلف ، حتّى جاء ابن تيمية فأنكر ذلك ، وعدل عن الصراط المستقيم ، وابتدع ما لم يقله عالم ، وصار بين أهل الإسلام مثلة([2]).
أقول : فهذا إجماع منقول ، حجّة ، ينقله عالم كبير هو السبكي ؛ قاطع بوقوع التوسل والاستغاثة من المسلمين إلى عهد ابن تيمية ، من دون أن يُؤْثَر عن أحد جهابذة السلف أو أساطين الخلف أيّ مخالفة واعتراض ، ومثل هذا الإجماع ، فيما يعلم الفقهاء ، حجّة كافية لفتوى الاستحباب . ومعه لا حاجة بنا لأيّ قيل وقال إلاّ ضرورة التذكير ، وحسبنا أنّ ابن تيمية قد استتيب من قبل علماء أهل السنّة على مثل هذه الأحدوثات الباطلة ، وقد مات ، حشره الله مع من أحبّ ، في السجن من دون توبة .
وقد ردّ العلماء عليه بأنّ التوسّل ثابت بالنص القرآني ، والإجماع المحقق بين أهل القبلة إلى زمانه ؛ وليس ثمّة نزاع في الأدلّة إلاّ ما توهّمه هو ، ولا يخفى أنّ اعتراضه مقابل مثل هذا الاجماع انحراف صارخ عن صريح القرآن في آية التوسّل الآنفة ، بل لا أقلّ من أنّ الأمّة –كلّ الأمّة- لا تجتمع على ضلال ، والضلال فيمن خالفها..
وأيّاً كان فقد اتضّح من طريقتنا -في هذا الكتاب لا أقلّ- أنّنا غير قائلين بالتوسّل أو التبرّك أو غير ذلك ، إلاّ بعد أصل مقطوع الصدور عن الشرع المقدّس ، وهو الآية الآنفة علاوة على الإجماع المحقّق ، والأمر هو الأمر في الاستغاثة على ما سيبان قريباً..
وممّا يؤثر عن النبي 9 في التوسّل ما أخرجه الطبراني بسند حسن بل صحيح عن أنس بن مالك في حديث دفن فاطمة بنت أسد صلوات الله عليها قال : قال النبيّ : « اللهمَّ اغفر لأمّي فاطمة بنت أسد ، ووسّعْ عليها مدخلها ، بحقّ نبيّك والأنبياء الذين من قبلي إنّك أرحم الراحمين»([3]) . قال الهيثمي : فيه روح بن الصلاح وثقه ابن حبان والحاكم وفيه ضعف ، وبقية رجاله رجال الصحيح ([4]).
أقول : وموضع الاستدلال قول النبي 9 :«بحقّ نبيّك والأنبياء» وهو ، بضميمة التأسّي ، نصّ في المقصود .
وقد أخرج أحمد وابن ماجة وابن الجعد وغيرهم بأسانيدهم عن عطية العوفي عن أبي سعيد قال : قال النبيّ 9 : «من قال حين يخرج إلى الصلاة ؛ اللهمّ بحقّ السائلين عليك ، وبحقّ ممشاي هذا ؛ فإنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا رياءً...»([5]).
أقول : سنده مقبول حسن ، وعطيّة متكلّم فيه ؛ فلقد طعن أكثر أهل السنّة بعطيّة هذا ؛ لأنّه يفضّل أمير المؤمنين عليّاً على غيره ، وهو -علمياً- لا يوجب الطعن كما لا يخفى ؛ وعلى هذا أئمّة أهل العلم من أهل السنّة ؛ فعن معمر بن راشد الأزدي ، وهو من أكبر أئمّة أهل السنّة في زمانه قال : لو فضّل أحد عليّاً على أبي بكر وعمر لم أعنّفه ، واشتهى هذا الكلام وكيع أيضاً([6])، وسفيان الثوري من هذ القبيل يفضّل عليّاً...([7])، علاوة على أنّ الإمام ابن معين قال في عطيّة : صالح . فالحديث إذن حسن .
وقد أخرج الترمذي قال : ثنا محمود بن غيلان ، أخبرنا عثمان بن عمر ، أخبرنا شعبة ، عن أبي جعفر ، عن عمارة بن خزيمة بن ثابت ، عن عثمان بن حنيف أنّ رجلا ضرير البصر طلب من النبيّ أن يدعو الله له بأن يعافيه من العمى ، فأمره النبيّ أن يتوضأ فيحسن وضوءه ويدعوه بهذا الدعاء : «اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبيّ الرحمة ، إنّي توجهت بك إلى ربي في حاجتي هذه لتقضى لي ، اللهم فشفعه فيّ» . قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح غريب([8]).
وهو نصّ صحيح ، ظاهر صريح ؛ في أنّ النبيّ نفسه 9 ، قد أمر بالتوسّل ، وحثّ عليه ، ودعا إليه ؛ فحيال من يمنع منه ، كابن تيمية سابقاً والألباني اليوم ، محذور تكذيب النبيّ أو تسخيف أقواله 9 .
وأعجب شيء قرأته عيناي أنّ الألباني ، يجزم بأنّ حديث الضرير الآنف دليل على عدم جوازالتوسّل بذات النبيّ أو حقّه أو جاهه ، مع أنّ نصّ الحديث يقول : «اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبيّ الرحمة...» فهذا يبيّن أنّ أتباع ابن تيمية لا يعرفون من نصوص النبوّة الصحيحة إلاّ التبرّع في معاندتها وتسخيفها([9]). وكيف كان فالنصوص في التوسّل كثيرة ، فيما قدّمت منها كفاية ، وأشير إلى أنّ في حديث الضرير هذا دلالة قويّة على مشروعيّة الاستغاثة أيضاً كما سيتّضح أكثر. انتهى كلام الشيخ باسم الحلّي .
كتاب أدلة الشعائر الحسينيّة : 681 . الشيخ باسم الحلّي ، الطبعة الثانية ، دار الأثر بيروت لبنان ، لعام 2010 م .
والحاصل : فالفرق بين الاستغاثة والتوسّل ، هو أنّ الأولى تؤدّى بصيغة : يا رسول الله ، يا محمّد ، يا عليّ ، يا حسين : أغثني ، أو أعنّي على ما أنا فيه من كري وشدّة ..
وأمّا التوسّل : فهو يؤدى بصيغة : اللهم بحقّ محمد أو علي أو فاطمة ، اقض حاجتي ..
ملاحظة : عندي كتاب أدلة الشعائر بصيغة الوورد لمن يريده ، ولكن فيه مشاكل الفونتات ، فلو أعرف تحويله الى pdf بحجم صغير ، لكان أفضل !!!!!.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــ
([1]) سورة المائدة : 35 .
([2]) حاشية ردّ المختار (ابن عابدين) 6 : 711 ، فيض القدير (المناوي) 2 : 170 .
([3]) معجم الطبراني الأوسط 1 : 67 . والكبير 42 : 351 .
([4]) مجمع الزوائد 9 : 257 .
([5]) مسند أحمد 3 : 21 ، سنن ابن ماجة 1 : 256 ، مسند ابن الجعد : 299 .
([6]) تهذيب الكمال 21 : 325 ، تاريخ مدينة دمشق 42 : 53 ، الاستيعاب 1 : 355 .
([7]) تاريخ ابن كثير 8 : 13 .
([8]) سنن الترمذي 5 : 229 .
([9]) راجع التوسل أنواعه وأحكامه (الألباني) : 55 .
|
|
|
|
|