1-هل المهديّ عليه السّلام من ولْد الإمام الحسن المجتبى ؟
سؤال: يتمسّك البعض بروايات تذكر أن المهدي المنتظر عليه السّلام من ولد الإمام الحسن المجتبى عليه السّلام، ويدعم قوله بالروايات التي تذكر أنّ المهدي عليه السّلام من ولد الإمام الحسن والحسين عليهما السّلام، فما مدى صحّة هذا الرأي ؟
جواب: يرجع أساس ما جاء في بعض كتب أهل السنّة من أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم ذكر أنّ المهدي عليه السّلام من ولد الإمام الحسن المجتبى عليه السّلام إلى رواية واحدة رواها أبو داود السجستاني ( ت 279 هـ ) في سُننه(1)، بَيد أنّ هذه الرواية لا يصحّ الاحتجاج بها في إثبات هذا الادعاء لجملة أمور، من أهمّها:
1 ـ أنّ سند الرواية منقطع؛ إذ راوي الرواية هو أبو إسحاق السَّبيعي الذي لم تثبت له رواية واحدة سماعاً عن عليّ عليه السّلام. صرّح بذلك المنذري في شرح هذا الحديث وصرّح به ابن خلدون في مقدّمته(2). وكان عمر أبي إسحاق يوم استُشهد أمير المؤمنين عليه السّلام سبع سنين فقط، لأنّه وُلد ـ كما يشهد بذلك ابن حجر في تهذيب التهذيب(3) ـ لسنتَين بَقِيَتا من خلافة عثمان.
2 ـ أنّ سند الحديث مجهول، فأبو داود السجستاني قال « حُدِّثتُ عن هارون بن المغيرة »، ولا يُعلَم مَن الذي حدّثه، ويتّفق أصحاب الحديث على أنّ مثل هذا الحديث لا يُعتمد عليه.
3 ـ أنّ هذا الحديث قد نُقل عن أبي داود السجستاني في غير السنن بلفظ آخر، فقد رواه الجزري الشافعي ( ت 833 هـ ) بسنده عن أبي داود نفسه وفيه اسم «الحسين» مكان « الحسن » ثمّ قال: هكذا رواه أبو داود في سننه وسكت عنه(4). وأخرجه المقدسي الشافعي في عقد الدرر وأشار محقّقه في هامشه إلى نسخة بلفظ «الحسين»(5).
4 ـ أنّ أبا صالح السليلي ـ من أعلام أهل السنّة ـ أخرج هذا الحديث(6) بسنده عن الإمام موسى بن جعفر، عن أبيه، عن آبائه، عن عليّ بن أبي طالب عليهم السّلام وفيه اسم « الحسين » بدلاً من « الحسن » عليهما السّلام.
5 ـ أنّه مُعارَض بأحاديث كثيرة من طرق أهل السنّة أيضاً تصرّح بأنّ المهدي من وُلد الحسين عليه السّلام، وقد تعرّضنا لذِكر بعضها.
6 ـ لو افترضنا صحّة هذا الحديث، فإنّه لا يتعارض مع الأحاديث الأخرى التي تصرّح بكون الإمام المهدي عليه السّلام من ولد الإمام الحسين عليه السّلام، لإمكان الجمع بينه وبينها؛ لأنّ زوجة الإمام عليّ بن الحسين عليه السّلام ( أمّ الإمام محمّد بن عليّ الباقر عليه السّلام ) هي فاطمة بنت الإمام الحسن المجتبى، فيكون الإمام الباقر عليه السّلام حسينيَّ الأب حسنيّ الأُمّ، وذريّته ـ ومنهم المهدي عليه السّلام ـ من ذريّة السبطين حقيقةً.
ويؤيّد هذا الجمع ما ورد في القرآن الكريم من نسبة عيسى عليه السّلام إلى يعقوب عليه السّلام مع انّه أُلحق به من جهة أمّه مريم عليها السّلام. قال تعالى: ووَهَبنا له إسحاق كُلاًّ هَدَينا ونُوحاً هَدَينا مِن قَبْلُ ومِن ذُرّيّته داود وسليمان... وعيسى وإلياس كُلٌّ من الصالحين (7).
1 ـ سنن أبي داود 108:4، حديث 4290، قال: « حُدِّثتُ عن هارون بن المُغيرة، قال: حدّثنا عمر بن أبي قيس، عن شعيب بن خالد، عن أبي إسحاق السبيعي، قال: قال عليّ عليه السّلام ـ ونظر إلى ابنه الحسن ـ فقال: ( إن ابني هذا سيّد كما سمّاه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وسيخرج من صُلبه رجل يُسمّى باسم نبيّكم، يشبهه في الخُلُق ولا يشبهه في الخلق )، ثمّ ذكر قصّة: يملأ الأرض عدلاً.
2 ـ مختصر سنن أبي داود، للمنذري 162:6، حديث 4121، مقدّمة ابن خلدون 263.
3 ـ تهذيب التهذيب،
اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه و على آبائه في هذه الساعة و في كل ساعة وليا و حافظا و قائدا و ناصرا و دليلا و عينا حتى تسكنه أرضك طوعا و تمتعه فيها طويلا
اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه و على آبائه في هذه الساعة و في كل ساعة وليا و حافظا و قائدا و ناصرا و دليلا و عينا حتى تسكنه أرضك طوعا و تمتعه فيها طويلا
2-هل المهدي عليه السّلام: محمّد بن عبدالله أم محمّد بن الحسن العسكري ؟
سؤال: عيّنت بعض الروايات الواردة عن طريق أهل السنّة اسمَ والد الإمام المهدي المنتظر عليه السّلام بـ « عبدالله »، ممّا دفع البعض إلى الاعتقاد ـ خطأً ـ بأنّ اسم المهدي الموعود عليه السّلانم « محمّد بن عبدالله »، وقيل إنّه لم يولد بعد، وإنّه إنّما سيولد قُبيل ظهوره في آخر الزمان، فما صحّة هذه الروايات ؟
جواب: لقد نقل بعض محدّثي أهل السنّة حديثاً عن ابن مسعود، عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم أنّه قال « المهدي يواطئ اسمُه اسمي، واسمُ أبيه اسمَ أبي »، وفي رجلاً ـ وفي بعضها «لا تذهب الدنيا ـ أو: لا تقوم الساعة ـ حتّى يبعث الله رجلاً ـ وفي بعضها: حتّى يملك الناسَ رجل ـ من أهل بيتي يواطئ اسمُه اسمي، واسمُ أبيه اسمَ أبي»(1).
ونلاحظ في هذا المجال عدّة أمور جديرة بالتأمّل:
1 ـ روى هذا الحديثَ بعض محدّثي أهل السنّة عن ابن مسعود نفسه، كما في مسند أحمد وفي عدّة مواضع، وفيه: ( واسمه اسمي ) فقط(2).
2 ـ روى البعض الآخر من محدّثي أهل السنّة ـ كالترمذي في سُننه ـ هذا الحديث عن ابن مسعود، وفيه ( واسمه اسمي ) فقط، ثمّ قال الترمذي: وفي الباب: عن عليّ، وأبي سعيد، وأم سلمة، وأبي هريرة، وهذا حديث حسن صحيح(3). فلهذا الحديث بهذا اللفظ أسانيد أخرى ترجع إلى كلّ هؤلاء الصحابة ـ غير ابن مسعود ـ تتفّق في خلوّها من زيادة ( واسم أبيه اسم أبي ).
وقد حذا أكثر الحفّاظ حذو الترمذي، فقد أخرج الطَّبراني هذا الحديث في معجمه الكبير عن ابن مسعود من طرق كثيرة أخرى بلفظ « اسمه اسمي »(4). وأخرج الحاكم في «المستدرك على الصحيحين» الحديث المذكور عن ابن مسعود بلفظ « يواطى اسمه اسمي » فقط، ثمّ قال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يُخرجاه(5)، وتابعه على ذلك الذهبي في تلخيص المستدرك، ورواه البَغَوي في « مصابيح السنّة » عن ابن مسعود دون هذه الزيادة، وصرّح بحُسن الحديث(6).
وصرّح المقدسي الشافعي بأنّ أئمّة الحديث لم يرووا تلك الزيادة، فقال ـ بعد أن أورد الحديث عن ابن مسعود بدون الزيادة ـ: أخرجه جماعة من أئمّة الحديث في كتبهم، منهم: الإمام أبو عيسى الترمذي في جامعه، والإمام أبو داود في سننه، والحافظ أبو بكر البيهقي، والشيخ أبو عمرو الداني، كلّهم هكذا ». أي بدون زيادة ( واسم أبيه اسم أبي ) ثمّ أخرج المقدسي الشافعي جملة من الأحاديث المؤيّدة له، مُشيراً إلى من أخرجها من الأئمة الحفّاظ كالطبراني، وأحمد بن حنبل، والترمذي، وأبي داود، والبيهقي، عن عبدالله بن مسعود، وعبدالله بن عمر، وحذيفة(7).
ولا يمكن تعقّل اتّفاق هؤلاء الأئمّة الحفّاظ على إسقاط هذه الزيادة (واسم أبيه اسم أبي) لو كانت مرويّة حقّاً عن ابن مسعود.
3 ـ استقصى الحافظ أبو نعيم الاصفهاني ( ت 430 هـ ) في كتابه «مناقب المهدي» طرق هذا الحديث عن عاصم بن أبي النجود، عن ابن مسعود، حتّى أوصلها إلى 31 طريقاً، ولم يُرْوَ في واحد منها عبارة ( واسم أبيه اسم أبي )، بل اتفّقت كلّها على رواية ( اسمه اسمي ) فقط. وقد نقل نصّ كلامه الكنجي الشافعي ( ت 638 هـ ) في كتابه « البيان في أخبار صاحب الزمان عليه السّلام » ثمّ عقّب على ذلك بقوله:
ورواه غير عاصم، عن زَرّ ـ وهو عمرو بن حرّة ـ عن ابن مسعود، كلّ هؤلاء روَوا ( اسمه اسمي )، إلاّ ما كان من عُبيد الله بن موسى، عن زائدة، عن عاصم عن ابن مسعود، فإنّه قال فيه « واسم أبيه اسم أبي » ولا يرتاب اللبيب بأنّ هذه الزيادة لا اعتبار لها مع اجتماع هؤلاء الأئمّة على خلافها(8).
4 ـ لو راجعنا كتاب « مقاتل الطالبيّين » لأبي الفرج الاصفهاني، لرأيناه يروي أنّ أبا جعفر المنصور ـ واسمه عبدالله ـ كان يدعو لابنه المهدي ويقول بأنّه المهدي الذي جاءت به الروايات! ثمّ لمّا استتبّ له الأمر نفى أن يكون ابنه هو المهديَّ المنتظر(9)، إذ لم تَعُد له حاجة لتكرار هذه المزاعم الواهية.
ونلاحظ في هذا المجال أن هناك عدّة روايات مختلَقة اختلقها ـ في المقابل ـ دعاة المهدوية لمحمّد بن عبدالله بن الحسن المثنّى، فزعموا أنّ في لسان المهدي رتّة(10)، وأنّه إذا أبطأ عليه الكلام ضرب بيده على فخذه، وأنّ أوّل حرف في اسم أمّه هاء(11) ( اسم أم محمد بن عبدالله: هند )، وأمثال هذه الأحاديث الموضوعة لأهداف سياسيّة.
ويتّضح ممّا مرّ أن هذه الزيادة: ( واسم أبيه اسم أبي ) قد زيدت على حديث ابن مسعود: إمّا من قِبَل أتباع الحسينين وأنصارهم ترويجاً لمهدويّة محمّد بن عبدالله بن الحسن المثنّى، أو من قِبَل أتباع العبّاسيين ترويجاً لمهدويّة محمد بن عبدالله المنصور الدوانيقي العبّاسي. ولهذا رأينا أن أمثال أحمد بن حنبل ـ مع ضبطه وإتقانه ـ يروي هذا الحديث في مسنده في عدّة مواضع بلفظ ( واسمه اسمي ) دون الزيادة المختلفة(12)، ورأينا بعض علماء السنّة ـ كالأستاذ سعد محمد حسن ـ يصرّح بأنّ أحاديث ( اسم أبيه اسم أبي ) مُختلقة(13).
1 ـ المصنَّف، لابن أبي شيبة 198:15، حديث 19493. الفتن، لنعيم بن حماد 367:1، حديث 1076 و 1077. سنن أبي عمرو الداني 94 ـ 95. تاريخ بغداد 370:1.
2 ـ مسند أحمد 376:1 و 377 و 430 و 448.
3 ـ سنن الترمذي 505:4، حديث 2230.
4 ـ المعجم الكبير، للطبراني، حديث 10214 و 10215 و 10217 و 10218 و 10219 و 10220 و 10221 و 10223 و 10225 و 10226 و 10227 و 10229 و 10230.
5 ـ المستدرك على الصحيحين، للحاكم 442:4.
6 ـ مصابيح السنّة 492، حديث 4210.
7 ـ عقد الدرر، للمقدسي الشافعي 51، الباب 2.
8 ـ البيان في أخبار صاحب الزمان عليه السّلام، للگنجي الشافعي 93 ـ 94، الباب 1.
9 ـ مقاتل الطالبيين 167.
10 ـ مقاتل الطالبيين 164.
11 ـ مقاتل الطالبيين 162.
12 ـ انظر الهامش ـ الرقم 2.
13 ـ المهديّة في الإسلام، لسعد محمد حسن 69 ـ نقلاً عن المهدي المنتظر في الفكر الإسلامي 73.
عندما تخدم الروايات أهدافهم ... نشروها و ان كانت ضعيفة ... و عندما لا تخدم مصالحهم أمّا ضعّفوها او أخفوها و ان لم يستطيعوا على هذا ... أوجدوا ما يقابلها من أحاديث و روايات لشخصيات أخرى مما يخلق تناقض و يغطي بعض الحقيقة ...