"لغة أكلوني البراغيث" .. هي إحدى اللغات العربية المشهورة بالفصاحة ربما البعض قد سمع بها .. ويعلم ماذا تعني .. وربما البعض الآخر سمع بها ولا يعلم ماذا تعني .. وربما لم يسمع بها من قبل ..
قمت بالبحث والقراءة عنها .. وإليكم النتيجة ..
لغة "أكلوني البراغيث" هي لغة بني الحارث بن كعب (أو بلحارث) وطيء وأزد شنوءة من قبائل العرب، وهي قليلة الاستخدام، وصفها بعض النحاة بالرداءة لخروجها على ما نطق به الجمهور. وفي هذا مبالغة لأنها إن كانت لغة (بمعنى لهجة) فاللهجات لا يفضل بعضها بعضاً إلا لأسباب خارجة عن اللغة الصرفة.
ومن ثم فهي لهجة فصيحة صحيحة وإن لم تكن بمثل انتشار غيرها من اللهجات التي يعدها الكثيرون أكثر فصاحة لمناسبتها ذوقهم وحسهم اللغوي. ومع هذا فإن لها من الشواهد عدد لا بأس به. بل من تلك الشواهد ما جاء به القرآن الكريم وحديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وإن كان من النحاة من أوَّل ما جاء بالقرآن الكريم والحديث الشريف تأويلاً يبعد بهما عن لغة "أكلوني البراغيث".
ويطلق النحاة على هذه اللغة اسماً آخر هو أكثر قبولاً وهو لغة "يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل والنهار" كما ورد عند أبي مالك. وهذا الاسم مأخوذ من حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
ومفاد هذه اللغة إلحاق علامة بالفعل تفيد المثنى أو الجمع. (كأن نقول ذهبا الولدان ، وذهبوا الأولاد) فهنا نرى علامة المثنى ألف الاثنين، وعلامة الجمع واو الجماعة)
ويرى النحويون أنه لا يصح أن يكون في الجملة الفعلية الواحدة إلا فاعلٌ واحد. وهذا هو الحكم العام بمعنى أنه إذا جاء الفعل وبعده فاعل فالأصل أن يفرد ذلك الفعل لفاعله فنقول "أكلتني البراغيث"، ولا نحتاج إلى ضمير يشير إلى البراغيث قبلها. أي إذا نظرنا إلى إعراب جملة "أكلتني البراغيث" وجدنا أن البراغيث فاعلاً، أما "أكلوني البراغيث"، فالفاعل هنا هو الضمير واو الجماعة، وهو الفاعل الأول. أما البراغيث فهو فاعل ثان، ولا يصح احتواء الجملة الفعلية الواحدة على أكثر من فاعل واحد. وفي هذا يقول ابن مالك:
وجرد الفعل إذا ما أسند *** لاثنين أو جمع كفاز الشُّهدا
أي اجعل الفعل مجرداً (مفرداً) إذا أسندته لمثنى أو جمع، فقل "فاز الشهداء"، ولا تقل "فازا الشهيدان" أو "فازوا الشهداء".
وشرح هذا مفصلاً أنه في حالة جاء الفاعل مثنى أو جمعاً ينبغي ساعتها أن يكون الفعل مفرداً حتى لا يكون له إلا فاعل واحد فقط. فنقول ذهب الولدان، أو ذهب الأولاد تماماً مثاما نقول ذهب الولد. فلا نقول ذهبا الولدان، ولا ذهبوا الأولاد.
ومن شواهد هذه اللغة: قول القائل //
تولى قتال المارقين بنفسه *** وقد أسلماه مبعد وحميم
فنجد الفعل أسلماه يشير إلى المثنى بعده وهو قوله "مبعد وحميم" فألِف أسلماه حرف يدل على الفاعليْن الاثنين، ومبعدٌ فاعل وحميمٌ معطوف عليه. أي ألف الاثنين فاعل ومبعد فاعل ثانٍ.
وقول عمرو بن ملقط الجاهلي
ألفيتا عيناك عند القفا أولى فأولى لك ذا وقيه
ولم يقل "ألفيت.
يلومونني في اشتراء *** النخيل أهلي فكلهم ذلي
ولم يقل: "يلومني أهلي."
قال تعالى في سورة الأنبياء الآية الثالثة:
(( لاهيةً قلوبهم وأسروا النجوى الذين ظلموا هل هذا إلا بشر مثلكم أفتأتون السحر وأنتم تبصرون))
فنجد (وَأَسَرُّواْ .... الَّذِينَ) ولم يقل جلَّ شأنه "وأسرَّ الذين"
وفي حديث النبي صلى الله عليه وآله سلم:
(يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل والنهار)
ولم يقل: "يتعاقب فيكم".
أما من أوَّل الآية فقال: إن فاعل (وَأَسَرُّواْ) واو الجماعة ويعود على (الناس) في أول السورة.
أما كلمة (الَّذِينَ) فهي فاعل (قال) المحذوفة. وقد جرى أسلوب القرآن الكريم على حذف فعل القول اكتفاء بإثبات المقول في مواضع عدة.
أما الحديث فتأويله: أن أوله: "إن لله ملائكة يتعاقبون فيكم: ملائكة بالليل.. الحديث".---
ولمن لا يحب هذا الكلام العلمي ويفضلون الاستشهاد بالأغاني -عافانا الله وإياكم منها- وجدت هذا:
إن لغة أكلوني البراغيث استخدمتها أيضاً أم كلثوم عندما قالت في أغنية لها:
"ظلموني الناس ظلموني".
وصحة القول "ظلمني الناس" على قول الجمهور.
أما "الناس ظلموني" فليس هذا من لغة "أكلوني البراغيث" بل هو الصحيح على رأي الجمهور لأن الجملة اصبحت جملة أسمية وليست فعلية.