|
عضو متواجد
|
رقم العضوية : 44963
|
الإنتساب : Nov 2009
|
المشاركات : 93
|
بمعدل : 0.02 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
جبل النور
المنتدى :
المنتدى الثقافي
بتاريخ : 28-04-2010 الساعة : 11:04 AM
2- المحافظة على الطهارة :
روى الديلمي رضوان الله عليه في الموضعين كتابه ((إرشاد القلوب)) أحدهما في أواخر الباب الثالث عشر، وثانيهما في أواخر الباب العشرين عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: قال الله تعالى: ((من أحدث ولم يتوضأ فقد جفاني ، ومن أحدث وتوضأ ولم يصلّ ركعتين فقد جفاني، ومن صلى ركعتين ولم يدعني فقد جفاني ومن أحدث وتوضأ وصلى ركعتين ودعاني فلم أجبه فيما يسأل من أمر دينه ودنياه فقد جفوته ولست بربّ جاف)).
واعلم يا حبيبي أن الوضوء نور، والدوام على الطهارة سبب لارتقائك إلى عالم القدس، هذا الدستور العظيم النفع مُجرّب عند أهله جدًا فعليك بالمواظبة عليها , ثم عليك بعُلُوّ الهِمّة وكِبَر النفس فإذا صليت الركعتين فلا تسأله تبارك وتعالى إلا ما لا يَبيد ولا يَنفد ولا يفنى، فلا تطلب منه إلا إياه وليكن لسان حالك هكذا:
نحن لا نطلب منك إلا حلاوة الإيمان بك فأعطي الذات الآنية إلى الذي لم يذق طعم عشقك
فإن من ذاق حلاوة محبته تعالى يجد دونها تفها، على أن ما يطلب مما سواه كل واحد منها مظهر اسم من أسمائه فإذا وجد الأصل كان فروعه حاضرة عنده، وقلت في أبيات، ما ترجمته:
لماذا يهوى الزاهد الجنة ولما هو غافل عن خالق الجنة؟..
وقال العارف المتأله صدر الدين الدزفولي قدس سره، ما ترجمته:
الزاهد يا ربي، يريد منك حور الجنان فهيئ له القصور ويفرّ إلى جنتك بعشقه إليك فاعطف عليه
فإذا صليت فقل ساجدا: ((اللهم ارزقني حلاوة ذكرك ولقائك، والحضور عندك)) ونحوها.
3-الجوع :
قال عز من قائل: {وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين} [الأعراف: 32] , واعلم حبيبي أن فضول الطعام يُميت القلب بلا كلام، ويُفضي إلى جُموح النفس وطُغيانها، والجوع مِن أجَلّ خِصال المؤمن، ونِعم ما قال يحيى بن معاذ: ((لو تشفعت بملائكة سبع سماوات، وبمائة ألف وأربعة وعشرين ألف نبي وبكل كتاب وحكمة ووليّ على أن تصالحك النفس في ترك الدنيا والدخول تحت الطاعة لم تجبك، ولو تشفعت إليها بالجوع لأجابتك وانقادت لك)) نقل قوله هذا أبو طالب المكي في علم القلوب ص 215 من طبع مصر
.
في الكافي عن الإمام الصادق عليه السلام: ((إن البطن ليطغى من أكله، أقرب ما يكون العبد من ربه عز وجل إذا خفّ بطنه، وأبغض ما يكون العبد إلى الله عز وجل إذا امتلأ بطنه)).
4- قِـلة الكلام:
إياك وفضول الكلام , فقد روى شيخ الطائفة الناجية في أماليه بإسناده عن عبد الله بن دينار عن أبي عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله فإن كثرة الكلام بغير ذكر الله قسوة القلب، إن ابعد الناس من الله القلب القاسي)) وقد جعله الشيخ قدس سره الخبر الأول من كتابه الأمالي فلا بد في عمله هذا من عناية خاصة في ذلك، وقد رواه الكليني رضوان الله عليه في باب الصمت وحفظ اللسان من أصول الكافي (ص 94 ج 2 من المعرب) بإسناده عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ((كان المسيح عليه السلام يقولن: لا تكثروا)) إلى آخر الخبر.
5- مُحاسبة النفس :
وعليك بالمُحاسبة، ففي باب محاسبة العمل من أصول الكافي (ص 328 ج 2 من المعرب) بإسناده عن أبي الحسن الماضي صلوات الله عليه – يعني الإمام الكاظم عليه السلام – قال: ليس منا من لم يحاسب نفسه في كل يوم، فإن عمل حسنا استزاد الله، وإن عمل سيئا استغفر الله منه وتاب إليه )).
وفي الفصل الخامس من الباب الثاني من ((مكارم الأخلاق)) في وصية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأبي ذر الغفاري رحمة الله عليه: ((يا أبا ذر لا يكون الرجل من المتقين حتى يحاسب نفسه أشد من محاسبة الشريك شريكه؛ فيعلم من أين مطعمه، ومن أين مشربه، ومن أين ملبسه،أمن حِلّ ذلك أم من حرام)).
6- المراقبة:
والمراقبة لله تعالى، وهي العمدة في الباب، وهي مفتاح كل سعادة ومَجلَبَةُ كلّ خير وهي خروج العبد عن حوله وقوته مراقبا لمواهب الحق ومتعرّضًا لنفحات ألطافه ومُعرِضًا عمّا سِواه، ومستغرقًا في بحر هواه ومشتاقا إلى لقائه، وإليه قلبه يَحِنّ، ولديه روحه تئِنّ، وبه يستعين عليه، ومنه يستعين إليه، حتى يفتح الله له باب رحمة لا مُمسِك لها ويُغلق عليه باب عذاب لا مفتح له، بنورٍ ساطع ٍمن رحمة الله تعالى على النفس به يزول عنها في لحظة ما لا يزول بثلاثين سنة بالمجاهدات والرياضات، يبدل الله سيئاتهم حسنات، للذين احسنوا الحسنى وزيادة والزيادة حسنات ألطاف الحق، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
في ساحة القدس يُصبح المسكين سُلطانًا من أجل عملٍ صغير والله عز وجل يعطي من أجل القليل عطاءً كثيرا، فعليك بالمراقبة، وعليك بالمراقبة، وعليك بالمراقبة.
ففي الباب التاسع والثلاثين من ((إرشاد القلوب)) للديلمي رضوان الله عليه: قال الله تعالى: {وكان الله على كل شيء رقيبا}، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لبعض أصحابه: ((اعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فهو يراك)) وهذا إشارة إلى المراقبة، لأن المراقبة ((علم العبد باطلاع الرب عليه في كل حالاته)) وملاحظة الإنسان لهذا الحال هو المراقبة، وأعظم مصالح العبد استحضاره مع عدد أنفاسه أن الله تعالى عليه رقيب ومنه قريب، يعلم أفعاله ويرى حركاته ويسمع أقواله ويطلع على أسراره وأنه ينقلب في قبضته وناصيته وقلبه بيده وأنه لا طاقة له على الستر عنه ولا على الخروج من سلطانه.
قال لقمان لابنه: ((يا بني إذا أردت أن تعصي الله فاطلب مكانا لا يراك فيه)) إشارة منه لأنك لا تجد مكانا لا يراك فيه فلا تعصِهِ وقال تعالى: {وهو معكم أينما كنتم}.
وكان بعض العلماء يرفع شاباً على تلاميذه كلهم، فلامُوه في ذلك فأعطى كل واحد منهم طيرا وقال: اذبحه في مكان لا يراك فيه أحد، فجاؤوا كلهم بطيورهم وقد ذبحوها، فجاء الشاب بطيره وهو غير مذبوح، فقال له: لِم لم تذبحه؟.. فقال: لقولك لا تذبحه إلا في موضع لا يراك فيه أحد، ولا يكون مكان إلا يراني الواحد الأحد الفرد الصمد، فقال له: أحسنت. ثم قال لهم: لهذا رفعته عليكم وميزته منكم.
ومن علامات المراقبة إيثار ما آثر الله، وتعظيم ما أعظم الله، وتصغير ما صغر الله، فالرجاء يحثّك على الطاعات والخوف يبعد عن المعاصي، والمراقبة تؤدي إلى طريق الحياء وتحمل على ملازمة الحقائق والمحاسبة على الدقائق، وأفضل الطاعات مراقبة الحق سبحانه وتعالى على دوام الأوقات.
ومن سعادة المرء أن يلزم نفسه المحاسبة والمراقبة وسياسة نفسه باطلاع الله ومشاهدته لها، وأنها لا تغيب عن نظره ولا تخرج عن علمه)) انتهى كلامه قدس سره.
قلت: ومن آداب المراقب أن يراقب أعمال الأوقات من الشهور، والأيام، بل الساعات، بل يواظب أن لا يهمل الأنات ويكون على الدوام متعرضا لنفحات أُنسِهِ، ونسائِم قُدسه كما قال صلى الله عليه وآله وسلم: ((إن لربكم في أيام دهركم نفحات ألا فتعرّضوا لها ولا تُعرضوا عنها)).
وللعَلَم الآية الميرزا جواد آقا الملكي التبريزي قدس سره الشريف كتاب في ((مراقبات أعمال السنة)) وهو من أحسن ما صُنع في هذا الأمر فعليك بالكتاب.
وفي خاتمة إرشاد القلوب فيما سأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ربه ليلة المعراج: ((يا أحمد هل تدري أي عيش أهنى وأي حياة أبقى؟.. قال: اللهم لا، قال: أما العيش الهني فهو الذي لا يفتر صاحبه عن ذكري، ولا ينسى نعمتي، ولا يجهل حقي، يطلب رضاي ليله ونهاره.
وأما الحياة الباقية فهي التي يعمل لنفسه حتى تهون عليه الدنيا، وتصغر في عينيه، وتعظم الآخرة عنده، ويؤثر هواي على هواه، ويبتغي مرضاتي، ويعظم حق عظمتي، ويذكر علمي به ويراقبني بالليل والنهار كل سيئة ومعصية، وينفي قلبه عن كل ما أكره، ويبغض الشيطان ووساوسه، ولا يجعل لإبليس على قلبه سلطانا وسبيلا، فإذا فعل ذلك أسكنت قلبه حبا حتى أجعل قلبه لي وفراغه واشتغاله وهمه وحديثه من النعمة التي أنعمت بها على أهل محبتي من خلقي، وأفتح عين قلبه وسمعه حتى يسمع بقلبه وينظر بقلبه إلى جلالي وعظمتي وأضيق عليه الدنيا، وأبغض إليه ما فيها من اللذات، وأحذره من الدنيا وما فيها كما يحذر الراعي غنمه من مراتع الهلكة، فإذا كان هكذا يفر من النار فرارا وينقل من دار الفناء إلى دار البقاء ومن دار الشيطان إلى دار الرحمن.
يا أحمد لأزينه بالهيبة والعظمة فهذا هو العيش الهني والحياة الباقية، وهذا مقام الراضين.
فمن عمل برضاي الزمه ثلاث خصال: أعرفه شكرا لا يخالطه الجهل، وذكرا لا يخالطه النسيان، ومحبة لا يؤثر على محبتي محبة المخلوقين، فإذا أحبني أحببته وافتح عين قلبه إلى جلالي، فلا أخفى عليه خاصة خلقي، فأناجيه في ظلم اليل ونور النهار حتى ينقطع حديثه من المخلوقين ومجالستهم معهم، وأسمعه كلامي وكلام ملائكتي، وأعرفه السر الذي سترته عن خلقي وألبسه الحياء حتى يستحيي منه الخلق كلهم، ويمشي على الأرض مغفورا له، واجعل قلبه واعيا وبصيرا ولا يخفى عليه شيء من جنة و لا نار، وأعرفه بما يمر على الناس في يوم القيامة من الهول والشدة،وما أحاسب له الأغنياء والفقراء والجهّال والعلماء، وأنور في قبره، وأنزل عليه منكرا ونكيرا حتى يسألاه ولا يرى غم الموت وظلمة القبر واللحد وهول المطلع حتى انصب له ميزانه وأنشر له ديوانه ثم أضع كتابه في يمينه فيقرأه منشورا ثم لا أجعل بيني وبينه ترجمانا، فهذه صفات المحبين)) الحديث.
فتأمل يا مُريد الطريق إلى الله تعالى في قوله عز وجل لحبيبه خاتم النبيين من الجوائز الكريمة التي أعدها للمراقبين والراضين والمحبين ومن تلك المواهب الجزيلة والعطايا النفيسة العزيزة اليتيمة الثمينة فتحُ عينِ القلب وقد ذكرها لعظم شرفها وعلو رتبتها مرّتين.
ونظير تلك المِنَح السّنيّة ما وَعَد عبادَه في النوافل والفرائض من القرب حيث:
قال تعالى: ((وما يتقرب إلي عبدي بشيء أحب مما افترضت عليه، وإنه ليتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به، ولسانه الذي ينطق به، ويده الذي يبطش بها، إن دعاني أجبته، وإن سألني أعطيته)).
نقله العلامة الشيخ البهائي في كتاب الأربعين، وهو الحديث الخامس والثلاثون منه، بإسناده عن أبان بن تغلب عن الإمام جعفر بن محمد بن علي الباقر عليه السلام قال: ((لما أسري بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: يا رب ما حال المؤمن عندك؟.. قال: يا محمد – إلى قوله: وما يتقرب إلىَّ عبدي)) الخ وقال: وهذا الحديث صحيح السند وهو من الأحاديث المشهورة بين الخاصة والعامة وقد رووه في صحاحهم بأدني تغيير، فراجع إليه.
وقد رواه ثقة الإسلام الكليني قدس سره في باب ((من آذى المسلمين واحتقرهم)) من أبواب الإيمان والكفر (ص 362 ج 2 من المعرب) بطريقين، وروى فيه حديثا ثالثا يقرب منهما معني.
هذا قرب النوافل الذي يدور في ألسنة القوم أي القرب الذي يحصل للعبد من النوافل، وأما قرب الفرائض، فقال عز وجل: ((ما يتقرب إليّ عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، وما زال يتقرب إلي عبدي الفرائض حتى أحبه وإذا أحببته كان سمعي الذي أسمع به، وبصري الذي أبصر به، ويدي الذي أبطش بها)).
فانظر إلى تفاوت القُربين، ففي الأول كان الله العبد وبصره ولسانه ويده، وفي الثاني كان العبد سمع الله تعالى وبصره ويده، فالواجبات أكثر ثوابا وأعلى مرتبة من المندوبات بتلك النسبة بين القُربين.
قال العلامة المحقق نصير الدين محمد الطوسي قدس الله سره: ((العارف إذا انقطع عن نفسه واتصل بالحق رأى كل قدرة مستغرقة في قدرته المتعلقة بجميع المقدورات، وكل علم مستغرقا في علمه الذي لا يعزب عنه شيء من الموجودات، وكل إرادة مستغرقة في إرادته التي لا يتأبى عنها شيء من الممكنات، بل كل وجود وكل كمال وجود فهو صادر عنه، فائض من لدنه فصار الحق حينئذ بصره الذي به يبصر، وسمعه الذي به يسمع، وقدرته التي بها يفعل، وعلمه الذي به يعلم، ووجوده الذي به يوجد فصار العارف حينئذ متخلقا بأخلاق الله بالحقيقة)).
نقلنا كلامه من الرابعة من الرابعة من قرة العيون للفيض رضوان الله عليه وفي الثالثة من السابعة من ذلك الكتاب:
قال بعض العارفين: ((إذا تجلّى الله سبحانه بذاته لأحدٍ يرى كل الذوات والصفات والأفعال متلاشية في أشعّة ذاته وصفاته وأفعاله , يجد نفسه مع جميع المخلوقات كأنها مدبرة لها وهي أعضاؤها لا يلم بواحد منها شيء إلا ويراه مُلمًا به، ويرى ذاته الذات الواحدة وصفته صفتها وفعله فعلها لاستهلاكه بالكلّيّة في عين التوحيد، ولما انجذب بصيرة الروح إلى مشاهدة جمال الذات استتر نور العقل الفارق بين الأشياء في غلبة نور الذات القديمة وارتفع التميز بين القِدَم والحدوث لِزُهُوق الباطل عند مجيء الحق، ويسمى هذه الحالة جَمْعًا، ولصاحب الجمع أن يضيف إلى نفسه كل أثرٍ ظَهَرَ في الوجود وكل صفة وفعل واسم لانحصار الكل عنده في ذات واحدة فتارة يحكي عن هذا وتارة عن حال ذاك ولا نعني بقولنا قال فلان بلسان الجمع إلا هذا)).
ثم قال الفيض بعد نقل كلام هذا العارف: ((ولعل هذا هو السرفي صدور بعض الكمات الغريبة من مولانا أمير المؤمنين عليه السلام في خطبة البيان وغيرها كقوله عليه السلام: ((أنا آدم الأول، أنا نوح الأول، أنا آية الجبار، أنا حقيقة الأسرار، أنا مورق الأشجار، أن مونع الثمار، أنا مجري الأنهار – إلى أن قال عليه السلام: أنا ذلك النور الذي اقتبس موسى منه الهدى، أنا صاحب الصور، أنا مخرج من في القبور أنا صاحب يوم النشور، أنا صاحب نوح ومنجيه، أنا صاحب أيوب المبتلى وشافيه أنا أقمت السماوات بأمر ربي)) إلى آخر ما قال من أمثال ذلك صلوات الله وسلامه عليه.
وقد أجاد في المقام العالم العارف الشهير داود بن محمود القيصري في الفصل الثامن من مقدماته على شرح فصوص الحكم في أن العالم هو صورة الحقيقة الإنسانية بقوله: ((إن الاسم ((الله)) مشتمل على جميع الأسماء وهو مُتجَل ٍفيها بحسب مراتبه فلهذا الاسم الإلهي بالنسبة إلى غيره من الأسماء اعتباران: اعتبار ظهور ذاته في كل واحد من الأسماء، واعتبار اشتماله عليها كلها من حيث المرتبة الإلهية.
فبالأول يكون مظاهرها كلها مظهر هذا الاسم الأعظم لأن الظاهر والمظهر في الوجود شيء واحد لا كثرة فيه ولا تعدد وفي العقل يمتاز كل منهما عن الآخر كما يقول أهل النظر بأن الوجود عين المهية في الخارج وغيره في العقل فيكون اشتماله عليها اشتمال الحقيقة الواحدة على أفرادها المتنوعة.
وبالثاني يكون مشتملا عليها من حيث المرتبة الإلهية اشتمال الكل المجموعي على الأجزاء التي هي عينه بالاعتبار الأول.
وإذا علمت هذا علمت أن حقائق العالم في العلم والعين كلها مظاهر للحقيقة الإنسانية التي هي مظهر للاسم (( الله )) فأرواحها أيضا كلها جزئيات الروح الأعظم الإنساني سواء كان روحا فلكيا أو عنصريا أو حيوانيا وصورها صور تلك الحقيقة ولوازمها لوازمها , لذلك يسمى العالم المفصّل بالإنسان الكبير عند أهل الله، لظهور الحقيقة الإنسانية ولوازمها فيه، ولهذا الاشتمال وظهور الأسرار الإلهية كلها فيها دون غيرها استحقت الخلافة من بين الحقائق كلها ولله در القائل: ((سبحان من أظهر ناسوته)) إلى آخر البيتين المذكورين آنفا.
فأول ظهورها في صورة العقل الأول الذي هو صورة إجمالية للمرتبة العمائية المشار إليها في الحديث الصحيح عند سؤال الأعرابي : أين كان ربنا قبل أن يخلق الخلق؟.. قال عليه السلام: كان في عماء ما فوقه هواء ولا تحته هواء ، لذلك قال عليه السلام: أول ما خلق الله نوري، وأراد العقل كما أيده بقوله: أول ما خلق الله العقل ثم في صورة باقي العقول والنفوس الناطقة الفلكية وغيرها، وفي صورة الطبيعة والهيو الكلية والصورة الجسمية البسيطة والمركبة بأجمعها.
ويؤيد ما ذكرنا قول أمير المؤمنين ولي الله في الأرضين قطب الموحدين علي بن أبي طالب عليه السلام في خطبة كان يخطبها للناس: ((أنا نقطة باء بسم الله، أنا جنب الله الذي فرطتم فيه، وأنا القلم، وأنا اللوح المحفوظ، وأنا العرش، وأنا الكرسي، وأنا السماوات السبع والأرضون)) إلى أن صحا في أثناء الخطبة وارتفع عنه حكم تجلي الوحدة ورجع إلى عالم البشرية، وتجلى له الحق بحكم الكثرة فشرع معتذرا فأقر بعبوديته وضعفه وانقهاره تحت أحكام الأسماء الإلهية.
ولذلك قيل: الإنسان الكامل لا بد أن يسري في جميع الموجودات كسريان الحق فيها، وذلك في السَفَر الثالث الذي ((من الخلق إلى الخلق بالحق)) وعند هذا السفر يتم كماله وبه يحصل له حق اليقين.
ومن ههنا يتبين أن الآخِريّة هي عين الأوّليّة، ويظهر سر {هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم}.
قال الشيخ رضي الله عنه في فتوحاته في بيان المقام القطبي: إن الكامل الذي أراد الله أن يكون قطب العالم وخليفة الله فيه إذا وصل إلى العناصر مثلا متنزلاً في السفر الثالث ينبغي أن يشاهد جميع ما يريد أن يدخل في الوجود من الأفراد الإنسانية إلى يوم القيامة وبذلك الشهود أيضا لا يستحق المقام حتى يعلم مراتبهم أيضا فسبحان من دبر كل شيء بحكمته، وأتقن كل ما صنع برحمته)) انتهى كلام القيصري.
|
|
|
|
|