|
عضو برونزي
|
رقم العضوية : 70414
|
الإنتساب : Jan 2012
|
المشاركات : 832
|
بمعدل : 0.18 يوميا
|
|
|
|
المنتدى :
المنتدى الثقافي
على جانب الطريق
بتاريخ : 25-01-2012 الساعة : 11:03 PM
على جانب الطريق
هرب النهار سريعا,, وها هي الشمس توشك ان تلوذ بخدرها الليلي ,,بعد ان اتعبتها تلك القطع المتفرقة من غيوم ,تتراكم على بعضها كقطن طبي ,,ولم يتبق منها سوى حزم من اشعه تودع السائرين, عبر كوّات الغيوم المتناثرة
كانت الجموع فرادى وزرافات تجدّ السير للوصول الى اقرب محطة استراحة للمبيت وطلبا للدفء, والخدمات الطبية المتناثرة خيامها البيضاء المعلّمة بهلال ,كنوارس بيضاء بمناقيرها الحمر, وهي تستقبل العشرات من الذين اتعبهم السفر حتى غزت اقدامهم فقاعات مائية من طول الطريق,,, وقطعات عسكريه منتشرة هنا وهناك على طول الطريق لا تميّزها عن الزائرين المتشحين بالسواد الا الملابس المرقطة وهي تغرق في الحديد.
اعلام وهتافات تذّكر القادمين بإصرار بفضل هذا اليوم ,,ومكبرات صوت تصمّ الآذان, تناغم بعضها بلحن يكاد ان يكون موحدا.
تزدحم الطريق شيئا فشيئا ويتعاظم الجمع, ,الشوارع الفرعية تضخّ في ذلك النهر العظيم وكأنها روافد دجله وقد أغدق عليها السيل ,,وأسماء لمدن وقبائل خُطّت على لافتات سود ,, تمثّل محافظات العراق.
هدف مشترك يوحّد تلك الجموع ,,الا وهو الوصول الى كربلاء,,, بعد ان اخذ منها الطريق والبرد كل مأخذ ,, فالسير مئات الاميال ليس بالأمر الهيّن, وفي الركب نساء واطفال وحتى معوقين على كراس متحركة
اي اصرار واي فكر من شأنه ان يدفع هذه الجموع لتزحف بنفس واحد, وهمة متناهيه لهذا الكرنفال المليوني كل عام.
وليس الارهاق والتعب هما كل شيء,, بل المخاطر المتربصة في كل شبر من ذلك الطريق,, رصاص وانفجارات لا تميّز بين صغير وكبير, واوراق صفراء كتبت عليها عبارات تهديد بقتل وقطع رؤوس ,, انتشرت على طول الطريق,, ولكن المسيرة تستمر وكأنها ترسم بدمائها خارطة الثورة واصرار الحفاظ على مبادئ هذا الرجل, الذي انتصر دمه على حد السيف وكلماته تملأ الافق عبر العصور(يخيّروننا بين السلّة والذلّة ,وهيهات منّا الذلّه).
على جانب من الطريق,, امرأة كبيره رسم الدهر على وجهها تأريخ العراق ,خرائط متشابكه ,, تسير الهوينا خوفا من ان يسحقها الموج العارم, تتغير نغمة صوتها المتعب كلما مرت بها مجموعة من الشباب تردد بإيقاع جديد هتافات الولاء, حتى اذا ابتعدت عقبتها اخرى. والمرأة تأكل الطريق بأقدامها التي عفا عليها الزمن فكساها بطبقة متقرّنة تثبت انتمائها للأرض التي تسير عليها ,, وراية سوداء ترفرف فوق كتفها وزوادة ,,,
اوقفت سيارتي وطلبت منها الصعود رأفة بحالها, لكنها رفضت , وبعد الحاح وافقت على شرط ان انزلها حين تلحق بمجموعتها اللواتي سبقنها ببضع اميال فلازلن في مقتبل العمر.
ومع ان اسلوبي كان حذرا حين سألتها,, لم لا تركب السيارات.. انزعجت ,, وردت ,, بأنها لن توّفي الحسين (ع) حقه, حتى لو سارت على رأسها,, وستشعر بالحرج من قريناتها لو ركبت سيارة,, ثم ان الاجر على قدر المشقّة,, وقبل ان اسألها ثانيه ناولتني قنينة الماء فهي لا تستسيغ طعم المياه المعدنية ,وطلبت مني إنزالها فقد لحقت بجماعتها من النسوة,, دعوة مختصرة من لسانها المتعب ,,وضاعت في الزحام
بإصرارها العجيب , اقتلعت علمانيتي الفارغة كشجرة زينة ليس لها جذور , وأيقنت حينها,, ان لا احد يستطيع الوقوف بوجه الطوفان
|
|
|
|
|